|
التربية عتلة السلطوية المحافظة وقد تشحن عناصر التغيير الديمقراطي
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 20:26
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
التربية عتلة السلطوية المحافظة، وقد تشحن عوامل الإبداع و التغيير الديمقراطي؟ جرى تسخير التربية منذ تصميم عملياتها من قبل الانتدابات الكولنيالية لتخريج متعلمين غير مثقفين يندمجون في هرم سلطوي يقدم الولاء على الإنجاز. وطوال عقود ظل نظام التعليم يرفد الأنظمة الأبوية بعناصر التثبيت ويعزز المحافظة من خلال تغذية التوجهات السلفية في مجتمعات القهر الطبقي وأنظمة الاستبداد أسند للتربية مهمة إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية القائمة وتدعيمها في الوعي والسلوك الاجتماعيين. صمم النظام التربوي في المدرسة والجامعة بمقتضى أسس الضبط والتعليم التلقيني وإملاء المواقف والمعلومات ، الأمر الذي كيف الأجيال المتعاقبة لسطوة السلطة . عاب المثقف الفلسطيني ، الدكتور هشام شرابي، على النظام التربوي والاجتماعي السائدفي العالم العربي انه " يثني الطفل عن الثقة بآرائه الخاصة ويشجعه على قبول آراء الآخرين دون تردد أو سؤال. وهذا ما ينمي في نفسه الإذعان للسلطة ولكل ما هو أقوى منه أو أعلى مرتبة وجاها". منهاج التربية الفلسطيني لا ينمي القدرة الإبداعية لدى الطالب، فيتركه نهبا للانفعالية والنزق والطيش؛ موضوعاته لا تضوي حياة المجتمع ، ونظرا لاغترابه عن حاجات الناس فإنه ينفر الطلبة من الكتاب ويغرس في نفوسهم غربة عن الثقافة والتثقف. منهاج التربية في المدرسة والجامعة يخلو من أي تذكير بمواقف المنورين الفلسطينيين. حتى ان هؤلاء الرواد الذين نهضت على أيديهم عفية قيم الثقافة التنويرية جرى تغييبهم عن مناهج التعليم في المدرسة والجامعة ، ولا يذكرون ضمن كوكبة المنورين العرب ممن أثروا الثقافة العصرية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. إذ تقوضت الثقافة الفلسطينية تحت ركام الكارثة ،عندما حملت الجموع خيبتها ورحلت. تقوض المجتمع الفلسطيني أثناء كارثة 1948-49؛ تشتت المبدعون وما عادوا يتذكرون نتاجاتهم، كما أورد الناقد الدكتور عبد الرحمن ياغي في مؤلفه " حياة الأدب الفلسطيني الحديث". وحيث ان التنوير يناهض الظلامية فقد حظر الحديث عن التنوير حين فرض السلفيون ممن تولوا الإشراف على التربية في فلسطين والأردن وتعهدوا ثقافة الاستعمار الجديد منذ أواخر خمسينات القرن الماضي . كان للمنورين الفلسطينيين فضل التشهير بالاستبداد العثماني وبجريمته في تردي اوضاع الجماهير الفلسطينية. تصدوا للاستيطان اليهودي بفلسطين؛ بينوا مخاطره اللاحقة وحذروا من مصير مفجع إذا ترك الوضع الفلسطيني على حاله. ثقافة التنوير وثيقة دامغة للحالة الفلسطينية المزرية في ظل الاستبداد العثماني، مقارنة برفاه حياة المستعمرين الصهاينة. ما زال محظورا إدخال سيرة حياة وأعمال محمد روحي الخالدي وبندلي الجوزي وكلثوم عودة ونجيب عازوري والتعمق في تراث خليل السكاكيني. كانت حيواتهم وإبداعاتهم جرس إنذار مبكر بالكوارث اللاحقة وتحذيرا مبكرا من عواقب استمرارية الفجوة العميقة بين حياة الفلاح الفلسطيني والحياة داخل كيبوتسات اليهود المقامة في فلسطين، المبنية وفق احدث إمكانات الرعاية الاجتماعية ومنجزات التقاني الزراعية . وحين تعزل التربية عن الخوض في حياة المزارع والصانع ومصائر الملايين ، وإذ تقطع عن ضرورات تنمية الإبداع والنقد والتفكير العقلاني، فإنها تعزز التبعية للماضي كما تحدر إلى حاضرنا ، وترفد تيار السلفية التكفيرية . ان جذر العوامل المربكة للحالة الفلسطينية ثقافي، ومن مظاهر تخلف المجتمع الفلسطيني فصم علاقة التعليم بالثقافة إدخال الفلسفة إلى المنهاج المدرسي ضرورة حيوية من أجل تأصيل التفكير الواقعي والمنطقي وإتقان استخدام أدوات التفكير العقلانية . أخذ يشيع في الوقت الراهن مفهوم التعليم الجيد دلالة على رداءة التعليم المعتمد في المدرسة والجامعة. التعليم الجيد يرسي ركائز النهوض الاجتماعي ويمهد لانتشار التفكير الاستراتيجي، ويعلم الحرية والإبداع فيمهد بذلك للانتقال إلى التفكير الجدلي. يخلو المنهاج التعليمي الفلسطيني في المدرسة والجامعة من ثقافة التنوير الفلسطينية ورموزها ؛ كما يخلو من مواضيع الفلسفة . الفلسفة والتنوير عرضة للتأثيم. وظيفة التربية في مجتمع ينشد التحرر والديمقراطية والتنمية تفرض الإقلاع عن التلقين وإشاعة الحوار في التعليم، بما يكرس نهج التفتح العقلاني وتربية التفكير النقدي والإبداعي وروح المبادرة. يمكن تسخير التعليم و التربية لتوسيع حيز الثقافة في العملية التعليمة ، حيث تقام على اسس تشيع مناخ الاحترام والعلاقات الإنسانية داخل المدرسة والجامعة. تظهر المعرفة على أنها إثراء للحياة العملية. وفي كل مجتمعات المعمورة تقوم علاقة جدلية بين إنتاج المعرفة والقوة المادية والمعنوية للمجتمع. وفي مجتمع يخضع لاحتلال كولنيالي يرمي لاقتلاع الشعب من وطنه تتحمل التربية مسئولية رفع كفاءة التحدي للاحتلال الإسرائيلي وعقلنة المقاومة . تربية العقل المفكر من شانه تصفية الانفعالية والارتجال في السلوك وفي الممارسة النضالية. يتعزز دور التربية في تحفيز الإبداع العلمي – الثقافي وتنشيط التنمية الاجتماعية وتعظيم دور العنصر البشري في إدارة عملية التقدم الاجتماعي. لقد حذفت سلطة الاحتلال الكثير من مواد المنهاج في مواد التاريخ والتربية الوطنية وحصص المطالعة. وفي القدس الشرقية طالت أذرع الهدم والتدمير قطاع التعليم . فرضت بلدية الاحتلال على هذا القطاع التعليمي منهاجا إسرائيليا يحرف وقائع التاريخ والجغرافيا ويعمل على زعزعة ثقة الأجيال بوجودهم ويسلخهم عن تاريخهم الحضاري ورابطتهم القومية. الاحتلال يحث المساعي لصهينة الوعي والثقافة وتعميم الجهل والتخلف. تشرف بلدية الاحتلال على تعليم نصف طلبة المدارس تقريبا في مدينة القدس، حيث تعاني نقصا حادا في معلمي فروع الاختصاص والغرف الصفية الملائمة والمختبرات والمكتبات والملاعب والحواسيب. إن هذا يرتب على المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني تعويض طلبة القدس ومجتمعها للتغلب على سلبيات الدراسة في ظل احتلال عنصري. وعلى وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية مسئولية تقديم برامج تنير توجهات الشباب وتفضح الانتهاكات الإسرائيلية لمبادئ حقوق الإنسان الفلسطيني. وبوجه ثقافة العولمة،خاصة توجهها لتنميط الشخصية وفق النموذج الأميركي وفصلها عن الجذور وترويج عوامل التفسخ والقسوة اللاإنسانية، يتوجب تمتين نسيج الهوية القومية في مناهج الدراسة، وترسيخ عوامل الانتماء الوطني لدى المتعلمين. ليس بمقدور التخلف الثقافي الصمود بوجه عمليات تخريب الوجدان من جانب ثقافة العولمة. تبدأ العملية التعليمية من مرحلة الطفولة المبكرة، وتحتفظ بأهمية خاصة في هذا الصدد وصية المربي الفلسطيني المتميز خليل السكاكيني"بترك الطالب يربي نفسه بنفسه ويعلم نفسه بنفسه، ويحل مشاكله بنفسه، فلا يلغي شخصية التلميذ إذ يلُزمه بالحفظ والنقل والتقليد". من حق السكاكيني علينا بعث إبداعاته في التربية، حيث كان سباقا في دمج التعليم بالحرية وبمقاومة الاستبداد. أدرك السكاكيني تعقيدات النضال اللاحق ضد الهجمة الاستيطانية فعول على التربية للنهوض بمهمات المقاومة الناجعة. تلقي مهمة التربية الديمقراطية للناشئة تبعات على الأسر ، مراعاة حرية الاختيار لدى الأطفال وتعويدهم على القراءة، بحيث نتحاشى طغيان ثقافة الإليكترون على ثقافة الكتاب. الطفولة تُسْهم إسهاما هامّا ، ورئيسًا ، وحاسما في بناء الشخصية من شتّى النواحي الاجتماعية ، والنفسية ، والعقلية ، وبالطبع الثقافية؛ والقيم التي تعتني بها الأسرة تتغلغل في وعي الطفل وتشكل القاعدة التي تنبني عليها منظومة قيمه . ومن مخاطر التربية للأطفال الانطواء على الذات والعزوف عن بناء علاقات مع الآخرين؛ وهناك خطر هدر يتمثل في ما يدعونه في علم النفس عصاب الفشل؛ إذ تولد لدى الطفل حالة عصابية ترجع الفشل إلى قدر خفي، أو حظ سيئ ملازم أبدا يجد تفسيره في اللاوعي. التربية من أجل الديمقراطية تتطلب نشئه الطفل على المحاورة وتقبل الرأي الآخر.التربية السليمة الواعدة تقتضي تنشئة الأطفال في مناخ التسامح الأسري، كي يسمو بالطفل عقليا وينشئه قادرا على احتواء الآخرين. إن من شان غرس جملة من العادات الثقافية في مرحلة الطفولة، مثل الميل إلى القراءة ، والمشاركة في الأنشطة الثقافية المحلية والوطنية ، وحضور المحاضرات والندوات الفكرية ، والمساهمة في المسابقات ، وممارسة الحوارات الفكرية داخل الأسرة ، ووجود المجلّة والكتاب والصحيفة اليومية وانكباب أفراد الأسرة على المطالعة ..كلها عوامل ذات تأثير إيجابي في تنمية الوعي الثقافي لدى الطفل ؛ كما تيسر النموّ السليم والتنشئة التي تسمح بسرعة التكيّف الاجتماعي والثقافي مع الوسط المدرسي من ناحية ، ومع الوسط الاجتماعي الثقافي من ناحية أخرى. مما تقدم يتبين أن التعليم بوسائل عصرية يخدم قضية التغيير الديمقراطي، وتنمية العقل المبدع والنقدي لدى الأجيال من بناة الغد الديمقراطي ، غد الحرية والتنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الامبريالية الأميركية تكثف الجهود للإطاحة بالأنظمة اليسارية
...
-
الامبريالية الأميركية تكثف الجهود للإطاحة بالأنظمة اليسارية-
...
-
مصدات في طريق التطهير العرقي
-
يحدث في غفلة القيادة الفلسطينية-3
-
يحدث في غفلة القيادة الفلسطينية -2
-
يحدث في غفلة القيادة الفلسطينية
-
ثقافة العنف وازدراء الديمقراطية
-
سنستان بدل داعش.. إصرار على مؤامرة التمذهب
-
هل يقدم الحلف السعودي قارب نجاة لشعب تعصف به هوج الإرهاب؟
-
تزاحم الطيران الحربي نذر بكوارث مبيتة
-
امبريالية الغرب مستنبت العنف والإرهاب والعنصرية
-
الموت ولا المذلة
-
وفاءًلصداقة قديمة متجددة-3
-
وفاء لصداقة قديم متجددة - 2
-
وفاء لصداقة قديمة متجددة - النازي الإسرائيلي برأ النازي الأل
...
-
انتفاضة ثقافية أو مواجهة مسلحة
-
من الهبة إلى الانتفاضة تحول نوعي وواع
-
بالقبضة الحديدية يدير نتنياهو الصراع
-
قلق وزير خارجية فلسطين
-
ديمونة ضمن استراتيجية الإبادة الشاملة
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|