|
عصر ما بعد الرأسمالية
اديب المقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 5068 - 2016 / 2 / 7 - 14:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
*عصرالرأسمالية انتهى ويجري تغيير جذري بتركيبة النظام الرأسمالي* نحن اليوم في مراحل "ما بعد الراسمالية"، "ما بعد الاستعمار"، "ما بعد الحداثة" بل و"ما بعد الأديان" *لم يعد اسلوب الانتاج هو المعيار،بل التطوير العادل للتوزيعة الاجتماعية للثروة*
هل تشكل التعددية الثقافية خطرا على ثقافة ما؟ حقيقة اني اطرح هذا السؤال في فضائه الواسع وليس الديني الضيق او الاثني كما جرت العادة بوصم ثقافتنا وحضارتنا العربية بصفتها اسلامية وانا بصراحة لا ارى ان الثقافاتلها هوية دينية اذ لا يمكن مثلا تجاهل دور مسيحيي العراق والفرس واسلاميين غير عرب بالانجاز الحضاري الذي يعرف بالعربي الاسلامي.. واهم منجزاته ليست عربية ولا اسلامية.. بل هناك رفض من الفكر الديني للكثير من الانجازات بوصمها بالكفر. جميع الحضارات تطورت باتجاه معاكس لمجمل الفكر الديني الذي كان سائدا، في المسيحية نجد كوبرنيكوس العالم الفلكي الذي أثبت ان الأرض تدور وأنها ليست مركز الكون وهي نظرية سادت 20 قرنا ودعمتها الكنيسة لمدة 12 قرن وجعلت مجر التشكيك في هذه النظرية كفراً، وغاليليوغاليلي الذي نشر نظرية كوبرنيكوس ودافع عنها بقوة على أسس فيزيائية، في الاسلام نجد حرق كتب ابن رشد الذي سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكارالتي قامت عليها النهضة الحديثة.،وقتل ابن المقفع، وقطعت يدي ورجلي السهروردي وصلب الحلاج والقائمة تمتد وصولا الى العصر الحديث بطعن نجيب محفوظ وقتل فرج فودة والسكاكين التي تذبح البشر مثل الخراف تحت فكر ديني لم يجرؤ حتى اليوم علماء الأزهر ان ينتقدوه وان يقوموا بحملة توعية دينية ضده.. من منطلق ان المسلم لا يمكن ان يزدري دينه فبأي تبرير ديني يذبح الأبرياء مسلمين وغير مسلمين؟ هناك فكر اضطر ان يلائم نفسه للتعددية الثقافية وفكر آخر يصر على رفضه لأي تحول وهذا يبرز بقوة في مستوى التطور الحضاري ، مستوى تطور اللغة، مستوى تطور الفلسفة، مستوى تطور العلوم والتعليم وطبعا بمجالات عديدة وكثيرة لدرجة يبدو ان ردم الفجوة بات من المستحيل لأنها تزداد اتساعا . ونحن على ابواب القرن الواحد والعشرين نرى ان الكثيرين لا يفقهون معنى التقدم الهائل في التكنولوجيات والعلوم وان ما يحدث ليس تعبيرا عن تقدم التاريخ الانساني فقط، بل تحولات ثورية وانقلابية في جميع مجالات الحياة والفكر وخروجا عن الكثير من النظريات الاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية التي سادت القرنين السابقين بحيث بات من الصعب تطبيق ما كان في القرنين السابقين على ما هو حداثي اليوم، حيث ان البشرية تجاوزت مراحل ذات مدى انقلابيمما يعرف باصطلاح ما بعد الحداثة وحتىما بع بعد الحداثة، في الوقت الذي يعيش الشرق تحت سطوة العصر الحجري. اقول بدون تردد اننا نعيش حقبة جديدة في تاريخ البشرية، حقبة تشهد تغييرات عاصفة ليس في السياسة فقط، انما في مركزية العالم التي تنتقل من مراكز شكلت المدخل للحضارة الانسانية ــ اوروبا القديمة،الى عالم متعدد المراكز الحضارية والثقافية والعلمية ويمكن القول أيضا العسكرية. ان واقع الشرق يعني انه سيبقى مزرعة خلفية للعالم المتطور، وربما نجد ان ضرورات التحول ستفرض مسح هذا الجزء من العالم من الخارطة الانسانية. العقل البشري برقيه لم يعد مستعدا لقبول ظاهرة تشكل تشويها لحلمه الانساني . لم نعد في عصر الرأسمالية، عصرها انتهى ويجري تغيير جذري بتركيبة النظام الرأسمالي الاجتماعي .. هناك تحولات تفرض التغيير وتخرج المضمون القديم الى ساحة تجديد لا حدود لها الا السماء، على رأسها وضع الانسان (المواطن) في قمة الأهمية للأنظمة التي ما زالت تعرف بأنها رأسمالية ولكن كل تطبيقاتها تسقط المفاهيم القديمة التي راجت لقرنين كاملين تقريبا، المضحك ان البعض ما زال يغرد بفلسفات قديمة بالية لا تملك تفسيرات للتحولات العاصفة في المجتمعات المتطورة اقتصاديا. هل نسمي ما يجري "ما بعد الرأسمالية"؟! ما قيمة التسمية حين نستوعب المضامين التي بدأت تفرض نفسها بقوة ؟ دولا عديدة أقرت مثلا مستوى من ضمان الدخل للعاطلين عن العمل يضمن لهم حياة محترمة ورفاهية اجتماعية تجعلهم ليس فوق خط الفقر فقط انما بمستوى حياة واكتفاء تحافظ على كرامة الانسان ومساواته بالقيمة مع سائر المواطنين. عندما كتبت في بداية مقالي عن التعددية الثقافية كان القصد أيضا ليس الابداع الروحي فقط، انما الابداع المادي ايضا الذي بدونه تذوى حتى الثقافة الروحية. البشرية تجاوزت في تاريخها الحديث ( ولن اعود لتكرار المعلوم من مراحل التاريخ القديم للبشرية ) الكثير جدا من التطورات والاكتشافات والرقي الاجتماعي ، مما احدث ثورة فكرية في المفاهيم الفلسفية والثقافية بكل تنوعاتها المادية والروحية. كانت نظريات قديمة تتحدث عن صراع طبقي. عن كون الامبريالية آخر مراحل الرأسمالية، عن حتمية تاريخية، عن نظام عدالة اجتماعية لا يتحقق الا بنظام اشتراكي... عن كون العولمة تخدم النظام الرأسمالي. هل يمكن تخيل عالمنا المتطور بدون العولمة؟ انا اليوم استصعب فهم العالم الرأسمالي حسب النظريات التي يتمسك بها البعض من القرن التاسع عشر. ما اراه اليوم يتجذر في المجتمعات ليس اسلوب الانتاج، بل نشاط الدول على تطوير التوزيعة الاجتماعية للثروة . هذا لا يعني ان وجود حظائر (دول) ما زالت تعيش بعقلية سابقة للقرن الواحد والعشرين، يعني ان لا شيء تغير . عالمنا ليس هو عالم القرن التاسع عشر والقرن العشرين. نظريات تلك المراحل ، مع كل اهميتها التاريخية والفكرية في وقتها، احدثت تطورات لم تكن بالاتجاه الذي توقعته (بعلميتها!!) وبالتالي تلاشت اهمية تلك النظريات ولم تعد تعطي الأجوبة الضرورية لواقعنا المتحول. نحن اليوم في مراحل " ما بعد الراسمالية" ،"ما بعد الاستعمار" ، "ما بعد الحداثة ، بل وما بعد بعد الحداثة"واتجرأ واقول مرحلة "ما بعد الأديان" . ما يجري في الشرق ليس عودة للدين بقدر ما هو نسف جذور الدين. طبعا لا يمكن النظر لجميع الأنظمة بنفس المعيار ، ما اطرحه هنا هو أقرب للرؤية الفلسفية لما سيكون من تحولات ان لم نعشها نحن سيعيشها ابناؤنا. ستبقى الثقافة معيارا هاما، والتعددية الثقافية هي النواة الصلبة لكل تقدم فكري او اجتماعي ، ان تقد العلوم والتقنيات لم يكن وليد عبقريات شخصية فقط بل وليد النقد والنقض الذي ساهم اما باثبات فشل نظرية ما او بتطويرها وتحولها الى أداة لها جذورها بالتحولات الهامة في المجتمعات البشرية. ان مجتمعا يبقى مغلقا رافضا للانفتاح التطويري الشامل في جميع مجالات الحياة، يتحول تدريجيا الى مجتمع متفكك في نسيجه الاجتماعي ، في ثقافته الروحية، وفي تقدمه بكافة محاور الحياة. ونفس الأمر ينسحب على الأحزاب ، وليس بالصدفة الظاهرة العالمية لهبوط مكانة التنظيمات الحزبية وبدء ظاهرة حركات المجتمع المدني التي تؤثر على مجرى الفكر والثقافة والتربية ورؤيتي ان هذا الدور سيزداد اتساعا وتاثيرا.ان التعددية الثقافية لا تعني التعددية فقط داخل مجتمع محدد، بل تعني اساسا اتساع شبكة التواصل الثقافي والمعلوماتي على مستوى الدول المختلفة. ما يجري لن يكون مجرد تجربة ، بل مسارا لا فكاك منه، سينبذ بتقدمه كل العقليات المغلقة، كل الفكر الخرافي . قد نشهد اختفاء او اضمحلال مجتمعات بكاملها، عبر ذوبان نخبها المثقفة بالمسار التاريخي واضمحلال تدريجي لمن ارتبطوا بالماضي وتقيدوا بسلاسله.. وليس مهما لأي نوع بشري يتبعون.. في النهاية اريد ان اقول اننا في بداية عصر "ما بعد القومية"، هذه الظاهرة بداتها اوروبا ، وكانت اوروبا دائما في طليعة التحولات الاجتماعية، الثقافية، الفكرية والعلمية.!!
[email protected]
#اديب_المقدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف يخدم سياسات اليمين الفاشي في اسرائيل
-
ازمة اليسار في عصر العولمة
-
مجرم الحرب ألقذافي إلى المحكمة الدولية
-
مصر أمام فرصة للتغيير// لا بد من أولويات جديدة وعاجلة
-
السور المصري ، ضرورة لوضع حد لتسيب حماس ومغامراتها
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|