أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 41















المزيد.....


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 41


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 5078 - 2016 / 2 / 18 - 14:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 41
ضياء الشكرجي
[email protected]
www.nasmaa.org
قصتي مع الدعوة منذ انتمائي حتى استقالتي
[بعدما حسمت استقالتي من حزب الدعوة، التي كنت كتبتها في 15/03/2005، وقدمتها، ثم نشرتها في 03/05/2005، كتبت حلقات «قصتي مع الدعوة منذ انتمائي حتى استقالتي»، وفيما يأتي ما نشرته آنئذ، معلقا عليه، واضعا تعليقاتي اللاحقة بين [مضلعين].]
مقدمة
لست من الذين انفصلوا عن حزب الدعوة انفصالا متشنجا متوترا، فانقلب إلى عدو شديد الحساسية، بل انفصلت عن الدعوة بعد مخاضات وتحولات، لها خلفية تاريخية منذ انتمائي حتى استقالتي. وغادرت حزب الدعوة حافظا علاقة الأخوة والصداقة والمودة مع الكثير من إخواني الدعاة [ثم انتهت العلاقة إلى القطيعة]، وحافظا احترامي للدعوة، وإحساسي بالامتنان لها، لما ساهمت في صياغة شخصيتي الثقافية والسياسية والحركية والدينية. [ومع الوقت ازداد عندي موقف المعارضة لعموم الإسلام السياسي، ولحزب الدعوة أكثر شدة وحدة، لما وجدته من سوء أداء، عبر اختبار السلطة، الذي لم ينجح فيه حزب الدعوة، كما لم ينجح (الدعاة) الذين أفسدتهم السلطة. وسبب آخر لتصاعد حدة المعارضة عندي، هو حسم قناعتي بألا ديمقراطية حقيقية من غير العلمانية، وأن ليس من قوى الإسلام السياسي من يؤمن بالديمقراطية، إلا باشتراطها بما يفسدها، ويخل بها، ويعرقل ويؤخر بل ويهدد مسيرة عميلة التحول الديمقراطي، أو يركبها مطية توصله للسلطة وامتيازاتها.]
سيرتي الذاتية كتمهيد
لست هنا بصدد سرد قصة حياتي ببعدها الشخصي، بل من خلال البعد الرسالي والفكري والسياسي، الذي هو ليس ملكي، بل ملك من يريد أن يجعل من هذه القصة درسا، وعبرة، وتجربة، ومصدر إثراء. وكمقدمة سأسرد سيرتي الذاتية، وذلك أُسَريا، ودراسيا، ودينيا، وسياسيا، وفكريا؛ ليس بدافع التحدث عن شخصي، بل باعتبار ذلك يسهم في تكملة رسم ملامح الصورة.
سيرتي الأسرية
ولدت لأبوين عراقيين [في نوڤ-;-مبر] عام 1944 في الكاظمية. وأقصى ما أعرفه من نسبي هو جد جدي، فإني ابن محمد تقي، بن عبد الحسين، بن عبد الكريم، بن عبد الرحمان. ولا أدري من يسبق عبد الرحمان. يبدو إن جذورنا إيرانية [ولست متأكدا من ذلك]، إلا أني لم أشعر يوما بانتماء إلى غير العراق، ولم تتكلم أسرتنا غير العربية باللهجة العراقية [ولم أعرف أننا مسجلون كتبعية إيرانية إلا وأنا في الثامنة والعشرين من عمري، بعد عودتي من ألمانيا، وحسبما سمعت من أخي أن عمَّيَّ (أخويه غير الشقيقين) أقنعا والدي بالتجنس بالجنسية الإيرانية، تهربا من الالتحاق بالجيش العثماني، دون أن ينفي ذلك احتمال جذورنا الإيرانية قديما، أي في كل الأحوال ما قبل جد أبي عبد الكريم]. لي أخ أكبر مني بأربع سنوات وثمانية أشهر، وأخت أكبر مني بسنتين، وأخت أصغر مني بخمس سنوات وأربعة أشهر. توفي والداي مبكرا نسبيا، فوالدي توفي في نهاية عام 1970 على أثر نوبة قلبية، ووالدتي صرعها السرطان بعد ثمان سنوات بالضبط. تزوجت في ألمانيا بإيرانية عام 1968 بعد أكثر من عامين فترة خطبة بعقد شرعي، ولم نرزق بأطفال بسبب عقم اكتشفه الأطباء لاحقا لديّ. [كانت أسرة زوجتي الإيرانية مهاجرة من إيران إلى ألمانيا من عام 1963، أي ومن قبيل الصدفة في نفس سنة ذهابي إلى ألمانيا، ومقيمة في نفس المدينة التي سكنتها بعدما درست فيها اللغة الألمانية في معهد ڠ-;-ُوته Goethe، وهي لُنَبُرڠ-;- Lüneburg، حيث كان والدها يملك متجرا للسجاد الإيراني، وكان شقيقها الأكبر أحد أصدقائي هناك، فحصل بيننا تعارف، ثم علاقة انتهت إلى الزواج.]
سيرتي السكنية:
أول طفولتي كانت في مركز مدينة الكاظمية القديمة، في (الفضوة) قرب (باب الدروازة) في دار مستأجرة متواضعة. ثم انتقلنا إلى ساحة الزهراء (كانت تسمى الشوصة) في أول شارع النواب، أيضا في دار مستأجرة، لحين الانتهاء من تشييد أول دار سكن كملك خاص، في العطيفية الثانية، قرب جسر الأئمة، حيث كانت المدة التي قضيت فيها جزء من طفولتي وجزءً من شبابي، منذ الصف الأول الابتدائي، حتى مغادرتي إلى ألمانيا صيف 1963. [في ألمانيا من صيف 1963 حتى صيف 1972 أقمت في لُنَبُرڠ-;- Lüneburg، وسكنت في غرف مستأجرة عند عوائل ألمانية، وفترة في دار للشباب، حتى اشترى والدي دارا لي عام 1965.] سكنا [بعد عودتي من ألمانيا مع زوجتي صيف 1972] حي الزهراء في الكاظمية، قرب ساحة عبد المحسن الكاظمي، لفترة غير طويلة مع الوالدة والشقيقتين. ثم سكنت في دار سكن مستقلة مع زوجتي [اشتريتها] في حي الخضراء - الداوودي. وعند مغادرتي مع زوجتي عام 1980 للعراق أقمنا مع أهلها في لُونَبُرڠ-;- Lüneburg، ولكن بعد أشهر انتقلنا إلى هامبُرڠ-;- Hamburg، وبقينا فيها حتى عودتنا بعد سقوط النظام عام 2003. وحيث لم نسترجع حتى الآن [أي حتى كتابة هذه الحلقات عام 2006] أملاكنا المصادرة، تنقلت منذ عودتي حتى الآن ما بين الكاظمية والداوودي والمنطقة الخضراء. [بعد سنوات من الانتظار رجعت بعض أملاكنا المصادرة، وما زال بعضها لم نستلمه حتى كتابة هذه الإضافة في 26/02/2013، وبكل تأكيد لو كنت قد بقيت في حزب الدعوة، أو لو جاملتهم قليلا، ولم أصعّد معارضتي لهم على نحو ما آلت إليه، لكنت وأشقائي وبقية أقاربي المصادرة أموالهم قد استرجعنا كل شيء في وقت قصير جدا. ولست نادما، بل أنا فخور، بأنني تضررت من جراء موقفي السياسي، وبأني بقيت أعامل في الدوائر كواحد من المواطنين، دون امتيازات، كما السياسيون. على أي حال استطعت أن أشتري مما استرجعناه دارا للسكن في العرصات في نهاية 2011. وأجرتها في شباط 2013، بعدما قررت أن أجعل إقامتي بشكل أساسي في ألمانيا مرة ثانية، لخمسة أسباب، الأول أمني، والثاني مالي، والثالث يأسي من مشروعنا السياسي «التجمع العلماني»، والرابع شعوري بأن الوقت قد حان للتفرغ للتأليف، والخامس نصائح ملحة من كثير من أصدقائي. لذا سامحوني، لكن ستكون لي عودة إن شاء الله.]
سيرتي الدراسية:
زرت الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في الكاظمية، مدرسة العطيفية للأطفال (مختلطة)، ثم مدرسة دجلة الابتدائية للبنين، فمتوسطة الكاظمية، ثم إعدادية الشعب في الكاظمية أيضا. كنت في الابتدائية تلميذا متفوقا، ثم تحولت في المتوسطة بالتدريج إلى تلميذ متوسط، ثم دون المتوسط، ليس غباءً بل كسلا، أو انشغالا بالنشاط السياسي في السنوات الأخيرة. غادرت العراق وأنا في الصف الأخير، دون تكملة الامتحانات النهائية في تلك السنة، على أمل إعادة الامتحانات التي طلبت تأجيلها بسبب عدم التحضير، من جراء الانشغال بالنشاط السياسي، ولكن لإصرار والدي الطيب [وله الفضل عليّ في ذلك] غادرت إلى ألمانيا صيف 1963، حتى صيف 1972، حيث درست الهندسة المعمارية. [كما مر في سيرتي السياسية، كنت قد تلوثت عن سذاجة بلوثة البعث، من عام 1960 حتى عام 1963، وكان والدي قاسمي الهوى. وبعد أشهر من الانقلاب الأسود في شباط 1963، خطط لي والدي بالخفاء، وبنصيحة من أصدقائه، لإبعادي من العراق، فكانت رحلتي إلى ألمانيا، وكم كان قد خدمني في ذلك، جزاه الله عني بالرحمة والسعادة في الحياة الثانية، وهو مستحق كل الرحمة، لما كان يتصف به من إنسانية، وعطاء، ومساعدة للفقراء، وتسامح، وتواضع، وهو الذي كافح في حياته، من عامل عند خاله وشقيقه الأكبر إلى صاحب مصنع من أشهر مصانع الحلويات (شركة أبو منير للحلويات) في الستينيات والسبعينيات، ولغاية مصادرة أملاكنا عام 1980 من قبل النظام البعثي في عهد صدام الأسود.]
سيرتي المهنية:
بعد تخرجي عام 1971 عملت لستة أشهر كمهندس معماري في المكتب المعماري (Architekturbüro Heinz Meyer) في لُونَبُرڠ-;- Lüneburg الواقعة ستين كيلومترا جنوب هامبُرڠ-;- Hamburg. عدت بعدها بناء على رغبة العائلة إلى العراق، وعملت إلى جانب شقيقي في إدارة شركة العائلة التي ورثناها عن والدي، وهي المعروفة في وقتها بـ«الشركة الشرقية للحلويات»، والتي غيرنا اسمها لاحقا إلى «شركة أبو منير للحلويات» ["أبو منير" هي الكنية التي كان يعرف بها والدي المؤسس الأول، ومنير هو شقيقي الأكبر، الذراع الأيمن لوالدي، والذي وسع وطور الشركة لما يتمتع به من طموح الشباب وخبرة متميزة اكتسبها"]. إلى جانب عملي في شركتنا مارست مهنتي كمهندس معماري، ولو بشكل محدود، [في مكتب هندسي خاص بي في المنصور]. وانتهى كل ذلك بهجرتنا الاضطرارية عام 1980. ثم آخر عمل مارسته كان كعضو للجمعية الوطنية للدورة الأولى [عام 2005].
سيرتي السياسية:
نشأت كطفل لا أحب النظام الملكي ولا حكومة نوري السعيد، لأننا كنا نعتبر كلا منهما عميلا للبريطانيين، ولو أن العهد الملكي كان بالإمكان تطويره إلى وضع ديمقراطي، بعيدا عن الانقلابات الدموية والتي ختمت بالحقبة الصدامية اللعينة. وكنت كطفل متمردا، أرفض القيام للسلام الملكي في السينما، أو الحفلات المدرسية، التي يحضرها وزير المعارف في حينه. لذا ابتهجت أيّما ابتهاج مع المبتهجين وأنا لم أبلغ تمام الرابعة عشر من عمري بسقوط الملكية عام 1958. ملت ابتداءً إلى المرحوم عبد الكريم قاسم، وإلى ما سمي وقتها بالتيار الوطني، والذي كان يتزعمه [أو يتصدره] الحزب الشيوعي، وهذا الميل كان في الواقع الأقرب إلى فطرتي. لكن بسبب ما راج عن إلحاد الحزب الشيوعي، [وممارسات السحل التي نسبت إليه، ومارسها كوادره وقواعده ومؤيدوه،] تحولت إلى التيار القومي، هذا التحول الذي يمثل ابتعادا عن فطرتي، ثم فوتحت من قبل صديق وزميل مدرسة بالانتماء إلى حزب البعث عام 1960، فتلوثت بالبعث لثلاث سنوات من عام 1960 حتى عام 1963، حيث غادرت إلى ألمانيا. ولا أدري كيف أصبحت بعثيا، بل حتى كيف أصبحت قوميا، وكيف عاديت المرحوم عبد الكريم قاسم. بعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين، [وكنت حينها في ألمانيا،] هرب مسؤولنا الحزبي ع.أ في الكاظمية إلى سوريا، وراسلني من هناك، محاولا إعادة ارتباطي بالحزب، إلا أني رفضت، كون هذا المسؤول كان أحد من عرفنا عنه لاحقا أنه كان ممن يعذب الشيوعيين ويغتصب الشيوعيات. [حسبما نقل، ولم أذكر اسمه، لعدم يقيني فيما روي عنه، خاصة وإنه لم يعد على قيد الحياة، ولو إني لا أستبعد ذلك، وهو مما حصل في كل الأحوال يقينا، إلم يكن منه، فمن غيره من البعثيين آنذاك]. وسرعان ما اطلعت أكثر على ما خفي عليّ من جرائم البعثيين، فعاديتهم، وندمت أيّما ندم على انخداعي وتلوثي بالبعث لثلاث سنوات من سن الخامسة عشر، حتى الثامنة عشر. وفي السنوات الثلاث التي تبعّثت فيها، سرعان ما أصبحت فور انتمائي مسؤول شعبتي في الصف الثالث، ثم مسؤول شُعَب الصف الرابع في الإعدادية، ثم مسؤول شُعَب الصف الخامس، ومعاون مسؤول الإعدادية ستار الباير. بعدها بقيت لما يقارب العقدين بعيدا عن النشاط السياسي، ولكن لم أكن بعيدا [كل البعد] عن الاهتمام السياسي. عندما عدت إلى العراق عام 1972 بقيت معاديا غير فاعل للنظام، حتى تحولي إلى الإيمان ثانية عام 1977، واتخاذي منحى سياسيا إسلاميا، ولكن من غير انتماء حزبي، بل من خلال زياراتي المتكررة للشهيد محمد باقر الصدر، وتأثري به. وفي هذه الفترة لم أكن حتى أعلم بوجود حزب إسلامي، بل قلت مرة لصديق لي أني أتمنى لو يستطيع المرء تأسيس حزب إسلامي باسم «حزب اليسار الإسلامي»؛ «اليسار» لأني كنت دائما أَميَلَ إلى اليسار مني إلى اليمين، كون اليسار كان يمثل بالنسبة لي الحالة الوطنية والثورية، مقابل التيارات المحافظة والمرتبطة بالأجنبي، وكذلك بسبب البعد الإنساني في اليسار السياسي أكثر مما يتجسد في اليمين، من خلال تبني نصرة الطبقات المحرومة، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية باعتماد الاشتراكية. حتى في السنوات الثلاث التي تلوثت فيها بالبعث، كان شيوعيو المنطقة يقولون عني كما نقل لي «ضياء خوش ولد بس حيف بعثي»، وحقا قالوا «حيف بعثي». عندما خرجت من العراق عام 1980 تعرفت [في البداية] على عدد محدود من عراقيين آخرين ذوي توجه إسلامي مثلي، كان بعضهم يعيش في العراق في أجواء الدعاة [أي المنتمين لحزب الدعوة والمتعاطفين معه]، وبدأنا نفتش عن حزب الدعوة، للاتصال به. ثم تحقق ارتباطنا بالحزب من خلال لندن، حيث تولى الإشراف على عملنا (م ر) و(ح ع) [موفق الربيعي وحيدر العبادي]، وفي إيران كنا نتواصل مع (ح ش) [حسن شبر]، حتى ربُطنا بـ (إ ج) [إبراهيم الجعفري] من أواسط الثمانينات ولغاية العودة إلى العراق. وكنت منذ البداية فيما يسمى بالحلقة الرأسية لحزب الدعوة في ألمانيا، وقمت لفترة بالإشراف الحزبي على مناطق أخرى في أورپا [السويد والدانمارك]. وبالرغم من ولائي الكامل في الثمانينات للثورة الإسلامية، وللإمام الخميني، وإيماني بنظرية ولاية الفقيه، بدأت مبكرا مع كثير من الدعاة [أفراد حزب الدعوة] في نقد التجربة الإيرانية في كثير من تفاصيل الأداء. ومنذ مطلع التسعينات بدأت أعيد النظر في مبدأ ولاية الفقيه، وفي مشروعية الديمقراطية، حتى تحولت في الآخر عن الإيمان بجدوى إقامة دولة إسلامية إلى داعية للديمقراطية، ومناديا بإقامة دولة تعددية ديمقراطية، تتنافس فيها الأحزاب الإسلامية ديمقراطيا مع سائر الأحزاب السياسية الأخرى، وترضى بكل نتائج العملية السياسية الديمقراطية. ثم قمت قبل وبعد سقوط الديكتاتورية بعدة محاولات لإجراء عملية إصلاح فكري وسياسي لحزب الدعوة، وأسست قبل السقوط «المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي»، وفي العمق كنت أعيش هاجس أن يكون المنتدى نواة لتأسيس «الحزب الإسلامي الديمقراطي العراقي» مستقبلا. ثم بدأت بعد حين في نقد عموم التيار الإسلامي، والذي شمل بالنتيجة حزب الدعوة نفسه، مما آل إلى حسم علاقتي، بفك ارتباطي التنظيمي بالدعوة، والذي سبقه تأسيس «تجمع الديمقراطيين الإسلاميين». وكنت في الدورة الأولى عضوا في الجمعية الوطنية الانتقالية، وعضوا، وبجدارة وفاعلية، في اللجنة الدستورية. وكنت قد شاركت في المهجر في مؤتمرات المعارضة التي شارك فيها حزب الدعوة، كمؤتمر بيروت عام 1991 ومؤتمر صلاح الدين عام 1992، كما شاركت من قبل بفاعلية في مؤتمرات أقيمت في إيران، كمؤتمر جرائم صدام عام 1983، ومؤتمر الكوادر الإسلامية عام 1984 للمعارضة الإسلامية، ومؤتمر نصرة الشعب العراقي عام 1985 لعموم المعارضة العراقية. وأخيرا وبكل ثقة أقول أني لو كنت أبحث عن مواقع، لداهنت وساومت وصبرت قليلا حتى انعقاد المؤتمر العام المقبل لحزب الدعوة، حيث أني على يقين تام بأني كنت أملك فرصة كبيرة جدا للحصول على أصوات كافية من المؤتمرين، لأكون أحد أعضاء القيادة الجديدة للحزب، ولكني على يقين بأن تبوئي لمثل هذا الموقع لن يزيد من فرص النجاح في إصلاح الدعوة الإسلامية الذي أطمح له، لذا اخترت ما اخترته من موقف.
[ثم تواصلت مسيرة تحولاتي بنفس الاتجاه، حتى اكتملت حلقات التحول نحو العلمانية في آخر 2006 أو بداية 2007، حتى أصبحت من أشد وأبرز الداعين للعلمانية في العراق، لتعمق وتجذر قناعتي أكثر فأكثر بانحصار إمكان إنجاز المشروع الديمقراطي فيها.]
سيرتي الإيمانية:
وتحولاتي في هذا الميدان ذات علاقة بتحولاتي السياسية [بشكل مباشر أو غير مباشر، وبشكل واع للعلاقة المتبادلة أو غير واع لها]. نشأت في أسرة كان ربها ملتزما [دينيا] التزاما عاديا، من غير ثقافة إسلامية معمقة [ومن غير تزمّت في التدين]، ولكنه كان يجسد بشكل رائع رغم محدودية ثقافته البعد الإنساني من التدين. ومع هذا فتحت عيني على دين هو أقرب إلى الخرافة، فكنت أرى في الكاظمية التشابيه [المسرح الشعبي بتمثيل أحداث واقعة كربلاء في العاشر من محرم عام 61 للهجرة] والقامات [ما يعرف بالتطبير، أي ضرب الرؤوس بالسيوف يوم عاشوراء] والزناجيل [الضرب بالسلاسل على الظهور المكشوفة آنذاك، بارتداء ضارب السلاسل دشداشة سوداء ذات فتحة دائرية أو فتحتين من جهة الظهر، متحزمابحزام]، وكان الدين عندنا عبارة عن خيط أخضر يربط في شباك ضريح الإمام، ومنقلة وحرمل ودعاء يؤتى به من المُلّة، والتزام مبالغ فيه بأحكام النجاسة وطهارة، ولكن على ضوء الفقه الشعبي، لا الفقه الشرعي. مع هذا كنت أميل فطريا إلى التدين، حيث بدأت وأنا في الصف الرابع الابتدائي طوعا بالصلاة، عندما علمتنا معلمة درس الدين الصلاة. وامتنعت بشدة في بداية شبابي عن شرب الخمر، رغم محاولات أقراني في التغرير بي. ثم مارست بعدها ازدواجية التدين، بشرب الخمر من جهة مع أصدقاء لي، كان بعضهم يصلي ويصوم مثلي، والمحافظة على الصلاة من جهة أخرى. وفي عام 1962 وأنا ما بين السابعة عشر والثامنة عشر من عمري، انتابني الشك في الدين، بل وفي أصل وجود الله تعالى، وعشت سنة كاملة في عذاب الشكّ، حتى قررت الانفصال عن الدين بكل أبعاده في صيف 1963 [الصحيح 1962 على ما أتذكر]، عندما خاطبت الله بهذه العبارات:
«اللهم إني أسألُك أن تهديَني إلى الحقيقة، فإن كانت الحقيقةُ هي أنت، وكنتَ أنت الحقيقة، فأسألُك أن إليك تهديَني، وإلّا فلستَ ربي، ولا خالقي، بل ولستَ بكائن، فأكونَ منذئذٍ ربَّ نفسي وإلهَ ذاتي».
وحيث لم تنزل المعجزة التي توقعتها بسذاجة من السماء كجواب، تحولت إلى الإلحاد، وبقيت على هذا الحال لخمسة عشر عاما. طوال فترة وجودي في ألمانيا من عام 1963 حتى عام 1972، وحتى بعد عودتي إلى العراق، بقيت على رفضي للدين، وعلى الإلحاد بالله تعالى، حتى قرأت صدفة في شباط 1977 كتابا لمصطفى محمود المصري موسوما بـ «القرآن .. محاولة لفهم عصري»، تحولت من خلاله إلى الإيمان، وجرى على ضوء ذلك تحول كلي في حياتي، ونشأت لدي علاقة روحانية رائعة مع الله سبحانه، تجسدت بعبادة، كنت أستمتع بها أيّما استمتاع. وللقصة تفاصيل من حيث مقدمات هذا التحول، وما استتبع التحول من تعرف على الشهيد الصدر، هذه الشخصية الرائعة، وزياراتي المستمرة له، حيث كان يهتم بي فيها اهتماما خاصا، من حيث تخصيصه وقتا لي في مكتبته الشخصية في الطابق الأعلى [من داره المتواضعة المستأجرة في النجف]. وفي التسعينات بدأت مسيرتي الإيمانية تنحى أكثر فأكثر منحى عقليا في فهم العقيدة، ومنحى عقلانيا في التعاطي مع كل مفردات الحياة، وظهرت لدي روح النقد والمراجعة لنتاج الكثير من الفقهاء والمفسرين وعلماء الكلام والمفكرين، وبدأ فهمي للإسلام يتخذ ملامح خاصة بي أتميز بها، أهمها تأكيد [وتأصيل] مرجعية العقل في العقيدة، والتأكيد على جوهر الإسلام وجوهر التدين، الذي حل مكانه على الأعم الأغلب لدى المسلمين شكل الإسلام وشكل التدين، وكذلك تأكيد البعد الإنساني والبعد الأخلاقي والبعد العقلاني للإسلام.
[هذا كان يمثل مسيرتي الإيمانية وتحولاتها حتى كتابة حلقات «قصتي مع الدعوة من انتمائي حتى استقالتي». تواصلت معي التحولات، بنفس الاتجاه، حتى اعتمدت عام 2007 ما أسميته بـ(المذهب الظني)، وهو إسلام لامذهبي قائم على ثلاث ركائز، هي العقلية، والتأويلية، والظنية، أسست لها نظرية متكاملة، لها أصولها وفروعها. وفي آخر نفس السنة، تحولت إلى ما أسميته بـ(عقيدة التنزيه)، ولاحقا أسميته (لاهوت التنزيه) أو (ثيولوجيا التنزيه)، وهو الإيمان الفلسفي اللاديني، باعتماد الوجوب العقلي لوجود الله وكماله المطلق، مع الإمكان العقلي للدين كمفهوم، ثم تنزيه الله عن الدين، كمصاديق في الواقع. وهذا ما فصلته في كتابي «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، الجاهز للنشر، لكن المرجأ نشره إلى ما بعد صدور هذا الكتاب (نشر في تموز 2015). وهنا لا بد من ذكر أن تحولي سياسيا نحو العلمانية بأعلى درجاتها، وأوضح تجلياتها، وأعمق الإيمان بها، كان سابقا لتحولي الفلسفي لقضية الإيمان، كما إن اللامذهبية السياسية سبقت لامذهبيتي الدينية.]
سيرتي الحوزوية:
تزودت بالثقافة الإسلامية الشرعية من فقه وأصول ومنطق وتفسير وغيرها ذاتيا، وساعدتني ملكة التأمل على أن أكوّن لنفسي منهجا خاصا بي. وفي أواخر التسعينات وبعد التنسيق مع بعض المراجع والعلماء وبتشجيع منهم [على رأسهم محمد حسين فضل الله، وبتشجيع من حسن النوري وعبد الله الغريفي] كنت أتردد على حوزة المرتضى في دمشق، لأتناول دروسا مركزة على أيدي أساتذة مرموقين، ودرّست خلال ذلك العقائد للصف الثاني وبعدها للصف الرابع من حوزة النساء [بطلب وبحماس من أستاذ العقائد والأصول حسن النوري]، وكانت الطالبات يتفاعلن بشكل كبير [جدا] مع طريقتي في طرح موضوعات العقائد. وفي ألمانيا واصلت التدريس في معهدين، وباللغة الألمانية، لكل من مادة العقائد والأصول والمنطق واللغة العربية وعلوم القرآن والتفسير. [الأول كان معهد التثقيف الإسلامي بإدارة رجل الدين الإيراني رضويراد، والثاني في الأكاديمية الإسلامية التي أسسها حسيني نسب، إمام المركز الإسلامي في هامبورغ (مسجد الإمام علي) آنذاك، العائد للإيرانيين أيضا.]
17/05/2006 |آخر مراجعة إعدادا للكتاب في 28/02/2013|



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 40
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 39
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 38
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 37
- هل تتجه مرجعية السيستاني نحو العلمانية؟
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 36
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 35
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 34
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 33
- أمراض المتعصبين دينيا أو مذهبيا
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 32
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 31
- لست مسلما .. لماذا؟ 3/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 2/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 1/3
- مقدمة «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 10/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 9/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 8/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 7/10


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 41