|
المصالحة وعلاقتها بالانقسام والتسوية السياسية
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5084 - 2016 / 2 / 24 - 14:21
المحور:
القضية الفلسطينية
لأن المصالحة ليست شأنا خاصا بالأحزاب فقط، وليست شأنا قطريا أو مصريا أو تركيا، بل قضية مصيرية لشعبنا، فإن تعثر أو فشل حوارات الفصائل حول المصالحة والوحدة الوطنية لا يعني طي صفحة المصالحة والتسليم بالأمر الواقع. المصالحة التي تجسد الوحدة الوطنية ضرورة ومصلحة وطنية مصيرية عليها يتعلق مصير الشعب والقضية برمتها، لأنه بدونها لن ينجح لا مشروع سلام فلسطيني ولا مشروع مقاومة، وبالتالي يجب أن لن تبقى أسيرة حوارات الأحزاب ورغباتها . لذلك لن نتوقف عن الحديث والكتابة حول المصالحة والوحدة والوطنية وإنهاء الانقسام من منطلق أن لا قيمة أو جدوى أو أمل في أي عمل عسكري جهادي أو سياسي دبلوماسي أو بناء مؤسسات دولة أو في حياة كريمة للمواطنين الخ ، في ظل الانقسام وغياب المصالحة والوحدة الوطنية وعدم التوصل لإستراتيجية وطنية تقوم على الشراكة السياسية للجميع، مصالحة هدفها مواجهة الاحتلال بكل الطرق الممكنة حتى نيل الحرية والاستقلال . طوال تسع سنوات كابرت وعاندت كل القوى السياسية، وخصوصا حركة حماس، مديرة الظهر للمصالحة والوحدة الوطنية ، وكان كل طرف يراهن أن ينجح ويتقدم مشروعه السياسي أو الجهادي مما يضعه في موقع القوة لإنهاء أو إخضاع مشروع الطرف الثاني، أو أن تأتي متغيرات إقليمية ودولية تنهي مشروع الطرف الثاني. إلا أن إسرائيل الصانعة الأولى للانقسام والمؤمِنة لاستمراره بالإضافة إلى تطور الأحداث الإقليمية والدولية أفشل كل المراهنات. فلا مشروع حل الدولتين أثمر دولة ولا مشروع المقاومة غيَّر من مواقف إسرائيل أو ألحق بها خسائر تجبرها على الاستسلام لحركة حماس ومشروعها. كانت سنوات الانقسام فرصة ثمينة لإسرائيل لتستكمل مشروعها الاستيطاني التوسعي وجعل إمكانية قيام الدولة في الضفة وغزة أكثر صعوبة، كما أن مفاعيل الانقسام امتدت للمجتمع والثقافة والهوية والتعليم، وتحوَّلت مناطق السلطة في غزة والضفة إلى ما يشبه الإقطاعيات يحكمها مبدأ (كل مَن في إيده له) ليس فقط ما بين الضفة وغزة بل وداخل كل منهما، حيث كل حزب أو مسئول على رأس مؤسسة يتصرف كما يحلو له دون خوف من محاسبة أو عقاب ودون مرجعية ناظمة. كما أن الانقسام منح مبررا إضافيا للدول العربية والإسلامية للتهرب من التزاماتها الأخلاقية والقانونية والسياسية تجاه الشعب الفلسطيني . بعد تسع سنوات تتزايد القناعة لدى غالبية الأطراف الفلسطينية من القاعدة إلى القمة بضرورة المصالحة وأهمية الوحدة الوطنية . صحيح توجد جماعات مصالح مستفيدة من الانقسام إلا أن هذه الجماعات باتت مكشوفة ومكروهة ويشتد الخناق عليها سواء من الشعب الذي يزداد غضبه وقد يصل لمرحلة الانفجار أو من القيادات الوطنية الحريصة على المصلحة الوطنية والتي لا تقبل أن تضحى بالمصلحة الوطنية وبتاريخها الوطني تحت رِهاب جماعات فاسدة ومشبوهة أو خضوعا لأجندات خارجية . وصحيح أيضا أنه توجد الشروط والعقبات الإسرائيلية والشروط والمتطلبات المصرية ، إلا أن الشرط الوطني هو الأساس إن لم يكن لإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي فعلى الأقل لتهيئة الظروف لذلك، و تخفيف حدة الاحتقان ومنع الانزلاق نحو مزيد من الانقسام والتدهور. تصريحات بعض الناطقين الإعلاميين الفلسطينيين وبعض القادة حول المصالحة وإنهاء الانقسام أصبحت أقرب للجدل البيزنطي أو السفسطائية من حيث المناكفات و الاهتمام بالكلام والشعارات وتوليد الأفكار من الأفكار والرد على المقترح بالمقترح ... دون كثير اهتمام بالوقائع على الأرض سواء هموم الناس ومعاناتهم أو تواصل الاستيطان الصهيوني أو المتغيرات العربية والدولية وتأثيراتها على قضيتنا الوطنية . آخر مستجدات هذه السفسطائية، الجدل حول علاقة المصالحة بإنهاء الانقسام والشراكة السياسية، وما إن كان يجب البدء بالمصالحة وإنهاء الانقسام الحكومي والمؤسساتي ؟ أم البدء بالشراكة في منظمة التحرير؟ وما إن كانت المصالحة تعني إنهاء حالة الفصل ما بين الضفة وغزة؟ أم هناك مصالحة مع استمرار انفصال غزة عن الضفة؟. أيضا الجدل حول العلاقة بين المصالحة والتسوية السياسية. من المؤكد أن المصالحة وإنهاء الانقسام والتسوية أمور مترابطة مع بعضها، كما ندرك تعقيد الملفات وصعوبتها وكثرة اللاعبين فيها من خارج الساحة الفلسطينية، بل وعدم وجود اتفاق حولها داخل كل من فتح وحماس. لكن يبدو أن جزءا من هذا الجدل يعكس عدم جدية في الخروج من مربع الانقسام، و حالة عجز عن مواجهة حقيقة ترابط هذه الأمور مع بعضها ، كما يعكس وجود خلافات أو تعدد في وجهات النظر بشأن المصالحة داخل كل من حركة حماس ومنظمة التحرير بل وحركة فتح نفسها . يبدو أيضا أن انعدام الثقة ما زال حاضرا عند الطرفين وما زال كل طرف يراهن على مشروعه الخاص وعلى متغيرات تجعله أكثر قوة في مواجهة خصمه السياسي . وهذا ما يتجلى مثلا في التصريحات الصادرة قبل أيام عن السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء لحكومة الحمساوية المقالة. ففيما الحوارات على أشدها في الدوحة لتنفيذ اتفاق المصالحة، يعلن السيد إسماعيل هنية عن حصول تقدم في المفاوضات التي تجريها تركيا مع إسرائيل لفتح ميناء غزة ويتحدث عن القدرات العسكرية لحركة حماس، وقوله أيضا بأن المصالحة لا تعني إنهاء الانقسام !. حتى نكون أكثر وضوحا وصراحة نقول بأن المصالحة الوطنية الفلسطينية لا تعني نهاية الانقسام – إن كان المقصود بإنهاء الانقسام إعادة توحيد الضفة وغزة في إطار حكومة وسلطة واحدة والتواصل ما بين غزة والضفة- بل هي عامل مساعد وضروري لتحقيق ذلك . إنهاء الانقسام بمعنى إعادة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة مرتبط بالتسوية السياسية ومرتهن بها بنفس درجة ارتباطه بالمصالحة الفلسطينية. المصالحة المؤدية لتوحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة ليس معطى تاريخي أو خاضعة لإرادة فلسطينية خالصة . فلم يسبق أن كانت دولة في غزة والضفة أو كانت غزة والضفة متحدتان ومتواصلتان إلا في ظل الاحتلال. مشروع التسوية أقام السلطة والحكومة عام 1994 ، والسلطة منبثقة من اتفاق أوسلو والحكومة حكومة سلطة أوسلو، هذه هي الحقيقة، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. وبالتالي فالمصالحة التي تُعيد توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة لن تتحقق بدون تحريك ملف التسوية السياسية والالتزام بالاتفاقات الموقعة . توحيد السلطة والحكومة في غزة والضفة في ظل موازين القوى الراهنة وفي ظل المشهد العربي والإقليمي لن يكون إلا في إطار مشروع التسوية. لذا فالمصالحة الفلسطينية في هذا السياق لم تعد شأنا فلسطينيا خالصا بل جزءا من عملية التسوية وجزءا من عملية إعادة ترسيم الشرق الأوسط الجديد. لذا لا نتصور أن يتم الآن إنجاز مصالحة فلسطينية بعيدا عن الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وعن تفاهم وتوافق ما بين مصر وقطر وتركيا وإسرائيل. ما نخشاه أن المصالحة الفلسطينية القادمة ستكون تحت رعاية أمريكية وكجزء من التسوية الأمريكية . ولكن يوجد شكل آخر من المصالحة الوطنية الفلسطينية الحقيقية ، مصالحة ليس على قاعدة الصراع على السلطة والحكومة بل على قاعدة المصلحة الوطنية العليا، مصالحة توفِق ما بين العمل السياسي والدبلوماسي وما تم إنجازه في هذا السياق من جهة، و توحيد الجهود الوطنية ميدانيا بطريقة عقلانية ومحسوبة للحفاظ على درجة من الاشتباك مع الاحتلال، والانتفاضة أو الهبة الراهنة فرصة يمكن البناء عليها في هذا السياق . بديل ذلك أن تستمر الأمور على حالها من حيث وجود سلطة وحكومة في الضفة لها شرعية وطنية نظريا على الكل الفلسطيني وواقعيا تقتصر على الضفة أو بعضها ، وسلطة وحكومة لحركة حماس في قطاع غزة المحَاصَر مع هدنة أو حالة ألا حرب وألا سلم ، انتظارا للمجهول القادم .
[email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة ما بين (فن الممكن) وفن (مراكمة الإنجازات)
-
الحاجة لمصالحة تاريخية بين المثقفين والسلطة
-
استشكالات الهوية والانتماء في الخطاب السياسي العربي الراهن
-
الفلسطينيون بين جلد الذات وتضخيمها
-
حق الدفاع عن النفس ليس حكرا على إسرائيل
-
الشروط الذاتية والموضوعية للمصالحة الفلسطينية
-
الأزمة في سوريا تكشف بعض خفايا (الربيع العربي)
-
سر حركة فتح الذي لم يدركه الآخرون
-
غزة ليست للبيع وليست حديقة خلفية لأحد
-
الفلسطينيون وتراجيديا الغربة والسفر
-
تفكيك الأوطان وتشويه الأيديولوجيات الجامعة
-
نعم للسلطة ولكن أية سلطة ؟
-
خطورة كي الوعي والتماهي مع رواية الخصم
-
2015: عام كشفُ المستور وتغيير المعادلات وأملٌ يُرتَجى
-
جدلية العلاقة بين الكتابة والقراءة والإبداع
-
متى سيتشكل تحالف عسكري لحماية الشعب الفلسطيني؟
-
مقاومة الاحتلال ليس إرهابا
-
احتضار السياسة الرسمية في فلسطين
-
منزلقات إضفاء طابع ديني على الانتفاضة الفلسطينية
-
نعم لمحاربة الإرهاب ،ولكن ما هو الإرهاب ؟
المزيد.....
-
شاهد.. -غابة راقصة- تدعوك لإطلاق العنان لمخيلتك في دبي
-
بعد مكاسب الجيش في الخرطوم.. هل تحسم معركة الفاشر مآل الحرب؟
...
-
هواية رونالدو وشركاه .. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
أكثر من 20 مرتزقا أمريكيا في عداد المفقودين بأوكرانيا
-
باكستان قلقة من الأسلحة الأمريكية المتروكة في أفغانستان وتحذ
...
-
وزير الدفاع السوري يتفقد ثكنات الجيش بصحبة وفد عسكري تركي (ص
...
-
تركيا.. شاورما تنقذ حياة -مسافر الانتحار- (صور)
-
من أمام منزل السنوار.. تحضيرات إطلاق سراح 3 رهائن إسرائيليين
...
-
سوريا.. من هم القادة العسكريون الذين شاركوا الشرع -خطاب النص
...
-
وارسو.. اجتماع وزاري أوروبي لبحث الهجرة والأمن الداخلي وترحي
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|