أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد صالح الطحيني - انتصار محمد















المزيد.....

انتصار محمد


محمد صالح الطحيني

الحوار المتمدن-العدد: 5079 - 2016 / 2 / 19 - 16:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قضى النبي معظم العامين الباقيين من حياته في المدينة، وكان ينتقل فيها من نصر إلى نصر، فقد خضعت فيهما بلاد العرب كلها، بعد فتن قليلة الشأن، إلى سلطانه ودخلت في دين الإسلام. وجاء إلى المدينة كعب ابن زهير، أعظم شعراء العرب في ذلك الوقت، وكان قد هجا النبي في بعض قصائده، وأسلم نفسه إليه، واعتنق الإسلام، فعفا عنه النبي، وأنشأ الشاعر قصيدة عصماء في مديح النبي أجازه عليها ببردته ، اما المسيحيين واليهود وكانوا يدعون اهل الذمة فقد فرض عليهم الجزية مقابل صون دمائهم فأما دفع الجزية او قتلهم وقد كانوا يعاملون بأحتقار وفرض عليهم وضع إزار يميزهم عن المسلمين وكان من المستحب على المسلم ضرب الذمي على قفاه كي يحسسه بالمذلة حتى يسلم ويقول المؤرخون إنه بعث الوفود إلى ملك الروم، وملك الفرس وإلى أمير الحيرة وبني غسان، يدعوهم إلى الدين الجديد؛ ويلوح أن أحداً منهم لم يرد على رسائله ، وكان يشهد بعين المستسلم الفيلسوف الحروب المشتعلة نارها بين فارس وبيزنطية وما جرته عل الدولتين من خراب، ولكنه يبدو أنه لم يفكر قط في توسيع سلطانه خارج حدود بلاد العرب .
وكانت أعمال الحكومة تشغل وقته كله، فقد كان يُعنى أشد العناية بكل صغيرة وكبيرة في شؤون التشريع والقضاء، والتنظيم المدني، والديني، والحزبي. وحتى التقويم نفسه قد عني بتنظيمه لأتباعه، فقد كان العرب يقسمون السنة كما يقسمها اليهود إلى اثني عشر شهراً قمرياً، وكانوا يضيفون إليها شهراً كل ثلاث سنوات لكي تتفق مع السنة الشمسية. فأمر النبي أن تكون السنة الإسلامية اثني عشر شهراً على الدوام كل منها ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون على التوالي، وكانت نتيجة هذا أن أصبحت السنة الإسلامية فيما بعد غير متفقة مع فصول السنة، وأن تقدم التقويم الإسلامي سنة كاملة على التقويم الجريجوري كل اثنتين وثلاثين سنة.
ولم يكن النبي مشرعاً علمياً، فلم يضع لأمته كتاباً في القانون أو موجزاً فيه، ولم يسر في تشريعه على نظام مقرر، بل كان يصدر الأوامر حسبما تمليه عليه الظروف. فإذا أدى هذا إلى شيء من التناقض أزاله بوحي جديد ينسخ القديم ويجعله كأنه لم يكن ، وحتى شؤون الحياة العادية كانت أوامره فيها تُعرض في بعض الأحيان كأنها موحى بها من عند الله. وكان اضطراره إلى تكييف هذه الوسيلة السامية بحيث تتفق مع الشؤون الدنيوية مما أفقد أسلوبه بعض ما كان يتصف به من بلاغة وشاعرية، ولكن لعله كان يشعر بأنه بهذه التضحية القليلة جعل كل تشريعاته تصطبغ بالصبغة الدينية الرهيبة . ومع اضطلاع النبي بهذه الشؤون كلها فقد كان جم التواضع إلى درجة تحببه إلى النفوس، وكثيراً ما كان يعترف بأن ثمة أموراً لا يعرفها، ويحتج على الذين يظنونه أكثر من إنسان يجري عليه ما يجري على الناس جميعاً من موت ووقوع في الخطأ.
ولم يدعِ في يوم من الأيام أنه قادر على معرفة الغيب أو الإتيان بالمعجزات. لكنه مع هذا لم يكن يستنكف أن يستعين بالوحي بالأغراض البشرية والشخصية، كما حدث حين نزل الوحي مؤيداً زواجه من زوجة زيد متبناه . وتزوج النبي بعشر نساء وكانت له اثنتان من السراري هن مبعث الدهشة والحسد والتعليق والمدح عند الغربيين، ولكن علينا أن نذكر على الدوام أن نسبة الوفيات العالية من الذكور بين الساميين في العصر القديم وفي بداية العصور الوسطى جعلت تعدد الزوجات، في نظر هؤلاء الساميين، ضرورة حيوية تكاد تكون واجباً أخلاقياً. وكان تعدد الزوجات في نظر النبي أمراً عادياً مسلماً به لا غبار عليه، ولذلك كان يقبل عليه وهو مرتاح الضمير ساعيا لإشباع الشهوة الجنسية، ويروى عن عائشة حديث عن النبي مشكوك في صحته يقول فيه "حبب إلي من المساكن التي أقام بها واحداً بعد واحد كلها من اللبن، لا يزيد اتساعها على اثنتي عشرة أو أربع عشرة قدماً، ولا يزيد ارتفاعها على ثمان أقدام، سقفها من جريد النخل، وأبوابها ستائر من شعر المعز أو وبر الجمال. أما الفراش فلم يكن أكثر من حشية تُفرش على الأرض ووسادة، وكثيراً ما كان يُشاهد وهو يخصف نعليهِ؛ ويرقع ثوبه، وينفخ النار، ويكنس أرض الدار، ويحلب عنزة البيت في فنائه، ويبتاع الطعام من السوق. وكان يأكل بيده، ويلعق أصابعه بعد كل وجبة، وكان طعامه الأساسي التمر وخبز الشعير، وكان اللبن وعسل النحل كل ما يستمتع به من الترف في بعض الأحيان.
ولم يتعاطَ الخمر التي حرمها هو على غيره، وكان لطيفاً مع العظماء، بشوشاً في أوجه الضعفاء، عظيماً مهيباً أمام المتعاظمين المتكبرين، متسامحاً مع أعوانه، يشترك في تشييع كل جنازة تمر به، ولم يتظاهر قط بأبهة السلطان. وكان يرفض أن يوجه إليه شيء من التعظيم الخاص، يقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم له بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به لنفسه. ولم يكن ينفق على أسرته إلا القليل من المال رغم ما كان يرد إليه من الفيء وغيره من الموارد، أما ما كان ينفقه على نفسه فقد كان أقل من القليل. وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر من هذا المال، لكنه كان ككل الناس يعنى بمظهره الشخصي ويقضي في تلك العناية كثيراً من الوقت، فكان يتعطر ويكتحل، ويصبغ شعره، ويلبس خاتماً نقش عليه "محمد رسول الله" وربما كان الغرض من هذا الخاتم هو توقيع الوثائق والرسائل. وكان صوته موسيقياً حلواً يأسر القلوب، وكان مرهف الحس إلى أقصى حد، لا يطيق الروائح الكريهة، ولا صلصلة الأجراس، أو الأصوات العالية "واقصد في مشيك، واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير". وكان قلقاً عصبي المزاج، يُرى أحياناً كاسف البال، ثم ينقلب فجأة مرحاً كثير الحديث؛ وكان حلو الفكاهة فقد قال مرة لأبي هريرة، وكان يتردد عليه كثيراً: "يا أبا هريرة زد غباً تزدد حباً". وكان محارباً صارماً لا يرحم عدواً ، وقاضياً عادلاً في وسعه أن يقسو ويغدر، ولكن أعماله الرحيمة أكثر من أن تُعد. وقد قضى على كثير من الخرافات الهمجية كفقء أعين بعض الحيوانات لوقايتها من الحسد، أو ربط بعير الميت عند قبرهم. وكان أصدقاؤه يحبونه حباً يقرب من العبادة، وكان أتباعه يجمعون بصاقه أو شعره بعد قصه، أو الماء الذي يغسل به يديه، لاعتقادهم أن في هذه الفضلات شفاء لهم من ضعفهم أو مرضهم.
وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء جميع واجبات الحب والحرب ، ولكنه أخذ يضعف حين بلغ التاسعة والخمسين من عمره، وظن أن يهود خيبر قد دسوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات ونوبات غريبة. وتقول عائشة إنه كان يخرج من بيته في ظلام الليل، ويزور القبور، ويطلب المغفرة للأموات ، ويدعو الله لهم جهرة، ويهنئهم على أنهم موتى. ولما بلغ الثالثة والستين من عمره اشتدت عليه هذه الحميات، وحدث في إحدى الليالي أن شكت عائشة الصداع، وأن شكاه هو نفسه وسألها وهو يمازحها إلا تفضل أن تموت هي قبله، فتحظى بأن يدفنها رسول الله، فأجابته بحديثها المعهود، أنه حين يعود من دفنها سيأتي بعروس أخرى مكانها. وظلت الحمى تعاوده أربعة عشر يوماً بعد ذلك الوقت، وقبل وفاته بثلاثة أيام نهض من فراشه، ودخل المسجد وشاهد أبا بكر يؤم المسلمين للصلاة بدله، فجلس متواضعاً إلى جانبه حتى أتم صلاته. وفي اليوم السابع من شهر يونيه عام 632 توفي ورأسه على صدر عائشة.
وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنساناً غيرة حقق كل ما كان يحلم به. وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم، وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم.

يتبع-القرآن



#محمد_صالح_الطحيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هجرة محمد الى المدينة
- محمد في مكة
- الإسلام
- الشريعة اليهودية
- الشعائر الدينية عند اليهود
- منشئو التلمود
- اليهود والنفي
- الأساقفة الشرقيون
- المارقون عن المسيحية
- تنازع العقائد المسيحية
- المسيحيون
- موت المسيح وتجلّيه
- الإنجيل
- رسالة عيسى اليسوع
- نشأة عيسى المسيح
- الديانة المسيحية
- بوذا في أيامه الأخيرة
- تعاليم بوذا
- أسطورة بوذا
- ماهافيرا والجانتيوُّن


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة ...
- “فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور ...
- المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد صالح الطحيني - انتصار محمد