نوري بريمو
الحوار المتمدن-العدد: 1380 - 2005 / 11 / 16 - 11:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مابين نتائج تقرير المحقق الدولي ميليس حول ملابسات الجريمة البشعة التي راح ضيتها شهيد لبنان المغدور به الرئيس رفيق الحريري...،وتعنّت النظام السوري الذي خرج عن اللباقة الدبلوماسية وراح يكيل محتلف التهم بحق بعض المسؤولين اللبنانيين ويكذّب ميليس متهماً إياه بتسييس التقرير وتجييره ضد سوريا المستهدَفة أمريكياً...،وتداعيات قرار مجلس الأمن ـ 1636 ـ الذي يلزم السلطة السورية بالتعاون الإيجابي مع لجنة التحقيق دون أي تردد أو تحايل أومماطلة...!؟، وما ورد في خطاب الرئيس بشار الأسد الذي أرسل رسائل عديدة بلهجة مقاوماتية أوحت إلى تحدٍّيه الصريح للأسرة الدولية...!؟.
لابد أن يسترجع الإنسان السوري ـ عربياً أكان أم كوردياً أم غير ذلك ـ بذاكرته قليلاً إلى الوراء...!؟، أي إلى يوم عدم تعاون نظام البعث البائد في العراق مع الأسرة الدولية التي طالبته حينها بالتخلي عن أسلحة التدمير الشامل التي كان يمتلكها...!؟، فعدم التعاون ذاك أدخل منطقتنا الشرق أوسطية إلى سرداب عبورٍ سياسي جديد لا يمكننا تسميته سوى بالممر الإجباري للدمقرطة...!؟، فالمنطقة بمعظم دولها باتت معجوقة بالمتغيرات والمستجدات وبتباشير الإنفراج التي تشوبها البعض من نذائر الشؤم في الحين ذاته .
حيث أنّ الوقائع التي تحدث في العراق ولبنان وفلسطين وغيرها من البلدان التي تحوّلت إلى ميادين صراع حقيقي مابين مختلف الأطراف بأجندتها المختلفة ، توحي بجلاء إلى أنّ شعوبنا تتهيأ لـتعبر مرحلة جديدة ولتعيش ـ بمكوناتها المختلفة ـ حالة إنسانية سياسية جديدة لا يمكن وصفها سوى بنشوة المنتصر الساعي نحو قهقرة المنظومات الأستبدادية التي كانت قائمة ومستحكمة بالعباد والبلاد...!؟، ما يؤدي إلى خلق أجواء من الارتياح والشعور بالتحرير لدى المقهورين عموماً ,يرافقها أجواء من التوتر والقلق لدى معظم الأطقم الحاكمة في المنطقة بشكل عام، لأن ما حدث في السنوات القليلة الماضية يمكن أن نسميه ببوادر التهيئة لإحداث تغيير جذري في كل المفاهيم والقيم والأعراف والمقاييس الدولية التي كانت سائدة في العالم ومنطقتنا طيلة قرون مضت .
وعندما نشير إلى يوم سقوط صدام ويوم تقهقر السلطة الأمنية اللبنانية ويوم فوز الرئيس الفلسطيني محمود عباس...!؟، نقصد أن نتوقف عند كثرة المعاني السياسية الحقيقية لأيام النصر هذه ،ومدى عمق مدلولاتها الإيجابية المستقبلية ، فإذا كان جلاء البعثيين عن العراق لم يتحقق إلاّ بفضل التوافق السياسي بين كل قوى المعارضة العراقية على اختلاف انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية و...إلخ، فإنّه بات يترتب على مختلف قوى وأطياف المعارضة الديموقراطية السورية أن تستفيد من الجوانب الإيجابية لهذه التجارب الديموقراطية الجريئة التي خاضها جيراننا أو بالأحرى أشقاؤنا بنجاح هناك .
فالشعب السوري بكل مكوناته القومية والمجتمعية هو شعبٌ حي لا ينقصه أي شيئ عن شقيقه العراقي أو اللبناني أو...، وهو لم يتوان في أية مرحلة عن أداء واجباته الدفاعية عن حريته وكرامته ،ولو أنه ليس كذلك لما إجتاز البلد كل هذه المحن التي مرّ بها سابقاً ،وبناءً عليه فإنّ هكذا شعوب أصيلة تستحق بجدارة من حركاتها السياسية أن تقوم بدورها التاريخي المطلوب منها في هذا الراهن لتبادر إلى قيادة المرحلة وفق حراك سلمي يقوده إلى إجراء تغيير سياسي جذري وشامل من شأنه أن ينقذ البلد من براثن حكم البعث أولاُ ويأتي بحكمٍ ديموقراطي تعدّدي ثانياً ويحقق للمناطق الكوردية الإدارة السياسية الذاتية ثالثاً ويبادر إلى إخراجنا من هذا الطوق الدولي والإقليمي رابعاً وليس أخيراً...!؟.
أما الأسئلة التي لابد أن تطرح نفسها ونحن نعيش هكذا أجواء ترقّبٍ إنتقالية مريحة لنا كمعارضة ديموقراطية متصاعدة ومخيفة له كنظامٍ قمعي مهزوم وفي طريقه إلى الرحيل...!؟،فهي من قبيل : ماذا نال المواطنين السوريين في هذا الحاضر البعثي سوى بعض الشعارات الخلّبية ،رغم تضحياتهم الجسام التي قدموها ماضياً وحاضراً..؟!، وماذا يستحقون من خيرات هذا البلد الذي سُلِبَت كل خيراته على مرِّ العقود ...؟!، وهل يجوز إبقائهم أسرى الإستبداد تحت حجة ممنوعية التعويل على المجتمع الدولي المتمثل بمجلس الأمن الذي يمثّل الشرعية الدولية...!؟، وهل يُعقل أن لا تدرك المعارضة معنى أدائها لمثل هكذا دورٍ ديموقراطي مشرّف...؟!، وهل يجوز البقاء تحت وقع سيف الشعارات البعثيوية التي أودت بنا إلى هكذا مواصيل لا نُحسَد عليها...؟!، وما الذي يحيدنا عن السير وفق المنحى الذي نحاه إخواننا في العراق ولبنان الذين لا ينقصون عنا مصداقية ووطنية...؟!، أهي أفضال البعث علينا أم هو خوفنا من ردّة فعل أجهزته الأمنية القمعية التي لطالما قمعتنا...؟!، ولماذا نحاصر أنفسنا ونكبت على أنفاس شارعنا بدلاً من نصعّد الموقف كي نحاصر مستبدينا في ضائقتهم الخانقة هذه...؟!،أنسينا حجم مضايقاتهم لنا على مدى عهود سطوتهم القاتمة...؟!، ومَنِ المستفيد من وقوفنا في وجه الرأي العام العالمي الذي بات يلاحق النظام البعثي بشكل يومي لا بل بشكل لحظي...؟!،ثم أليس المستفيد الوحيد من عدم تعاوننا مع الأسرة الدولية هو البعث نفسه...؟!، ألا يمكن أن يؤدي تمادينا في وقوفنا التفرُّجي السلبي من الأحداث إلى إفتقادنا لمصداقيتنا في الشارع السوري المتململ من تلكؤنا اللامعنى له سوى الجبن السياسي...؟!، ثم بأي وجه حق يتهمنا البعض من غلاة البعث علناً ومن على شاشات التلفاز باننا ((خونة هذا الوطن))...؟! أليس هذا ضرب من ضروب النظام الذي سيبقى يماطل ويتحايل ويكيل بالتهم ويتباهى بالبطولات ويرسم بخفاء لما يحلو له ولما قد لا يتبادر إلى ذهن أحدنا من صفقات وخطط من شأنها الجهنمي أن تبقيه على كرسي الحكم الذي بات قدس أقداسه المقدسة...؟!.
قبل الجواب على هذه الأسئلة وغيرها ، لابد من العودة إلى وثائق الماضي وصفحات التاريخ التي تثبت جدارة ونزاهة مختلف أطياف المعارضة الديموقراطية في كل المجالات وفي كل المراحل، فالسوريون الغير موالين لنظام البعث هم الأهل الحقيقيين لهذا البلد الذي إغتصبه الشموليون بالقوة ،وقد آن أوان إسترداد ما كان مغتصباً ولكن ليس بالقوة كما هم كانوا فاعلين بمنتهى سواد الوجه...!؟، وإنما بإتباع خيارنا الذي لارجعة عنه أي الخيار الديموقراطي اللاّعنفي الذي من شأنه الحفاظ على السلم الأهلي المرتجى .
ورغم الضغوطات والممارسات البعثية المتواصلة التي ترمي إلى دفع قوى المعارضة ـ الكوردية منها والعربية ـ عنوةً صوب مواقع أخرى يريدون وصفها بـ ((المعادية للوطن))...!؟, لكننا كأهل حقيقيين لسوريا ينبغي أن لا نبقى مغَفّلين نُخدَع بأقاويلهم فالكلام صفة المتكلّم كما يُقال...، وإن كان هنالك ثمة عملاء للأجنبي في هذه البلاد فهم أطقم البعث أنفسهم...،ولذلك يجب أن نبقى ندافع من مواقعنا الديموقراطية النزيهة وعن ذواتنا السياسية المنفتحة التي من شأنها أن تزدهر مع ازدهار هذا البلد الذي لن يزدهر مادام البعث يدنّس ربوعه...!؟, وليعلم الجميع بأنّ قضية الديموقراطية وحقوق الأنسان في سوريا هي ليست بجديدة ولا هي بمفتعَلة أوقادمة للتوّ من وراء البحار...!؟،وإنما هي مسالة لها أصالتها الداخلية وجذورها التاريخية وعمقها الإنساني المليئ بالتضحية بعشرات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمهجرين والمنفيين والمرميين خارج دائرة الحياة المدنية والمجرّدين من الحقوق القومية المشروعة كالكورد وغيرهم و...!؟، وهي قضية سورية ستبقى بحاجة ملّحة إلى التداعي الموضوعي العام دون أي تردّد لنصرتها بشكل يجعلها تتفوّق ـ بأي شكل من الأشكال ـ على الإستبداد الذي لا ولن يتوقف عن اللعب بمختلف الأوراق المباحة وغير المباحة في سبيل الحفاظ على ملكيته للبلد كما يدافع أي مزارع عن بستانه حينما يتعرّض لمخاطر الغير...!؟.
ولما كانت كل الوقائع في هذه الدنيا قد أثبتت بأحداثها المتلاحقة وبتطورها الهائل على أن الشمولية وعدم الإعتراف بالآخر والوحدانية في الحكم الأبدي للبدان وغيرها من المفاهيم ،هي فجة وضارة وعفى عليها الزمن ولا تعكس إرادة شعوبنا, وهي لا تتوافق مع متطلّبات عصرنا الذي هو عصر التعدّدية والتوافق الذي من شأنه دفع عجلة المدنية وحقوق الإنسان في كل بقاع المعمورة بوتيرة أكثر أمناً وتسارعاً إلى الأمام ،فإنه ليس أمام فعاليات المعارضة سوى المبادرة بشكل جدّي إلى الحراك من أجل التغيير الديموقراطي دون أي إذعان لأية مشورة أوضغينة ما من قبل أية جهة تدور في فلك النظام وتحاول إستغفالنا وحشرنا في خندق الدفاع عن مصلحة النظام تحت غطاء شماعة ضرورات الدفاع عن ((الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية))...!؟.
فلنستفد مما يجري حولنا ولنجعل من هذا الراهن السوري المحفوف بمخاطر تشبّث نظام البعث بالسلطة...!؟، محطة سورية ديموقراطية ننطلق منها بمسؤولية إلى مراحل جديدة أكثر إنتاجية وإنصافاً لكل من يعيش فوق هذه الأرض الطاهرة التي توارثناها جميعنا دونما أي تمييز عن آبائنا وأجدادنا الذين رووها بعرقهم ودمائهم ,والذين كانت تربطهم عرى علاقات تاريخية حميمية ملؤها الوفاء والإخلاص والاحترام المتبادل .
ولنجعل من التاريخ المشترك الناصع البياض للمكونات القومية الأصيلة في سوريا نبراساً حضارياً إنسانياً نقتدي به لنصنع الغد الأفضل لأجيالنا القادمة على قاعدة القبول بمبدأ التوافق السياسي اليموقراطي بين المكونات القومية في البلد الذي هو بحاجة ماسة إلى استعادة مفاهيم وأصالة الماضي التسامحب ودمجها بروح الحاضر التحضيري وبحيوية المستقبل التعدّدي الذي ننشده سلاماً وشراكة حقيقية للجميع ، لينال كل ذي حق حقه السياسي الديمقراطي في الحياة، دونما أي إكراه أو تفرقة ، ولتستعيد بلادنا مصداقيتها وحضاريتها المجتمعية وأمجادها الإنسانية .
ولنترجم هذا المحك العملي المواتي بمعانيه وتداعياته الإيجابية الكثيرة ,إلى مناسبة ديموقراطية حقيقية تؤدي إلى تطوّر هذا البلد وتجعله فضاءً حرّاً يلبي طموحاتنا جميعاً ،لنُغْني به واقعنا وندفع من خلاله عن أنفسنا وعن بعضنا , اليوم وغداً , لتضاء أمام أجيالنا وبلدنا كل الدروب والأيام القادمة بعيداً عن أي سلوك إستبدادي .
#نوري_بريمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟