|
في المثقفين والتمويل ولغط التنمية والديمقراطية
عمر المقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 1379 - 2005 / 11 / 15 - 10:28
المحور:
المجتمع المدني
يترنح المستوى الأيدلوجي والثقافي في واقعنا الفلسطيني، تحت رزء مثقفين اتخذوا من تشويه الوعي المقاوم وقلب الحقائق مهمة رئيسية لهم، في محاولات لدودة للهيمنة على هذا المستوى وفرض رؤيتهم وبرامجهم الطبقية والمصالحية التي تتجاوز المستويات المحلية إلى ارتباطات خارجية. إن هؤلاء المثقفين والسياسيين لا يكلون عن محاولات التغلغل في الاتحادات الطوعية والمؤسسات المدنية، لتتحول إلى أدوات تحتضن وتنشر افكارهم في الميادين المختلفة. فهؤلاء وان كانوا بالضرورة معادين للفكر الاشتراكي، يسلكون وربما عن دون علم تشخيص المفكر الإيطالي الشيوعي انطونيو غرامشي الذي حدد وجود مجالين رئيسيين يضمنان استقرار سيطرة البرجوازية ونظامها. المجال الأول هو مجال الدولة وما تمثله من أحزاب ونقابات وجمعيات ووسائل إعلام ومدارس ومساجد أو كنائس... الخ، وفيه تتحقق وظيفة ثانية لا بد منها لبقائها هي الهيمنة الأيدلوجية والثقافية، ولذلك لا يكفي الوصول إلى السلطة والهيمنة عليها والاحتفاظ بها من وجهة نظر غرامشي السيطرة على جهاز الدولة ولكن لا بد من الهيمنة على المجتمع، ولا يتم ذلك إلا من خلال منظمات المجتمع المدني وعبر العمل الثقافي بالدرجة الأولى. على ان هذه المحاولات لم تعد متعلقة بالمجتمع المحلي فحسب، بل تجاوزته الى ابعاد عالمية، فتشكيل النخب المعولمة – كما يشخص احد الكتاب- يدور حول مبدأ الشركاء الكبار والشركاء الصغار، وبينما ينهمك الشركاء الكبار في الشمال في اتخاذ القرارات الكفيلة بإدارة شؤون العالم، فإن الشركاء الصغار في الحلقات الجنوبية محصورون في الترويج لأفكار سادة العالم وتشريع النموذج الليبرالي الذي يسعى إلى توفير الحرية التامة لرأس المال. وهكذا تجعل هذه النخب من الترويج لتحرير التجارة العالمية، إعادة الهيكلة ، والتكييف والخصخصة ، والانفتاح ، مهمة رئيسية لها، تحت ستار زائف من الشكل الديمقراطي الليبرالي. ووراء هذا الكم الدعائي الهائل، يتم اخفاء الهدف الرئيسي والمتمثل بمزيد من إحكام المركز الرأسمالي للسيطرة على بلدان العالم عموما ، والعالم الثالث على وجه الخصوص، اي إعادة دمج بلدان العالم الثالث في الاقتصاد الرأسمالي من موقع ضعيف ، بما يحقق مزيدا من إضعاف جهاز الدولة ، وحرمانها من الفائض الاقتصادي، وهما الدعامتان الرئيسيتان اللتان تعتمد عليهما الليبرالية الجديدة. ولا يقتصر دور هذه النخب المستحدثة، متخطية الحدود القومية، في التأثير على الهياكل الرسمية للدولة أو السلطة، بل يتعدى ذلك ليشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني، وقد تصل الأمور إلى مجالات أوسع مثل "تسويق الديمقراطية"، وتتركز النخب المستهدفة بالدرجة الأولى في إطار المنظمات الأهلية، بما في ذلك الأحزاب السياسية والنقابات وسلك الإعلام وما شابه". واستشهادا بمهدي عامل فإن:" مفاهيم الأيدلوجية المسيطرة تتميز بالشكل الذي تمارس فيه الطبقة المسيطرة سيطرتها الأيدلوجية على مختلف أشكال الوعي الاجتماعي، هذا يعني إن أيدلوجية البرجوازية المسيطرة لها الشكل نفسه الذي هو لسيطرة هذه الطبقة، فعلاقة التبعية البنيوية للإمبريالية التي تحدد السيطرة الطبقية للبرجوازية الكولونيالية تنعكس أيضا، في الحقل الأيدلوجي في شكل من التبعية الأيدلوجية تمارس فيه البرجوازية هذه سيطرتها الأيدلوجية". ويشكل الدعم المالي على هيئة مساعدات وقروض، وسيلة المركز الرأسمالي الرئيسية للتدخل، فمسألة التمويل الخارجي مسألة حساسة، ولها تبعياتها على المنظمات نفسها، وعلى المجتمع ككل، فهي تعني تعزيز وجود ونفوذ "شريحة وكلاء محليين" للجهات الخارجية الداعمة، وتؤثر على استدامة المنظمات نفسها، وتجعلها مرتهنة لمواقف ورغبات الجهات الممولة. وإن كانت هذه طبيعة الحال، فإن الأمر يتطلب نظرة متفحصة على الأهداف الكامنة وراء المساعدات المنهمرة على الأراضي الفلسطينية. فحسب الاحصائيات قامت الجهات الممولة خلال السنوات العشر الماضية بتقديم أكثر من 6552.6 مليون دولار، وإذا أضيفت المساعدات الطارئة المقدمة عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين منذ اندلاع الانتفاضة حتى نهاية العام 2003، والتي قدرت بنحو 324 مليون دولار، فان المبلغ الإجمالي سوف يرتفع إلى أكثر من 6876.6 مليون دولار، توزعت ما بين السلطة الفلسطينية والمؤسسات غير الحكومية، وقسم ثالث تم توزيعه من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"، وتشير بيانات وزرة التخطيط إلى أن المؤسسات غير الحكومية قد تلقت ما نسبته 8% من هذه المساعدات على كل حال، فإن المسألة برمتها لا تحاك سرا، فمجتمع التمويل يعترف بشكل كلي بأن الأولوية هو لدفع "العملية السلمية" قدما، علاوة على صبغ المجتمعات وتنميطها وفق رؤاه الليبرالية، دون الالتفات الى أي تنمية مستدامة على ارض الواقع. وهكذا تبدو "المشاريع" و"الورش و الندوات" " التي "نجحت" في القفز بمفاهيم المجتمع المدني و الديمقراطية الليبرالية، والوصول بها إلى أعلى سلم الاولويات، عاجزة عن تحقيق أية تنمية حقيقة على ارض الواقع. يضاف الى ذلك، اخفات هذه الافكار لروح العمل الجماعي من خلال ما تزرعه من تقديس ودعم واقراض للمشاريع الفردية والخاصة، وبالتالي خلق مشاريع ضعيفة إتكالية عاجزة عن المنافسة والصمود امام المنتجات الاسرائيلية والاجنبية التي تغزو الاسواق المحلية دونما أي حمائية رسمية او شعبية. إن هذا التمويل المنفلت من أية رقابة حكومية أو شعبية، يخلق أيضا حالة فساد في المجتمع تزيد فقر الفقراء وغنى الأغنياء الفاسدين، وتوسع الهوة بين الطبقات الاجتماعية إضافة إلى خفض مستوى ونوعية حياة المواطنين والخدمات المقدمة لهم واتساع رقعة الفئات المهمشة والضعيفة. فالدعم مستمر رغم التقارير الدولية والمحلية العديدة حول الفساد واستشرائه في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. إذن فالأفكار التي تروج لها هذه المؤسسات تحلق بعيدا عن التعريفات الأخرى التي تحاول الوصول إلى تأصيل الديمقراطية نظريا بالتحرر من الانحرافات التي تخلقها الرأسمالية، بقانونها "الربح والتراكم" وأبعادها الاقصائية والمدمرة القائمة على التبذير واللامساواة، والتي تجعل من الإنسان مجرد حامل لقوة العمل، التي صارت بدورها سلعة، ودمرت بذلك مجتمعات بأكملها، خالقة لامساواة غير مسبوقة، وزارعة البؤس والجوع في اصقاع المعمورة. وبالمحصلة فإن التعامل مع هؤلاء المثقفين والسياسيين يجب ان لا يقف عند حدود الجانب الدعائي المحض، المزركش باللغط الديمقراطي والتنموي، بل يتجاوز ذلك الى دراسة المنطلقات المصالحية والطبقية وانعكاساتها الايدلوجية، كي لا يتحول انتصار نهج مقاومة شعب في غزة الى مجرد اعادة انتشار للاحتلال!
#عمر_المقدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصلحة الشعب: مع السلطة أو مع حلها؟!
-
مثقفون ولكن
-
وحدة وطنية ولكن على مشروع المقاومة
المزيد.....
-
مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يدعو إلى إعادة النظر بالعقو
...
-
الشيباني: لا حاجة لعودة سريعة للاجئين السوريين من ألمانيا
-
الإمارات تنجح في وساطة جديدة لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكران
...
-
لماذا قررت إسرائيل توثيق الإفراج المتوقع عن السجناء الفلسطين
...
-
صفقة غزة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.. شروط إسرائيلية جدي
...
-
السعودية.. إعدام مواطن أردني
-
كيف سيتم توثيق عملية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون إ
...
-
كواليس الاجتماع المحتدم بين مبعوث ترامب ونتنياهو بشأن صفقة ا
...
-
الشرع يلتقي وفدا من المفوضية الأممية لحقوق الإنسان في سوريا
...
-
رويترز: اعتقال المصري أحمد المنصور في سوريا
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|