أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - الهرمينوطيقا ، المصادر والتحولات















المزيد.....

الهرمينوطيقا ، المصادر والتحولات


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 09:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" نفهم من خلال هذه الشروط لماذا لا يختص نشاط التأويل فقط بملازمة المنهج كما وصفه هيدغر. فما يقتضيه ليس شيئا آخر سوى تجذير الفهم كما يمارسه كل من يفهم."
جورج هانز غادامير – مقدمة حول مبادئ الهرمينوطيقا
لقد جاء في تعريفات الجرجاني أن التفسير في الأصل يعني الكشف والإظهار وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء ، فيؤتى بما يزله أو يفسره. وإذا كان الإيضاح يتم بإتيان كلام يبين المراد ويزيل الإبهام فإن التفسير أعم من ذلك ويكون بذكر المرادف المشهور. ويستعمل التفسير في الألفاظ ومفرداتها بينما يستعمل التأويل في المعاني بغية التوفيق بين ظاهر النص وباطنه أو صرف النظر عن المعنى الظاهر إلى محتمل.
إذا كان الهدف من التفسير هو التوضيح والشرح والإبانة والتعيين والتعليل والتحديد والتخصيص وذلك بأن يصير الشيء معقولا والمجهول معلوما ويصبح السر الخفي مكشوفا وذلك بتعيين المدلول بما يدل عليه بماهو أظهر منه فإن الغرض من التأويل هو فهم الدلالة والمطلب والمقتضى والتفاهم مع المقصود.
تُرسَمُ الهرمينيطيقا بأنها متعة الحقيقة من خلال لذة المعنى. ولقد عُرِفَت منذ نشأتها بفن التفسير أو علم التأويل، ولقد أجمع المؤرخون على أصولها الدينية ولكنها قامت بثورتها الداخلية واستقلت عن منابتها.
لقد أشارت الأديان التوحيدية الثلاث إلى وجود طبقات من المعنى للنص الديني وشرعت تعدد القراءات ولقد انطلق سبينوزا من المجاز والاستعارة والقصص والسرد والحكاية من أجل تشييد قراءة تاريخية نقدية للكتاب المقدس وأنتج بذلك شغلا هرمونيطيقيا افتتاحيا دون أن يدري. من المعلوم أن منهج تفسير الكتاب المقدس يحاكي منهج تفسير الطبيعة الذي يعتمد على ملاحظة الظواهر ويقوم بجمع المعطيات اليقينية وينتهي إلى تعريف الأشياء الطبيعية. بناء على ذلك يحرص سبينوزا على تفادي الوقوع في الخطأ ويضبط منهج تفسير الكتاب المقدس بمبادئ ومعطيات يقينية قصد توضيح محتواه وتحصيل معرفة تاريخية دقيقة ولذلك يحاول استخلاص قواعد المنهج من الكتاب نفسه ومن تاريخه النقدي ويعتمد على العقل والنور الطبيعي في تكوين فكرة عما يتجاوز خدود الفهم البشري وبهذا المعنى يرفض أن ينسب إلى الكتاب تعاليم إلا التعاليم الواضحة التي يثبت صحتها الفحص التاريخي ويضع في سبيل ذلك ثلاث شروط:
- يجب أن تفهم طبيعة اللغة وخصائصها التي دونت بها أسفار الكتاب المقدس والتي اعتاد مؤلفوها التحدث بها. وبذلك يمكننا فحص كل المعاني التي يمكن أن يفيدها النص حسب الاستعمال الشائع.
- يجب تجميع آيات كل سفر وتصنيفها تحت مواضيع أساسية عددها محدود، حتى نستطيع العثور بسهولة على جميع الآيات المتعلقة بنفس الموضوع ، وبعد ذلك نجمع كل الآيات المتشابهة والمجملة، أو التي يعارض بعضها البعض.
- يجب أن يربط هذا الفحص التاريخي كتب الأنبياء بجميع الملابسات الخاصة التي حفظتها لنا الذاكرة ، اعني سيرة مؤلف كل كتاب وأخلاقه والغاية التي كان يرمي إليها ومن هو وفي أي مناسبة كتب كتابه وفي أي وقت ولمن وبأي لغة كتبه...
بيد أن الهرمينوطيقا بالمعنى الحديث للكلمة بدأت مع عالم اللاهوت والفيلسوف الأماني شلايرماخر وذلك لكونه أول من اعتبر المعنى يأتي من وجهة نظر القارئ وليس من وجهة نظر النص في حد ذاته. في نهاية القرن 19 ميلادي قام ديلتاي باكرا بتأطير معظم الأعمال والأفكار والرؤى في الهرمينوطيقا المعاصرة وذلك حينما قام بالتمييز بين فعل"فسر" expliquer وفعل "فهم"comprendre. لقد أدت هذه الازدواجية المنهجية في طريقة اشتغال الفكر الهرمينوطيقي إلى فصل صارم بين علوم الطبيعة من جهة وعلوم الروح من جهة أخرى وهو ما سيتم تسميته عند المؤرخين بالعلوم الإنسانية في مرحلة لاحقة.
اللاّفت للنظر أن الألفاظ الفرنسية أكثر دلالة ووضوح من الألفاظ الألماني (erklä-;-ren , verstehen)، التفسيرex-plication يعبر عن وجهة نظر خارجية ويشتغل على الأسباب والدوافع ، بينما يكشف الفهم compréhension عن وجهة نظر داخلية ويبحث في القيم والغايات التي تتحرك نحوها الأفعال البشرية. فإذا كانت الظاهرة الفيزيائية يحكمها قانون وتقبل للتفسير فإن الظاهرة الإنسانية تتميز بالوعي وتقتضي الفهم. لكن يمكن أن نتناول الفعل البشري والخطاب والعمل الفني بوصفها أشياء على الطريقة الوضعية.
لقد فجر هذا الفصل في ألمانيا صراعا بين المناهج في نهاية القرن 19 ميلادي وظن العلماء أن أسلوب التفسير وأسلوب الفهم طريقتين في العلم غير قابلين للرد وفندت الوضعية وجود أنظمة كثيرة للحقيقة. على خلاف التفسير الذي يتحرك ضمن دائرة الوحدة، فإذا وجد تفسيران للظاهرة الطبيعية أو الإنسانية فهما بالضرورة تفسيران متعارضان فإن التأويل لا يمكن البتة أن يقتصر على الوحدة بل يرنو إلى التعدد ولا يعكس النزاع بين التأويلات ضعف الفكر البشري بل يعبر عن خصوبة وثراء المعنى ولا نفاذيته.
لقد أتاح هذا المنعرج للفيلسوف الألماني هانز جورج غادامير الفرصة لكي يستعمل صفة الهرمينوطيقي للإشارة إلى نمط من التفكير ينتمي إلى دائرة علوم الصور والأشكال ويضع شروط إمكان وحدود التلاقي بين الناس فيما بينهم وملاقاتهم للعالم. ترنو الفلسفة الهرمينوطيقية إلى الكف عن شغل الفصل بين الإنسان والطبيعة والعزوف عن إحداث التفرقة بين الناس وتحرص على تأسيس التلاحم والتواصل والتفاهم بينهم.
لقد وضعت هذه الفلسفة كل ثقلها في الكلام واعتبرته قوة الوصل الذي فقده العلم وفائض المعنى الذي أضعفته الحقيقة الوضعية. كما منحت التجربة اللغوية حقيقة يمكن تقاسمها وليس استيعابها وإرسالها فقط. فكيف أثر المنهج الهرمينوطيقي على الدراسات التاريخية والأدبية والدينية في الحقبة المعاصرة؟
المصادر والمراجع:
سبينوزا (باروخ)، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة د حسن حنفي، دار التنوير، بيروت، طبعة 2005.
معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، تأليف د جلال الدين سعيد، دار الجنوب، صفاقس، الجمهورية التونسية، طبعة 2004،
- Schleirmacher, Herméneutique,1809-1810,Traduit par C. Berner, Paris/ Lille, le Cerf –PUL, 1987.
- Diltey Wilhelm, le monde de l’esprit tome I, édition Aubier, Paris 1947.
- Gadamer J-H, Vérité et Méthode. Les grandes lignes d’une herméneutique philosophique (1960), une nouvelle traduction par Pierre Fruchon, Jean Grondin et Gilbert Merlio, Edition du Seuil, Paris, 1996.

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وظيفة النخبة وتنوير الجمهور
- إلى أي حد يتمتع الإنسان بالحرية؟
- وجوه فلسفية عن الطبيعة
- الدور العمومي لادوارد سعيد في رحاب الأنسنة الثقافية
- عن أي حداثة خاصة يتحدث بول ريكور؟
- أنثربولوجيا المقدس ومحاكاة العنف عند روني جيرار
- البؤس الميتافيزيقي للوضع الإنساني عند فلاديمير يانكلفيتش
- الحاجة إلى المواطنة ضمن المنظور الفلسفي العالمي
- اللاّوعي الديني للجماعات السياسية عند ريجيس دوبريه
- الثقافة بين الانغلاق في التراث والانفتاح على العالم
- الهوية والذاتية والإبداع
- الفلسفة بين سكون الليونة وعزم الصلابة
- النظرية التربوية الكانطية والتأسيس البيداغوجي
- إلى أين تذهب الهرمينوطيقا في الثقافة الراهنة ؟
- علامات على التصور البوبري للفلسفة
- شذرات في الصميم
- التسوية وحرب المواقع والثورة السلبية عند أنطونيو غرامشي
- حال تدريس الفلسفة في العالم العربي
- باراديغم المحاكاة بين الواقعي والتراجيدي
- مفهوم الجميل بين المعطى الطبيعي والبعد الفني


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - الهرمينوطيقا ، المصادر والتحولات