خواطر حول الدين

داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 5079 - 2016 / 2 / 19 - 13:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

خواطر حول الدين
داود روفائيل خشبة
الدين فى نشأته يضم عنصرين أساسيين وعنصرا ثانويا. العنصران الأساسيان هما الأسطورة والسحر. والعنصر الاستثنائى يمكن أن نسميه الحِسّ الكونى.
فى فجر التاريخ الإنسانى حين امتلك الإنسان القدرة على التفكير هاله ما يحيط به من قوى ومظاهر الطبيعة، بعضها عاتٍ جبّار مرعب مدمّر، وبعضها رفيق يأتيه بالخير. وإزاء حيرة الإنسان امام تلك القوى والظواهر اختلق الأساطير، أساطير الخلق والآلهة التى تحكم الرعد القاصف والبحر الهائج والنار التى لا تبقى ولا تذر. وعن تلك الأساطير نشأت كل المعتقدات الدينية.
كما لجأ الإنسان للأساطير ليُسكت تساؤلاته ويهدّئ مخاوفه، لجأ للسحر لاسترضاء قوى الطبيعة واستمالتها، وأحيانا لقسرها على العمل لما فيه نفعه: يسترضيها ويستميلها ويؤثر فيها بالرقص والغناء وقرع الطبول وتقديم القرابين. وعن طقوس السحر ومراسمه نشأت كل طقوس وشعائر الأديان.
أما ما أسميته الحِسّ الكونى فتختص به بغض النفوس المرفهة والعقول المتأمّلة، وهو أصل التصوّف والفلسفة. لكن هذا ليس موضوعى الأن.
حول الأساطير الأساسية تنشأ أساطير فرعية، أخطرها وأكثرها شيوعا وأبعدها عن الحقيقة أسطورة ارتباط الأخلاق بالدين. ولست بحاجة للاستشهاد بالفيلسوف الفرنسى برجسون Bergson فى كتابه "منبعا الدين والأخلاق". كل ما ضمّنه الديانات المؤسسية من مبادئ أخلاقية ومثل وقيم كانت قد توصّلت إليه الإنسانية فى انفصال عن الدين. كثيرا ما يُشار إلى وصايا موسى العشر باعتبارها تؤسس للأخلاق، وهذا وهم كبير. الوصية الأولى "أنا الرب إلهك لا يكن لك إله عيرى" هى أولا مطلب عقائدى لا أخلاقى، وهى ثانيا لا تدعو للوحدانية كما يزعمون أو يتوهمون، بل هى تخاطب الشعب الإسرائيلى تأمره بأن يعبد إلهه الخاص به ولا يغبد غيره من الآلهة. والوصية الثانية الخاصة بحفظ يوم السبت هى وصية طقسية. أما بقية الوصايا – لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، إلخ. – فهى قواعد مجتمعية، بغيرها لا تستقرّ قبيلة أو جماعة تحتاج العيش معا. كل قبيلة بدائية فيها من القواعد والنظم ما يفوق الوصايا الموسوية كثيرا. لكن الأخلاق تنشأ حين يجد أحد رجال القبيلة رجلا جريحا فلا يكتفى بعونه وإسعافه كما يقتضى العُرف السائد فى القبيلة بل يعطيه آخر جرعة ماء كان يستبقيها لنفسه.
إذا أردنا دليلا على أن الدين شىء والأخلاق شىء آخر فما علينا إلا أن ننظر حولنا. ألسنا نرى كل الاعتبارات الإنسانية تنتهك بل تذبح بأمر العقيدة؟
القاهرة، 19 فبراير 2016

#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات