|
شعوذة التاريخ - حتمية التاريخ
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5080 - 2016 / 2 / 20 - 04:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الطرف (أ) : إن أخرجت السمكة من الماء ، فحتما سوف تموت . الطرف (ب) : لكن ها هي السمكة خارج الماء ، و هي لا تزال على قيد الحياة .
الطرف (أ) بدأ مأساة الحتمية ــ بداية يمكن إيجازها بـ : 1. نقص المعطيات ؛ الجهل بالكل المعني . 2. الإطلاق في الحكم ؛ موقف متصلب ، دون إطار نسبي لإحتمال آخر .
و حين اصطدم الحكم بالمحكوم عليه ، ظهر الخطئ و الغلط في الحكم ؛ فتزعزع الحكم ذاته منتهيا إلى الإنهيار ــ و تكتمل المأساة حين يلحق شيء من هذا الإنهيار بالحتمية ؛ و هذا لا يعني أن الحتمية ذاتها في إنهيار ، فحتى و إن تزلزت الحتمية ، إلا أنها أكثر صمودا من الحكم [ المرتبطة به كصفة ] .
فعلى الرغم من أن حكم الطرف (أ) سقط ، إلا أن هذا ليس مبرر للطرف (ب) ليعلن موت الحتمية .
* تجنب مأساة الحتمية يكون بتجنب شروط المأساة (نقص المعطيات) و (الإطلاق في الحكم) ؛ ما يعني سعيا نحو إحاطة أكثر شمولية بالمعني به ، ضمن إطار نسبي يتوخى الحذر .
***
قد تبنى الحتمية بالإستناد على التكرار [ للدقة أكثر : بالإستناد على التشابه في التكرار ] ، و هذا أحد منابع المأساة ــ فعلى الرغم من أن التكرار يحوي بعض التشابه ، إلا أن الإختلاف سمة رئيسية فيه ؛ فمن الأحكام الحتمية ما بُنيّت على أوجه التشابه ، دون النظر إلى أوجه الإختلاف [ بل إن الأمر قد يتجاوز مجرد الحكم ، فيكون هناك تطبيق عملي هو في الأساس تقليد ؛ غايته في التقليد أن يحقق ما حققه الذي يقلده ، دون توخي أوجه الإختلاف ــ فلا عجب أن ينتهي التقليد إلى مأساة ] .
* فالضوابط و الشروط العامة لتجربة ما (كيميائية مثلا) ، تنبني على نسبة معينة من التشابه في التكرار ، دون إهمال للإختلاف في التكرار ؛ و على الرغم من كون نسبة التشابه إلى الإختلاف تكون هي الأطغى ، إلا أن هذا لا يُعدم الإختلاف [ و هنا الحتمية تُطلق على نتيجة تكرار تجربة ، ضمن إطار ضوابط و شروط عامة ؛ و نسبة التشابه إلى الإختلاف (أطغى) ] ــ نسبة التشابه إلى الإختلاف [ في التاريخ ] تلعب دورا في تحديد التمرحل و التطوّر في التاريخ ؛ فالأطراف و البناءات تعيد إنتاج النمط الكلي ، لكن ليس تماما ، إذ أنها لا تعيد إنتاجه في حالة من التوافق و السلام ، بل في حالة من التناقض و الصراع [ هذا لا يعني أن (( التاريخ في تكرار )) ، لكنه يعني أن التاريخ في حركة و تغيّر ، و هما ليسا من خارجه ــ فالسببية كامنة في التاريخ ] .
و في تناول السببية ــ فما أطلقنا عليه (الأسباب الممكنة) و (الأسباب الغير ممكنة) ، يرتبط بالحتمية و مأساتها . و يمكن تلمس التداخل بين السببية و الحتمية ، الذي يجعل منهما لضعيف التمييز شيئا واحدا ؛ فالحتمية ليست إلا نتيجة في النهاية ، و يمكن أن نسمي الحكم الحتمي بـ(النتيجة المتوقعة) ، لكن النتيجة الواقعة هي (النتيجة الحتمية) [ فالنتائج تلي الأسباب ] .
* ففي حالة (نقص المعطيات) [ و هي تتداخل مع حالة الجهل بـ(الأسباب الممكنة) ] ، فسينتهي الأمر إلى نتيجة واقعية [ نتيجة حتمية ] تختلف عن النتيجة المتوقعة [ الحكم الحتمي ] ؛ و الجدير هنا بالإنتباه التمييز بين (النتيجة الحتمية) و (الحكم الحتمي) ، ففي إبتعادهما تكمن مأساة الحتمية ــ و الجنوح في (الأسباب الغير ممكنة) سينتهي أيضا إلى إختلاف بين النتيجة الواقعية و النتيجة المتوقعة .
في الختام ــ يجب التمييز بين النتيجة الواقعية [ النتيجة الحتمية ] و النتيجة المتوقعة [ الحكم الحتمي ] ، كما يجب أن نعي أن رفض الحتمية يعني نزوحا خارج التاريخ ، هذا النزوح له أسماء عدة إلا إن الجوهر واحد ، منها : (الله) ، (العدم) . و كما أن الخلط بين السبب و النتيجة هو غلط ، أيضا الخلط بين السببية و الحتمية هو غلط ؛ على الرغم من الإرتباط الكائن و الكامن . و الأهم أن كل حتمية ناقصة المعطيات و مطلقة في الحكم ، فهي شعوذة بإسم الحتمية . في كل سلسلة { شعوذة التاريخ } التي تم تلخيصها بتناول منفصل [ إلا أن هذا لا يعني إنعدام الإتصال و التداخل ــ دون إهمال الـ(مقدمة) ؛ فهي مفتاح هذه السلسلة ] ، كان التركيز بالإنطلاق من علم التاريخ ؛ لكن هذا الإنطلاق لم يحسنه البعض أو لم يلتزم بكل شروطه ، و ذلك للإنتصار لمساعيه المموهة ، أو لحجب المغالطات ، أو التغطية على ضعف الحجج [ إن وُجدت ] ــ شعوذة صيّرت التاريخ شعوذة .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعوذة التاريخ - محكمة التاريخ
-
شعوذة التاريخ - التطوّر في التاريخ
-
شعوذة التاريخ - علمية التاريخ
-
شعوذة التاريخ - مقدمة
-
شيء عن برنارد هنري ليفي
-
شعوذة إقتصادية (4)
-
شعوذة إقتصادية (3)
-
شعوذة إقتصادية (2)
-
شعوذة إقتصادية (1)
-
القوة - السلعة و الخدمة
-
القوة - النقود
-
القوة - الجهد المبذول [ قوة العمل ]
-
القوة - الجمهور و الجماعة
-
تصفية الشهداء
-
القوة - كونك ماركسي
-
كونك ماركسي 2
-
كونك ماركسي
-
مغالطات مُتداولة .. العامل المُنتج هو بروليتاري
-
القوة - الجنس
-
شيء عن الإيديولوجيا
المزيد.....
-
بعد إعلان حالة التأهب القصوى.. لماذا تشعر اليابان بالقلق من
...
-
-روتانا- تحذف أغنيتي شيرين الجديدتين من قناتها الجديدة على ي
...
-
منطقة حدودية روسية ثانية تعلن حالة الطوارئ مع استمرار تقدم ا
...
-
كييف تتحدث عن تقدم قواتها في كورسك وموسكو تعلن التصدي لها
-
هاري كين يكشف عن هدفه الأبرز مع بايرن ميونيخ
-
منتدى -الجيش - 2024-.. روسيا تكشف عن زورق انتحاري بحري جديد
...
-
وزير تونسي سابق: غياب اتحاد مغاربي يفتح الباب للتدخلات الأجن
...
-
أيتام غزة.. مصير مجهول بانتظار الآلاف
-
سيناتور روسي يؤكد أن بايدن اعترف بتورط واشنطن في هجوم كورسك
...
-
حصيلة جديدة لعدد المعاقين في صفوف القوات الإسرائيلية جراء حر
...
المزيد.....
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|