|
السودانيون يتدخلون فى الشئون الداخلية ل -جمهورية المهندسين-!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1378 - 2005 / 11 / 14 - 11:08
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
بدأت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية اليوم، وستظل وقائع هذه الانتخابات تفرض نفسها على قمة جدول أعمال واهتمامات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى ووسائل الاعلام حتى الاسبوع الأول من الشهر القادم. غير أننى استأذن القارئ فى أن أدعوه للاهتمام بشأن بعيد عن الدراما الانتخابية، بل وبعيد عن الشئون والشجون المصرية (بشكل مباشر)، ليس هرباً من مواجهة تحديات وتطورات الواقع، وإنما استجابة لأمر طارئ لا يحتمل التأجيل، لأن كل لحظة تجاهل تحمل خطر إزهاق أرواح بريئة أو استمرار تحمل أخوة لنا فى البشرية لمعاناة وعذابات يمكن أن نتلافاها أو نخفف منها. والقصة باختصار تتعلق بما يقرب من 2500 سودانى، بأسرهم وأطفالهم، يعيشون منذ 29 سبتمبر الماضى فى العراء بحى المهندسين أمام المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالقاهرة. وهؤلاء السودانيين جزءصغير من طوفان كبير من البشر أجبرتهم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة إلى الفرار من وطنهم فى حركة هجرة واسعة النطاق شملت ملايين الأشخاص الذين روعتهم أهوال الحرب الأهلية أو الاضطهاد السياسى أوغير ذلك من الأسباب التى مزقت السودان طيلة سنوات متعاقبة. ولم يكن أمام هؤلاء المنكوبين سوى الفرار من الجحيم إلى بلاد الله الواسعة. لكن بلاد الله الواسعة ضاقت بهم بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والجبهة الشعبية لتحرير السودان، لأن مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالقاهرة تذرع بهذه الاتفاقية لتجميد جميع مطالب السودانيين لأجل غير مسمى، وتنصل من مسئولية الاستجابة لمطالبهم المشروعة بمقتضى اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 الخاصين بوضع اللاجئين. وهى مطالب تتعلق باعادة التوطين فى دولة ثالثة، غير مصر والسودان، وتوفير الحماية القانونية، فضلا عن مقومات الحياة الكريمة والآدمية، لهؤلاء الأشخاص المنكوبين لحين إعادة توطينهم. لكن مكتب القاهرة للمفوضية "السامية" لشئون اللاجئين أصدر "فرماناً" بعودة هؤلاء إلى ديارهم وحرمانهم من أى حقوق وأى مساندة قانونية أو اجتماعية، رغم أن كثيراً منهم ينتمون إلى مناطق مازالت تفتقر إلى الأمان والسلام، مثل إقليم دارفور وغيره. وعلى وجه العموم أكدت كثير من الجهات المعنية بحقوق الأنسان أن "السلوك الذى ظل مكتب المفوضية بالقاهرة ينتهجه كان ولازال يقود باتجاه تعقيد المشكلة وليس حلها أو المساهمة بحلها مما أوجد أزمة ثقة بين المفوضية واللاجئين" الذين لم يعد أمامهم من خيار سوى الاعتصام أمام هذا المكتب الذى لا يحل ولا يربط، والذى أغلق فى وجوههم كل أبواب الأمل. وبينما يمارس اللاجئون السودانيون حقهم الديموقراطى فى الاعتصام احتجاجاً على تعنت هذا المكتب التابع للأمم المتحدة، فانهم يعانون من أوضاع انسانية بالغة الصعوبة، لأن من بينهم الكثير من الأطفال والنساء والمرضى والمسنين الذين يعتصمون في العزاء أمام مسجد مصطفى محمود بالمهندسين. وفى هذا "المكان" وضعت أربع نساء أطفالهن وولد أحدهم ميتاً، كما توفى ثلاثة رجال من مرض صدرى يرجح أنه السل الرئوى. وهذه الأوضاع المأساوية تتفاقم يوما بعد آخر. ومما تتقدم يتبين لنا أن مشكلة هؤلاء الأخوة السودانيين ليست مع مصر، وإنما مع مكتب القاهرة للمفوضية السامية لشئون اللاجئين والذى كان يجب عليه توفير التأمين الصحى لهم، وتوظيفهم، وتقديم دعم لاعاشتهم وإسكانهم وغير ذلك من مقومات البقاء نظراً لعدم وجود معسكرات تأويهم وتوفر لهم الحد الأدنى من الحياة الآدمية. كما كان يجب عليه البت فى شكاواهم وعدم تجاهلها وبحث طلباتهم المشروعة المتعلقة بإعادة التوطين بعد أن لم يعد لهم ملجأ بعد فقد ديارهم سوى المجتمع الدولى الانسانى. ورغم ان اعتصامهم ليس موجها ضد مصر كما قلنا، فإننا لا نستطيع – ولا يجب – أن نتجاهل هذه المشكلة. فهؤلاء إخوة لنا فى الانسانية يجب أن نساندهم قدر استطاعتنا. وهم أشقاء لنا، بل هم بمثابة مواطنين مصريين نظراً للوشائج الوثيقة بين شطرى وادى النيل بحكم التاريخ والجغرافيا والألفة عبر العصور بين المصريين والسودانيين. ولذلك أتمنى على المرشحين فى الانتخابات البرلمانية أن يعتبروا مشكلة هؤلاء الاخوة السودانيين. شأناً مصرياً يجب الاهتمام به من كافة الأوجه، القانونية والاجتماعية والمعيشية والصحية والانسانية. وهو نفس الأمر الذى أتمناه على منظمات المجتمع المدنى، بل وأيضاً على رجال الاعمال والشركات العامة والخاصة، وبالذات شركات الأدوية التى أناشدها توفير الدواء المطلوب لانقاذ أرواح كثيرة فى هذه الظروف التعسة، علماً بأن لدى قائمة بهذه الأدوية المطلوبة بالحاح وسرعة. وليت نقابة الأطباء، وغيرها من الهيئات، توفر الرعاية الصحية لهؤلاء المعتصمين. كما أناشد المسئولين عن بنك الطعام والجهات المماثلة له أن توفر الطعام والشراب لهم لأن قدرتهم على تسيير أمورهم بالموارد الذاتية بعد أكثر من أربعين يوما من الاعتصام تجعلهم يقتاتون على الفتات. كما أناشد كل من يعنيه الأمر أن يوفر لهم الأغطية والبطاطين لأن البرد القارص يزحف بسرعة. وبالمقابل أناشد تلك الأقلام والأصوات القليلة التى انتقدت الأخوة السودانيين المعتصمين أن تراجع ضمائرها وأن تكف عن هذه النغمة السخيفة التى تحرض السلطات المصرية على "إنقاذ" حى المهندسين و "تطهيره" بالانقضاض على الاعتصام وإنهائه. وأود أن أشدد على أن هؤلاء المعتصمين بحاجة للدعم القانونى وليس للمزيد من الترويع، وأحذر أجهزة الأمن من الاستماع إلى هذه "النصيحة" السيئة التى تحرضها على المعتصمين، لأن التدخل الأمنى فى مثل هذه الحالة لن يكون له معنى سوى الاعتداء على حق ديموقراطى، فضلا عن الاعتداء على غرباء مدنيين عزل ضعفاء، وأن مثل هذا التدخل سيكون من شأنه الاساءة لعلاقات شعبية عميقة الجذور بين مصر والسودان، لا لسبب اللهم إلا نزولاً على آراء تحركها دوافع عنصرية كريهة، أو مصالح اقتصادية قصيرة النظر، منها على سبيل المثال أن ايجارات الشقق المفروشة فى حى المهندسين معرضة للانخفاض فى ظل استمرار الاعتصام كما يدعى البعض، أو أن الأخوة الخليجيين الذين يفضلون السكن فى هذا الحى ربما سيبحثون عن مكان آخر بعيداً عن "الونسة" السودانية. وهذه كلها سخافات لا تليق بنا. فالاخوة السودانيين لم ينتهكوا "سيادة" جمهورية المهندسين المستقلة ولم "يتدخلوا فى شئونها الداخلية"، ولا علاقة لهم بـ "جمهورية المهندسين" سوى أن مقر المفوضية السامية للاجئين تقع فيها. وواجبنا أن نحميهم ونحتويهم فى أحضاننا إلى أن يتم إعادة توطينهم وحل مشاكلهم. وبالمناسبة .. أين سفراء النوايا الحسنة لشئون اللاجئين .. الفنان الكبير عادل إمام والفنان الكبير حسين فهمى والفنانة الكبيرة صفية العمرى .. وما هى مسئوليتهم تجاه هؤلاء اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة .. ولا وطن ؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية
-
برنامج الثلاث كلمات
-
اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم
-
هل تتذكرون تراجيديا الفتنة الطائفية بالإسكندرية؟!
-
! مسرحية الإسكندرية أكذوبة
-
مرصد انفلونزا طيور الظلام الطائفية
-
! أربعة تعهدات.. وثماني علامات استفهام
-
فيروس التعصب الدينى يصل إلى مكتبة الأسرة
-
اعتذار .. عن مطالبة الكنيسة بالاعتذار
-
تقرير القاضي »ميليس«.. ليس حكم إدانة
-
-التَّوْلَه- الجماعية .. فى قضايا مصيرية!
-
سور شرم الشيخ .. غير العظيم
-
أول قصيدة الحزب الوطنى .. تسد النَّفْس
-
هل يطلب المصريون حق اللجوء -البيئى-؟
-
لغز الكويز ينافس فوازير رمضان
-
تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال سارياً -2
-
الانتقال من »الملّة« إلي »الأمة« .. مقتل الطائفية
-
نصف جائزة.. ونصف فرحة
-
تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال ساريا
-
دمج البنوك.. وتفكيك الأحزاب!
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|