علاء كمال
الحوار المتمدن-العدد: 376 - 2003 / 1 / 23 - 05:18
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كتاب من تأليف علاء كمال
حققت الرأسمالية كنمط إنتاج - منذ قيام الثورة الصناعية - طفرات إنتاجية عالية جدا، تم ذلك بعد التحول من الانتاج الحرفى والصغير إلى الانتاج الآلى الكبير، الأمر الذى آدى إلى تراكم فوائض إنتاج ضخمة لم تستطع أن تستوعبها الأسواق المحلية للدول الرأسمالية، فبدأت هذه الدول بدورها فى التوسع وإستعمار دول أخرى لدمجها فى السوق الدولية لتسهيل تصريف هذا الفائض الضخم من الإنتاج.
ومنذ بداية القرن التاسع عشر، دخل النظام الرأسمالى فى أزمة بنيوية، تمثلت فى تصاعد رأسماليات جديدة - ألمانيا واليابان - حققت طفرات إنتاجية عالية، وتراكمت لديها فوائض إنتاجية ضخمة، وتسببت هذه الفوائض فى آزمات دورية (كساد - بطالة - إفلاس)، مما دفع هذه الرأسماليات للبحث عن مزيد من الأسواق لتصريف منتجاتها، ومن ثم تجسدت أزمة النظام الرأسمالى - فى ذلك الوقت - فى الصراع الضارى على الأسواق لتصريف فيض الإنتاج المتراكم، وكان من نتاج هذا الصراع حربان عالميتان مدمرتان، تخللتهما حالة الكساد الكبير والتى إستمرت فى الفترة من 1929 - 1933.
وفى أعقاب إنتهاء الحرب العالمية الثانية، تغير المشهد الدولى، خرجت أوروبا من الحرب منهارة، على عكس الحالة الأمريكية والتى كانت فى أوج قوتها، وكان من الطبيعى أن يقود رأس المال الأمريكى إعادة ترتيب وتحديد النشاط الاقتصادى على الصعيد العالمى للحفاظ على المركز الذى حققته بسبب الحرب، وللحفاظ على قوة الدفع لشركاتها العملاقة للعمل على صعيد العالم.
وقد طرأت على الاقتصاد الرأسمالى - بعد الحرب العالمية الثانية - عديد من التحولات الكيفية خاصة فيما يتعلق بالتغير الذى طرأ على نمط تقسيم العمل الدولى، والذى آخذ شكلا مركبا، - بمعنى أن نمط تقسيم العمل الذى ساد خلال الفترة منذ منتصف القرن الـ 19 والذى كان يتمثل فى تخصيص بعض البلدان المتخلفة، فى إنتاج سلعة أو اثنتين من المواد الأولية، سواء كانت زراعية أو صناعية، وتتخصص البلدان الرأسمالية المتقدمة فى السلع الصناعية بالإضافة لإحتكارها للبحث العلمى والتكنولوجى - ظل هذا النمط مستمرا فى التقسيم الجديد، والجديد الذ طرأ على نمط تقسيم العمل هو أن بعض الدول بدأت تتخصص فى انتاج أجزاء من منتج ما، ويتم تجميع هذا المنتج فى بلدان آخرى، وهذا معناه.. "تدويل عملية الانتاج.. وإدماج الاقتصاديات المتخلفة بشكل آكثر دقة فى عملية الانتاج المدولة" (1) وتعد هذه هى أهم سمة طرأت على الاقتصاد الرأسمالى بعد الحرب العالمية الثانية.
والجدير بالذكر، أن التدويل ليس ظاهرة جديدة طرأت على الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية بل هو من طبيعة الرأسمالية ذاتها منذ سيادة نمط الانتاج الرأسمالى، فمما لا شك فيه أن الرأسمالية منذ بدايتها تسعى لنقل أسلوب إنتاجها الآلى إلى خارج حدودها، فى نفس الوقت الذى كانت تسعى إلى مصادر المواد الخام وأسواق التصريف والاستثمار فى الخارج وزادت ظاهرة التدويل بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت ظاهرة كونية، وتضاعفت سرعتها بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية التى أحدثت تحولات جوهرية فى هيكل تنظيم العمل الدولى دفع بالعالم كله فى إتجاه قيام هيكل اقتصادى موحد، وأصبحت عملية الانتاج وإعادة الانتاج - بفضل تطور القوى المنتجة - غير ممكنة على الصعيد القومى وأنما على الصعيد العالمى، وأصبح رأس المال على صعيد تنظيم الربح يتم على المستوى العالمى لا القومى (2).
وكان إتجاه الإقتصاد الرأسمالى لتكييف عملية التدويل، بالأساس فى صالح الشركات العملاقة، والتى أفرزها نزوع نمط الانتاج الرأسمالى لتمركز رأس المال للسيطرة على السوق وتعظيم قدرة الوحدات الرأسمالية على المنافسة فى السوق المحلى والعالمى، وزادت هذه الشركات من أستثماراتها، وساهمت بشكل كبير فى تسريع التطوير التقنى والتكنولوجى، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع حجم استثماراتها - حتى وصل إلى مليارات - ولم تستطع أسواقها القومية إستيعاب حجم نشاطها، وكان من الطبيعى خروجها إلى أسواق أخرى، لتبرز ظاهرة الشركات متعدية الجنسية، وشكلت الشركات الشكل الملائم لقيادة عملية تدويل الإنتاج على الصعيد العالمى، فهى ترسم سياستها وإستراتيجيتها طويلة المدى على الصعيد الدولى، وتعمل للأستفادة من الفروق بين أجزاء العالم المختلفة - (أنخفاض أجور العمالة فى دول - كثافة اليد العاملة فى دول آخرى - أنخفاض سعر الطاقة فى دول) - لزيادة فرصتها فى النمو والسيطرة، من خلال تنويع مواقع الانتاج والتسويق.
ولذلك فهذه الشركات تعتبر هى قلب جماعات الضغط فى دولها من آجل تآسيس ترتيبات تجارية تآخذ بمبدأ حرية التجارة، ويعتبر تبنى الدول الرأسمالية المتقدمة لمبدأ حرية التجارة نوعا من الإختيار السياسى لمصلحة شركاتها العملاقة (3) - وفى هذا الصدد يبدو منطقيا ما إنتهى إليه مؤتمر بريتون وودز من تفضيل لمشروع الأمريكى هوايت، والقائم على أساس العمل الحر لقوى السوق، بصرف النظر عن النتائج، على المشروع الذى قدمه الأنجليزى كينز والذى كان عبارة عن مشروع إتحاد جمركى تسانده مؤسسات مالية، والغرض منه العمل على تنظيم التبادل بين الدول.
وبناءا على ما سبق فأن الاقتصاد الدولى بعد الحرب العالمية الثانية إرتكز على تطورات تميزت بالآتى (4) :
1 - شكل جديد مركب من تقسيم العمل الدولى يزيد إدماج الاقتصادات المتخلفة فى عملية الانتاج المدولة.
2 - أن هذا الشكل تقوده الشركات متعدية الجنسية فى شكلها الاحتكارى.
وعلى صعيد آخر فقد قوبلت هذه التطورات بتناقض رئيسى، وهو اتجاه الدول التى كانت مستعمرة، ثم حصلت على إستقلالها، إلى بناء سوقها القومى على معايير وأسس قانوينية ودستورية وحمائية، نابعة من واقعها الاجتماعية، ولجأت فى ذلك إلى أيدلوجيات التنمية المستقلة، والاعتماد على الذات، وسياسات إحلال الواردات.
ونستنتج من هذا أن الاتجاه نحو سوق عالمية واحدة من الناحية الموضوعية، كان فى مصلحة الشركات العملاقة والدول الرأسمالية، وفى نفس الوقت كان يتناقض مع الاتجاهات القومية للوحدات الوطنية، وإصطدم مع تصاعد موجات التحدر الوطنى، ولهذا كان لابد من محاولة نظم الانتاج العالمى والسوق العالمية داخل نظام موحد - يستوعب هذه الدول المستقلة حديثا - سواء على صعيد الانتاج والتبادل أو على الصعيد القانونى.
وبدأت محاولات نظم الانتاج والسوق العالمية مع مؤتمر بريتون وودز.
هوامش المقدمة
1 - د. محمد دويدار : محاضرة غير منشورة ألقيت بالجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع بتاريخ 12/4/1995.
2 - د. فؤاد مرسى : الرأسمالية تجدد نفسها - عالم المعرفة، عدد 147، صـ 105 - 111.
3 - د. محمد سيد السعيد : الشركات عابرة القومية ومستقبل الظاهرة القومية، عالم المعرفة، عدد 107.
4 - د. محمد دويدار م. س.
#علاء_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟