حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5072 - 2016 / 2 / 11 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُعتبر المغرب بكونه دولة متخلفة لازالت ترزح تحت الاستبداد و التسلط المخزنيين, منجما خصبا لرصد مختلف مظاهر و أشكال العهر السياسي و الايديولوجي. سواء عند النظام القائم و بنيته العميقة, أو عند مختلف القوى السياسية التي دأبت على المشاركة في مسرحه و تطعيم جسده المترهل حسب مقتضيات المرحلة. دون نسيان المتياسرين و المتمركسين و التحريفيين من المقرصنين المتقمصين لدور المعارضة خدمة لمشروع المخزن الوجودي المتمثل في الاجهاز على الفكر الثوري.
إن المغرب, و بحكم انتمائه الشمال افريقي الذي فرض عليه نموذجا هوياتيا هجينا و غامضا, يعتبر حديث العهد بالتجربة السياسية. فإذا تأملنا مثلا النسيج المجتمعي المغربي, فسنجد أن العلاقات الناظمة للمجتمع و الاصطفافات و التضامنات الداخلية لازالت تستند على أسس قبليّة طائفية عرقية و حتى عائلية في بعض الأحيان !! و هذا يعني أن الثقافة السياسية التي رسخها المخزن في أذهان المغاربة تنتمى لعهد ما قبل الدولة الحديثة. و هذا من ركائز حكم و استمرارية النظام المخزني الذي لازال الى يومنا هذا يُعطّل التحاق المغرب بركب الديمقراطية و الحداثة و دولة "المواطنة". عن طريق اللعب على أوتار التفرقة و التمزيق لكيان الشعب الواحد. بهدف ليّ أعناق الجميع الى مائدته في نهاية المطاف, و لعب دور الموحد للشعب المغربي و الضامن "الوحيد" لاستقراره. و بهذه الطريقة الابتزازية تقدم المؤسسة الملكية نفسها أمام العالم.
إن كلمة "المخزن" في المغرب, تستعمل منذ عهد الدولة الإدريسية كتعبير عن أجهزة الحكم، أي الإدارة التي يمارس من خلالها سلاطين المغرب سلطاتهم. و ترتبط به ( أي المخزن) كل الفئات الاجتماعية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي. و في عهد الدولة العلوية تحول المخزن إلى سلطة سياسية واقتصادية وإدارية وروحية وأمنية واجتماعية وثقافية، تقوم على أساس الولاءات القبلية والعشائرية. و بهذا المنطق يُحكم المغرب الى يومنا هذا, حيث لا يمكن تعريف النظام المغربي الا كبنية سلطوية قروسطية تقليدية تعمل لمصلحة أقلية أرستقراطية ونافذة ومتحالفة مع لوبيات المال و الأعمال تحت غطاء شرعية دينية تتمثل في "إمارة المؤمنين", و تعاقد يقوم على البيعة و الولاء.
لقد حرص النظام طوال عقود من السمسرة في النزعات العرقية و القبلية و الدينية, على تقزيم مفهوم المواطنة الذي يعتبر أساس الدولة الحديثة, على حساب الانتماءات التقليدية التي تفرّق أكثر مما تجمّع, و لا تنتصر إلا للدكتاتورية و الاستبداد و منطق الوصاية على المجتمع باعتبار أنه "قاصر" لم يبلغ بعد سن الرشد السياسي. و تمكن أيضا من خلال سياساته التفقيرية-التجهيلية من انتاج جيل يفتقر الى التكوين و التأطير و عاجز عن الاندماج الاجتماعي و السياسي, وبالتالي عديم الهوية و المواطنة. جيل لا يعي تراثه و لا تاريخه و لا حاضره و لا مستقبله و لا دوره في المجتمع و لا حقوقه, همّه الوحيد هو الخروج من عنق الزجاجة و التكيف مع الاكراهات المعيشية و الاقتصادية و الاجتماعية. وفي هذه الظرفية الراهنة, يبرز أيضا جيل جديد من الساسة في المشهد السياسي المغربي.
مخطئ أو مدلّس من يقول بأن الحسن الثاني ترك لولي عهده وضعا شائكا مثقلا بالمعضلات(من ناحية سياسية على الأقل). ففي عهده الذي لا يختلف عن هذا العهد الا في الشعارات و الواجهات, تعرض الحقل السياسي لعملية تجريف غير مسبوقة. بدأت في السبعينات و الثمانينات مع ما يسمى "سنوات الجمر الرصاص". حيث تم التنكيل بآلاف المعارضين بطرق وحشية, زيادة على المجازر التي اقترفت في حق الشعب المغربي و كل القوى الحية المطالبة بالتغيير. و زاد الطين بلة تواطؤ المنتظم الدولي ولو بالصمت على جرائم النظام الذي لعب على وتر الحرب الباردة بين القطبين آنذاك. مما رسخ في أذهان فئة كبيرة من الشعب المغربي و طلائعه المناضلة -ذات النفس القصير- شعورا باليأس و باللاجدوى من مقارعة النظام. و بالتالي الانغماس في مستنقع الانتهازية و الذوبان في آلته الجهنمية. و قد تمخض عن هذا المناخ العام تشكيل حكومة "التناوب التوافقي" بقيادة عبد الرحمن اليوسفي الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية, أكبر الأحزاب المعارضة آنذاك. كنقطة نهاية لصراع مرير خاضته المعارضة اليسارية مع النظام الملكي. صراع أوشك أن ينتهي بالانفجار أو "السكتة القلبية" كما سماها الحسن الثاني في أحد خطاباته. و أيضا كعملية تمهيد لانتقال العرش بسلاسة. في صفقة كانت الملكية الرابح الأول فيها.
لقد مثلت هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المغرب السياسي الحديث, ضربة قاصمة لنضالات الشعب المغربي. لاسيما أنها لم تأتي بنتائج تذكر. و تبلور خلالها وعي سياسي جديد سِمته الطمع و الانتهازية و انعدام المبادئ. حيث ولى عهد الزعماء و السياسيين الكبار و الأبطال و المناضلين الأشاوس, لتحل علينا بركات "العهد الجديد", بساسة جدد منبطحين لدرجة العبودية, يستمدون مشروعيتهم من خطاب موغل في السطحية و الشعبوية و التفاهة و السفسطة, و يتمتعون بقدرة فائقة على استقطاب الأميين و الجهلاء و الضعفاء والانتهازيين على حد سواء. و لا فائدة من البحث عن المبادئ والأفكار والقيم والالتزام في مرجعياتهم. لأن همهم الوحيد هو نيل رضى الأسياد لكي يحظوا بدعمهم, و ينطلقوا في مشروع استقطاب أكبر نسبة ممكنة من الطبقات الموجودة أسفل السُّلَّم الاجتماعي, بكل الطرق المتاحة, سواء عن طريق استعمال الدين أو المال أو الاثنين معا!!!
لم يعد النسق السياسي الحالي يسمح ببروز شخصيات قوية قادرة على تجسيد الأفكار السياسية الكبرى, حيث نلاحظ كيف يتسابق الجميع,باختلاف مرجعياتهم, يتسابقون على نيل رضا "المخزن" بطريقة أو بأخرى. في جو من التهافت و العهر السياسي الذي لا نجده الا في حصريا في بلدنا... فالعمل السياسي لم يعد يتمتع بمعنى شمولي ذي مصداقية، و قائما على انسجام الفكر ودقة المرجعيات. فمن الأمين العام لحزب "شيوعي" يلبس ثياب الاحرام لتمثيل بلده في موسم "الحج" ضمن الوفد الرسمي!!, الى الأمين العام لحزب ذي مرجعية "اشتراكية" يطبل لأكبر إقطاعي في البلد, و يضع معارضته تحت أقدامه حيث سماها ب"معارضة صاحب الجلالة", الى الأرستقراطية المتياسرة "نبيلة منيب" التي تطالب هي و رفاقها بإعادة السلطة الى الشعب, و تترجم هذا المطلب بشعار الملكية البرلمانية أو البرمائية, مع علمها المسبق أن هذا المطلب في ظل الظروف الراهنة لن يتحقق الا بالتوافق مع "القصر" على شاكلة انقلابات آخر الليل. و ليس بالتوافق مع "الشعب" الذي تشترك مع النظام المخزني في اعتباره شعبا قاصرا لم يصل بعد سن الرشد لأنه لم يصوت على قائمتها !! فهل نحن الآن بصدد الحديث عن إعادة السلطة الى الشعب, أم عن انتزاع نصيب من سلطة "القصر" لفائدة حزب معين أو حتى تكتل حزبي؟؟
هنا بالضبط يستحيل السياسي إلى مجرد مهرج و كوميدي يضبط إيقاع آلته على إيقاع آلات شركائه و خصومه ، ويحشد الجماهير ويغريها من أجل تحقيق أهدافه الشخصية.
إن حالة التيه و التخبط و غموض المشاريع و الرؤى التي تعيشها الأحزاب السياسية المغربية, لهي خير دليل على افلاس المنظومة المخزنية الشامل. و الأمر في مجمله لا يتعدى لعبة يمسك دهاقنة المخزن بخيوطها من فوق, و ينشطها فاعلون و اعلاميون مخزنيو التكوين و الهوى و الهوية و المشروع المتجسد في قطع الطريق أمام الارادة الشعبية الحرة التي سئمت من هذا العبث. و الدليل هو موجة اللامبالات و العزوف الشعبيين عن السياسة و المشاركة السياسية. لأن كل الأحزاب و باختلاف مرجعياتها صارت في أعين المواطن البسيط تكرس نفس التوجه الانبطاحي الانتهازي!!
أما آن لهذا الشعب أن يطرح السؤال الستاليني, ما العمل؟؟؟
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟