|
ثقافة الاصلاح ...ديمومة القطع مع تراث ثقافة القبور
سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1380 - 2005 / 11 / 16 - 12:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهد المشهد الثقافي العربي في السنوات الخمس الاخيرة سجالا كبيرا في اتجاه الاصلاح الثقافي كمدخل للاصلاح السياسي . واختلفت . الرؤى حول هذه القضية مع اختلاف المرجعيات للمتحاورين الذين رأو فيما رأو ، اننا اصبحنا خارج الحضارة الانسانية اذا بقيت حال الامة العربية على هذا الحال .
هذا الاتفاق بين المتحاورين فتح سجالا واسعا لتقديم معرفة تحفرفي الوسوس الذي ينجز المشهد الثقافي العربي الذي اصبح قبرا كتب على شاهدة " ان لله وان الية راجعون " . وعلى اختلاف وجهات النظر لمتحاورين حول افضل السبل لتجاوز هذه الازمة التي تعصف بالثقافة العربية ، وبلورت رؤى واضحه للخروج من هذه الحالة المترهلة .
لكن مع كل هذا للجهد للعصف الفكري ، بقيت بعض المناطق في الازمة شية مظلمة والقلة من المتحاورين اقتزيوا وعلى استحياء كبير من تلك المناطق المظلمة . وابرز عناويين المناطق الظلمة ، ثقافة القبور أي الحديث عن الماضي الجميل الذي حقق كل طموحات العرب ثقافيا وحضاريا ، وعلى الرغم من عدم دقة هذا القول لا على الصعيد المعرفي ، اوعلى صعيد السياق التاريخي الاجتماعي ، الذي عادة ما يفرز فئات سياسية طامحة تبحث عن تحقيق كينونة ما ، تحت غطاء ثقافة " الفتح الاسلامي " وهذا شائع في تاريخ الحضارة العربية الاسلامية ، والشواهد على ذلك كثيرة ، يمكن ذكر عدد منها للتركيز والاستدلال بها في الوقت ذاتة . كالفتح العربي لاسبانيا التي عرفت ولوقت طويل الاندلس ، كذلك بلدان اوروبا الشرقية ، وبلاد فارس . كل هذه الجغرافيا فتحت تحت يافطة " الفتح الاسلامي " غير ان في حقيقة الامر ، الطموح السياسي الدافع الاول في فتح هذه الجغرافيا ، وهذا ليس معيبا في حد ذاته ، خاصة اذا ما عرفنا ، ان هذا المنطق التوسعي كان شائعا انذاك في العالم ، وما الامبراطورية ، الرومانية ، التي توسعت الى اقصى حد ممكن ، كذلك الامبراطورية الفارسية فعلت نفس الفعل وتمددت للقدر ، الذي لم يعد بالامكان التمدد اكثر من ذلك .
وبدأت تلك الامبراطوريات بالهبوط وصعود امبرطوريات جديدة ، كان منها الامبراطورية العربية الاسلامية التي تحولت فيما بعد الى دول ومماليك متناحرة في احقاع ادنيا .
وتحالفت مع نقائضها وتجلت صورة التحالف في سقوط غرناطة ، الذي كان بمثابة نهاية الامبراطورية العربية الاسلامية بح .
هذا الدرس لم نتعلم منه جيدا ، واخضعنا جيدا ، واخضعنا اليات تفكيرنا ، وادوات تحليلنا الفكري ، على ان هذا التوسع ، عائد الى ضرورة عقائدية ن والحقيقة ليس كذلك . بل من اهم الاسباب التي دفعت القوى . الاجتماعية العربية بالذهاب الى اقصى الارض هو الطموح السياسي ، وعادة المشروع السياسي يحمل يافطات عقائدية لتبرير مشروعية الانجاز والتحقيق . وهنا يمكن الوعي الاجتماعي ، فكل المشاريع التوسعية العربية ، كان جوهر حراكها القائد – الزعيم .
الذي توفرة له الظروف الموضوعية من اجل تحقيق مشروعية السياسي . والتاريخ السياسي العربي يؤكد على هذا التوجه ، ففي حال غياب او تغيب الزعيم – الفرد ، يذهب المشروع وحتى في حال تحقيقة الى التفكك والتتشرذم ، وتبدأ مرحله الانبهار ، بالرغم من بقاء الشكل الهيكلي الاجتماعي السياسي محافظ على وجودة . وهنا يمكن الاستشهاد بوقائع محددة . كما حصل للدولة الاموية في " الاندلس " ، والدولة الفاطمية ، في المغرب ومن ثم في مصر ، وزالت تلك نتيجة التناحر الداخلي ، فيما بين القوى التي حققت هذه المشاريع .
هذا القول يدفعنا للتساؤل لاي مدى لنا القدرة على التحليل بشكل موضوعي ، حول هذه الظواهر السياسية ، فهي يحق ظواهر سياسية ، وليست ظواهر سياسية اجتماعية ثقافية فمنذ قيام الدولة العربية الحديثة بزعامة معاوية ، ولم يتم تغيير جذري لمفهوم الدولة العربية ، اينما قامت ، فئة خاصة تجمعها مفهوم القبلية تسيطر على مقاليد الحكم وتتحكم في كل مناحي الحياة ، وبالتالي تصبح المرجعية الفقهية التي تصدر الفتاوي التي تعزز وجودها واستمرار نهجاها السياسي . طبعي من الصعب انكار ان هناك انجازات ثقافية تحققت ، وعلمية ، لكنها انجازات جاءت ضمن سياق الزعامة الفردية ، لذا تبقى هذه الانجازات عبارة عن اطلال . تصلح للتباكي عليها ، او التخلي بها فالامر سيان لان هذه الانجازات كانت منقطعة عن جذرها الاجتماعي ، فهي تبلورت معرفيا ضمن ضرورات الزعامة الفردية ، ولم تشكل حالة جماعية يمكن بها الاستمرار والديمومة . كما ارتبطت هذه الانجازات باهواء تلك الزعامات ، وما ان تنحدر هذه الزعامات لسبب او آخر ، فان هذه الانجازات تبقى حبيسة الكتب او خاضعة لاليات الثقافة الشفاهية التي تتناقلها الاجيال كمعرفة توظيف في حالات كثيرة في مواجهة المعرفة الغربية التي خرقت النسيج الاجتماعي اعربي واربكتة .
واثناء هذا التداول للمعرفة العربية المرتبطة بمشاريع سياسية احادية التوجه ومغولة في القدم ، ولم تعد تصلح لاي شيء يذكر . في هذا الحراك اللامعرفي للدقة ، بقيت عن جميع المتحاورين اهمية الزمن الاجتماعي ، فهذا المفاعل المعرفي في الثقافة العربية ، شاهد زور ن وليس بالضرورة ان المتحاورين لا يعرفون اهمية الزمن ، بل لان الزمن الاجتماعي في ثقافتنا العربية خاضع لاليات الزمن ذات الابعاد الماضوية القائمة على كيونتة التركيز فيما يخدم ويعزز سلطة الفرد / القائد / الخلفية / امير المؤمنين ، وينشر ثقافة سلطة التفرد . بهذا المعنى لا يمكن اعتبار الزمن ، هو معادل معرفي يدفع الوةعي الى التفكير في الحاضر والمستقبل . بل ما يجري على ارض الواقع ازحات زمنية ، مستبدلة بين ازمات ماضوية يستشف منها ، اننا ما زلنا اسيرين الحاضر ، فيعطل الحاضر ويلغي المستقبل لصالح الماضوية التي مازالت تعشعش في معظم المشتغلين في الثقافة العربية .
هذه الازمة جعلت من الماضوية تاريخيا اجتماعيا غربيا ، يخضع لاليات التحليل التاريخي الاجتماعي . وفي حقيقة الامر ، القضية ليست كذلك ، فهذا خطأ شائع بين المشتغلين في الثقافة العربية . لان الماضوية السياسية التاريخية ليست نتاج شرائح اجتماعية عربية محددة ، بقدر ما هي مشاريع سياسية ، تكمن في انتاجها ثقافة فقهية سلفية و غير معرفية الا بالقدر الذي يعزز شعاراتها السياسية في مواجهة من تتحارب معه . والشواهد على ذلك كثيرة ، ومليئة في التاريخ الاجتماعي العربي . ومن ابرز هذه الشواهد . المدارس الفقهية ، التي عرفت في النوافل ، وتركت الاساس القائم علية الفقة الاسلامي في اركانة الخمسة !
وهذا الاغراق في النوافل ، لم يكن وليد الصدفة ، بل البحث من جديد في الفقة الاسلامي بقدر ما كان نتاج وافرازات التوسع الاسلامي في البقصة الجغرافية . فكأن الحاجة كانت لنشر والاجتهاد في النوافل . هذه اللعبة التي اتقنتها السلطات السياسية العربية ، هي التي دفعت تلك الثقافة لقبوأ الصدارة لتأخذ بعد ذلك شكل الصراع ، لتتبلور بعد ذلك مدارس ، ومريدين واتباع ، واغرقت الثقافة العربية في ظلمات لم تخرج منها حتى الان.
يتبادر للذهن سؤال ، هل كانت هذه الثقافة حاجة مجتمع اخذ في التمدد والتوسع ام انها كانت حاجة سلطة سياسية تريد تثبيت دعائم حكمها !
المشتغلين في الثقافة العربية ضلوا الطريق ، وانحازوا لقسمين : قسم يؤكد انها حاجة سلطة ، والقسم الاخر على النقيض ويقول انها حاجه مجتمع ، وفي كلا الحالتين ، الامر ليس على هذه الصورة .
لان اذا تم النظر لهذه القضية من هذه الزاوية ، بضعنا بين ضدين ، والاصل ان الذي حصل ، هناك ثقافة غير حيوية التشغيل عليها بعض المشتغلين في الثقافة ، في تلك الصورة ، للبحث عن معنى جديد للنخب التي يمكن تمارس سلطتها المعنوية . خاصة ان هذه الثقافة تسمح في تكوينها خلق مساحات ثقاافية غير واضحة وغير محددةة ، وتخضع لالية الحكم السياسي الذي ينحاز لهذه الثقافة او تلك . وبالتالي يعرض الثقافة التي يجب ان تنتشر بين الشرائح الاجتماعية المحكومة .
جوهر هذه الثقافة هو تعزيز زمن اجتماعي جغرافي محدد، يعرف في الثقافة العربية . اادعوة المحمدية في المدينة التي ارست دعائم الدولة العربية الاسلامية . وكأن الزمن الاجتماعي المعرفي توقف عند هذا الحد وعند هذا الزمن ، ومن ذلك اليوم يتم استنساخ هذا الزمن ويعاد انتاجه وتكريره .
هذا التكرار واعادةة الانتاج ، الذي عزز زمن ماضوي منتشر ومنفشي في الثقافة العربية . ويتم الاستفادة منه كلما دعت الضرورة . وعلى اعتبار ان الضرورة اصبح القانون الاجتماعي الذي يتحكم في الحياة اليومية للثقافة العربية . فنحن اذا نعيش ونتنفس وننتج ثقافة الضرورة القائمة على زمن محدد ومعلوم وغير معرفي الا من زاوية القداسة .
استطاعت هذه الثقافة الماضوية ان تبقى قائمة في نقافتنا العربية رغم كل الهزائم التي تعرضت لها الامة العربية . ولسبب بسيط بدأ ان المشتغلين في الثقافة العربية تحدثوا عن كل الاسباب التي ادت الى الهزائم ، ولم يتطرقوا لهذة الثقافية الماضوية ، الا بقدر محدد وعلى استحياء ، وفي حالات قليلة ، تم مهاجمة الثقافة من زاوية الانتقام والتسفية . وفي كل الاحوال لم تنفع هذه الاليات في الكشف عن مخاطر تلك الثقافة . التي مهدت تاريخيا لنشوء ثقافة الهزيمة التي تتربع على الوعي الشعبي والنخيوي على حد سواء .
ليس المطلوب نسف هذا الثقافة او تمجيدها . الخطوة الاولى المطلوبة المعرفية الكاملة المبتعدة ن حالة التقديس والتعامل معها ضمن الصرورة التاريخية الاجتماعية .
اما الخطوة الثانية وهي تحتل مكانة هامة في السياق النقدي ، الربط الجذري بين مراحل التاريخ الاجتماعي ضمن رؤية الصراع بين مختلف الشرائح الاجتماعية ، والتي افرزت فيما افرزت التعاطي مع بشر لا مع قديسين وابناء .
غير ان الخطوة الثالثة التي تعتبر مفتاحا للخطوتان الاولى والثانية . المعرفة العلمية لتاريخ الاجتماعي العام الذي ينتج ضمن ظروف كونية ن وليس كما هو شائع جاء في مساحة جغرافية محصورة ، وكأنها ظهرت على صورة جزيرة فكرية محاطة بالاعداء . فهذا الادعاء غير دقيق ولا يصمد امام أي قراءة نقدية جادة وفقالة .
فالتأثير سمة الانسان ، ولم ينتج قانونا معرفيا حتى الان يفند هذا القول . بل على العكس ، ما نشاهده اليوم يعزز هذا القول ويدعمه . وما يمكن قولة على الحاضر ، يمكن وصفة على الماضي ، أي كان هذا الماضي وبغض النظر عن الزمن التي ولدت فية الثقافة فلايوجد ثقافة تلد من رحم شيطاني او نبات بري . بل الثقافة هي نتاج تفاعلات اجتماعية تقاطعت مع المصالح الاقتصادية ، وبالتالي افرزت الثقافة ، التي عادة تبحث عن مشروع سياسي يحملها الى ابعد مدى يمكن الوصول الية ، بهذا المعنى لا يمكن الحديث عن اصلاح ، او الدعوة لاصلاح .
وليس صحيحا اننا بحاجة لاصلاح ، لان هذه الكلمة تعطي مدلولات خادعه ، فالاصلاح يولد انطباعا ان هناك شيء يمكن اصلاحة . هذا على المستوى الاول ، اما المستوى الثاني ، يتصور الفرد منا ان المركب كان سائر وتعطل لسبب ما . الحقيقة اننا بحاجة لثقافة لثقيف ثقافتنا بعيدا عن الاجابات المسبقة ، لان الاسئلة دائما بحاجة الى اجابات تتفاعل مع الحاضر وتنظر للمستقبل .
#سليم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قبل الأوان بكثير
-
. وهم البصر ....المرأة الفلسطينية حلم الرغبة .
-
رؤى بعض المثقفين العرب ....كوميديا سوداء .
-
قراءة ماركسية للفكر السياسي النظري الفلسطيني .
-
الاصولية تجذر مداميكها بالتعاون مع الانظمة الراهنة
-
سرك حماس في غزة
-
الدراما العربية تستشف هي الاخري ازمات التاريخ العربي
-
ناجي العلي.. قمر المنفى
-
المشروع النهضوي العربي- التحدي التاريخي
-
قراءة في الاسلام السياسي - مسلسل الطريق الوعر
-
تصريحات محمود عباس كوميدية
-
حفل راقص امريكي ايراني
-
انبهـــــار الثقافـــــة العربيـــة فـي اشكالاتهـــا
-
انجاد مرشح الفقراء ........ حصر الاصوات .....
-
لمــاذا اليســـار الان ؟ قتـــل جـورج حـاوي خطوة علـى الطريـ
...
-
الحلقة الثانية في قراءة المشهد الثقافي الفلسطيني
-
قراءة في المشهد الثقافي الفلسطيني
-
الثقافة الفلسطينية -أنا- منغلقة على ذاتها، وفضاءا مفتوحا على
...
-
الماركسية في فلسطين فراغ سياسي، وطور زمني يحذر من التجدد
-
الجزء الثاني من القراءة للدولة الفلسطينية
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|