خالد فضل
الحوار المتمدن-العدد: 5067 - 2016 / 2 / 6 - 23:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
النظام الاسلامي السوداني والاستثمار في الحروب
منذ ست وعشرين سنة ونصف يخضع السودان لحكم ما يعرف مؤخرا بالحركة الاسلامية السودانية , وهو عنوان مرادف لما كان يُعرف حتى ليلة 30يونيو1989م بحزب الجبهة الاسلامية القومية ؛التي تمّ تأسيسها في أعقاب الانتفاضة الشعبية في أبريل 1985م التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري (69__1985م), وقد عاش السودانيون لمدة أربع سنوات فقط في ظل حكم ديمقراطي تخللته سنة واحدة انتقالية كانت السلطة خلالها في يد المجلس العسكري الانتقالي الذي تشكّل من كبار قادة القوات المسلحة السودانية . وخلالها نشطت الحياة السياسية السودانية , وانتخبت النقابات العمالية والاتحادات المهنية والطلابية والفئوية , وتأسست أحزاب سياسية جديدة , وعاودت الأحزاب القديمة نشاطها الجماهيري الحر بعد طول كبت وحرمان , وكانت جماعة الإخوان المسلمين في السودان قد انقسمت ساعتئذ ومن رحمها خرجت الجبهة الاسلامية القومية المار ذكرها وهي تحالف ضمّ بعض مجموعات الإخوان المسلمين , وبعض قادة الطرق الصوفية , وقيادات قبلية في أواسط السودان وشماله النيلي , اضافة الى مجموعات من سدنة النظام المايوي المباد ؛خاصة فئات الرأسماليين الطفيليين الموالين للإخوان المسلمين الذين تشكّلت ثرواتهم جراء ارتباطهم بسلطة النميري القمعية وما توفره السلطة الديكتاتورية من ميزات تفضيلية للإنتهازيين والطفيليين ,ومنذ تشكيلها كانت شعارات الجبهة الاسلامية وبرامجها السياسية ونشاطاتها تصب في اتجاه العنف , وتغذية مراكزه , وتنشيط خلاياه , مستغلة اشتعال الحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان _سابقا_ في أخريات عهد النميري .وقد وفّرت ظروف الحرب البيئة المثالية لاستثمارات الحركة الاسلامية ونشاطها التعبوي الدعائي وسط المواطنين السودانيين في أواسط وشمال وغرب البلاد وتركّز نشاطها وسط الفئات الطلابية والشبابية مستفيدة من توفر الحماس وفورة العواطف لديهم , كما استغلت بعض الوقائع والمآسي المصاحبة لإندلاع الحرب الأهلية وما يقع فيها من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في مناطق النزاعات وعكس ذلك بصورة دعائية واستفزازية عبر آلة اعلامية ضخمة قوامها مجموعة من الصحف اليومية التي كانت تصدّر في الخرطوم , ووسط مجتمع تسوده الروح القبلية التي لم تندثر بعد خاصة في الأرياف ومناطق التداخل السكاني بين الاثنيات المختلفة على طول الحدود بين شمال السودان وجنوبه وقتذاك .
كما سعت الحركة الاسلامية الى تكوين خلايا داخل القوات المسلحة السودانية بتواطؤ واضح من بعض الضباط في المجلس العسكري الانتقالي وعلى راسهم رئيسه المشير عبدالرحمن سوار الدهب , الذي اتضح لاحقا ولاؤه للحركة الاسلامية وتاييده لسلطتها الحالية وتزعمه لواجهاتها التعبوية والسياسية تحت لافتات القومية ومن ذلك تزعمه لحملات إعادة تنصيب الرئيس البشير في عامي 2010 و2015م على التوالي عبر عملية انتخابية صورية . وبالفعل تمكّنت الحركة الاسلامية من تنفيذ أخطر وأكبر أهدافها في السودان ؛ السيطرة على الحكم ومفاتيح الثروات في البلاد بأي طريق , ومنذ ذلك التاريخ البعيد ظلّ الاستثمار الرئيس للحركة الاسلامية السودانية هو الحرب . وهو الاستثمار الذي اتسعت دوائره جعرافيا وبشريا بحيث شملت الحروبات الأهلية جميع أنحاء السودان في بعض الأوقات , فبالإضافة للحرب الموروثة من العهدين السابقين للانقلاب في الاقليم الجنوبي , شملت مناطق الحروبات الأهلية السودانية , اقليم جبال النوبة في أواسط البلاد وقتها ( الآن في جنوب السودان), واقليم النيل الأزرق في الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد , واقليم شرق السودان في الحدود مع دولة ارتيريا , وقبيل توقيع اتفاقية السلام الشامل 2005م , مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بنحو عامين اشعلت الحركة الاسلامية السودانية الحرب الأهلية في اقليم دارفور ذي المساحة الشاسعة والكثافة السكانية العالية والموارد الطبيعية الضخمة بغربي السودان . وقد بلغت الحرب الأهلية السودانية في جنوب السودان مداها في شدة الانتهاكات وحملات القتل والترويع والتجويع , ولذلك كانت نتائج الاستفتاء على تقرير المصير الوارد ضمن اتفاقية السلام الشامل هي اختيار شعب الجنوب للانفصال عن جسد الوطن الأم بنسبة لامست حدود 100% , وهو انفصال أكّد على ما يفرزه الاستثمار في الحروب من نتائج على البلد , وقديما جرت الحكمة على لسان الشاعر العربي قبل الاسلام زهير بن أبي سلمي في وصفه المروّع للحرب وما تنتجه وما تغلّه من شؤم وحقد يفوق حصاد الاراضي الزراعية الخصبة بالعراق , لم يعن انفصال الجنوب شيئا بالنسبة للاسلاميين السودانيين , كما لم يأبهوا لنتائج استثماراتهم الطويلة الأجل والمستمرة في الحروب الأهلية ضد مواطنيهم , فعادوا لإستئناف الحرب مرّة أخرى في جبال النوبة والنيل الأزرق بزعم محاربة التمرد والمتمردين من منسوبي حزب الحركة الشعبية والجيش الشعبي في شمال السودان , مع مواصلة حملاتهم العسكرية وممارسات الابادة الجماعية والتطهير العرقي وارتكاب جرائم الحرب في مناطق النزاعات غير آبهين بصدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير وحاكم ولاية شمال كردفان أحمد هرون وحاكم ولاية الخرطوم عبدالرحيم محمد حسين وبعض ضباط القوات المسلحة وقادة المليشيات القبيلة المتحالفة مع سلطة الاسلاميين في دارفور. بينما ظلت حرب المدن مستمرة ضد الناشطين السياسيين والنقابيين وطلبة الجامعات والمدارس والمتظاهرين السلميين من أصحاب المطالب المشروعة في جميع أحاء السودان من بورتسودان في أقصى الشرق الى الجنينة عاصمة اقليم غرب دارفور ومن عبري وكجبار في أقصى الشمال الى الدلنج وكادوقلي في أقصى الجنوب , مرورا بودمدني وسنار والقضارف والنيل الابيض ونهر النيل في أواسط البلاد وبالطبع في قلب الخرطوم حيث شهدت شوارعها في شهر سبتمبر 2013م مذبحة بشرية بشعة راح ضحيتها زهاء 200مواطن سوداني غالبيتهم من الشباب والأطفال من الجنسين , واصابة مئات آخرين بعضهم اصابات بالغة وجسيمة . فيما يتواصل الاستثمار في الحرب ضد الشعب السوداني فتم اغتيال الطلاب ؛ خاصة الناشطين المنحدرين من اقليم دارفور بطرق وأوقات وملابسات متعددة في الخرطوم ومدني ومؤخرا في مدينة الجنينة , ولمّا ظلت شهية الحرب والقتل والترويع مفتوحة لدي الاسلاميين بحكم تربيتهم الفكرية والسياسية والعقائدية المرتكزة على الاستهانة بالحياة الانسانية لدى الآخرين , فقد شملت استثماراتهم الحربية دول الجوار السوداني كلّها تقريبا وباعترافات قياداتهم أنفسهم , فمن محاولة إغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بأديس أبابا 1996م , الى التورط في الحرب الليبية , والتشادية , وافريقيا الوسطى , ومن قبل في ارتيريا واثيوبيا , وفي الصراع في جمهورية جنوب السودان , كما تمّ جنيّ بعض العوائد المالية من الاستثمار في الحروب كما هو حادث الآن من مشاركة في حرب التحالف السعودي ضد الحوثيين في اليمن وتورط وحدات من الجيش السوداني لأول مرّة منذ تأسيسه قبل ستين سنة في حرب أهلية خارجية مدفوعة الثمن , وضد شعب تجمعه بالسودانيين علاقات أخوية عميقة منذ عشرات السنين , وبالفعل فإنّ التربُّح من الحروبات الخارجية كان قد ابتدأ منذ أواخر القرن الماضي عبر صفقات ما يسمى بالحرب ضد الارهاب الدولي وهي صفقات استخباراتية مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص نظير ما يبدو غض الطرف عن مواصلة الاسلاميين لاستثماراتهم الرائجة في الحروب الأهلية ضد شعبهم , وقد تمّ في اطار صفقات الحرب ضد الارهاب الدولي تسليم ملفات وطرد وتسليم مجموعات من الحركيين الارهابيين الاسلاميين الذين كان النظام الاسلامي السوداني يأويهم فيما يبدو كبضاعة يقايض بها بقائه في السلطة مع القوى الجبّارة في العالم التي لا يستطيع مقاومتها في سوق الحروبات , ومن شواهد الاستثمار في الحروب خارجيا , اعتراف البشير بأنّ قواته وأسلحته كانت ضمن أول من أسقط طرابلس في أيدي الجماعات الليبية الاسلامية ونهاية عهد القذافي , بل حرّضت وزارة الخارجية السودانية بعض الفصائل الليبية الاسلامية ضد المواطنين السودانيين الموجودين في ليبيا بدعاوي انتمائهم للحركات المتمردة في اقليم دارفور , وهو ذات السيناريو الذي تكرر في مذبحة مدينة بانتيو في جنوب السودان بزعم السلطة الاسلامية السودانية أنّ قوات المتمردين الدارفوريين تساند قوات سلفا كير ضد خصمه رياك مشار وبالنتيجة وقعت المذبحة التي طالت حوالي 200 مواطن سوداني في تلك المدينة الجنوبية عندما استولت عليها قوات قائد المتمردين الجنوبيين د. رياك مشار وهكذا باستعراض سريع للوقائع يتضح حجم وضخامة إرث الاسلاميين السودانيين الاستثماري في قطاع الحروب , بينما كل مشاريع الحياة والتنمية والعمران والتقدّم قد تعطّلت تماما في السودان فانهارت أكبر المشروعات الزراعية فيما بين النيلين الأزرق والأبيض ( الجزيرة ) ومشاريع السوكي والرهد وحلفا الجديدة وغيرها , وانحسر الغطاء الغابي , وهربت الحيوانات البرية من غابات السودان لجأت الى دول الجوار , وتدمّرت البنى التحتية مثل السكة الحديد والنقل النهري والخطوط البحرية والخطوط الجوية , وتدنّت خدمات التعليم والصحة والعلاج بمستويات غير مسبوقة , وتمزّق النسيج الاجتماعي للسودانيين بالهجرات الكثيفة والنزوح واللجؤ واستشراء تجارة الحروب وتمدد استثماراتها لتشمل حروب القبائل والعشائر والعوائل . ترى هل تستمر هذه الاسثمارات الفادحة في الزيادة والتطور أم ترتد تلك التجارة الخائبة على اصحابها فيذوقون كأسها المرّ ؟
#خالد_فضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟