أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سياطٌ على ظهر الحكيم














المزيد.....

سياطٌ على ظهر الحكيم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5087 - 2016 / 2 / 27 - 16:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"نعتذر لك أيها المفكّر عن تلك السياط التي تحملتها بصبر الأنبياء لكي يستنير أبناءُ وطنك فيعيشون بكرامة. تعتذر لك مصرُ عن سياط لاهبة عبرت معك السنين ورافقت آثارُها ظهرَك حتى القبر. ولكن، دعني أسألك: كيف غفرتَ لجلادك؟" يبتسم ويقول: "الجلاد، معذور. أفهموه أنني كافرٌ؛ إذ أنادي بالمساواة بين الناس، وأنني عدوٌ للوطن إذ أنادي بالديموقراطية والحرية. وصدقهم لأنه بسيط جاهل، الأدق مُجهَّلٌ عمدًا فتفانى في تعذيب من يراه كافرًا وخائنًا." "وكيف سامحتَ من أمره بجلدك؟" "مَن تقصدين؟" أجيبُ في أسى: “جمال عبد الناصر.” يبتسم في مرارة ويقول: “عندي يقيٌن أنه لم يكن يعرف أن المثقفين الذين آمنوا به وناصروا ثورته يُعذّبون في معتقلاته. أعتقد أن تعذيبنا وإهانتنا واعتقالنا كان يتم دون علمه.” أتمتمُ لنفسي: “ربما. وربما عينُ الرضا عن كل عيب كليلة.”
الأسبوع الماضي 18 فبراير، كان عيد ميلاد المفكر المصريّ الكبير "محمود أمين العالم". أكمل الأستاذُ عامَه الرابع والتسعين في السماء. كلّ سنة وهو طيب. كل عام وابتسامتُه مشرقة كما عوّدنا، ليعلَّمنا التفاؤلَ والثقة في غدٍ أجمل، مهما تكاثفتِ الغيوم. ربما لم ألتقِ إنسانًا أحبَّ مصرَ، وآمن بقوتها وقدرتها على عبور المحن، مثله. كم كنتُ أرجو أن يكون بيننا اليومَ لأسأله كيف نعبرُ بمصرَ نحو التنوير بعد ثورتين كبيرتين قامتا ضد القمع والفساد والظلام! لكنه، للأسفٍ، طار قبل سبعة أعوام دون أن يشهد ثورات كان أول من بشّر بها، وراهن على اندلاعها بكل ثقافته ووعيه الفائق بقراءة التاريخ، ليستقرئ منه المستقبل. أكاد أسمعه ي يقول: ألم أقل لكِ إن الثورةَ وشيكةٌ، وإن الشعبَ المصريَّ العظيمَ سيتمرّد وينتفضُ انتفاضةً تعلِّمُ الحكّامَ القادمين كيف يحترمون شعوبَهم؟ ألمْ أقل لك إنكم ستحققون ما كافحنا من أجله طوال عقود؟ ألم أقل لكِ إن السياطَ التي مزقت ظهري وظهور شرفاء مصر في معتقلات 59 لن تذهب سُدًى، بل سترسم مجتمع "الكفاية والعدل" الذي أفنينا أعمارنا قربانًا له؟ ألا تعلمين أن القصائد التي حفرتُها على جدران "سجن القلعة" لا تزال شاخصةً لم تُغمض عيونَها نصفَ قرن، حتى تشهد لحظةَ التحوّل المفصليّ في مصر؟ غدًا تطيرُ قصائدك من نوافذ سجنك أيضًا حين يشرق التنوير."
أتخيّلُه جالسًا أمامي في بيته بشارع إيزيس بجاردن سيتي، أو في كافيتريا المجلس الأعلى للثقافة، أُنصتُ له صامتةً وعيناي تتأملان هذا المصريَّ العظيم، تحاولان اختراق عقله لأقرأ كيف يحلّل، واختراق قلبه لأتعلّمَ كيف أُحبُّ، واختراق روحه لأدركَ كيف نصفو ونعلو، حين تصفو أرواحُنا وتعلو.
أتذكرُ كلمتَه التي ألقاها عام 2002، حين فاز بجائزة "ابن رشد" في ألمانيا. وكأنه قد تنبأ باللحظة الحرجة التي تمرُّ بها الآن مصرُ-ما-بعد-الثورة، وأزمة البحث عن هوية. قال: "جوهرُ القضية يتمثلُ في غياب الغاية المجتمعية العامة الواجب التحرك نحوها. فغياب تلك الغاية يؤدي إلى فقدان الهُوية، بل تصبحُ "الهُويةُ" هي "البحث عن الهُوية" إما في صفحات الماضي التراثيّ البعيد، أو في محاكاة الآخر القويّ، أو في الفردية العدمية المطلقة." وكأنه يرانا الآن ويحلل أزمتنا. فمازلنا، بعد ثورتين، غير قادرين على التوحّد والاتفاق على الهدف والهُوية التي نبتغيها لمصر! ويرى الأستاذ أن العقل العربي، كأيّ عقل في العالم، يمتلك القدرةَ على الإبداع والكفاءة والتقدّم، ولكن ظروفًا بعينها تجعله متخلفًا عن الركب. فهو ليس متخلفًا في ذاته، ولكن الظروف تمنعه من التحرك.”
حين ألتقيه في خيالي كعادتي كلما ضربتني الحيرةُ، سأسأله السؤالَ الذي أعيده عليه كلما التقيته: "كيف كنتَ تتلقى سياطَ سجّانك في النهار، ثم تجالسُه في المساء بمحبة، لتعلّمه الأبجديةَ، وتمحو أميته؟! هل أنت نبيّ؟" سيبتسم ويجيب الإجابة المدهشة ذاتَها: "الأمرُ بسيط! كلٌّ منّا كان يؤدي عمَله. وظيفةُ السجّان تعذيبي؛ لأنهم أفهموه أنني عدوُّ الله، ووظيفتي أن أقشِّرَ عنه حُجُبَ الجهل، ليدخله النورُ، ويدرك المغالطة." نعم. فدائمًا وأبدًا، يُربّي تجّارُ الدين أولئك الجلادين البسطاء ليضربوا بهم رؤوسَ المستنيرين. فالرأس المستنير، هو العدوُّ الأول للأدعياء مرتزقة الأديان. فالمستنير يحمل مشعل التنوير لينير الدربَ لشعوب، يُراد لها أن ترعى في الظلام. سلامُ الله عليك أيها السيد الكريم، وكل سنة وأنت طيب.




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات
- الإنسان الطيب
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!
- عن النقاب سألوني
- قضية ازدراء جديدة | مَن الذي روى الرواية؟
- ميري كريسماس رغم -غلاستهم
- لا تخرج قبل أن تقول: سلاما
- أنتم تحاكمون الخيال 2/2
- اعتذارٌ رسميّ لأقباط مصر
- شحاذ العمّ نجيب


المزيد.....




- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
- عبود حول تشكيلة الحكومة السورية الجديدة: غلبت التوقعات وكنت ...
- بقائي: يوم الجمهورية الإسلامية رمز لإرادة الإيرانيين التاريخ ...
- الخارجية الايرانية: يوم الجمهورية الإسلامية تجسيد لعزيمة الش ...
- الملك المغربي يعفو عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة قيادة ش ...
- بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
- العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك ...
- اتصالات هاتفية بين الرئيس الإيراني وقادة الدول الإسلامية


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سياطٌ على ظهر الحكيم