هآرتس 22/1/2003
لا علاقة بين التفتيش والحرب
بقلم: تسفي برئيل
كشف النقاب عن وجود 12 صاروخا ذات رؤوس كيماوية في موقع احيدر جنوبي بغداد يوم الخميس الماضي أثار جلبة كبيرة، وما لبثت ان تلاشت. هذا الموقع هو من أكبر مخازن السلاح والذخيرة التي كانت قد فجرت. إبان حرب الخليج لم يكن موقعا سريا. ايضا الصواريخ (122) ملليمتر ليست هي الاخرى سلاحا جديدا بالنسبة للبرنامج العسكري العراقي، فقد كانت مثل هذه الصواريخ قد اكتشفت في عمليات التفتيش الاولى في عام 1998.
ولو كان هناك اهتمام ما بهذه الصواريخ فانه يرتبط في كون الحكومة العراقية قد ضمنتها في تقريرها المقدم لمجلس الامن في السابع من كانون الاول أو انها لم توردها. هذه مسألة سيقوم خبراء التقارير بالاجابة عليها، وهذا الجواب بحد ذاته ليس هاما بصورة خاصة ايضا، ذلك لانه اذا كان العراق لم يضمنها في تقريره فانه سيتهم في هذه الحالة بعدم اعطاء التفاصيل الكاملة، ولكن الادارة الامريكية كما نعرف كانت قد اتهمت العراق مسبقا بعدم اعطاء كافة المعلومات، وانه قد قام بتجاوز جوهري لقرار مجلس الامن رقم 1441، ومن هنا لن يؤدي اكتشاف معلومة جديدة اخرى الى اضافة أي شيء الى هذا الموقف الامريكي.
طاقم المفتشين ليس مهتما لا بالقذائف الصاروخية ولا بالصواريخ. فحسب المعلومات المتوفرة عن طواقم التفتيش السابقة تسود التقديرات ان لدى العراق 1500 صاروخ وقنبلة فارغة معدة لحمل رؤوس كيماوية. هذه الحسابات تظهر ان العراق قد أعطى في السابق تقارير كاذبة حول كمية الصواريخ والقنابل التي قذفها على ايران. والفجوة تشير الى وجود 6000 أداة تسلح كيماوية من شتى الأنواع موجودة بحوزة العراق في منطقة ما من اراضيه. حسب مصدر استخباري عربي يمكن عدم الاستناد الى هذه المعلومة وذلك لصعوبة الاعتقاد بأن العراق قد أحصى بالفعل كل قذيفة وصاروخ أطلقهما على ايران خلال سنوات الحرب الثمانية. كما لا يمكن حسب رأيه معرفة عدد ما تبقى منها بعد قصف الولايات المتحدة للقواعد العراقية في حرب الخليج الاولى.
آلاف الأطنان الناقصة :
في شهر كانون الثاني 1999 نشر وفد المفتشين تقريره الاخير بعد ان طردته الحكومة العراقية من اراضيها. وحسب هذا التقرير هناك 360 طن من المواد القتالية الكيماوية غير موجودة بعد، و3 آلاف طن من القطع والعتاد الكيماوي والمستخدمة لانتاج المواد القتالية في صناعة السلاح الكيماوي. ومع ذلك نجح المراقبون في تدمير 40 ألف عنصر كيماوي حربي و500 ألف لترا من المواد الكيماوية المعدة للاستخدام. حسب هذه التقارير ما زالت هناك عدة آلاف من الأطنان من المواد المساعدة الكيماوية وبضعة آلاف من الليترات من غاز الأعصاب من النوعين (VX) السارين والخردل.
هذه هي المواد الكيماوية التي يبحث عنها وفد المفتشين برئاسة هانز بليكس (بالاضافة الى العناصر البيولوجية ايضا). وهذه هي نفس المواد التي لن يتم اكتشافها حتى بعد التوقيع على الاتفاق بين العراق وطاقم المفتشين. منذ 27 تشرين الثاني 2002 قام المفتشون الذين يبلغ عددهم 200 خبيرا بعدة مئات من الزيارات للمواقع المختلفة. والتمعن السريع في قائمة المواقع المفحوصة يشير الى ان كل موقع له علاقة بالمواد الكيماوية وانتاجها قد حظي بزيارة. هذا ما حدث مثلا مع مستشفى البصرة ومركز دراسات الزجاج في بغداد ومصانع اخرى لتعبئة الكحول واجهزة الري وما الى ذلك.
ومن اجل المقارنة نقول ان المفتشين في المرات السابقة قد قاموا بآلاف عمليات التحقيق ولم ينجحوا في ذلك الحين ايضا في ايجاد المواد التي يبحثون عنها ولا الوثائق. وقد كانوا بحاجة الى المعلومات التي أدلى بها الفارون من العراق من اجل الوصول الى هدفهم المنشود. والحالة الأكثر شهرة حدثت في عام 1995 بعد فرار صهري صدام الى الاردن، حيث كشفا النقاب عن وثائق كثيرة مخبأة في مزرعة دواجن بجانب بغداد. بعد ذلك تبين ان فرار صهري صدام أدى الى قيام العراقيين بالقاء الاجهزة المنتجة للسلاح النووي (الروسية المصدر على ما يبدو) في مياه نهر دجلة وذلك منعا لوضع اليد عليها. عملية المطاردة وراء المواد والاسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية ما هي الا جزء من تحركات المراقبين. مراكز الابحاث الامريكية مثلا تعرف بالضبط الى أين وصل العراق في جهوده التسلحية وماذا كان يخطط. واكتشاف المراقبين الآن للوثائق التي تؤكد هذه الامور المعروفة نظريا، لان الاتحاد السوفييتي أوصلها للغرب في اطار العلاقات المفتوحة بين الطرفين، سيكون دليلا على الماضي. والوفد يسعى بصورة خاصة الى الحصول على معلومات حول الفترة التي لم يكن فيها مراقبين على الاراضي العراقية (اربع سنوات).
أين اختفى التوثيق؟
التمعن في التقرير الاستخباري الذي أعدته الـ سي.آي.ايه والتقرير الرسمي البريطاني يشيران الى الوسائل التي كانت بحوزة العراق، ولكنهما لا يتحدثان عما يوجد لديه اليوم وماذا يمكنه ان ينتج في المستقبل. هذه التقارير تعتمد بطبيعة الحال على تقديرات وتخمينات كثيرة أكثر من اعتمادها على معلومات تفصيلية محددة. كما ان المعلومات الاستخبارية التي وعدت الادارة الامريكية باعطائها لوفد المفتشين لا تعطى الا بصورة بطيئة. هذه الطريقة في اعطاء المعلومات تثير تساؤلات حول المعلومات الحقيقية الموجودة بحوزة اجهزة الاستخبارات الغربية. والتقدير حول ذلك هو ان الادارة الامريكية ستكشف النقاب عما لديها عشية الحرب تماما حتى تبرر شن هذه الحرب. والمشكلة الاخرى التي تواجهها عمليات التفتيش تتعلق بالمعلومات الموجودة في رؤوس العلماء ورجال الابحاث العراقيين. صحيح انهم يتعاونون مع البعثة الا ان هذا تعاون غير نافع. المفتشون يطرحون عليهم اسئلة حول التجارب والمواد المستخدمة فيها ودرجة نجاح التجارب وموقع المختبرات وأين توجد الوثائق التي دونت عليها هذه المعلومات. ولكن هذه الاسئلة ترتكز على مواد معروفة للمفتشين. والعلماء العراقيون لا يتبرعون من تلقاء انفسهم باعطاء معلومات اضافية تتجاوز الاسئلة المطروحة، وقد نفوا حتى الآن وجود توثيق للتجارب في أي موقع من المواقع. ومسألة اخراج العلماء خارج العراق لن توفر معلومات حول ما تم تطويره خلال السنوات الاخيرة.
اذا، هدف التفتيش ليس ايجاد الاسلحة غير التقليدية وتدميرها بل من اجل منع انتاجها في المستقبل. وهذا الهدف يتطلب رقابة دائمة لا تتوقف وقادرة على اكتشاف كل محاولة تجري على الارض في هذا الاتجاه، هذا ما ركزت عليه البعثات السابقة. وقدرة العراق على انتاج سلاح غير تقليدي لا يمكن منعها حتى من خلال الحرب، ذلك لان الامر يتعلق بشريحة علمية واسعة وربما من أكثر الشرائح تطورا في الدول العربية، وهذه الشريحة يجب "اخفاؤها" اذا أردنا اخفاء المعلومات التي تملكها. الطريقة الاخرى هي ازالة دافعية العراق لانتاج مثل هذا السلاح.
الادارة الامريكية تعتقد ان استبدال النظام العراقي سيزيل الدافعية لانتاج السلاح. هذا محتمل، ولكن تنصيب نظام جديد في العراق سيتطلب وضع الرقابة عليه، الا اذا كانت واشنطن تنوي حكم بغداد مباشرة ولمدة طويلة. واذا اعتمدنا على التقارير الواردة من قادة المعارضة العراقية، فهناك فترة انتقالية سيتم خلالها فرض نظام عراقي محلي مكون من ممثلي التيارات والطوائف المختلفة. وهذا النظام اذا شكل سيتطلع هو الآخر الى امتلاك جيش وقدرات دفاعية وهجومية، لذلك سيكون أمام المفتشين عمل طويل في هذه الحالة. والسؤال المطروح الآن هو ما هي الفترة التي ستتيح فيها واشنطن للمراقبين بمواصلة مهمتهم وذلك لايجاد أي مواد جديدة تدين النظام العراقي. المعضلة المحيرة للامريكيين هي ان اكتشاف المفتشين لامور جديدة سيدفعهم لتدميرها، وهكذا ستزول ذريعة الحرب. أما في حالة عدم اكتشاف مثل هذه المواد فلن يكون هناك سبب للحرب أصلا. والادارة الامريكية ستضطر لاتخاذ قرار خلال فترة قصيرة اذا كانت تقصد حقا استبدال الحرب بعمليات التفتيش كما كان قد حدث قبل عام 1998، عندما قام المفتشون بمهمتهم من دون تهديدات الحرب، أو ان تقرر بأن هذه العمليات ما هي الا بادرة حسن نية وذريعة للبحث عن سبب للحرب في اطار إرضاء المطالب الدولية، ومن هنا ستكون عمليات التفتيش هذه محدودة زمنيا والحرب آتية بعدها لا محالة.