أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد جلال الأزهرى - أنطولوجيا الإله .. نقدُ النقدِ















المزيد.....

أنطولوجيا الإله .. نقدُ النقدِ


محمد جلال الأزهرى

الحوار المتمدن-العدد: 5071 - 2016 / 2 / 10 - 01:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل الله موجودٌ ؟ هذا السّؤالُ هو سؤالٌ رئيسٌ شَائِعٌ ، بل وشائكٌ ضمنَ أبجديات الفلسفة الأنطولوجية داخل حقل الميتافيزيقيا ، وهو السّؤالُ الذى استهلَّ به "Nigel Warburton" كتابه (أسس الفلسفة) ، ضمن عدة مباحثٍ زعم الكاتبُ أنَّها المباحث الأكثر دورانا داخل الحقول الفلسفية دراسةً وفحصًا ، وفى سبيلِ ذلك قامَ بسرد معظم الحجج والبراهين التى يزعمها المتدينون تدليلاً على وجود اللهِ ، ثم أتبع ذلك نقدًا لتلك الفرضيات ، و ذيَّلها بالطعون التى وجهها منكرو الإله ضد هذه الفرضيات .. وأحد هذه البراهين وأشهرها هو برهان (التصميم والقصد) ، وهو ما يُعرف – أحيانًا – بالبرهان الغائى "Teleological Argument" ، وينصُّ على أنَّنا فى حال إذا ما نظرنا إلى العالم من حولنا لا يسعنا سوى أنْ ننساق إلى أنَّ كل شئ فى الطبيعة مناسبٌ للوظيفة التى يؤديها ؛ فهو مصَممٌ عن قصدٍ – مؤكدًا – وجودَ الإله ، وهذا البرهان يستمد ارتكازتهِ المنطقية مِنْ مِثالٍ يطرحه مؤيدوه ، وهو كون أنَّ العينَ البشرية تبلغ فى تعقيدها بلوغا يفصِحُ عن حقيقةِ أنَّها من تصميم إله قدير ، وعليم ؛ فالأمر هو كالنظر إلى ساعةِ يدٍ ، فإن سألتَ نفسكَ : منْ صنع هذه السّاعة ؟ ستجيب – حتمًا – إنَّه السّاعاتي ! فالإثنان متماثلان ؛ فإنْ قلتَ : صانع الساعة ساعاتى ؛ فالله إذن هو صانع العين البشرية ، وكأنَّ كل شئ فى الوجود يحمِلُ علامته التى تحيل إلى صانعه وهو "الله"


نقد برهان التصميم والقصد

عدَّة طعون وُجَّهتْ إلى هذا البرهان ؛ منها مَـا هــو قائمٌ على تبريراتٍ منطقية – بالنسبةِ لقائليها – ومنها مَـا هو متكئ على ملحوظات علمية ؛ إلاَّ أنَّ عملية التفنيد تلك لا تخلو من اعتراضاتٍ وطعونٍ أيضًا ، وهذا ما سنبينه لاحقًا ؛ لكن ما يعنينا الآنَ هو تحرير تلك الطعون التي سدَّدها معارضو برهانَ التصميم والقصدِ ..

زعموا فيما زعموا أنَّ البرهانَ المذكورَ يعتمدُ على مماثلة ضعيفةٍ ، فمن البديهات الوجوديةِ أنَّ هناكَ تماثلٌ كبيرٌ بينَ الأشياءِ الطبيعية ، وبيْنَ الأشياء التى نعلم يقينًا أنّهاَ صمَّمت ؛ "فمن غير الواضحِ أنَّ العينَ البشريةَ تشبه فعلاً السّاعةَ فى أى جانب منَ الجوانبِ" فإنَّ ساعة اليد مثلا وساعة الجيب قد يبرز منهما تشابه ، يحثنا على الاعتقاد بأنَّ الساعتين بنوعيهما من صنع الساعتيين ، ولكن التشابه بين الساعة ذاتها وبين العين البشرية هـو احتمالٌ ضعيفٌ ؛ نعم هما متشابهتان منْ حيث أنَّ كلا منهما معقدٌ ؛ غير أنَّه تشابه مبهمٌ ، وضعيفُ الأركانِ . نقدٌ آخرٌ تلقّاه برهان "التصميم والقصد" ولكن هذه المرّة على يدِ "Charles Robert Darwin" صاحب نظرية التطور ، فهى تعطى تفسيرًا للكيفية التى تجعل كل المخلوقات من حيوانٍ ونباتٍ ملائمًا لوظيفتهِ ؛ فقد أوضح "داروين" بمفهوم البقاء للأقوى والأنسب كيفية ملائمة المخلوقات لبيئاتها التى تعيشُ فيها ، ومن ثمَّ فإنَّ آلية التطور تحيل إلى علل ميكانيكية/بيولوجية فى فهم وتفسير ديناميكية الحياة بين المخلوقاتِ دونَ الرجوع فى سلسلة الخلق إلى إله قدير ، عليمٍ . وأمَّـا تتمَّة الثلاثية – أعنى الطعن الثالث – وهو ما سمَّاه "نيغل واربورتون" بـ محدودية الاستنتاج ؛ وها أنا أنقله بنصّهِ مع تصرَّفٍ يسيرٍ : (... التدقيق فى هذا البرهان – يعنى برهان التصميم والقصد – يبيَّنُ أنَّه محدودٌ منْ أوجهٍ عديدةٍ .
أولاً / يخفِقُ البرهانُ تمامًا فى تأييد الوحدانيةِ ؛ فحتى لو قبِلتَ بأنَّ العالمَ ، وكل شئ فيه يدلُّ بوضوحٍ على أنَّه جرى تصميمه ؛ إلاَّ أنَّه لا يوجد ثمّة ما يدعو إلى الإعتقادِ بأنَّه من صنعِ إلهٍ واحدٍ فقط ، فما الذى يمنع منْ أنْ يكونَ من صنع مجموعةٍ منَ الآلهةِ عملوا على ذلك سوية ؟
ثانيًا / لا يؤيد البرهانُ بالضرورةِ الرأى القائِلَ إنَّ المصمم قديرٌ ؛ فمنَ الممكنِ القولَ إنَّ فى الكونِ عددٌ منَ الأخطاء فى التصميمِ ؛ مثلاً العين البشرية تميل إلى الإصابةِ بقصرِ النّظرِ ، وبماء العينِ فى كِبر السّنِ ، وهذا ليسَ بعمل إلهٍ قديرٍ ، يرغبُ فى خلقِ أفضلَ عالمٍ ممكن ....)أ.هـ


نقد نقد برهان التصميم والقصدِ

منَ الأهميةِ بمكانٍ ، قبل الشروع فى نقد الطعون الموجّهةِ إلى البرهان ، أنْ أشيرَ إلى نقاطٍ تضع بين يدي القارئ ما انتويته ، وما اعتزمتُ من الأمر ؛ فلم يكن ، ولن يكونَ بغيتي من هذا المقال الجدال ، والمراء ؛ وإنَّما الأمرُ هو رياضية عقلية ، ومرانٌ على الكتابة الفلسفية ، وربما هذا هو السبب فيما ذهبتُ إليه ، منْ دفع ، وتفنيد النقد ذاته الذى أثير حول "برهان التصميم والقصد" دون الوقوف موقف الدفاع ؛ من خلال إظهار ، واختلاق نقاط حصينة منيعة فى البرهان ذاته ، فموقف الدفاع فى العلوم الفلسفية هو ، ولا شك موقفٌ ضعيفٌ ، ولعلَّ هذا الأسلوب هو إحدى آليات النقد والجدال فى القضايا العقلية ؛ وهو التحول من الدفاع إلى الهجوم ، وكما يقول عامة العقلاء "أفضلَ وسيلةٍ للدفاعِ هى الهجومِ" ، كما وأنَّ العقلَ المدبّر ، والمحرك الأول ، وعلّة العلل لهذا المقالِ هو ما استهلَّ به "نيغل واربورتون" كتابه المذكور آنفًا من ضرورةِ القراءة الفاحصة الناقدة لكتابهِ ، دون القراءة العقيمة التى تعمل على حفظ ، ونحت المعلومات داخل العقل ، وما ينتج عن عملية كتلك من اختزال ، وعشوائية فى أرشفة المعلومات ، ناهيك عن البلاهة ، وسوء الاستفادة مما نقرأ – وما أكثرها قراءة فى مجتمعاتنا – ولهذا استوى المقالُ على عوده كمناقشة هادئة ، وجدالٍ بالحسنى لما أورده الكاتبُ منْ أفكارٍ ، وبراهين ، وفرضياتٍ .

وأمَّـا الطعن الأول ؛ فالقدح ، والطعن به أولى وآكِـدٌ ؛ فالمماثلة الكاملة أمرٌ يندر حدوثه ، ولمتخيّلٍ أنْ يتخيَّل كيفَ أنَّ الساعة تشبه العينَ منْ كل جهةٍ ؛ فهذا ممَّا يأباه العقلُ ، ويستكرهه المنطِقُ ! فالأمر جاءَ فى غيرِ محلّهِ ، فليس للعينِ من ساعةِ اليدِ إلاَّ المماثلة فيما يتعلقُ بالتعقيد ، واستحالة أنْ يتكون نظامٌ/كائنٌ/عَالمٌ معقدٌ بمحض الصدفة ، فالتعقيد فى حد ذاتهِ كاشِفٌ ، ودالٌ على الوظيفية ؛ التى بدورها تُحيْلُ إلى إلهٍ خالقٍ للعينِ ، فالتشابه فى المثال المذكور آنفًا ضمنْ برهان التصميم والقصدِ ؛ هــو تشابه فى وجهٍ دونَ وجهٍ ، فالمثالان – أعني ساعةَ اليد ، والعينَ البشرية – متفقان منْ وجهٍ ، ومتعارضان منْ وجهٍ ؛ فإنَّ فحوى المثال ، وغايته هو ضرب من التمثيلِ والتقريبِ العقليين المجردين .

التفنيدُ التالى الموجّه إلى البرهان الغائى على محورين . .
أمَّـا الأولُ : فهو أنَّ برهانَ التصميم والقصدِ ليْسَ الدليل/التفسير الوحيد "للكيفيةِ التى تجعل كلَّ حيوانٍ أو نباتٍ ملائِمًا لوظيفتهِ" ، والنّقدةُ المعترضونَ ضربوا بنظريةِ التطور لداروين المثلَ فى قدرتها على تفسيرِ ملائمة المخلوقات لوظائفها داخلَ المنظومة الكونيةِ ؛ والحقيقةُ إنَّ ذلك ليسَ دليلاً اعتراضيًا البتةَ ، بله أنْ يكون دليلاً فى ذاتهِ ؛ فإنَّ وجود دليل يُعارِضُ دليلاً آخرًا ؛ لا يدعم – ولا بد – كونه الدليلُ الأجدرُ بالحقيقةِ ، أو الأقوى حجةً وبرهان !

وأمَّـا المحور الثانى : فقائِمٌ على افتراضِ أنَّ نظريةَ التطور آليةٌ منْ آلياتِ تفسير الكونِ ، والحياةِ ، ولتفنيد هذا التفنيد سوفَ أحرَّرُ الاعتراضات الموضوعيةِ – فى زعمي – التى وُجَّهتْ إلى نظريةِ ؛ أو بالأحرى إلـى فرضيةِ "تشارلز داروين" . .

فلسائل أنْ يسأل ؛ لمَ يتجنَّب التطوريون الحديث عن الحشراتِ ضمن مجال حديثهم عن ارتقاء ، وتطور بقية الكائنات؟ هل لأنَّ أقدم الحشرات تشبه الحشرات الموجودة الآن ؛ حتى إنَّه يمكنك أنْ تقول إنَّ علمَ المتحجرات "البالنتولوجيا" ليسَ بذى فائدةٍ هنا ، ولا يدخلُ فى نطاقهِ الحشراتُ بشكلٍ أو بآخرٍ ! ممَّا يكون ذلك حجرةً عثرة فى سبيل التعميم عند أهل النشوء والإرتقاء .. أضفْ إلى ذلكَ أنَّ الجدليةَ والصّراعات بينَ ذراتِ هذا الكون ، وذلك العالم الذى وصفوه بالتناحر بحيث يبقى منْ يبقى من الأقوياءِ (البقاء للأقوى) كلُّ ذلِكَ لا ينفى الطبيعة التعاونية بين المخلوقات ، ومبدأ التجانس ؛ فالنباتات تطلق الأوكسجين الضرورى للحيوانات ، والأخيرة تطلق ثانى أكسيد الكربون الضرورى للنباتاتِ وغيرها من نماذج التوازى والإتزان داخل عالم المخلوقاتِ .. أيضًا أجاد الراحل د/"مصطفى محمود" فى مواجهة التطوريين فى قولهم "البقاء للأصلح" عن طريق المِخلب والنّاب ، وأنَّ هذه الرؤية الفيزيقية لا تفسر لنا بقاءَ الأجمل كجناح الفراشةِ ، وريش الطاووس .
ويستحيل التصدى لفرضية "داروين" دون الولوج إلى أحد أهم مناطق الإنهيار ، والضعف داخل الفرضية المذكورة ؛ وهو ما يسمى بــ "missing link" أو الحلقة المفقودة ، وإنْ شئتَ قلت : حلقات مفقودة وليست حلقة واحدة ؛ فهل يمكنك أنْ تتخيَّل أنَّ تاريخًا أرضيًا يقتربُ منْ (1500 مليون سنة) لا نجد فيه أية متحجَّرة ، تؤكد ما زعمه "داروين" !



#محمد_جلال_الأزهرى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآخر فى الأبنية السردية
- قراءةُ التأويل وتأويل القراءة
- الجمهور والنص


المزيد.....




- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد جلال الأزهرى - أنطولوجيا الإله .. نقدُ النقدِ