أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي فريدي - النفط.. الشيطان الثاني (2-2)















المزيد.....


النفط.. الشيطان الثاني (2-2)


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 20:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سامي فريدي
النفط.. الشيطان الثاني (2-2)
أقول لك يا فيلبي.. ان كل من يعطيني مليون جنيه الان، يكون له أن يفعل ما يشاء، في كل مكان يشاء من بلدي. – ابن سعود
شيوخ الوهابية والدولة مرتبطان سوية بحلف غير مقدس. اشترت الدولة الشيوخ بالمال. وكيف تعتاش الوهابية وشيوخها، إلا من خلال الفساد!- جهيمان العتيبي- 1978
الانقلاب المالي وانعكاساته الاجتماعية والفكرية..
لو لم يظهر النفط في السعودية والخليج، كيف كان حالها سيكون اليوم؟!!
كانت هذه المنطقة صحراوية قاحلة لا امكانية للمعيشة فيها، وبحسب أحد المؤلفين، لم يتغير واقع الحياة في نجد منذ أيام الاسلام الاولى حتى ظهور دولة بني سعود؛ ولكن ظهور النفط، جعلها أغنى منطقة في العالم!.
ألم يظهر النفط في العراق وفارس، وليبيا والجزائر من قبل. لماذا اختلفت تجارب تلك البلدان عن تجربة السعودية والخليج؟.. ولماذا اختلفت علاقة الغرب بتلك البلدان، عن الحالة الخليجية؟.. لماذا ظهرت حركات تحرر وتيارات سياسية وأنظمة مدنية في بلدان الشمال، ولم تظهر في بلاد الخليج والسعودية؟.. لماذا لم تعتمد حكومات الشمال سياسات الاستعداء والتباغض وتدمير الجوار كما فعلت العقلية الصحراوية؟.. الفارق هو التمدن والبداوة، ذلك الارث الحضاري العريق، مقارنة بالصحراء التي بقيت مهملة خارج دائرة الحضارة والمدنية والاستعمار عبر التاريخ!.
ان شبه جزيرة العرب التي تضم ثمانية دول، لم يزد عدد سكانها عن المليونين في بدايات القرن العشرين، فيما كان نفوس أي من بلدان الشمال يزيد عن هذا الرقم يومها. وباستثناء اليمن والحجاز وعُمان، فأن البلدان الأخرى هي أقرب لمجمعات اصطناعية ، تفتقد الجذور التراثية ومظاهر التطور الاجتماعي والسياسي. وما زالت أنظمتها تتشكل من عوائل حاكمة، لا يتعدى نفوذها ثروات النفط، ومجتمعات تشكل العمالة الوافدة لبنتها الأساسية.
(أغنى) كلمة سحرية لا حدود لدلالاتها في المخيلة الصحراوية، ولكنها لا تعني في الحقيقة غير البنكنوت المجرد الذي يسيل له لعاب الفقير. والفقر، هو تلك المسافة البعيدة بين الحصول على المال، وبين صناعة المال وانتاجه. والانتاج هو ما يلخص فكرة الحضارة من الجانب الآخر. فالأغنياء ليسوا سواسية إذن؛ الغني الذي ينتج الثروة، يختلف عن الغني الذي يملك الثروة ويعجز عن صنعها وانتاجها. ومنذ القدم، عرفت منطقة الشرق الأوسط بوقوعها على طرق التجارة، بين بلدان المصنع والانتاج، وبين بلدان التسويق والاستهلاك. واشتهر سكان الشرق الأوسط بين العمل في التجارة، وبين القرصنة وقطع الطريق. ومن الاثنين: التجارة وقطع الطرق، ولد الدين، كمنظومة مبايعة [بيع وشراء] تقوم على استحصال الرسوم والجباية وحملات السلب والنهب باستخدام عناوين غيبية!.
لولا ظهور النفط لما كان لأي من دويلات البدو وجود وقيامة!. وكان البدو – حتى اليوم- يدورون في أروقة الحواضر يبيعون الملح على ظهور جمالهم المكدودة، أو يسطون من حين لآخر لتأمين قوتهم.
نجد كانت ستتوزع بين إمارة الحجاز الهاشمية، وبين امتداد بادية العراق الشمرية، وتتسع حدود اليمن شمالا لتضم نجران والهجر والربع الخالي. أما شمال الخليج العربي فيعود لوضعه الاداري عبر التاريخ جزء من ولاية البصرة جنوبي العراق. وهذا هو المصير الذي ستنتهي إليه عاجلا أو آجلا، مع انهيار النفط وشيوخه وانسحاب المظلة الأميركية الامبريالية من الشرق الأوسط. كما انسحبت الامبريالية البريطانية في فبراير 1947م مع تنامي أفكار التحرر وتقرير المصير خلال الحرب العالمية الثانية.
فالمدنيات الحضارية التاريخية العريقة في وديان النيل والأردن والرافدين كانت وستبقى مهد الانسانية وقلب العالم، ولن يكون لجماعات بدوية قبلية طفيلية ان تحل مكانها حضاريا أو جيوبوليتيكا. وهذا لا يقتصر على صدفة النفط،، وانما يمتد إلى فشل [الغزو البدوي الاسلامي] من قبله، في الاستفادة من حضارات ومدنية بلدان الشمال للانتقال نحو التمدن والعصرنة، كما استفاد مغول الترك من المدنية البيزنطية؛ وانما جرى تدمير مدنيات الشمال والانتقام منها بفرض تقاليد البداوة وثقافة القحط والعبودية كما يصفها عالم الاجتماع ابن خلدون.
لقد وقف عمر بن الخطاب عاجزا أمام وفرة أموال الغنائم المحمولة إليه من خراج العراق، فأرسل في طلب جباة فارس للاستعانة بخبراتهم في قتح السجلات وتنظيم بيت المال. وصار يتهم عمرو بن العاص لقلة خراج مصر. لكن أموال الخراج والجزية والغنائم لم تمنع عمر أن يأمر قواته البدوية من تدمير آثار الحضارة وتقتيل الأعيان والعماء ومحارق الكتب والدواوين، لتوزيع الجهل والقحط بالتساوي واشتراكية العبودية والقهر.
لقد حاولت المدنية العراقية المتوارثة تمدين فكر الاسلام ورفعه من مستوى البداوة إلى مستوى الحضارة والتمدن، وقد نجحوا فيه إلى حين، وبشكل جعل الاسلام مقبولا لدى الترك والفرس. ولكن الفتنة التي سعى فيها أحمد بن هنيبعل، وتنكبها ابن التيمية وابن الجوزية تحت شعار (السلفية) كانت انقلابا على المنجز العراقي والعودة بالاسلام للبداوة الغليظة الجافية [ من بدا فقد جفا!]، لكن حملته بقيت منكمشة مرفوضة، حتى نفخ فيها الانجليز في شخص المدعو (محمد عبد الوهاب)، وحلفه مع بني سعود لعزل الشرق الأوسط عن الحضارة والمدنية الحديثة.، وقطعه عن أسباب النهوض والابداع.
فالحركة السعودية الوهابية، هي عودة بالمنطقة للغزو البدوي الأول في نزعته المعادية للمدنية والحضارة والحداثة، وإحياء صراعات القبائل والأطراف حول المراكز.
لقد كان أولى، بقليل من العقل، استخدام النفط والتعقل، لبناء تنمية اجتماعية وعمرانية، وإقامة علاقات جوار حسنة، والتآلف والتعاون مع الأخوة في اللغة والاقليم والثقافة، لما فيه المنفعة والخير المشترك، بعيدا عن نزعة البداوة والتباغض والكبرياء الأجوف.
ولاشك ان الغرب يشعر بالسعادة لبقاء البدو متسربلين بالدشاديش والعقال، فسيأخذونها معهم قريبا، منضمين إلى عاد وثمود ومدين، من العرب البائدة.
*
الطفرة النفطية والطفرة السعودية الوهابية..
تعتبر مرحلة [1964- 1975م] الأكثر خطورة وأهمية في تاريخ النظام السعودي، والمسؤولة مباشرة عن وضع البصمات الرئيسة للسياسة السعودية عامة، وسياستها الاقليمية تحديدا. حسمت هذه المرحلة الصراع بين التيار الاصلاحي المدني والتيار الرجعي الديني داخل النظام، وذلك بخلع الملك سعود من الحكم بفتوى دينية، وهو رائد حركة التحديث والاصلاح والتمدين في الدولة والمجتمع التي كان ختامها ادخال التلفزيون للمجتمع السعودي والتي لقيت معارضة اخوانية شديدة كان من آثارها عزل الملك سعود بن عبد العزيز [1902- 1969م] الذي حكم البلاد وليا للعهد [1933- 1953م] وملكا [1953- 1964م]، ليخلفه أخوه فيصل بن عبد العزيز [1964- 1975م].
لقد كان من آثار خلع الملك سعود العمل على تأكيد التشدد الديني وترويج الهوية الوهابية البازية لسياسات الحكم، وهي مبتدأ رواج الوهابية خارج حدود المملكة وفي المقدمة منها مصر والسودان وباكستان.
في عام 1971م كان سعر برميل النفط يقل عن دولارين، ارتفع إلى أكثر من أحد عشر دولارا للبرميل في نهاية 1973م عقب حرب اكتوبر- الأخيرة بين العرب واسرائيل-، ليصل الى اكثر من سبعة وعشرين دولارا للبرميل من بعد. لقد نقلت طفرة اسعار النفط بلدانها إلى حالة من – بحبوحة مالية/ الجلوس على بحيرة من المال- أغرت بعضها لبدء خطط تنمية اقتصادية اجتماعية، ورفع مستويات المعيشة نسبيا لدى مجتمعاتها. ناهيك عن استغراقها في جداول الانفاق العسكري، والاستثمار في مجال الدعاية الدينية والسياسية لحكومات النفط.
ومن الطريف، ان يكون قطاع الدين، المجال الخصب للدعاية الحكومية والسياسية للحكام العرب. فظهرت موجة بناء مساجد فخمة من عوائد الطفرة النفطية داخل البلدان العربية، وفي بلدان الغرب سواء، وهو أمر يشرح طبيعة العقلية العربية والاسلامية، حاكمة أو محكومة. ان أفكار الزكاة والصدقة هي من القاموس الديني حتما، ولكنها تعكس أمرين بنفس الحتمية: الحاجة لتكفير الذنوب والاثام، والطمع في الثواب الدنيوي والأخروي، تأكيدا لمقول: يعبدون الله خوفا (!) أو طمعا (!!).
باستثناء برامج التأمين الصحي والتعليم المجاني وبعض المشاريع العمرانية والطرق والجسور، فأن عوائد النفط لم توظف في مجال انجاز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بقدر تسخيرها لتدعيم الأجهزة القمعية وبناء ترسانة عسكرية. وقد كانت الحرب الأهلية في لبنان أول كرنفال عربي للتسابق والتنابز العسكري ضد بعضها البعض، تلتها حروب العراق ضد جيرانه والاجتياح السوري للبنان، ، وحرب اليمن، وحروب السودان الأهلية والحرب الأهلية في الجزائر، والتمويل الليبي لحروب عربية وأفريقية، وصولا لهذا اليوم.
فالحرب المفتوحة التي بدأتها جماعات بن لادن وطالبان وما تفرع عنها خلال ربع قرن، كلها تدخل في باب البترودولار الديني. فالانفاق العسكري والاعلامي عقب السبعينيات، هو السمة البرز لهدر المال العربي وتدمير الاقتصاد والمجتمع في الشرق الأوسط. وكما عملت الأنظمة العسكرية القومية على تصدير ايديولوجياتها الحزبية، ضاهتها الأنظمة الدينية على تصدير عقائدها الدينية. ولا غرابة أن يكون العنف الديني والاغتيال السياسي من مظاهر البترودولار، وبشكل جعل المأفيات المسلحة- تحت ستار الدين- ظاهرة شائعة في بلدان الشرق الأوسط. وكان من أول ردود فعل تفجيرات نيويورك 2001م هو الدعوة لتجفيف مصادر تمويل الارهاب. فالبترودولار هو العامل الرئيس وراء هستريا التدين والعنف الديني!.
والمشكلة، ان التوظيف السعودي للبترودولار لم يكن بغير رديف ايراني، حيث يتنافس ندان في كل شيء. مع فارق نسبي في التكتيك والعقلية. فالدعاية الاعلامية والمباهاة، هي ديدن العقلية البدوية قبل العمل ومن غيره أيضا. العربي يهدد ويدمر قبل أن يتحرك من موضعه. بينما الايراني يعمل بصمت ولا يفتخر، بل يتظاهر بالدبلوماسية والتمدن والدعوة للحوار. وقد نجحت ايران في بناء قواعد عسكرية وجيوش في كل من لبنان وغزة واليمن والسودان والعراق، مع تكتلات كبيرة في الغرب.
كان النفط وبالا وليس نعمة، للانسان العربي. وهو اليوم، داخل بلده، أو في خارجه، يقف بلا مستقبل، ولا أمن ولا وطن. وكما سخرته الأنظمة القومية باسم العروبة وفلسطين، مشروعا رخيصا للتضحية والفداء؛ تستغله أنظمة الديماغوجيا الدينية مادة رخيصة للجهاد والموت لخدمة أغراضها. وربما.. بعد قليل من الزمن، سيجد نفسه مدانا، طريدا، جريرة ما جلبته عليه ممارسات الأنظمة الطاردة للانسان، ولن يجد يومها هاته الأنظمة، ولا أصحاب الفتاوي والشيوخ، عاريا في صحرائه، كما كان أول مرة.فلا ربيع التسامح الغربي يدوم، ولا دولارات النفط.
*
حكومة أرامكو العالمية..
أرامكو- التحالف الأمريكي السعودي، نجح في تدمير لبنان ومصر والعراق وسوريا.. عواصم المدنية والحداثة والانفتاح، نجح في ازاحة عبد الناصر والنميري وصدام والقذافي وعلي عبدالله صالح، ويغص اليوم بشوكة أسد سوريا جتى المرئ!.
النفط فقد أهميته الستراتيجية، والاحتياطي الغربي أفضل من احتياطيات الأوبك، وقريبا يكون الماء أغلى من النفط عند العرب. لقد عض العرب اليد التي أنهضتهم من سحت الصحراء.
الغرب.. هو المستهلك الأول للنفط والطاقة في العالم، وهو اليوم ضحية الحقد والهمجية النفطية البدوية. ثمة بدائل كافية وصديقة للبيئة، لمصادر الطاقة النفطية. والولايات المتحدة أول من قلب المجن على حليفه البدوي [1946- 2016م].
الانهيار المريع وجه ضربة قاصمة لكل الدول النفطية، وفي مقدمتها العربية. بل أن المتضرر الأكبر يكاد يكون السعودية تحديدا، بعد انهيار البلدان النفطية الأخرى المنافسة لها كالعراق وليبيا، ففضلا عن حاجتها للوقوف على قدميها، هي بحاجة للاستمرار في تمويل نشاطاتها السياسية والوهابية في الخارج. وفيما تعتمد ايران برامج وسياسات عدة لمواجهة أزمة النفط، تبحث السعودية عن طريقة لمعالجة الأزمة من الداخل، أي عبر التحكم في كميات العرض من خلال الأوبك. ولذا فهي بحاجة لتضامن مع بلدان نفطية كبرى مثل روسيا التي أعلنت عن رغبتها في المشاركة في اجتماع اوبك يوم الرابع من فبراير الجاري. لكن روسيا هي حليف ايراني تاريخي، وكذلك الصين. ولم يخطر للسعودية تنويع علاقاتها التجارية والانفتاح السياسي من قبل. ومهما كانت العلاجات الممكنة فهي جزئية، ولن تغير اتجاه التطور الاقتصادي العالمي.
وقد ارتبط ظهور ووجود بعض الزعامات العربية بفورة النفط، وها هي تنتهي بانتهاء قصة النفط. ثمة دول سقطت سياسيا أو عسكريا، وثمة دول تسقط اليوم اقتصاديا وسياسيا.
*
الثقافة والعلمانية العربية من ضجايا الديندولار..
اعترت الحياة الثقافية العربية حالة انحراف مفاجئة منذ سبعينيات القرن العشرين، تنكب لواءها الأطر الهيكلية للثقافة والاعلام العربي، ممثلة بمؤسسات النشر الحكومية والأهلية، وبشكل برزت ملامحه في جانبين:
1- شيوع مصطلح الغزو الثقافي، المقصود منه ادانة كل مظاهر الحداثة والتحديث كتبعات للسياسات الاستعمارية الغربية.
2- اهتمام مركّّز بمجال التاريخ والتراث العربي الاسلامي واللغة والفقه، ومنه ظهور كليات وجامعات وأقسام دراسية وجمعيات تعنى بذلك، إضافة لظهور دور نشر خاصة بالتراث.
بالمقابل كان للتنافس والتفاخر العربي في بناء المساجد وتمويل الاعلام في الغرب مسرح مفتوح، استهلك كل أوراقه وعلى أسوأ ما يكون، بدء من العراق وليبيا وسوريا، وليس انتهاء بالسعودية والآردن وقطر. بمعنى آخر، نجح الغرب في امتصاص فوائض العرب النفطية سواء بالاستثمار المباشر في أوربا، أو ايداعها في بنوكه حتى اليوم.
وفيما تراجع الدعم الحكومي للنتاج الثقافي العلماني، وفرضت دور النشر الأهلية مبالغ باهظة على طبع المنشور العلماني، أغرقت سوق الكتاب بطبعات حديثة لكتب التراث الاسلامي ومصنفاتها الحديثة، ناهيك عن الكتابات المناوئة للحداثة ومظاهرها. وكانت حملة توسع بناء المساجد، منابر اعلامية لنشر معاداة الحداثة وما يدعى بالتغريب.
فالصراع بين العمامة والأفندي كما وصف في بدايات القرن العشرين، وحسم لصالح الثقافي (الأفندي)، أعيد تأجيجه ثانية مع موجة البتروديندولار في السبعينيات، ليحسم على حساب الثقافي. وتعتبر لفظة (الرئيس المؤمن) التي نسبت للسادات وصدام حسين من مظاهر تلك الموجة ردا على تيار تكفير أنظمة الحكم العربية من قبل رموز السلفية الوهابية.
وقد شكلت الحرب الأهلية في لبنان لبنة أساسية في تصفية منابر العلمانية والحداثة – مؤسسات ثقافية ودور نشر عريقة-، تعرضت معها كثير من تلك مؤسسات النشر للمبايعة، لتظهر موجة جديدة من دور نشر تراثية، ويخضع النشر العلماني للمتاجرة والنصب والتلاعب بالحقوق الأدبية.
وفي حين يتم نشر كتب التراث والدين بطبعات فاخرة ومكافآت مغرية للمؤلف، شاعت طبعات رخيصة للكتب الأدبية والعلمانية، وفي مقابل مبالغ طائلة تجبى من المؤلف، وبالتفاف على القانون وحق المؤلف. وإزاء هيمنة التيار الديني على الواقع العربي سيما في مصر ولبنان، تخاذلت الجمعيات الأدبية والثقافية عن المطالبة بحقوق المؤلف أو حماية الناتج الثقافي.
في نفس الاتجاه، كان المثقف العلماني هدفا للاضطهاد والاغتيال والملاحقة القضائية ودعوات التكفر والخلع والمصادرة. وحققت بعض البلدان أرقاما قياسية في عدد اغتيالات الأدباء والصحفيين كالجزائر في التسعينيات، وسوريا في الحرب الأخيرة. بينما تجاوز عدد اغتيالات الصحفيين العراقيين – العاملين في الصحافة فقط- ألفا وخمسمائة خلال العقد الأول من الغزو الأمريكي [2003- 2013م]. بينما تتصدر مصر في عدد دعاوى التجاوز على حرية الرأي ورقابة الضمير.
في اتجاه مقابل، قامت السعودية وبعض دوائر الخليج، بإقامة مهرجانات ومسابقات ثقافية ومعارض كتب، توزع فيها جوائز مالية مغرية، يدعى لها كبار الأدباء والمفكرين العرب. لكن تلك الأنشطة، لا تتعدى في أغراضها الدعاية السياسية للنظام، والتغطية على ممارساتها القمعية بحسب وصف الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي.
يناقش كتاب بعنوان (شعراوي وعدويه) ظاهرة سيطرة البطل الشعبي على الشارع العربي منذ السبعينيات، والتي شكلت ضربة قاصمة للحداثة والثقافة المسؤولة. ويتعرض عبدالله الغذامي في كتابه (الثقافة التلفزيونية) لانتشار ما يسميه الثقافة (التفاهية)، أي العقلية الشفاهية الشعبية بدلا من العقلية العلمية التدوينية. لكن الموجة الدينية لم تقتصر على مظاهر الحداثة الغربية، وانما شملت الثقافة العربية الرسمية أو العقلية العلمية، لصالح عقلية الخرافة والميثولوجيا والغيب الديني.
وأضافت ثورة النت والفضائيات ميادين جديدة للثقافة التفاهية والسلفية لمصادرة أذهان الشباب وهدر امكانيات التطوير والتحديث العربي. وتشكل الفضائيات الدينية 80% من نلفزة الشرق الأوسط. علما أن تراجع التلفزيون الحكومي كان ضربة للبرامج الثقافية والعلمانية. حيث تفتقد التلفزيونات العربية اليوم أي برنامج ثقافي أو أدبي، مقارنة بفيضان البرامج الدينية الرجعية.
ان تراجع الثقافي والعلمي والعلماني في العالم العربي هو أحد أسباب الانحطاط الاجتماعي والثقافي وانعدام الاستقرار ومظاهر التمدن وقبول الآخر.
*
الديندولار وتدمير الهجرة واللجوء..
الهجرة واللجوء هما جانب من الحقوق الانسانية التي نصت عليها اللائحة الدولية لميثاق حقوق الانسان التي ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر، وأقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. ويشكل الاضطهاد والتمييز – لأي سبب- الدافع الرئيس الطارد للانسان خارج بيته وأهله وبلده وثقافته. والهجرة لا تكون غير قسرية، لأنه لولا توفر أسبابها لما خرج الانسان من داره وبلده.
وتعود أقدم هجرة قسرية في شبه جزيرة العرب إلى أيام الصراع بين الفرس والحبشة للسيطرة على اليمن قبل الاسلام – وليس خرافة الفأرة التي تقرض سد مأرب!-، وكانت القبائل المسيحية أكبر ضحاياه. أما ثاني أكبر حملة تهجير من شبه الجزيرة، فقد ارتبطت بتهجير عمر الخطاب للقبائل اليهودية والمسيحية عقب ما دعي بحروب الردة، تنفيذا لشعار – لا يجتمع دينان في شبه جزيرة العرب- الذي اعتمدته الوهابية السعودية في العصر الحديث. وكانت الشام والعراق الملجأ الأكبر للمهجرين من اليمن وبطن الجزيرة
وعندما وقعت الشام والعراق تحت الحكم البدوي، نشطت سياسات الاضطهاد والتصفية والتهجير، وكان من أثرها خروج موجات سكانية عديدة – من أحفاد المهجرين الأقدم- نحو شمالي أفريقيا، وصولا لأقصى المغرب وشبه جزيرة ايبريا. وحري بالملاحظة، أن المهجرين كانوا على قدر كبير من الحضارة والتمدن، وقاموا بانشاء مدنيات ودول حيث نزلوا، على غرار دول الغساسنة والمناذرة والحكم الأموي في ايبريا والدول العبيدية في المغرب وتونس ومصر.
وفي أواخر العهد العثماني جرى اضطهاد وتهجير المسيحيين الأرمن من بلادهم داخل أسيا الصغرى، وتهجير الأشوريين من العراق نحو لبنان، ومنها ممارسات بعض ولاة الشام مثل جمال السفاح، التي دفعت إلى هجرة سكانية وثقافية لمسيحيي الشام، أسسوا جمعيات ثقافية وصحف في بلدان المهجر كالجمعية القلمية.
فالاستبداد والتمييز الديني والعنصري في الشرق الأوسط، جعل منها أكبر البلاد الطاردة لأبنائها، وقد قفزت معدلات الهجرة واللجوء منها عقب الفورة النفطية/الوهابية، ليصبح البشر في مقدمة صادرات الشرق الأوسط نحو الغرب مع أواخر القرن العشرين. وفي خريف 2015م بلغ عدد اللاجئين المليون في أوربا، خرج معظمهم عن طريق تركيا.
فبينما كانت الهجرة مجال الأمل الأخير للعربي لبناء حياة كريمة على أسس صحيحة، نجحت حكومات البترودولار في ملاحقة العربي المهاجر ونسف مشروع الهجرة وتفريغه من محتواه الانساني والثقافي. ويلحظ، أن مجتمعات المهاجرين المسلمين أكثر تبعية وولاء لأنظمة القمع الديني وحقوق الانسان، أكثر من أي وقت آخر. وبشكل يدفع للسؤال عن مبرر هجرة الشخص واهداره المال، إذا كان يجعل نفسه رهن الأنظمة والتيارات السلفية المعادية للغرب.
وبدل الجهل والاستلاب، يعلن البعض أنه جاء لنشر الاسلام في الغرب، ومحاربة الكفار في ديارهم!.
ماذا ينتظر اللاجئون المسلمون وهم يشهرون سكاكينهم في صدور من يوفرون لهم الملجأ والمطعم والملبس والأمن؟.. ماذا يقول هؤلاء في ألمانيا وقد قطعوا اليابسة والبحار هاربين من الموت ليقتلوا ويغتصبوا أرباب نعمتهم؟.. ماذا يقول اللاجئ الأفغاني -وهو في السادسة عشرة- عندما طعن بالسكين موظفة اللجوء التي تهتم برعايته ومساعدته في السويد؟..
هل صحيح أن الغرب الذي قاد البشرية على مدى الزمن وأنتج كل مظاهر ومبادئ ووسائل الحضارة التي صنعت أسس الحياة الانسانية الكريمة؛ عجز فجأة أمام مراهقي المسلمين الهاربين من بلدانهم؟. أم أن الشيطان يمكنه استغلال الانسانية إلى آخر مداها، قبل أن يلفظ أنفاسه، كما يورد سفر الرؤيا.
هل نجح حسين أوباما في خداع المسلمين واغوائهم للتمادي في الجنون؟.. وسواء فاز دونالد رامب أو غيره، فأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لن تعود القهقرى. ولن يتأخر صدور قرار دولي بتجريم سجل الممارسات الاجرامية ضد الانسانية، أمس واليوم وغدا. بدء من الابادة الجماعية في خيبر ويثرب، وصولا لتصفيات الأرمن والاشوريين والسريان والأقباط وكل الشهداء والمتضررين في ربع القرن الأخير، منذ تفجيرات نيويورك حتى آخر جريمة ضد الانسانية والحياة.
انتهت دورة الحضارة، وانتهى التاريخ، ومن يدخل الألفية الثالثة هو الذي فاز في الاختبار، وتأهل للمدنية. لنتذكر فقط حالة أفريقيا قبل قرون، ونقارن ذلك بأفريقيا نهاية القرن العشرين وأهليتها الحضارية والمدنية ايوم؟.. أين العرب من ذلك؟!
الاسلام اليوم انكشف للملأ، بكل فضائحه ومصادره ومبادئه وممارساته القائمة على القتل والنهب والاغتصاب والتدمير. ما الذي يفعله الشيطان ولم يفعله خدام الوهابية وداعش وبوكو حرام وأتباعهم؟.. ماذا ترك المسلمون للشيطان الذي يفسد في الأرض ويسفك الدم!. ذلك كان قتالا منذ البدء، كذاب وأبو الكذاب!.
واليوم يعود العرب إلى بداوتهم، والاسلام يعود إلى أصوله الصحراوية، عصيا على التحضر والتمدن والتأنس، وقد ضيّع خير فرصة على يد الحليف الأمريكي، أرامكو؟..
**



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفط.. الشيطان الثاني (1-2)
- من الانكشارية البكتاشية الى الوهابية السعودية
- نمر النمر.. الحكم السعودي ينتحر!
- Organon
- أفلاطون ابن الإله..!
- سقراط نبيا!.
- التصوف
- المنفى هو الجسد..
- المنفى.. Exile
- من سرق الفردوس؟..
- ثلاثة في واحد
- المذكر والمؤنث
- التفرد والتعدد/ الروحي أو الجسدي
- ماهية اللغة..!
- واحد + واحد= ثلاثة
- أنا أشكّ، إذاً أنا انسان!..
- بلا عقل.. أفضل!..
- قطيعي أو مقطوعي..!
- القناعة صدأ النفوس!..
- فردوس أم جحيم..


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي فريدي - النفط.. الشيطان الثاني (2-2)