|
قال إنه واحد فعلمتُ أن له ثانٍ !
منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 5083 - 2016 / 2 / 23 - 23:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنت و مازلت أتصور إلها مختلفاً ،إله تعجز الصفات عن وصفه و عندما أقول صفات الإله فأنا أخادع نفسي إذ إنني كي أعرف صفات الإله لابد أن تكون له نسخا أخري عنه يُعّرَف بها و تُعّرَف به . فنحن نقول : صفات المرأة و صفات الحديد و صفات الحصان و هكذا نذكر المرأة و نعني كل إمرأة ، نذكر الحديد و نعني أي حديد و كذلك الحصان و نعني الأحصنة بصفة عامة . و لكي أعرف صفات الإله لابد لهذا الإله أن يكون له نسخ .و لا تقع في خطأ و تقول صفات الماء و الماء شيئ واحد لا مثيل له لأن كل جزئ ماء هو واحد له نسخ عديدة منه . إذن صفات الإله مجهولة لأنه واحد وحيد ، أما تلك التي ندعيها له فما هي إلا تصورات لصفات إنسان مثالي نحن إخترعناها أملين في هكذا إله . و نحن أعطينا للإله الصفات التي نحب أن يكون عليها ، ثم حدث أن تغير موقعنا منه ، فمرة أنت مذنب و لذا هو غفور و مرة أنت مطلوم و بالتالي هو جبار و منتقم ، ثم أنت في شدة فهو رحمن و لطيف و قد يكون ضار إن أصابك ضُر و نافع لمن إنتفع و كذلك هو خافض أحيانا و رافع أحيانا أخري و باسط تارة و مانع تارة أخري و هكذا . و كلها صفات نسبية بالنسبة لنا ، فنحن لا نستطيع أن نقيس شدة ضره و لا شدة نفعه ، شدة حكمته و لا شدة حياته ( الحيّ ) و أيضا لا نستطيع أن نُقًيّم درجة بصيرته و لا متانته . . ثم إن بعض الناس يطلقون علي أبنائهم أسماء الله الحسني مسبوقة بعبد ، عبد الرازق ، عبد الفتاح ، عبد الباقي ... إلخ و المُلاحظ أن أسماء الله ليست كلها محبوبة أو علي الأقل ليست كلها علي نفس الدرجة من الأفضلية فلا أحد يُسمي إبنه عبد الضار أو عبد المميت أو عبد الخافض أو عبد المقيت و لا عبد المنتقم ، و هذا إن دل فإنما يدل علي أن تلك الصفات في الله لا يحبها الناس رغم أنهم يعترفون بها و بحقه في أن يتخذ منها صفات له . . إن السؤال الأذلي الذي يطرحه المؤمنون علي اللادينيين : من أبدع كل هذا ؟ أيُعقل أن يكون كل هذا الكون البديع محض صدفة أو عشوائية ؟ أنظر في نفسك لتري عبقرية الله و بديع صنعه . و رغم أن الكون ليس بديعا كما يعتقد الحالم الناظر له من ثقب كوكب الأرض و رغم أن ما نحن عليه الأن نتيجة جهود أسلافنا الحثيثة و المتواصلة لنكون علي الصورة التي نحن عليها الأن و التي ليست هي منتهي الإبداع و الإتقان ، إلا إنني سأفترض وجود إله هيأ و أوجد و أبدع ! و العظيم - بداهة أو هكذا أعتقد - لن يفعل العظمة ثم يقول عن نفسه أنا العظيم و لن يتصرف بحكمة فيسمي نفسه حكيما و لن يتعالي فيطلق علي نفسه المتعال ، فالعظيم و الكبير و الحق و العدل و القادر يعلم عن نفسه أنه كذلك و يتوقع أن صفاته تلك من فرطها واضحة للعيان و هنا أستطيع أن أقول أنها خارج نطاق القياس و التقدير فلن تخطئها عين و لن يغفل عنها عقل و لن تخفي علي متأمل . الإله ليس بحاجة أن يقول أنا الغني لأن من قالها يشعر فقرا، ليس بحاجة أن يقول أنا الكامل لأن قائلها يخاف أن يُظَن أن فيه نقصا. الإله لن يكون أبدا مهووسا بألوهيته كموظف صغير إستيقظ يوما فوجد نفسه مديرا كبيرا فإذا به يمر علي مكاتب الموظفين يسألهم من مديركم ليتأكد من اعترافهم و قبولهم به كمدير لهم تماما كما فعل الله عندما سأل لمن الملك اليوم ؟ ثم أجاب هو علي نفسه : لله الواحد القهار ! . قوله تعالى: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) : اتفقوا على أن هذا يقوله الله عزّ وجلّ بعد فَناء الخلائق. واختلفوا في وقت قوله عزّ وجلّ له على قولين : أحدهما: أنه يقوله عند فَناء الخلائق إِذا لم يبق مجيب. فيَرُدّ هو على نفسه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، قاله الأكثرون. والثاني: أنه يقوله يوم القيامة. وفيمن يُجيبه حينئذ قولان: أحدهما: أنه يُجيب نفسه ، وقد سكت الخلائق لقوله تعالى . قاله عطاء. والثاني: أن الخلائق كلَّهم يُجيبونه فيقولون: «للهِ الواحدِ القهارِ» ، قاله ابن جريج ". انتهى من "زاد المسير" (7/212) . و سواء أكان يجيب نفسه أو يجيبه الخلائق فهو أراد أن يسمعها و سيسعده بالتأكيد أن يسمعها و إلا ما كان سأل . و نحن نحب أن يمتدحنا الأخرين بما فينا ، فالكريم يحب أن يسمع من يذكره بالكرم و هذا المقابل يمثل دافع للكريم ليواصل كرمه و من أعد وجبه شهية يطربه أن يسمع مديح من المتذوق كثمن معنوي علي مجهوده في الطهي . هكذا نحن البشر و ذلك لأن الكريم لم يكن أكيدا من درجة كرمه و بذكر كرمه فقد تأكد من كونه كريم و الطاهي بالمثل لم يكن متأكدا من جودة طهيه إلا بعد إستحسان الأكلين ، و عليه فإني أتسائل : هل يشك الله في عظمته و لذا أراد إعترافا دامغا عليها ؟ إن موقف الله هنا يستدعي إلي ذهني كاراكتر عامل البناء الغلبان الذي و بعد جهد جهيد أصبح مقاولا ميسورا فاهتم جدا لسماع إبتهالات الشكر و المديح من العمال حين توزيع لحم عجل ذبحه لهم بمناسبة إمتلاكه عمارة لأول مرة في حياته علي العكس تماما من أخر وُلِد لعائلة غنية و لا يحفل لسماع عبارات الإطراء من فلاحين عزبته حين يأمر بتوزيع عطية ما عليهم . . و يقول الله عن نفسه أنه الغني ، و لكن غني عن ماذا ؟ ماذا بحوزتنا نحن و قد نظن أنه يحتاجه فيصرح لنا بأنه غني عنه ؟ أنا من البدء لم أفكر في إحتمالية كونه غني أم فقير و أعتبره سؤال فاسد و ينزع عن الإله صفات الألوهية ، و كذلك تعريفه لنفسه بأنه الغني يفقره في نظري و قوله أنه الكامل ينقصه لأنه ليس بحاجة لقولها ، أيحتاج نور الشمس لأن يُسميه الناس نوراً ؟ هو نور شئنا أنا أم أبينا ! . إن المحامي في حاجة لسماع لقب أستاذ قبل إسمه و كذا المهندس سيستاء إن لم يناديه مرؤوسيه بيا باش مهندس و الملك سيقطع رقبة من لا ينطق إسمه مسبوقا بالجلالة و هذا لأنهم بشر إجتهدا ليكونوا مهندسين أو محامين أو اجتهدوا هم او ابائهم ليكونوا ملوكا و قد يصلح غيرهم للقيام بأعمالهم كما يقوموا هم بها أو أفضل منهم ،أما الله فلا ينبغي له أن يكون له صفات شبيهه بتلك التي لنا نحن البشر و لهذا كفرت به حين تصاغر فجعل لنفسه أسماء و صفات هي في غني عن الذكر لأنها بديهية فيه . و نحن نصف الشمس بأنها النجم المنير و الدافئ و الملتهب و لكنه ليس النجم الوحيد الذي يحمل تلك الصفات إذ يوجد شموس أخري في مجرات أخري تحمل نفس الصفات و هي كذلك - أي الشمس - بالنسبة لنا لأننا يحين نصف الشمس فإننا نعني تلك التي في مجرتنا و علي العكس من ذلك حين نتحدث عن الكون و الذي لا نعرف له ثان لن نستطيع أن نضع له صفات داله عليه فلن نستطيع أن نسميه الكون المظلم أو الكون الكبير أو الواسع أو الرهيب و هذا راجع إلي أننا لا نملك تصور سابق عن الكون و عن الكيفية التي يكون عليها أي كون حتي نقارن كوننا بأخر و بالتالي نضع له صفات و ذلك ببساطة لأن الكون واحد أو هكذا هو حتي اللحظة . لا نستطيع أن نصفه بالكون العظيم لأننا لم نقارنه بأخر و إن كان عظيما في لاوعي كلُ منا رغم ذلك . لا نستطيع أن نطلق عليه أي صفه لأنه لا مثيل له لأستنبط موقعه علي سلم الصفات فهو الكون و فقط ، الكون الذي لا تساعه صفات و هو قد يساع - مجازاُ- كل الصفات . هو واحد و تلك بديهة ليست في حاجة لتأكيد بينما الله و الذي كان في صراع مع ألهة أخري كان في حاجة للتأكيد علي وحدانيته و انتزاع إعتراف منا بذلك . . إن الخدعة التي تقع فيها عقولنا هي محاولة تصور صفات الله بلا نهاية بحيث لا تدركها عقولنا بينما مجرد تحديد صفات له في حد ذاته يحده و يؤطره داخل حيز تلك الصفات .
#منال_شوقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
و اضربوهن و اضربوهن .. تعقيباً علي مقال الأستاذ نبيل هلال
-
حوار مع صديقي المؤمن (2)
-
لماذا الإسلام شرا مستطيرا !
-
لا أخلاقية القرأن ( قراء في سو رة يوسف )
-
حوار مع صديقي المؤمن (1)
-
الأزمات النفسية للملحدين 1/2
-
التكنولوجيا علي وشك الإنتهاء من نعش الله
-
في عيد الحب ... رسالة حب لعزيزي المسلم .
-
الله الذي سكت دهرا ثم نطق سخفا
-
الله الرجل (2 )
-
الله المحدود
-
الله الرجل (ّ1)
-
الله السميع ذو الأذنين !
-
الله ذو الحاجة
-
نوال السعداوي يا هويتي
-
أحتاج إليك يا ......
-
أحتاج إليك
-
الله البدائي !
-
فاطمة ناعوت و ازدراء العلمانية ( بالشفا )
-
المرأة المسلمة هي الأقذر بلا فخر
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|