|
لماذا يكرهون عيد الحب؟
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 10:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كما يشدّك جمال الجملة الأولى في الرواية نحو السطر الأخير. وكما يحملك العازف الماهر بموسيقاه إلى عوالمه الحالمة، فيأخذ أعصابك ويجعل منها أوتارا لآلته، يحركها بأنامله، يريحها، ويشذبها ويعيد تكوينها من جديد. وكما تتسلل الأغنية الشجية بخفة ونعومة من تحت مشاعرك، فتوقظها. وكما يسافر بك الفيلم الشيّق نحو الفضاء الفسيح، ويدخل في ثنايا روحك وتفاصيل يومياتك، ينقّب عن أسرارها الدفينة .. بنفس الآلية، وبكل عذوبة يفعل بنا الحب أفاعيله .. يسمو بأرواحنا، ويهذبها، ويخلصنا من أدران الجسد ونزواته البدائية، وينقي سريرتنا كما لو أنه السحر ..
إلا أن الأيديولوجيات المتزمتة حرّمت علينا الحب، تماما كما حرّمت كل الفنون؛ وحاربته كما حاربت كل أشكال الجمال ..
في السعودية تحظر السلطات أي مظهر لعيد الحب، بما في ذلك حمْل وردة حمراء، أو شراء أي شيء ملفوف باللون الأحمر حتى لو كانت علبة سردين، وفرضت حراسة مشددة على كل طاولة تصلح للقاء عاشقَيْن، وفي مناطق أخرى تسابقت دوائر الإفتاء على تحريم تبادل الهدايا في هذا اليوم، الذي جعلوا منه مؤامرة على الإسلام !!
وفي سياق متصل، في مشهد عبثي (منشور على اليوتيوب) تتناول مجموعة من شيوخ "الوهابية" بعض الآلات الموسيقية ويطيحون بها ضرباً وتكسيرا وسط حشود هائجة مزهوة بانتصارها على "فتنة الموسيقى"، وفي مشهد لا يقل عبثية، تخرج مجموعة أخرى من نفس الفصيلة وتهاجم مسرحية في السعودية، فتحطم كل ما على المسرح، وتنهال ضربا على الممثلين !!
وفي غزوات أخرى مماثلة، حطّموا تمثالاً "للمعري"، ومجسّماً لِ"أبي نواس"، ونُصُبا "للمنصور"، وحرقوا مكتبة في بغداد، وأخرى في القاهرة، وهدموا "جاليري" في غزة، ونهبوا وحطموا آثار تدمر، ومتاحف العراق كلها، ودمروا مقبرة مسيحية في ليبيا، حتى أنهم هدموا جامع ومقام "النبي يونس" في الموصل !!
كل هذه الإعتداءات تنطلق من جذر فكري واحد، يعود للأيديولوجيا الوهابية، والتي بفضل الدعاية السعودية صارت لدى كثيرين بديلا عن الإسلام الحقيقي، وثمة فرق كبير ما بين الدين الخالص الذي أنزله الله على أنبيائه الصالحين، والدين الوهابي الموروث، فالأول ظلَّ بصورته الأولى؛ جميلا نقيا يخلو من كل أشكال الكراهية والتعصب، منسجما مع جوهر الإنسان؛ أما الثاني؛ فقد عبثت به مصالح الأقوياء، وصادره أصحاب الأيديولوجيات، وحولوه إلى عادات اجتماعية أكسبوها صفة القداسة.
خلق اللهُ الإنسانَ جميلا، وبأحسن صورة، وأسكنه أرضاً جميلة، وأنزل عليه دينا جميلا؛ فلماذا يحرّم هؤلاء كل ما هو جميل !؟ الدين أساساً أتى لنصرة المقهورين، ولإقامة العدل، ونشر الخير والمحبة والسلام وللاحتفال بالحياة التي وهبها الله للناس كافة؛ فلماذا يصر البعض على تعميم ثقافة الموت، والكراهية ؟!
وصل بهم التزمت أنهم رفضوا ترتيل الشيخ "المنشاوي" للقرآن، لأنه كان يتغنّى بجمال القرآن؛ فيقرأه بصوتٍ حرّ وعفويّ شجي، محلقا في فضاء مبهر، وأرادوا بدلا منه مقرئين تشتمُّ فيهم رائحة البترول. وحرّموا عيد الأم، وعيد الشجرة، وحرّموا حتى الاحتفال بعيد "المولد النبوي الشريف" بحجة أنه بدعة .. ولأن الأمة الإسلامية ليس لها سوى عيدين، فهي أمة جدية، ومشغولة في المصانع والمختبرات والاختراعات ولا وقت لديها لترف الأعياد ..
هل نتوقع منهم السماح بعيد الحب ؟!
حرّموا عيد الحب بحجة خرافة القديس "فالانتاين"، وحرمة التشبّه بالكفار !! وفي حقيقة الأمر، حرموه لأنهم لا يعرفون الحب، لم يختبروه مرة واحدة، فهم لا يرون المرأة إلا وعاءأ للجنس، ولا يفهمون الزواج إلا باعتباره عقد نكاح، يمتلك بموجبه الذكر روح المرأة وجسدها .. وفي الواقع، من يرفض عيد الحب، يرفض الحب نفسه، وسيرفض بعد ذلك الفن والجمال وكل ما يتصل بهما من معانٍ وقيم سامية، وبالتالي سيدعو للكراهية حتى لو لم يدرك ذلك، لأن غياب الحب يفتح باب الكراهية؛ والكراهية هي أساس كل الشرور، ولا يقضي عليها إلا الحب؛ فالحب هو الذي يغير الإنسان ويرتقي بالمجتمعات ..
حرّموا التمثيل، والتصوير، والنحت، والرسم، والغناء، والرقص ... لأن البيئة القاحلة التي نبتت فيها الوهابية، في صحراء نجد، لا تورث إلا جفاف الروح، وتصحّر المشاعر .. ولأنهم عاشوا طويلا في عزلة وانقطاع عن حضارات الشعوب الأخرى .. ولم يكن غريبا أنهم أنجبوا فيما بعد "داعش"، والفكر الداعشي ..
حرّموا عيد الحب، وأباحوا سبي النساء وبيعهن، وحوّلوا شوارع الموصل إلى أسواق نخاسة، أوقفوا الاجتهاد، وقيدوا التفكير، ورسخوا ثقافة النقل والنسخ وقداسة النص والعنعنة، لأنهم يخشون طرح الأسئلة الكبرى، ولم يألفوا التفكير الحر الإبداعي المتحرر من كل التابوهات .. في آخر فتوى لمفتي السعودية حرم الشطرنج .. لأنها لعبة تعتمد على التفكير ..
وهؤلاء المدّعين هم الذين فرّغوا الإسلام من مضامينه، وحوّلوه إلى دين جديد مختلف، قوامه التشدد والتزمت وتحريم كل شيء. ولو استعرضنا سيل الفتاوى التي خرجت من أفواههم، والتي تعكس ضحالة فكرهم؛ لوجدنا العجب العجاب، ما يتنافى مع المنطق والذوق الإنساني، وما هو مثير للسخرية، وللأسف نجد من يأخذها على محمل الجد.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازدراء الأديان
-
إيران، عدو أم صديق ؟ وما لا نعرفه عن إيران
-
طيار إيراني
-
تقرير التنمية البشرية لعام 2015 والأرقام الصادمة
-
العنف ضد النساء في فلسطين
-
قمة باريس للمناخ، بين مستقبل البشرية وأطماع الشركات الاحتكار
...
-
الموقف الاسلامي من تفجيرات باريس
-
علاج الزوجة المريضة في الفقه الإسلامي
-
حدث في الصين .. قصة قصيرة
-
وصية الحلبي الأخيرة - قصة من حلب
-
هل من حرب أهلية قادمة ؟
-
ماذا بعد مقتل النائب العام، وتفجيرات سيناء ؟!
-
كتيبة الجرمق الطلابية - فصل مهم من تاريخ الصراع
-
ماذا جنينا من حركات الإسلام السياسي ؟!
-
الفراغ والبدائل
-
مخيم اليرموك .. من يتحمل المسؤولية !؟
-
كاميليا وأخواتها
-
أربعة ملاحظات على جريمة داعش
-
ما الذي يمنع العالم من الانهيار ؟!
-
من عطَّّّل مسيرة العِلم والحضارة ؟!
المزيد.....
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
-
قائد الثورة الاسلامية: المقاومة التي انطلقت من ايران نفحة من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|