محمد باني أل فالح
الحوار المتمدن-العدد: 5085 - 2016 / 2 / 25 - 00:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صباح كل يوم وعند خروجي للعمل عند الساعة السادسة صباحا ألتقي بأمراءة عجوز تعدت الستين من عمرها أحنى الدهر ظهرها وأتشح وجهها ببوس الفقر وخطوط العوز والحاجة ورسم الزمن ملامح الشرف التي يترفع بها أمثال هؤلاء من سكان العشوائيات المنتشرة بين أحياء بغداد التي تكتض ببيوت وقصور باشوات السياسة التي تتحصن خلف أسوارها ثلة من لاعقي صحون أبو ناجي وماسحي أحذية العم سام كل يوم تجمع هذه العجوز مئات القطع من قواطي الببسي الفارغة وتجعلها بأكثر من حمل في أكياس بيضاء من مخلفات طحين الحصة ( كونية ) وتعمل جاهدة على نقلها من بيتها المطرز بصفيح الجينكو وبرداته الهيفاء بطانيات الجيش السابق الملونة بالاخضر والابيض وقد تمزق بعضها وأتسخ البعض الاخر لأن بيتها لا باب له سوى هذه البطانيات التي تبرع بها أحد الباعة المتجولين في شارع مريدي بين بيتها والمحل الذي يبتاع منها القواطي الفارغة ( أبو العتيك ) مسافة طويلة تعبر خلالها شارع عام بأتجاهين وهي تعاني الامرين في أيصال حمولتها الى مبتغاها الأخير حيث تقوم بنقلها على شكل نقلات من مكان الى أخر وتستغرق عملية النقل أكثر من ساعة وهي تلهث جاهدة في أيصال تلك ( الكواني ) وهي منهكة القوى وقد مسها الضعف والتعب تراها تجلس بين الفينة والاخرى لتأخذ قسطا من الراحة بينما تنظر بخوف الى بضاعتها خشية من عدم كفاية بضاعتها لكسب قوتها اليومي البالغ خمسة ألاف دينار هي كل ما تقدر على جمعة يوميا بعد أن تقطع مسافات طويلة لجمع تلك القطع الفارغة لتعود في أخر النهار مجهدة منهكة خاوية تسامر نظراتها بناتها الثلاث وزوجها الكبير وهو مقعد لا يقوى على الحركة وقد خلا بيتها البائس من كل وسائل الراحة والأمان فهو مجرد صفائح قديمة جمعتها لتجلس تحتها تحتمي من برد الشتاء وحر الصيف وهي لا تملك حتى مبردة هواء اللهم ألا من جولة بسيطة وطباخ بعين واحدة أكل عليه الدهر وشرب هي كل ملكيتها في بيتها العتيد ولكنها تتمتع بشرف قل نظيره بين السياسين وعفاف ليس لهم مثله وكبرياء لا يليق بمن لبس العمامة على الحدود وأخر ذهب ليشتري خلطة لتلميع الخدود وغيره أصلح دبره الذي غدا يأكله الدود هؤلاء عليهم تزكية نسبهم قبل النيل من شرف عراقية ثوبها أنقى من نسب جميع سكان المنطقة الخضراء وشتان ما بين جهادها ونكاحكم أيها المنافقون .
#محمد_باني_أل_فالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟