حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5089 - 2016 / 2 / 29 - 07:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُعتبر النظام المخزني كبنية استبدادية شمولية رجعية, يعتبر محسودا على كل الظروف الداخلية و الخارجية التي صار يمارس في ظلها استبداده و فساده و قهره. أولها شعب أنهكه التّفقير و التّجهيل المخزنيان حتى صار هائما على وجهه لا يفرق بين المناضل و العميل, الصادق و الكاذب, الوطني و الخائن... شعب نخرته الانتهازية التي شجعها النسق السلطوي القائم على مدى عقود, و هذه نقطة قوة النظام الأساسية التي لا يريد أحد من أشباه المناضلين الاعتراف بها لأن في ذلك بكل بساطة نسفا لمشاريعهم البئيسة القاضية بتغيير "مخزن ملكي" بآخر "جمهوري", أو أشخاص بآخرين, أو فقط شكل المَلكية القائمة من مطلقة الى برلمانية أو "برمائية" تتيح لليسار الملكي الاندماج دون استحياء في المنظومة القروسطية المتخلّفة, طبعا مع الحفاظ على نفس النسق و البنى العميقة الضاربة في جذور المجتمع المغربي. ثانيها نخب خائنة متعفنة فضّلت الارتماء في حضن النظام و العيش في بحبوحته, و مثقفين مزيّفين يسخّرون أقلامهم حصريا للتطبيع مع الوضع القائم و انتقاده في نادر الأحوال بكل خجل و استحياء نظرا لانتفاخ بطونهم بالفيء المخزني, و ثالثها القوى الامبريالية و الصهيونية التي توفر للنظام الملكي غطاءا سياسيا و تواطؤا اعلاميا عالميا ملحوظا, و تغض بصرها عن جرائمه و انتهاكاته و استبداده لأنها تستفيد من هذا الوضع اقتصاديا و أمنيا... و أخيرا و هذا بيت القصيد, التجريف و التحريف الذي طال العمل النضالي في المغرب, و جعله "مهنة" يمتهنها كل من هبّ و دبّ, من العاطلين عن العمل في انتظار وظيفة عمومية, و الباحثين عن ريع سياسي أو ديني, و الانتهازيين الوصوليين ذوي الأجندة الاسترزاقية التي لا تصل الى مبتغاها إلا بالضغط على الدولة و ابتزازها بالشعارات الغليظة... هذا الواقع هو نتاج صراع مرير مع السلطة منذ ما سمي في عهد الحسن الثاني بسنوات الرصاص, حيث أفضى تسليم عبد الرحمان اليوسفي مفاتيح حزب"الاتحاد الاشتراكي" للقصر فيما سمي بتجربة التناوب التوافقي, إلى شيوع اليأس و الخذلان و الشعور باللاجدوى من مقارعة النظام, و بالتالي الارتماء في مستنقع الانتهازية و الوصولية كردّ فعل طبيعي على سقوط الحزب الذي كان يعتبر قلعة النضال و اليسار, في براثن القصر و المخزن. من هنا يمكننا فهم أصل داء "العقم" النضالي الذي أصاب المغرب, و نهاية عهد الزعماء الكاريزمائيين و السياسيين الكبار و الأبطال و المناضلين المبدئيين, و بداية تبلور الوعي السياسي الذي يطبع المرحة, بخطوطه العريضة : الانتهازية, الطّمع, انعدام المبادئ.
إن الناظر الى الخريطة السياسية المغربية بمختلف الأطراف الفاعلة و المتفاعلة ضمنها, سيجد أن دور جميع الأحزاب و التنظيمات و القوى هو لعبها دور المكمّل لبعضها أحيانا, و دور ممتص الصّدمات في أحيان أخرى, و دور المُخالف للسائد في البعض الآخر. إن هذا التوجّه المخزني القاضي بالتعامل مع بعض الأصوات المزعجة بشيء من سعة الصدر, مرده وعيه العميق بضرورة تنويع البضاعة المعروضة في سوق السياسة, و ترسيخ وهم أن المغرب بلد يشهد دينامية سياسية و تعددية حزبية, حيث أن هناك قاعدة تقول بأن الضغط يولد الانفجار, و هذا ما حدث في الحالة الليبية و السورية لسبب رئيس هو انعدام التعددية الحزبية. و النظام المغربي يقر بهذه التعددية بطريقة شكلية فقط لرفع العتب و تشتيت و ابعاد سهام النقد ما أمكن عن المؤسسة الملكية , التي تظل الفاعل الحقيقي الوحيد الأوحد في الشأن السياسي المغربي. حيث أن جميع الأحزاب السياسية "المرخص" لها من قبل الدولة, هي أحزاب "مَلكيَّة" بالضرورة, و الأدهى من هذا أنه لا يمكن لأي حزب سياسي الحصول على ترخيص من الدولة (وزارة الداخلية) دون إقراره بمقدّساتها أي النظام الملكي, الدين الاسلامي, و مغربية الصحراء المتنازع عليها !! و من يُصرّون الى اليوم على تسمية حزب "النهج الديمقراطي" مثلا بالحزب الراديكالي أو الجذري هم فعلا حالات للدراسة!! حيث نجد بالإضافة الى ارتباط الترخيص للحزب بالاعتراف بمقدّسات "المخزن", نجد أن احد كبار قيادييه "عبدالله لحريف" قد اعترف بالملكية ، في شكل من أشكال إبراء الذمّة من الجمهورية التي نظّرت لها منظمة الى الامام منذ سبعينات القرن الماضي . و هذا ما أكده الأمين العام للحزب مصطفى البراهمة ، الذي صار يطالب بإسقاط حكومة عبد الاله بنكيران(موظف القصر)، بدل المطالبة بإسقاط النظام كما في السابق ، فعن أية راديكالية نتحدث؟ و ما الفرق بين النهج الديموقراطي و بين باقي الأحزاب الملكية "المُسْتحية" من ذلك, كالاشتراكي الموحد وحزب الطليعة؟ و هل هذه بداية السقوط المدوي في براثن المخزن, بحكم أن الحزب تخلى على غرار جيرانه في اليسار الملكي عن مطلب الجمهورية لصالح "الملكيّة البرلمانية", و عن خيار تقرير المصير في الصحراء المحتلّة, لصالح الطرح المخزني؟ فماذا ينتظر هذا "اليسار" لارتداء الجلباب الأبيض و الطرابيش الحمراء لتقديم البيعة و الولاء لأمير المؤمنين !!؟ و قد قدّمها ضمنياً؟؟
أما جماعة العدل و الإحسان الاسلامية الشبه محظورة من قبل الدولة, فقد شكل انسحابها الشنيع من الحراك الشعبي المغربي في أوجه نقطة فاصلة في تاريخها, و مناسبة لطرح التساؤلات حول دور الجماعة الحقيقي ضمن المنظومة المخزنية. و على كل حال, فقد بدأ صوتها يخفت مؤخرا, فيما يرى بعض المراقبين أنه من إرهاصات ادماجها الرسمي بباقي المنظومة المخزنية, تحت إطار الثوابت المعلومة. أما آخر "مَسْخرة" نضالية فهي هذه المرّة خارجية, و الحديث هنا عن كيان بهلواني يسمي نفسه "حركة الجمهوريين المغاربة", أغلب مشكليه يقطنون بالخارج و ينشطون حصرا في العالم الافتراضي. و بإطلالة بسيطة على صفحات "الحركة" في مواقع التواصل الاجتماعي التي تمثل وسيلتها الوحيدة لتصريف خطابها, نخرج بانطباع وحيد مفاده أن نفس فيروس الردائة الذي ينشره النظام المخزني بين عبيده و أقنانه هو نفسه الذي ينخر ذلك التجمع البهلواني الذي لا يكلم أفراده إلا أنفسهم, حيث نجد أنفسنا بصدد معارضين "مفلسين" فكريا و ثقافيا و سياسيا يخبطون خبط عشواء دون أي بوصلة أو نظرية ثورية,و الظاهر من خلال مستوى خطاباتهم التي تقتصر في أغلب الأحيان على السب و الشتم و اللعن, أن كل ما يجمعهم بالنضال هو الصدفة المحضة و العقد النفسية, من قبيل أن أحدهم تعرض لصفعة شرطي أو ركلة مخزني, أو تم هضم أحد حقوقه.., ف"هاجر" الى الخارج و صار يسمي نفسه مناضلا و تكون لديه أتباع من أصحاب نفس التجارب و الخلفيات البئيسة... فما أسعد العصابة المخزنية بهكذا معارضين.., و ما أتعس أولي الألباب بهكذا واقع مرير!!
إن صدمة "حكومة التناوب الديمقراطي", التي كانت بمثابة وأد لأحلام كل المتطلعين للتغيير الديمقراطي الحقيقي, ساهمت في تجذر النفور الشعبي من كل ما هو سياسي ممارسة و مشاركة !! و لهذا ما يبرره طبعا. دون نسيان طبيعة النسيج المجتمعي المغربي الغارق الى يومنا هذا في الجهل و التخلف و الخرافة الى الأذنين,حيث تُقبل الأغلبية الساحقة من المغاربة على المساجد و القبور و الأضرحة, تؤمن بالسحر و الشعوذة, و ترتاد المواسم بطقوسها المتخلفة, و كل هذا يتم تحت تأطير و إشراف السلطات و النظام الذي لا يستطيع التفريط في أعمدة الرجعية و التخلف هذه و السبب جد واضح !! إن هذه الفئات هي التي تصوت على حزب العدالة و التنمية الاسلاموي, رغم وعيها عن تجربةٍ بقسوة سياساته اللاشعبية على جيوبها و استهدافها لها في قوتها اليومي و تهديدها لمستقبل أبنائها !! لأن مرجعيته "الدينية" تشفع له في نهاية المطاف, و هاته الفئة هي ضد العلم و الثقافة و الحداثة و حتى الثورة و الديمقراطية التي قد يأتي بها "آخرون", لأنهم يفضلون بكل بساطة و اختصار "الجنّة"!!!
إن فشل الشعب المغربي في تحقيق أي مكتسب ملموس في زمن "الربيع الديمقراطي", يحتم علينا القيام بوقفة تأملية لفهم مكامن الخلل و الأسباب الحقيقية لعدم تماهي المغاربة مع شعار هذا الربيع الرئيسي المدوّي(اسقاط النظام), و جنوحهم إلى "السّلم" بقبول مراوغات السلطة و حلولها الترقيعية-الالتفافية. و هذه المحاولة المتواضعة ليست إلا تذكيرا بعبر الماضي و أخطائه, لكي لا نقع في نفس الأخطاء السابقة التي فوتت علينا لحظة تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى, فساعة الصفر قادمة لا ريب فيها, و ستكون وبالا على الجميع. تصبحون على ثورة!!
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟