صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1378 - 2005 / 11 / 14 - 11:08
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
"قانون محاربة الارهاب" العراقي واحد من سلسلة من القوانين المماثلة التي تجتاح العالم حالياً بعد ان انتشر الارهاب فيه. وفي الوقت الذي تناقش فيه الحكومة والصحافة تلك القوانين بتمعن وحذر قبل اصدارها, ليس لنا في العراق الا ان نفعل ذلك هنا بعد صدور القانون, حين كان الجميع مشغولين بمناقشات مسوّدة الدستور
بشكل عام, القانون سلاح بيد الحكومة يمكنها توجيهه بدرجة أو بأخرى الى الجهة التي تشاء, لذا حرص القانونيون دائما أن تصاغ القوانين بأدق ما يمكن لتحدد من امكانية الحكومة لمنع توجيهها باتجاهات تخدم مصالحها دون مصالح الشعب, ولغير الأغراض التي سنّ القانون من أجلها.
فإن تبين ان القانون يمكن ان يصيب المواطن الإعتيادي كما يصيب المجرم, الغي ذلك القانون وتم البحث عن اسلوب اخر لمعالجة المشكلة. بعبارة اخرى يتم البحث عن اي سلاح يصيب المشكلة دون اصابة الناس, وأن كانت اصابة بعض الابرياء امراً لامناص منه احياناً فيجب ان يكون ذلك ضئيلاً بقدر الامكان, وان يتم تعويضه كلما امكن ذلك. فلو لم يكتشف العلم ان الأشعة تقتل الخلايا السرطانية اكثر مما تقتل الخلايا السليمة كثيرا, لتركها الطب وبحث عن علاج اخر للسرطان. كذلك تستعمل حزمة ضيقة جداً وموجهة من الليزر احياناً, لتصيب الخلايا المريضة دون السليمة.
قوانين محاربة الارهاب في العالم ركزت بشكل عام على اعطاء الحكومة صلاحيات اضافية, بإتجاهين هما: تمديد صلاحيات الحكومة (وأحياناً للرئيس بشخصه, كما في الولايات المتحدة) بإحتجاز المتهمين بالإرهاب بدون توجيه تهمة محددة لهم, الى أزمان أطول مما تتيحه القوانين المعمول بها, تصل الى زمن لا حدود له كما هي صلاحية الرئيس الامريكي حالياً. أما الاتجاه الثاني فيتركز على السماح للحكومة بالمزيد من التجسس على الناس عامة, وفي الزمن المسموح لها (اي الحكومة) بالإحتفاظ بتلك المعلومات. وأمثلة الإتجاه الثاني هي القوانين التي اتاحت لأجهزة الأمن في تلك الحكومات الحصول على كل ما يشاهده المواطن ويفعله اثناء استعماله الانترنيت وكل ما يتم تبادله من رسائل الكترونية (ايميل) , وغيرها من المعلومات التي وصلت في بعض البلدان مثل اميركا وهولندا الى ما يقرأه الناس في المكتبات العامة, والاحتفاظ بتلك المعلومات لمدة طويلة, عكس ما تسمح به القوانين السابقة.
أن قلق المنظمات الشعبية والقانونية من تلك الاجراءات يبرره ان تلك المعلومات يمكن ان تستعمل للإضرار بالديمقراطية حتى في اكثر بلدانها استقراراً. سواء من اثارة الخوف لدى الناس من قراءة ما لا تحبه الحكومة, او من خلال ابتزاز الناس بما تجمع لدى الجهات الامنية من معلومات شخصية عنهم.
قبل ثلاثة ايام, رفض البرلمان البريطاني مشروع قانون بلير الاخير الخاص بمحاربة الارهاب, والذي يتضمن اعطاء الحكومة صلاحية احتجاز اشخاص بتهمة الارهاب لمدة 90 يوماً بدلا من 14 يوماً الحالية قبل توجيه التهمة اليهم. ويمكننا ان نلخص اسباب رفض القانون بما قاله النائب جون هاورد حين تحدى بلير ان يذكر حالة واحدة كان من الضروري فيها احتجاز المتهم لمدة 90 يوماً قبل توجيه التهمة اليه. فلما فشل بلير والمؤيدون للقانون في تقديم مثل هذا المثال, فشلوا في اقناع النواب بضرورة او حتى فائدة القانون في محاربة الارهاب, وبالتالي تم رفضه, لأنه من جهة اخرى يضر بحرية المواطن.
في حالة العراق, لاتوجد قوانين تحدد للحكومة امكانية تجسسها على الناس ولا الفترة الزمنية المسموح لها بالاحتفاظ بتلك المعلومات. كما ان احتجاز الناس بدون توجيه تهمة, يتم حالياً لفترة غير محدد أصلاً. لذا لم يكن القانون العراقي موجها الى تلك النقطتين.
قانون مكافحة الارهاب العراقي كتب بشكل فضفاض وغير دقيق الى درجة خطيرة. فهو يعرف “الإرهاب” بأنه “كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة يستهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية ويسعى إلى الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني والاستقرار والوحدة الوطنية وإدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس وإثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية”.
لاحظ انه يكفي مثلاً ان يعتبر المرء "ساعيا للاضرار بالممتلكات العامة او الخاصة" وأنه كان يبغي "الاخلال بالوحدة الوطنية", وهي تعابير حمالة اوجه, ليصبح ارهابياً في نظر القانون.
أما الجرائم التي تمس أمن الدولة والنظام السياسي فتشمل حتى " كل فعل يقصد به تعطيل أوامر الحكومة ". هنا تصبح القضية مهزلة حقيقية تصعب مناقشتها.
الى هذا, أوضح عضو الجمعية الوطنية عباس البياتي ان القانون الجديد سيسري ايضا على المحرضين على الارهاب او من يقدم التسهيلات لهم والقائمين على "اثارة الفتن الطائفية والعرقية", وهنا ايضاً سيكون للقاضي ان يحكم على اي احتجاج ذو طابع طائفي (كأن يتظاهر البعض مطالبين اشراك الشيعة في وزارة الدفاع مثلاً) بأنه " اثارة الفتن الطائفية " وبالتالي فهو عمل ارهابي! وكذلك ارهابي كل من "يعتدي" علي دوائر الجيش والشرطة!
لذلك تعرض القانون المذكور الى حملة نقد شديدة من العديد من القانونيين والسياسيين والصحفيين. القانونية فائزة بابا خان العضو بالجمعية الوطنية تري انه ينتهك حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية لان القانون يعتبر " أي تعصب طائفي يقوم بمظاهرة وان كانت سلمية ستعتبر عملا إرهابيا" وتري فائزة بالقانون" بداية لتطبيق الاستبداد مجددا فكل إنسان لا ترغب به الدولة سيكون إرهابيا ", فهي تعتبر" هذا القانون جريمة بحق الإنسان".
محمود عثمان عضو الجمعية الوطنية عن قائمة التحالف الكردستاني لم يصوت مع قانون مكافحة الارهاب، لأنه, اي القانون, عد الأشخاص المعارضين للحكومة إرهابيين, وأي نشاط ضد الدولة إرهابا.
إلا ان الحماس للخلاص من الارهاب له اليد العليا لدى اخرين. فتعلق سامية عزيز قائلة " أنا مع كل قانون يضع حدا للإرهاب لابد أن يكون بالعراق الجديد مبدأ المكافئة والعقاب "
والحقيقة ان لا احد لايريد ألا يضع حداً للإرهاب, بل ليس هناك من لايتحمس لمثل هذا الهدف. لكن هذا الحماس لايجب ان يمنعنا من التساؤل الهاديء أولاً فيما اذا كانت المشكلة فعلاً مشكلة قانونية, وان قوانين البلد الحالية لاتكفي للتصدي للارهاب, ثم بعد ذلك التساؤل ان كان القانون المقترح سيسهم فعلاً في وضع حد للإرهاب.
فالقانون المذكور, لا يشبه حزمة الليزر الضيقة الموجهة الى الخلايا السرطانية, بل حزمة عريضة لاتستثني الابرياء المختلفين عن الحكومة, وبالتالي قد الديمقراطية الموعودة اول ضحاياه.
فمحمود عثمان عضو الجمعية الوطنية عن قائمة التحالف الكردستاني قال ايضا انه مع كل قانون يوقف الإرهاب ويرسخ استقلالية القضاء، لكنه اعترض بشدة على القانون المذكور: " ما الحال إذا جاءت حكومة سيئة في المستقبل... سيكون هذا القانون سلاحاً في يدها ضد المعارضة."
لكن قبل انتظار حكومة المستقبل "السيئة, لنلق نظرة على تصرف الحكومة الحالية "الجيدة" بهذا القانون:
وزير الدفاع سعدون الدليمي ادلى بتصريحات قبل بدء العمليات العسكرية الاخيرة, مستنداً الى قانون مكافحة الارهاب فقال محذرا (كل من يدعم ويساند ويأوي ارهابيين في البلاد بان القوات العراقية ستقوم بتدمير البيوت فوق روؤسهم وروؤس اطفالهم).
هذا كلام وزير دفاع في حكومة وطنية ديمقراطية وهو يتحدث عن اطفال بلاده!
أما زهير الجلبي وزير حقوق الانسان العراقي فدعى حكومته الى "اعتقال من يحرضون على مقاطعة الانتخابات البرلمانية"، التي ستجري الشهر المقبل، معتبرا عملهم «تشجيعا للارهاب ووقوفا صريحا الى جانب الارهاب وتثقيفا لاجل الارهاب».
لقد نسي هذا الوزير مهمته, ونسي كذلك ان مقاطعة الانتخابات هي السبيل الوحيد لدى الشعب للاحتجاج على تزوير الانتخابات وعدم الشفافية فيها.
لايتوقع المرء مثل هذه التصريحات الانفعالية من وزراء اية حكومة, دع عنك حكومة منتخبة مقبلة على انتخابات جديدة. لكن تلك التصريحات ليست الادنى في مستواها. فنجد أن رئيس حزب مرشح للانتخابات القادمة, رئيس حزب الامة "العراقية" مثال الالوسي, يدعو الى "الإعدام الفوري دون محاكمة" للمرتزقة الإرهابيين الوافدين "لقتل أبنائنا".
اما كيف سيعرف انهم "وافدين لقتل أبنائنا" ان كان سيعدمهم فوراً ودون محاكمة, فلا يبدوا ضمن اهتمامات الالوسي. مثال الالوسي كما يذكر الجميع دشن ممارساته السياسية بالسفر الى اسرائيل لحضور مؤتمر لمكافحة الارهاب, ويبدو ان هذا ما تعلمه هناك وعاد به الى الوطن من ذلك المؤتمر.
ان الاضطرار الى اللجؤ الى وضع قوانين تستعمل "لارهاب المواطنين" لإجبارهم على المشاركة في العملية السياسية يعد مؤشر يأس من اقناعهم بها وبجدواها, وهزيمة كبيرة للديمقراطية, وهي بالتالي نصر للارهاب وليس العكس.
هل عجز الدولة بسبب القانون؟
والان, هل نحن بحاجة فعلاً الى مثل هذا القانون الخطر على الديمقراطية؟ لم تبين الجهات المختصة الثغرات القانونية التي تعرقل مكافحة الإرهاب والتي استوجبت استحداث قانون جديد لذلك. والحقيقة ان المراقب لايتوقع وجود مثل تلك الثغرات., فأحكام الجرائم تصل الى الاعدام, كذلك يمكن معاقبة المتعاونين مع من تثبت ارهابيتهم عقوبات قاسية, وليس هناك حدود للزمن المسموح باعتقال المشكوك بهم قبل توجيه التهمة اليهم, على الاقل من الناحية العملية, والصلاحيات الامريكية مطلقة لايمكن توسيعها, فأين المشكلة في القانون القديم, وأين الحاجة الى قانون جديد؟ وإن استعرنا سؤال هاورد لبلير, فأننا نسأل: اخبرونا عن حالة واحدة عرقل فيها القانون الحالي القاء القبض على ارهابيين أو إدانتهم؟
مشكلة الارهاب لاتكمن في نقص القانون انما في نقص القدرة على تنفيذه, ونقص مصداقية القائمين على ذلك, وفقدان الثقة بهم لدى الناس واختراق الارهاب لأجهزة الأمن والغموض الشديد الذي يلف الموضوع.
أما ان ارادت الحكومة قصف البيوت التي تشك بوجود إرهابيين فيها كما يريد وزير الدفاع, فليس هناك قانون يسمح بمثل ذلك, وإن كتبت الدولة مثل ذلك القانون تصبح دولة ارهابية بشكل رسمي. كان النازيون حين ارتكبوا جرائمهم البشعة يتصرفون غالباً ضمن "القوانين" التي وضعوها لأنفسهم, لكن ذلك لم يمنع محاكمتهم كمجرمي حرب فيما بعد. ولو كانت الديمقراطية تتيح لحكومة المنتخبة ان تصدر اي قانون تشاء لأصدرت الحكومات قراراً بإلغاء الديمقراطية نفسها والإحتفاظ بالحكم, ولن يكون ذلك مخالفاً للدستور بأكثر من قانون يسمح لها بقصف البيوت على النساء والاطفال واعدام الناس " فورا وبدون محاكمة".
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟