|
معلمو المدارس الخاصة .
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 5068 - 2016 / 2 / 7 - 18:26
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
معلمو المدارس الخاصة . دور المعلم في العملية التربوية والتعليمية، وما يقوم به من رسالة مهمة في تنشئة الأجيال وبناء الرجال، جعلته محط اهتمام الكثير من العلماء والأدباء والشعراء في تراثنا عبر العصور الماضية ، لكن مكانته في الوطن العربي عامة والمغرب خاصة ، قد عرفت ، مع الأسف ، تغيرا فيما كان يحظى به من رقي المرتبة وسموها في المجتمع ، بفضل ما كان يقوم به من أدوار جليلة من أجل الإنسانية ، سواء تعلق الأمر بالدور التربوي أساس المهنة والمتعلق بمحاربة الجهل والأمية ، أو بالدور الديني وما يمس الجانب العبادي ، أو الجانب المعاملاتي ، أو الجانب الاجتماعي الذي يمس كل ما له علاقة بالمجتمع ، وغيرها من الأدوار التي استحق عليها وبجدارة البيت الشعري "قم للمعلم " لأمير الشعراء. فعلا لقد طرأت على قيمة المعلم ومكانته تغييرات شاملة ، متأثرة بالتغيير الهائل الذي طرأ على القيم السائدة في المجتمع والتي هي خليط غريب ليس من السهل رصد مصدره ، والتي ليست مكانة المعلم وحدها هي التي طرأت عليها تلك التغييرات ، التي شملت مكانة كل الشرائح الاجتماعية ، وبدون استثناء ،التي عرفت تغييرا نحو الأسوأ داخل الجميع ، حيث لم يعد القاضي ولا المحامي ، ولا الطبيب ، ولا المهندس ، ولا الفلاح ، ولا التاجر ولا إمام المسجد ، أو خطيبه ، ولا الصحفي ، كما كانوا من قبل على تلك الصورة المثالية. إلتقيت المعلمين المقتدرين الأكفاء بمناسبة ندوة تربوية ، فكان لي خلالها معه هذا الحوار ، الذي بدأته بالسؤال التالي : كيف هي أحوالك مع التعليم الخصوصي ؟ لاشك أنكم أهنأ بالا من مدرسي التعليم العمومي ، وأكثر حظا منهم ؟؟ فرد قائلا : مُخطئ تمامًا مَن يتصور أن نعيم وخيرات المدارس الخاصة يشمل كل المشتغلين بها من معلمين وإداريين وسواقة ومنظفين ، وأنهم ينعمون جميعهم بما ينعم به ملاكها ، الذين يغرفون الأموال الطائلة ، مما تدره مداخيلها الوفيرة -المعفاة من المكوس والضرائب – التي كونوا منها الثروات والعقارات والسيارات الفارهة ، وصنعوا بها الأسماء اللامعة، والشهرة الدائع ، والسيرة المنتشرة ، وواهم كذلك ومخدوع مَن يعتقد أن كادحي المدارس الخاصة ، يتقاضون أجوراً سمينة ، كرواتب شهرية نظير ما يبذلونه من جهد مضاعف وشاق في تربية وتعليم تلاميذ تلك المدارس الخاصة ، بخلاف ما يشيعه مُلاكها من حالات التنعُم الكاذب الذي ينسبونه لمعلمي مدارسهم وكل العاملين بها ، بينما حقيقة دخولهم جميعهم لا تتعدى دريهمات قليلة لا تسمن ولا تُغني من جوع ، ولا تكفيهم لتوفير أبسط متطلبات العيش الكريم لهم ودويهم ، ربما يقول قائل أني أبالغ أو أزايد ، ويقول آخر ، ومن يجبرهم على مثل هذا العمل الشاق والمضني ، مقابل ذاك الأجر البخس ؟ ولماذا يقبلون بالعمل في مدرسة خاصة ذات أنظمة صارمة ، وبلا عقد رسمي ، ولا تأمين اجتماعي أو صحي ، وتحرم العاملين بها جميع حقوق العمال ، وتمنع عنهم كل الامتيارات، ولاشك أن الرد سيكون وبكل بساطة : أنهم مرغمون لا أبطال ، ومضطرون للقبول بتحكم ملاك المدارس االجائر، وتعامله السيئ الظالم ، ولأنهم هم أدرى بظروفهم ، إذ أنهم إذا رفضوا تلك العروض ، فهناك مئات غيرهم من الشباب المُعدمين ، ممن يقبلون بها ، بل ويسعدون بها ، ويستقطعون من وقتهم وصحتهم وأنفاسهم لأجل الحافظ عليها ، حتى يظلوا متوراين بين الخلائق من وجع البطالة ، التي تقود أصحابها للفقر والاستدانة وسؤال الناس ، لكي يجدوا ما ينفقوا منه على أنفسهم وأهليهم .. قاطعت محدثي ممازحا : لكنكم ضاربين يديكم في السوايع !! لاشك أنك ستصاب بالحزن والعجب معاً، إذا عرفت أن بعض مُدراء المدارس الخاصة ، وملاكها ، يأخذون نسبة مالية من إجمالي دخل الدروس الخصوصية التي يلجؤ إليها المعلم لزيادة دخله وتعويض حالة الحرمان والفقر ، دون احتساب الهدايا والعطايا التي تقدها لملاك المدارس كي يُسمح لهم بإعطاء تلك الدروس، لأبناء الأثرياء، على اعتبار أنهم ملك للمدرسة . تأثرت كثيرا لوصف محاوري لحالة معلمي المدارس الخاصة ، وما يعيشونه من معاناة ، وحاولت أن أواسيه وأخفف عنه ، لكنه قاطعني قائلا : بلاتي ، نزيدك أن ما يعيشه معلمو المدارس الخصوصية من ضعوط نفسية خطيرة ، وصلت ذروتها مع نهاية كل عام دراسي ، حيث تتوقف رواتب أغلبهم خلال الإجازة الصيفية، فلا يتقاضون مرتباتهم إلا مع بداية العام الدراسي الجديد ، إذا جُدد تشغيلهم ، ولم يعوضوا بمن هم أرخص ثمنا وأكثر خوفا وأكثر طاعة وأكثر عبودية ، ما يولد لدى الكثير منهم ، حالة القلق الكبير الذي يسلبهم التركيز الذهني ، العنصر الرئيسي في الرسالة السامية الإبداعية ، التي لا تقدر بثمن .. اعتذرت لزميلي في الحرفة التي مارستها مدة 32 سنة ، عن تقليب مواجعه باسئلتي ، وشكرت له صراحته وتمنيت له وعبره لكافة رجال التعليم مزيدا من الصبر من أجل تأدية رسالتهم السامية في ظل ما يواجهونه من صعوبات ومشكلات وهموم تثقل الكواهل ، وختمت حواري بقولي : ويكفيكم اهتمام الشعراء والأدباء ، ودعوتهم لاحترامكم وتبجيلكم وإكرامكم كما في أشعار أحمد شوقي، والتعبير عن همومكم كما فعل ابن خلدون وابن سينا وابن سحنون والجاحظ ، وإبراهيم طوقان ومحمود غنيم .. حميد طولست [email protected].
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يقف ضد الإستهتار بالعقل المغربي ؟؟
-
من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت.
-
الكراهية أكبر آفة ابتلي بها مجتمعنا .
-
الفساد الأسئلة البسيطة والمحير !!
-
ما هكذا ترعى حقوق الفقراء يامسؤولينا !!
-
واقع حريات الرأي وقوى الإسلام السياسية!!
-
-الكلام الزين كيتعطى في الدية-
-
المغاربة أمام القانون سواء، وسواسة حتى هما !!
-
الحكومة والبرلمان ، يقرران التنازل عن معاشاتهم !!
-
لماذا يهان معلمو هذا الوطن ومستقبله وبُناته ؟
-
تسيد المال يقلب موازين الحياة ومكاييل المنطق !!
-
الشيء بالشيء يذكر
-
صمود الهبة الشعبية ضد تقاعد البرلمانيين..
-
لا تعادوا الشعب فعودتكم اليه قريبة ، وسيحاسبكم !!
-
لماذا تكرهون الأمازيغ إلى هذا الحد ؟
-
مداومة سوء الكلام وفحشه ..
-
الى طاحت الصمعة علقوا الحجام ، وإذا طاحت صناديق التقاعد ، عل
...
-
لا أخال أن وزير النقل يجز بنفسه في مثل تلك الترهات !!
-
تهنئة بميلاد مشكاة إعلامية. مجلة -المرأة السياسية- .
-
معاشات البرلمانيين والوزراء والهاجس الانتخابي الضيق!!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|