|
-ميشيل عفلق- و الثورة العربية
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5082 - 2016 / 2 / 22 - 16:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"ميشيل عفلق" مفكر لم يحض باهتمام المثـقـفين العرب بشكل عام. ذاك انه مثل استـثـناءا في المناخ الثـقافي العـربي على مستوى النخبة التي رأت في العقل الأوربي بمنظور استهلاكي أي محاولة أخذه مع تجاربه، أما الأستاذ "ميشيل عفلق" فهو قد نظر إلى العقل الأوربي كعـقل إنساني و بالتالي فكر فيه بمنطق التعرف على ميكانيـزماته و تملكها و استعمالها في فك شفرات العالم العربي، و بالتالي تكوين رؤية فلسفية تهم العرب في الواقع المعاصر لتـفـتح أمامهم سبل المستـقبل. لقد كان ماركس عربي و هيغل عربي و لكنه لم يكنهما في نـفس الوقت، فاتجه إلى خوض المعركة في الواقع من خلال السياسي، فكانت ولادة حزب البعث العربي الاشتراكي. ربما تكون هذه السمة الإيديولوجية هي التي ساهمت مساهمة كبرى في تغيـيـبه من حيث الدراسة و البحث. و إننا إذ نستحضر هذا المفكر السوري الفذ، فإننا نعـرب عن دهشتـنا من صدق أطروحاته التي بناها في أربعينات القرن العشرين، و التي اثبت سير الواقع مدى نفاذها في فهم الواقع العـربي. حين نريد قراءة هذا الفكر يجب أن نغيب التجربة السياسية لحزب البعث، ذاك أنها تغطي عما قـدمه المفكر المؤسس خاصة النهج الدكتاتوري العنيف الذي اتخذته في ممارسة السلطة، فحجبت مدى الثراء الحقيقي في هذا الفكر، و بالتالي حجبت الإمكانات الهائلة الكامنة في هذه المدرسة الفكرية لبناء نظرية سياسية و اجتماعية، و بناء أفق فكري. و الحقيقة أن مسار الواقع في المايحدث و في الفكر، أفصح عن بعثيته دون أن يكون بعـثيا.. وكون كلمة البعث في ذاتها تحيل إلى المعجم الديني، إلا أنها هنا تأخذ سياقا في الواقع يرمي إلى استحضار مفهوم القيامة العربية و ليس النهضة. فمفهوم النهضة كما تم واقعيا و كما تمت صياغته هو مفهوم يقوم على فكرة الإصلاح، أما مفهوم البعث فيقوم على فكرة أساسية هي الانـقـلاب التام على الأوضاع الراهنة. أي إنها نظرية ثورية، و لكنها ليست مجرد تمنيات رومنسية و لكنها قائمة على فهم للشخصية العربية تاريخيا بكونها شخصية انـقلابية فجائية مذهلة. و الواقع أن سنة 2011 أظهرت للعالم كله مدى هذه الانـقـلابية العجـيـبة الغير متوقعة. كما أن الأستاذ "ميشيل عفلق" لم ينظر لوحدة النضال العربي في التركيبة الإيديولوجية البعثية، إلا انطلاقا من توثـقه التام في أن العرب لا يجمعهم فـقط عدة عوامل مثل اللغة و غيرها مما صيغ من عوامل الوحدة الظاهرة، بل انه رأى في العرب مضمونا جوهريا ليس اثـنيا أو انثروبولوجيا تاريخيا ، و إنما جوهر انطولوجي روحي إنساني يتجه إلى الحـرية المطلقة و التي صاغت نفسها بالإيمان باللاه الواحد. هذه الجوهرية تـشكلت عبر اللغة لكائن بشري لغوي بامتياز و دليل ذلك فيما قبل الإسلام و فيما بعده. و العمل على الثراء اللغوي هو في نـفس الوقت عمل على الثراء الروحي. و هنا كان لابد لأي رسالة الاهية عقلانية أن لا تكون إلا بلسان عربي و في لون بشري بحكم الصحراء يتجه إلى الحرية المطلقة في جغرافية يحكمها الامتداد الانهائي للأرض و السماء. لم يكن للمطلق أن يتـنـزل إنسانيا إلا هنا و الهنا الذي يصبح عربيا. و من هنا تمت صياغة شعار "امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". أما عن الانـتـقاد لهذه الشخصية فانه لا يعني انعـدام هذه الجوهرية، و إنما التعبيرات الواقعية تـتـدحرج بين الأرقى و الأدنى. فالحرب مثلا التي تمثل سمة أساسية في التاريخ العربي، هي عنف دموي و لكنها تماهي مع الحرية المطلقة و التحطيم المستمر لمقولة الثبات ز بالتالي الانقلابية و هي كذلك تجديد للروح مثلما قال الفيلسوف الألماني "هيغل". و من هنا فان مقولة وحدة النضال ليست مجرد شعار سياسي و إنما توصيف جوهري لهذا الجوهر الانطولوجي القابع في الأعماق. فالعربي اليوم حتى و إن ولد في فيلادلفيا فان بأعماقه صحراء الحرية المطلقة. لذلك كان تاريخ السلطة هو القمع الرهيب و الاستبداد الذي مرر نفسه من خلال بناء إيديولوجيات تستـنـد إلى تـأويل للإسلام يـبعـده عن الحرية لصالح السلطة. فبنو أمية هم اللذين بنو نظرية الجبرية، و بنو العباس هم اللذين رعوا مدرسة الحديث ليتم تغـطية القرآن. تغطية الحرية في القرآن. لذلك فان مفهوم البعث يـركز على مقولة الإسلام التأسيسي المحمدي تاريخيا كتعبير روحي حر و هنا يعتبر الإسلام ثورة كبرى تاريخيا و روحيا إنسانيا. فالثورة في تونس قـفـزت مباشرة حسب المعطى الجغرافي إلى مصر ثم إلى ليـبيا ثم اليمن فسوريا و المعطيات السياسية الجزئية و الثورة المضادة الاخوانية و عـدم الحسم مع الأنـظمة السابقة من حيث المنظومات القانونية و التمشيات السياسية و الاقـتصادية و غيرها من الأشياء هي لا تعبر إلا عن لحظات في التاريخ سيتم تجاوزها حتما، بما في ذلك أن الثورة العربية شاملة من الخليج إلى المحيط. السير الجغرافي و التاريخي نراه بارتياب لكوننا غارقين في المايحـدث، أما أن نـقيسه من خلال نظرة عميقة فانه لا يمكننا أن نـقر إلا بأننا في عصر الثورة العربية الكبرى التي تـتجسد فيها مقولة وحدة النضال. هذه الوحدة التي رآها الأستاذ "ميشيل عفلق" تـتـقاطع مع تحرير فلسطين، و هو القائل بان : " فلسطين طريق الوحدة و الوحدة طريق فلسطين". و فعلا فان القوى الثورية العربية قد رفعت إعلام فلسطين كتعبير عن جوهرية اللحظة الثورية بكونها عربية تحررية من الاستبداد السياسي و من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، كما أن القوى الثورية في تونس طالبت بتجريم التطبـيع مع الكيان الصهيوني في الدستور. و هي تعلم أن المسالة ستساهم في إعاقة وصولها إلى السلطة لكنها بما أنها ثورية و تعتـقـد في انتصار الثورة آجلا أم عاجلا ، فانه لا مجال إلا للتعبير عن جـوهر الثورة. كما أن نجاح الثورة العربية لا يمكن أن يكون إلا بتوجيه اتجاه الثورة نحو تحرير فلسطين. لأجل ذلك لم يسقط النظام السوري باعتباره نظام ممانعة مما أعـطاه تأيـيدا داخليا منع تـفـككه من داخل السلطة. لأجل ذلك كذلك تعالت الأصوات الساخرة من الجهاديـين الوهميـين في سوريا و دعـوتهم للجهاد في تحرير فلسطين. هذه الدعوة ستجد تطبيقها الفعلي ما أن تـتغير في الواقع بعض الموازين السياسية التي تمنعه، و التي تمنع في نفس الوقت الثورة ضد استبدادها السياسي. و بما أنها ثورة ضد الاستبداد فهي ثورة ضد احتكار السلطة و الثروة، لأجل ذلك فمطلبها الرئيسي الحرية و العدالة الاجتماعية. و الإعـصار بما انه في المنطقة العربية برمتها في لحظة جوهرية حاسمة يعبر فيها الصراع عن تـداخل ما هو استعماري أجنبي امبريالي مع ما هو رجعي عربي متخلف تاريخيا و سياسيا و فكريا و ثـقـافيا، فان المعركة طاحنة جدا، تعبر عن جمالية اللحظة من حيث عمقها التاريخي الذي هو بعث للأمة العربية. البعث بما هو خلق جديد و الخلق بما هو إيجاد فكر جديد و واقع جديد. و مقولة العـدالة الاجتماعية ما هي إلا الاشتراكية التي صاغها الأستاذ "ميشيل عفلق" ليس كمفهوم اقتصادي فقط و إنما كمطلب إنساني روحي هو في نفس الوقت مطلب ثوري تحرري وحدوي. لذلك فالوحدة و الحرية و الاشتراكية تمت صياغتها كمركب جدلي يستحضر نفسه برمته في لحظة تاريخية واحدة. افليس سير الواقع العربي الآن هو بعثي بامتياز؟
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله و الإيروس
-
فقدان المناعة السياسية في تونس
-
أي نار لأدخنة تونس
-
مجتمع الاصنام
-
بين أبي و إبني
-
بين -غاندي- و -شكري بالعيد-
-
المحبة من مهب الثورة
-
الأفق التونسي المراوغ
-
سؤال بناء الوعي في عالم متحرك
-
الطائر التونسي المسلوخ
-
الفردوس و الديناصور
-
الروح في عالم الزبالة
-
انقضاء السنة الداعشية
-
تموت الحرية حين لا تقرع اجراسها باستمرار.
-
ما أنا إلا أبي
-
الجمالي السياسي التونسي
-
من رعود -شكري بالعيد- الى سيدني
-
بين الدائرة الجهنمية و المائية عالميا و عربيا
-
القيامة السعودية
-
برامجنا تعليمية ام تجهيلية
المزيد.....
-
إطلالة مدهشة لـ -ملكة الهالوين- وتفاعل مع رسالة حنان ترك لجي
...
-
10 أسباب قد ترجح كفة ترامب أو هاريس للفوز بالرئاسة
-
برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصح
...
-
DW تتحقق - إيلون ماسك يستغل منصة إكس لنشر أخبار كاذبة حول ال
...
-
روسيا تحتفل بعيد الوحدة الوطنية
-
مصر تدين تطورا إسرائيليا -خطيرا- يستهدف تصفية القضية الفلسطي
...
-
-ABC News-: مسؤولو الانتخابات الأمريكية يتعرضون للتهديدات
-
ما مصير نتنياهو بعد تسريب -وثائق غزة-؟
-
إعلام عبري: الغارة على دمشق استهدفت قياديا بارزا في -حزب الل
...
-
الأردن.. لا تفاؤل بالرئاسيات
المزيد.....
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
المزيد.....
|