|
سائق القطار الثمل
مساري البصراوي
الحوار المتمدن-العدد: 5080 - 2016 / 2 / 20 - 00:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ثلاثة وثلاثون عاماً مرت على اخر مرة قدتُ فيها قطاراً و لا اخفيهم سراً انني ارغب وبشدة في ان اقوده مجدداً ولكنني الان ولسوء حظي مقيدٌ بهذا الكرسي المتحرك لا اريد ان اشغلكم بمشاكلي الصحية و سأكتفي بسرد القصة فأنا اعلم جيداً اننا جميعاً نكره ان يشتكي الاخرين همومهم لنا وخاصه اذا كانت لشخصاً مشلولاً كحالي قصتي يا اخوتي بدأت في 5 فبراير من عام 1893 اما قبل هذا التاريخ فقد كنت رجلاً احمقاً كباقي الرجال مهتماً برهانات الخيول وسيقان العاهرات فقط ، كان صباح ذلك اليوم صباحاً جميلاً فالعصافير في كل مكان والطقس دافء على غير العادة وخاصه في تلك الايام من السنة ، اكملتُ كافة الفحوصات الميكانيكية للمحرك فهذه هي الاوامر يجب ان يكون كل شيء على ما يرام فلا مجال للخطأ في عملنا وبعد ان انتهيت جلستُ في مقعدي واعطيتُ الامرَ الى مساعدي السيد جورج بضرب الاجراس كي يتهيأ الركاب للحركة وفعلاً بعد دقائق تحرك القطار بسلاسة وسار نحو قدره المحتوم ! بعد مرور خمس ساعات اخرج جورج بعضاً من الطعام من حقيبته السوداء الممزقه ! جورج رجلٌ بخيل لم يعتد ان يجلب معه الطعام وخاصه ان الطعام يُمنح لنا مجاناً من قبل شركة The fast train التي نعمل لديها ! اثارني هذا الامر كثيراً فقلت له " هل ستموت ؟! " اجابني جورج وهو يضحك " لماذا تسأل هذا السؤال يا سيمون " اجبته وانا احدق في الطعام " جورج انت رجلٌ بخيل والفأر اذا دخل منزلكم يموت جوعاً ! فما الذي دعاك ان تجلب هذا الطعام ؟ قلت ذلك وانا اكاد ان انفجر من الضحك ! شعر صديقي جورج بالحرج وبدأ باعادة الطعام الى حقيبته فمسكتُ يده وقبلته في رأسه فعاد مبتسماً مره اخرى ، لم يحدث اي شيء غريب بعد ذلك سوى ان احد عمال القطار واسمه جوزيف جاءني ليسألني عن كلب جارتي العجوز بوبي فقد سمع خبراً من ساعي البريد انها تريد بيعه فقلت له انني لا اعلم بهذا الامر ونصحته ان لا يشتري كلباً فمنزله صغير جداً وللاسف كانت هذه اخر مرة اتكلم فيها مع هذا الشاب الخلوق . بالساعة الحادية عشر ليلاً من ذلك اليوم وصلنا الى ذلك المكان المشؤوم والذي يطلقون عليه اسم غابة الموتى فسكة الحديد تخترق تلك الغابة ولا يوجد شيء مرعب لركاب القطارات اكثر من المرور من خلال اشجارها فالشائعات تقول ان هناك شخصان وجدا مقتولين خلال بناء تلك السكة بظروف غامضة ! هذه الغابة دارت حولها الكثير من القصص المرعبة التي لا يستطيع اي شخص ان يتصور بشاعتها ورعبها ، لم يتجرأ احداً ان يذهب الى هذه الغابة فمن ذلك الشجاع الذي يستطيع ان يفعلها في ظل تلك الشائعات المنتشرة في البلاد !!! ولا ابالغ عندما اقول لكم انني احب هذا الامر فمدير الشركة يعطي علاوة كبيرة على من يدخلها اما زملائي الاخرين فهم مستعدون ان يتركوا العمل على ان لا يدخلوها في يوم من الايام ! ، لا اقول لكم انني شجاع فلولا زجاجة الخمر التي اجلبها معي ما كنت لاخوض تلك التجربة المخيفة ، زجاجة الخمر !! تلك الزجاجة التي اعتقدتُ انها سبيلي في النجاة من الخوف كانت هي السبب في انقلاب القطار ومقتل الركاب والى الان احمل اسمائهم في ورقة داخل جيبي حتى لا انسى اسمائهم واطلب العفو كل ليلة من السيد المسيح حتى يغفر لي تلك الخطيئة فارواحهم تلاحقني في كل مكان اذهب اليه ولا اريد ان اخيفكم ولكنني الان اشاهد صورة تلك الفتاة ذات الشعر الاصفر وهي تمسك دميتها بيدها ورأسها ينزف دماً ، لم اكن انا السبب انه الخمر دائماً ما اقول لهم ذلك عندما تحضر ارواحهم في مخيلتي ولكنهم لا يصدقونني ! في تلك الليلة الباردة اتذكر انني كنت اشرب الخمر ولم اكن منتبهاً بشكل جيد الى الطريق فانا كنت متيقناً ان الطريق سالك فهذه الغابة فارغة ولا يوجد هناك اي خوف من وجود عوائق على سكة القطار ولكن حصل ما كنت اجهله لقد خرج القطار عن السكة لم اكن اعلم ماذا يحدث حصل الامر بشكل سريع كل ما اتذكره انني استيقظت وشعاع الشمس يخترق جفوني ورأسي يؤلمني كان الهدوء يخيم على المكان لم استطع ان احرك قدمي كل الذي استطيع فعله هو ان احرك رأسي يميناً وشمالاً فوجدتُ صديقي جورج مغشياً عليه بعيداً عن المقطورة صرخت وصرخت لعله يسمعني ولكن لا احد يسمعني لا احد يجيبني اغمضتُ عيني وفتحتها مرة اخرى لعلي اكون في حلم واستيقظ منه، كذبتُ نفسي وبدأت بترديد الكلمات " انا احلم ، انا احلم ...." لا اعلم ماذا افعل في ذلك الوقت سوى ان اتوسل بيسوع ان يخلصني من العذاب والالم الذي انا فيه بدأت اصرخ " لماذا يا الهي جعلتني اتعذب لماذا لم تتركني اموت حتى لا ارى هذا الالم " وبعد ساعات من البكاء والصراخ اخذ مني التعب مأخذاً كبيراً فاستسلمت للنوم في مساء اليوم التالي وصل فريق من الشرطة الى مكان الحادث بعد ان تأكد لهم وجود حادث ما بسبب تأخر القطار عن موعد الوصول ، روى لي الرقيب ألبرت تفاصيل انقاذي وقال انهم ظنوا انني ميت في بداية الامر لولا ان احدهم تلَمَس نبضي فوجدني على قيد الحياة ولا اعلم لماذا يُقال عني انني على قيد الحياة ! اي حياة تلك التي انا اعيشها والاشباح تطاردني ! ، بعد ثلاثة اشهر قدمت الشرطة تقريراً مفصلاً عن الحادث قالت فيه ( ان سبب خروج القطار عن المسار هو وجود غصن شجرة كبير نسبياً على السكة تسبب في خروج القطار عن مساره وسبب وجود هذا الغصن هو احتكاك العربة الاخيرة من القطار الذي سار على نفس المسار في اليوم السابق وكان يحمل قطع من الحديد الكبيرة تسببت في قطع احد الاغصان للاشجار المحاذية للسكة وتوصي اللجنة التحقيقية باغلاق شركة the fast train لانها لم تقم بازالة الاشجار القريبة جداً من السكة وتقديم تعويضات لاهالي الضحايا ) وكان رد الشركة في افادتها امام المحكمة ان سبب عدم رفعها للاشجار القريبة من السكة كان بسبب عدم وجود اشخاص لديهم الشجاعة الكافية للدخول الى تلك الغابة للتنظيف مع انها قدمت عروض ومبالغ كبيرة ولكن دون جدوى فالجميع يخاف بسبب تلك الشائعات المرعبة ) في بعض الاحيان اقول في نفسي هل انا كنت السبب لانني لم انتبه الى ذلك الغصن ام السبب هو تلك الشركة التي لم تُزيل تلك الاشجار ام السبب هو المجتمع الذي اطلق تلك الخرافات والاكاذيب حول الغابة وجعلها مخيفه لدرجة ان الجميع امتنع عن دخولها من اجل رفع العوالق التي قد تسبب حادثاً في المستقبل ، كم قطار تحطم بسبب الاوهام كم امراة ماتت كم طفلة سُرقت احلامها بسبب الخوف من الغابة لا اعلم ماذا اقول لكم يا اصدقائي ولكن حتى ايماني بدأ يتزعزع بالرب يسوع فقد تكون تلك النار التي وعدنا بها رجال الدين غير موجود وانها مجرد وهم كما كانت الغابة المخيفه وهماً فبأسم النار التي وعدنا بها يسوع مات الكثير من الاشخاص يا اصدقائي اوصيكم ان ترفعوا ذلك الوهم الذي يدعى بالنار من عقولكم فقد وضعه رجال الدين حتى لا يجعلوكم تنظفوا سكة القطار وتسيروا نحو المستقبل ، الحق اقول لكم سيأتي اليوم الذي ينقلب فيه القطار ويموت الابرياء لان الجميع كان يخاف ان ينظف عقله من الخرافات وقصص الرعب الخيالية .
#مساري_البصراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كل موجود يحتاج الى موجد !
-
صفقة مربحة مع الاله!
-
الف وخمسمائة سنة من الرمال
-
اثبات وجود اللاموجود !!
-
قراءة نقدية للفلسفة الاسلامية
-
من هو كاتب القران
-
عندما يختفي القائد
-
محمد بريء من تحدي العرب حول بلاغة القران !
-
لماذا نؤمن بوجود خالق !
-
ما هو الحظ
-
تماثيل خارج الحضارة
-
(عبادة الجرذان في منطق اهل الاديان )
-
( عندما تضيع الحقيقة بين انقاض الحقد السياسي )
-
البذرة الشريرة
-
لماذا العلمانية
-
غنائم
-
البصرة بين التشدد والتجديد
-
ذكريات مؤودة
-
قربان بشري وترانيم شجية !
-
مواطن من الدرجة الثانية
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|