|
نحن والآخر !
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 1380 - 2005 / 11 / 16 - 12:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كثر الحديث عن الآخر، بل كثر عنه اطلاقاً وبلا حدود ولاتحديد . . هل هو الأنسان ام الصديق و الأخ او المنافس والعدو، ام هو الدولة والحكم، ام هو تواتر عالمنا الواحد الكثير الغنى، الكثير التناقض، ويدور الحديث صاخباً تارة، متهاوداً اخرى عن ثقافة تقبل الآخر وسماعه وعن محاولات رسم الطريق للسير معا في عالم واقاليم تزداد تفاعلاً وتقارباً من جهة، وتناقضاً ومخاطراً من جهة اخرى . . في ظروف متناقضة من تفاؤل ومن تزايد وتائر العنف وتزايد مخاطر السلاح فتكاً وتدميراً وابادة. في هذه الظروف تطرح قضيتنا وقضية مجتمعاتنا العربية، و(انا) نا . . وتلقى الأضواء من جديد عليها وعلى كيف يمكن لنا ان نكون. وقد اخذ الحديث عن الآخر يزداد الحاحاً في الظروف التي تمرّ بها منطقتنا. ما هو الآخر وماهي ثقافته وثقافتنا، ماهو منطقه وماهو منطقنا، ماهي الحقوق والواجبات والمصالح بمفهومه وماهي بمفهومنا، من هو الآخر . . للتوصّل الى ؛ اين نتفق واين نختلف؟ وللتوصّل الى صيغ وآليات للتفاهم والتعاون والتعايش، على اساس من يحتاج من، واين ؟ وبالتالي الى كيف سنسير ونعيش معاً ؟ وفي مجال مناقشة ذاتنا وتكويننا وماهيتنا، يرى كثير من المؤرخين والباحثين، ان نشوء الدولة العثمانية الأقطاعية وحكمها، شكّل ضربة قوية للشخصية العربية، لذاتنا، لكينونتنا العربية، حين حاصر سلاطين آل عثمان الثقافة والشخصية العربية بسياسة التتريك، تحت ظلال الراية الأسلامية. في الوقت الذي كانت الشخصية العربية قد وجدت نفسها، سيدة بارزة من سيدات العالم الوسيط، تمثّلت بالدولة العربية الأسلامية التي شكّلت تلازماً يصعب فصله للحضارة العربية ـ الأسلامية . ورغم ما قامت به الأنتفاضات العربية القومية التحررية ضد النير العثماني، التي ثبّتت وجود الشخصية العربية وساعدت على ايقاظها، رغم اغراقها بالدم. الاّ ان امكانات ثم تحالف الثورة العربية مع الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) في الحرب العالمية الأولى، أي مع (الغرب المسيحي) ضد السلطان التركي المسلم الذي ادى الى خسارته وتخلّص اقوام العرب من ظلمه وجوره، الاّ انه ادى من ناحية اخرى الى فشل القضية العربية في تحقيق حلمها باستعادة دولتها وشخصيّتها بمفاهيم ذلك العصر، وادىّ الى تقسيم اوطان العرب على دول الحلفاء، على الآخر الذي قدِمَ وبدأ يحكم بقوة وبمنطق الأنتصار العسكري . الأمر الذي اوقع الـ (انا) العربية والمجتمع بعلاقاته وثقافته شبه الأقطاعية، رغم التحرر من النير العثماني التركي، في حالة جديدة من التمزّق. فبعد ان كانت قد فقدت عنصرها المكوّن (القومي العربي)، عادت لتفقد عنصرها المكوّن الثاني، بالوصاية الغربية المسيحية ـ وفق منطق تلك المرحلة ـ التي اعلنت نفسها وصيّة عليه باشكال متنوعة، رغم عدم خلو الأمر من منافع وتحضّر وتفاعل مع الدنيا . . لقد جُرحت الـ (انا) العربية جرحاً قاسياً، بعد ان فشلت في تحقيق مشروعها، لأسباب يرى باحثون انها تعلّقت بعدم نضج امكاناتها و بظرفها الأقتصادي الأجتماعي الحضاري، رغم ما قيل ويقال من انها خُدعت، واجابة آخرين بانها لو كانت مؤهلة وقادرة لما انساقت الى الخداع، في الوقت الذي يعتقد فيه فريق آخر انها تخلّفت وكانت تحتاج الى تحديث يفتح لها آفاق الحياة ويطلقها من الأنغلاق، بحاجة الى تحديث يؤديّ الى خطاب جديد يتفاعل مع العالم ومع الحياة المتطوّرة . . خطاب يطرح ويساعد على تحشيد شبابها وعلى تفعيل وزيادة تركيز الروح الحية فيها . بذلك، دخل الآخر (قومياً وديناً)، في الشعور العربي المحكوم المغلوب، من موقع الحاكم . . الذي رغم ما جلب من علوم وحضارة ومعارف، الاّ انه اصطدم بالشخصية العربية البدوية ـ شبه الأقطاعية الحالمة (ان صحّ التعبير)، المستعدة للدفاع عن رؤاها واحلامها حتى النخاع، وفق تربيتها وما نَمَت وعاشت وتعلّمت عليه، وتمسكت به ذخيرة لمواصلة الوجود ومن اجل النهوض، الأمر الذي لاينفي من جهة اخرى استعدادها على تقبّل الجديد وتمثّله على طريقتها ووفق وتائر تطوّر شخصيتها وآفاق امكاناتها ودورها في عالم اليوم . لقد اصطدم الآخر بالشخصية العربية، بـ الـ (انا) حين افقدها سلطتها وقمع محاولات مفكريها وسعي واجتهاد متنوريها الى الواقعية في الرؤيا، بعدد من نظم وآليات لبّت مصالح الآخر او انسجمت وفقها، الاّ انها لم تلبيّ طموحاتها هي ولم تساعد على تشذيبها وتقريبها الى معرفة حقيقة واقعها، وتحديد مواقع اقدامها . . حين استمر الحاكم بل واقسام كبيرة من المعارضة، بالنفخ في قربة شرف اصلها ونبل محتدها، دون الأهتمام بتنويرها وبعدم الأقتصار على الخطاب السياسي الحماسي لوحده، الذي لم يكن بسبب النقص او العجز عن استشراف الجديد الواقعي لوحده، وانما بسبب ممارسة القهر والقمع لمن جهد وعمل من اجل التنوير والدعوة للتجديد، الذي يحتاجه ويلحّ عليه المجتمع برجاله ونسائه من اجل التفاعل والحياة اللائقة ولمواجهة تحديات اليوم . وفيما طرق بابنا جديد (آخر) من الشرق، انعشنا طرقه بعد ان اعلن عن فتحه افق عالمي جديد ومثال جديد واعد، رأى فيه قسم عاملاً مساعداً اقرب لكينونتنا، مساعداً لأعادة بناء (انا) نا، حين دعى الى تساوي بني البشر والى حق الفقير بالسلطة ايضاً بضوء عمله وجهده اينما كان، حين بنى املا استطاع هو ان يحققه له، واخذ يضرب به مثلاً آنذاك . . وفتح افاقاً جديدة من المجهول، على اساس الواقع ورؤية ما كان موجوداً. الاّ انه اصطدم بـ (انا) نا حين اعتبر ( او هكذا صُوّر لنا) ان الخيال والحلم والنفس خرافة، في الوقت الذي نافقنا الآخرالغربي فيها، حين دعم اوهامنا وجمودنا، من اجل مواجهة الآخر الكبير القادم من الشرق لأجله هو . . وليس من واقع فهم (انا) نا والتفاعل معها والمساعدة على اعادة بنائها، من اجل خير ورفاه الجميع، نحن والآخرين . وبدأ فصل قاس من صراع الآخرين للتحكم بنا من اجل ثرواتنا (التي صارت مصالح الآخر)، في وقت لم نجتهد فيه بل وحورب اجتهادنا لتحديث بيتنا، وحورب الأجتهاد للأنفتاح على كلّ الآخر في كلّ العالم، وحورب فيه عملنا على معرفة ذاتنا وعوامل نهضتنا وسبل معرفة وامكانات تمثّل اجتهاد الآخرين، لصياغة حداثتنا نحن، حداثتنا التي لنا، كالآخرين، بعيداً عن القهر والأكراه، بعيداً عن ثقافة العنف وعقوبات الموت المتنوّعة . واصطدمت (انا) نا المنفوخ بها ـ منذ الصغر ـ بالتاريخ والعاطفة المشبوبة عن وحدتنا ودولتنا المعظّمة التي سادت وافَلَت، وعن محاولة اعادة بناء امجادها . . بنشوء الدولة العبرية التي نشأت وثبتت وتطوّرت بدعم الآخر، وبتجاهل واهمال وانعدام او قصور محاولات اقناع (انا) نا، بل و بتشريدها من ارض الآباء والأجداد من ناحية، وبالدعوة الصاخبة لمقاومة مخططات الآخر بالسلاح الفاسد والأناشيد الحماسية وبكم الأفواه والسجون من ناحية أخرى، . . ثم بالسعي المتعدد الجوانب بل وباطفاء اي نور لاح اعلاناً لتقاربنا وتفاهمنا . . الأمر الذي ادى بـ (انا) نا الى الأنكماش على ذاتها وانعزالها على نفسها وانحصارها في ضيق اوضاعنا ومعاناتنا اكثر فاكثر . . وازدادت فيها الريبة من الآخرالذي اخذ يسيّر حياتها في عقر دارها، دون اذنها وموافقتها ودون السعي للعمل معاً كتف لكتف. ذلك الذي شكّل وعينا عن الآخر وعن ماهيّته، الذي شارك في صياغته تخلّفنا الذي جيّره القمع والأستبداد وتأخّر نظم مجتمعاتنا، وسلوك الآخر وعدم اهتمامه بنا، بل اهتمامه بصراعه مع الآخرين وسعيه لتطويعنا اليه. الأمر الذي ادى الى احتقان الطاقات وتوتر المجتمعات . . الذي دُفع ليس عفواً الى الضغط والى اضطهاد الأصغر منّا قومياً او الأضعف ان صحّ التعبير، سواء كان قوماً و تكويناً اجتماعياً، او ديناً وطائفة، او جنساً او فكراً ورأياً مجدداً . . واضاف قيداً جديداً من صنعنا الى قيودنا. وادىّ الى الأستنجاد بالماضي ورفعه راية . . هروباً من العجز عن مواجهة وصياغة متطلبات الحاضر، التي تستدعي تغييرات عميقة لابد منها، في زمن اصبح لايمكن العيش فيه دون التفاعل مع الآخر الذي نجد فيه الصديق ايضاً، شرقاً وغرباً، رجلاً وامرأة، مسلماً ومسيحياً ويهودياً، ومن كلّ الطوائف، عربياً واجنبياً ومن الأقليات . . للرقي بـ (انا) نا نحو ثقافة الأنسان، كنتاج للتفاعل المتبادل مع كلّ الآخرين، من اجل الرقي والتقدم وخير الجميع . واذا ما عنت ثقافة الأنسان ان، لاحياة، لاحب ولا صداقة، لامعرفة وطموح، لاتسامح ولامعين بدون الآخر، الآخر الذي يشاركنا الفرح ويخفف عنّا الأحزان . . فانها تعني ان على الآخر ان يحترمنا كما نحترمه وان يحاول ان يفهمنا كما نحاول ان نفهمه، ويعاملنا كبشر، بعيداً عن الغرور الفارغ والغطرسة المدمّرة . . كبشر مثله هو الآخر . ولنتعاون مع الآخر، لمكافحة الفقر والبطالة، الفساد والجريمة والأرهاب . . التي تهددنا وتهدد الآخر، ومن اجل تحرير واطلاق المرأة نصفنا الآخر، واحترام حقوق القوميات الأصغر والأقليات وبناء دولة المؤسسات بعيداً عن الحزب الحاكم الأوحد والفردية والدكتاتورية والعنف والتسلط والأحتكار والتمزق، وللقضاء على الأمية ومكافحة الجهل . . ومن اجل اطلاق ثقافتنا وتفاعلها مع الآخر المتنوّع ، الذي لن يزيدها الاّ نضارة وشباباً وبأساً، بالجهد واعمال الذهن بمواصلة جوهرها الأنساني النبيل ورحمتها، لتمكّننا من التفاعل والعيش في تيار الحياة الصاخب الذي لاينتظر . . في ظروف العولمة وتزايد احتكاك البشر، ظروف الثورة التكنولوجية المعلوماتية وتساقط الحدود القديمة ونشوء الجديدة، وما يحمّله من آمال ومخاطر.
#مهند_البراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يقلق العراقيون من قضية برزان ؟!
-
مصالحة ام وفاق وتوافق . . ام ماذا ؟ 2 من 2
-
مصالحة ام وفاق وتوافق . . ام ماذا ؟ 1 من 2
-
الدستور والواقع والآمال في العالم العربي !2من 2
-
الدستور والواقع والآمال في العالم العربي !1 من 2
-
الدستور . . والمتغيّرات 2من 2!
-
الدستور . . والمتغيرات ! 1 من 2
-
لا . . لالحرب خليج مدمّرة جديدة !
-
العراق بين المكوّنات وصراع القوى العظمى والأقليمية ! 2 من 2
-
العراق بين المكوّنات وصراع القوى العظمى والأقليمية !1 من 2
-
هل ستوّحد مجزرة الجسر العراقيين مجدداً !
-
! الدستور بين السعي لمستقبل افضل وبين السعي لأحتواء الأزمة
-
في مسار صياغة الدستور . . مخاطر وآفاق !
-
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 5 من 5
-
صياغة الدستور والأخطار المحدقة !
-
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 4 من 5
-
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 3 من 5
-
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 2 من 5
-
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 1 من 5
-
الدستور . . والآمال المنتَظَرة ! 2 من 2
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|