|
عن عروبة القهوة وآسيوية الشاي وتاريخ التبغ المعاصر
السيد شبل
الحوار المتمدن-العدد: 5063 - 2016 / 2 / 2 - 21:51
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
أكثر ثلاثة أشياء متداولة في الحياة العامة (القهوة - الشاي - الدخّان)، ولا يخلو يوم نسبة معتبرة من البشر من تدخين سيجارة أو تناول فنجان قهوة أو احتساء كوب من الشاي ويعتبر الأخير، أكثر المشروبات تناولًا بعد الماء في العالم.
ورغم تحذيرات المنظمات الصحية من التدخين، إلا أن نحو 20 بالمئة من المصريين لا يزالون على حالهم مع تدخين الشيشة والسجائر، ويُرجع علماء النفس الإقبال على التدخين إلى ما تحويه هذه الممارسة من عناصر التمرد والمخاطرة، وهذا يحفز الشباب، والذكور بالأخص، نحو الإقبال عليه.
ولكن، هل تعلم أنه منذ نحو 500 عام أو أقل، لم تكن عموم البشرية تعرف تدخين التبغ أو شرب الشاي والقهوة ؟
كثيرون، يعتقدون أن انتشار عادات ما اليوم، يعني أنها قديمة قدم البشرية نفسها، ولكن الحقيقة أن هذا لا ينطبق على (القهوة والشاي والدخّان)، وتقريبًا حتى أواسط القرن السادس عشر، لم تكن شائعة بين البشرية، وهذا يعني أن أجيالًا وأجيالًا ظلت بدونها.. تُرى ماذا كانوا يفعلون في يومهم، ونحن أشباههم، لا نصبر على قضاء يوم واحد، في حال نفذ مخزون البن لدينا ؟!.
لا شك أن عددًا من الأشياء التي يغذيها التدخين أو بالأصح يشبعها في الشخصية، كانت تبحث عن سبيل آخر أكثر نفعًا وأقل ضررًا، ليتم إشباعها عبره؛ وربما، نجح القدامي في الوصول إلى حالة صفاء الذهني والاعتدال المزاجي التي تصنعها القهوة، من طريق آخر نجهله اليوم.. في كل الأحوال، هذا مجال خصب، للباحثين النفسيين والتاريخيين، حتى يخوضوا غماره. أما نحن فسنسعى لعرض مختصر لتواريخ القهوة والتبغ والشاي في القادم من السطور، مع لفتة إلى هنا أو هناك، لبعض ما يجب أن يكون معروفأً عند المرء عن تلك الأشياء الثلاثة ( صانعة المزج ).
عروبة القهوة وصوفيتها
- يرجع منشأ زراعة نبات البن إلى اليمن العربي وأراضي الحبشة.
- بدأ تناوله بشكل واضح ومنتظم في القرن الخامس عشر بين الجماعات الصوفية في اليمن، ومنها إلى الجزيرة فالوطن العربي (مصر في القرن السادس عشر).. ففارس شرقًا والأناضول غربًا.. فالعالم أجمع.
- قهوة "موكا" الشهيرة عالميًا اليوم، تنسب إلى ميناء مخا اليمني، وهو الميناء الذي كان يُصدر منه البن إلى العالم الأوروبي.
- كلمة coffee مشتقة من قهوة العربية، وهي مشتقة من الفعل قَهِيَ، وقَهِيَ الشيءُ الرجل عن الطعام: صدَّه عنه وزهّده فيه وقلل رغبته إليه، للقناعة بأن شرب البن يقلل الرغبة في الطعام، ولفظة "القهوة" أطلقت على الخمر أيضًا، لأنها تكرّه في الطعام. - كان هناك خلاف فقهي حول شرب البن في القرن الخامس والسادس عشر ميلادي، وذلك لاعتقاد بعض الفقهاء المتشددين أنه يؤثر بالسلب على عقل المرء، وأن له تأثير يشبه الخمر، وتم حسم الأمر في اتجاه الإباحة مع الوقت، وكان الصوفية من أكثر المتحمسين لتناول القهوة في مجالسهم لقناعتهم بأنها تصفي الذهن ولها أثر روحي إيجابي كما أنها تعين على السهر للذكر والتفكر والعبادة، وارتبطت بطرقهم، ومنها المنسوبه للقطب الصوفي الشهير سيدي أبي الحسن الشاذلي، لدرجة أن القهوة في الجزائر تسمى "شاذلية".
- تشير مصادر متنوعة، وفي مقدمتها (تاريخ النجم الغازي، كرامات الأولياء، واصطفاء الصفوة للقهوة) إلى أن مكتشف القهوة وناشرها في جنوبي الجزيرة العربية، هو عالم الدين الصوفي الحضرمي العربي/ أبو بكر بن عبد الله العيدروس (1447-1508)، وأنه وجد نبات القهوة أثناء سياحته في الجبال، فتناول من ثمره، فوجد فيه "تجفيفاً للدماغ واجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة"، فأرشد مريديه ورفاقه إلى تعاطيه، وبذلك عرف الناس عنه وانتشر.
القهوة عربية وليست تركية:
يقول الكاتب والمفكر القومي إبراهيم علوش أن الاسم العلمي للقهوة هو Coffea arabica ، ولذلك فإن الحديث عن "قهوة تركية" يعد شكل آخر من المصادرة الثقافية لمنجزاتنا العربية الحضارية من قبل الاستعمار التركي البغيض. كما أن "أثيوبيا" التي تشارك اليمن العربي في المراحل الأولى لزراعة البن، كانت موئلًا للعروبة القديمة، قبل أن يغلب عليها التأثير الأفريقي.
التبغ من الأمريكيين الأصليين إلى العالم
- التدخين كان موجودًا من آلاف السنين، مرتبطًا بثقافات محلية حول العالم، ملازمًأ للاحتفالات الدينية، لكن انتشاره ظل محدودًا ومحصورًا في نطاقات ضيقة قبل القرن السابع عشر الميلادي.
- تدخين التبغ، انتقل من سكان أمريكا الأصليين، عبر البحارة الأوربيين، ثم انتشر في سائر العالم في القرن السابع عشر ميلادي، تقريبًا. - في البداية كان تدخين التبغ (التمباك) يتم عبر "الشبك" أو الغليون: ومنه طويل القصبة كما في المناطق العربية والحارة، وقصير القصبة "البيب" - الموجود حتى اليوم – كما في أوروبا لحاجة المدخن في المناطق الباردة إلى الدفء.
- في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ابتكر الفرنسيون طريقة لف التبغ في ورق رقيق، ثم انتشرت عادة شرب السجائر في العالم، ومع الوقت تطورت العملية إلى أن وصلت إلى الشكل الحالي.
- من أكثر أنواع السجائر انتشارًا في مصر "كليوباترا" وهي من إنتاج الشركة الحكومية "الشرقية للدخان" التي تأسست 1920 م، وتوسع نشاطها بعد التأميم واندماج شركات أخرى تحت لوائها مثل “ماتوسيان”، التي كانت تنتج الـ"كليوباترا".
- هناك عدد من أنواع السجائر المستوردة، والتي ورد اسمها ضمن حملة المقاطعة العربية لمنتجات الشركات الصهيونية، مما دفع كثيرين من الغيورين المعنيين بهم مقاومة الاحتلال للانصراف عنها.. منها ( المارلبورو، إل إم ، ميريت، فيليب موريس، ....).
الجوزة أو النارجيلة العربية.. والمعسل ختراع مصري
للتخفيف من حدة الدخان، ابتكر العرب والشرقيون في الهند وبلاد فارس مسألة استخدام الماء في تلطيف سخونة وحرارة الدخان.. في البداية استخدموا جوزة الهند (الجوزة)، وهو النبات الذي يطلق عليه نارجيل (النارجيلة)، كغرفة للمياه، وكان يجري فتحها في موضعين واحدة لدخول الدخان والأخرى لخروجه عبر غابة من البوص أو أنبوب مطاطي، وفي بعض الأحيان يستخدم ماء الورد، وقد تضاف للماء بعض حبات الليمون، وكانت تستخدم لتدخين نبات القنب، قبل انتشار التبغ.
مع الوقت تم استبدال "الجوزة" بقنينة زجاجية (والقنينة الزجاجية تعني شيشة بالفارسي).. وهي المستخدمة في سائر الأقطارالعربية اليوم.
في مصر تم اختراع المعسل، حيث يتم خلط التبغ (التمباك) بالعسل الأسود، ويترك لفترة، ثم يتم تدخينه على "الشيشة" بذات الطريقة التي كان يُدخن بها التبغ قبل خلطه، ومن أنواعه (السلوم والقص والزغلول)، ويتم تصديره لسائر دول العالم. في بعض الأقطار العربية يخلط التبغ بعصائر الفواكه المعطنة والنكهات، ولا يستخدم العسل، وكان انتشار معسل الفواكه محدود في مصر حتى وقت قريب، ثم سار منتشرًا عى نطاق واسع اليوم.. مع ارتفاع الأسعار، وضعف الرقابة، بدأت بعض أنواع المسعل المغشوش (الذي يستبدل أوراق التبغ بأوراق نباتات أقل كلفة) في الظهور بالأسواق.
في التسعينات توقع الورائي والأديب الكبير، صوفي النزعة، جمال الغيطاني، والذي كان مهتمًا بتدخين النارجيلة معتبرًا إياها (كسائر مدخنيها) صديقًا صامتًا يأنس الفؤاد إليه ويساعد العقل على التركيز واقتناص شوارد الفكر من هنا وهناك، في كتابه الثري "ملامح القاهرة في ألف سنة".. توقع ذبول عصر النارجيلة كأداة للتدخين، وأن العصر الحديث وإيقاعه السريع سيزحف على روح الشرق التأملية، ولكن الأيام أثبتت صمود الشيشة أو النارجيلة إلى الحد الذي صارت به موجودة داخل أفخم الأماكن وأكثرها عصرنة، وصارت تعكس جزءًا من الهوية العربية والمصرية، خاصة في أماكنها الأصلية في أحياء القاهرة القديمة المحيطة والمجاورة لمساجد ومراقد آل البيت عليهم السلام (سيدنا الحسن، السيدة زينب، السيدة نفيسة، السيدة عائشة، السيدة سكينة، السيدة فاطمة النبوية...)، وإن كان دخول معسلات الفواكه وطرق تقديمها في "الكافيهات" الحديثة قد نزع عنها قدرًا معتبرًا من خصائصها.
للتدخين أضرار، أيضًا:
يوم بعد آخر، تضيف الأبحاث العلمية، أضرارًا جديدة، يتسبب فيها التدخين أو الإفراط فيه، في مقدمتها سرطان الرئة، ومن الثابت علميًا أن السيجارة تحتوى على 4 آلاف مادة سامة من أخطرهم أول أكسيد الكربون والنيكوتين كما تحتوى على 37 مادة مسببة للسرطان.
الشاي من شرقي آسيا إلى العالم
- منشأ الشاي شرقي آسيا، وقد أدخلته شركة الهند الشرقية الهولندية إلى أوروبا، في القرن السابع عشر ميلادي، ولم تعرفه مصر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، غالبًا مع نكبة الاحتلال البريطاني.
- يُعتبر الشاي أكثر المشروبات استهلاكاً بعد الماء، وقد نافس القهوة، عند بداية دخوله إلى أوروبا وأمريكا.
- أهم الدول المنتجة للشاي: الهند، الصين، سيلان، إندونيسيا، اليابان.
- أنواع الشاي:
الأحمر (وهو الأكثر انتشارًا) ، الأخضر (وأوراقه من نفس أوراق نبات الشاي الأسود، لكنها لا تُخمر فتظل موادها كما هي، ولذا فهو أقل ضرراً)، الألونج (معناه التنين الأسود، وهو نوع من أنواع الشاي يتعرض لعملية أكسدة خفيفة، لذا له خصائص معتدلة بين الشاي الأخضر الذي لا يتعرض للأكسدة، والشاي الأسود الذي يتعرض إلى الأكسدة الكاملة).
أما انواعه على المقاهي المصري، فكالآتي:
شاي ميزة (مضافًا إليه اللبن) ، شاي بوستة أو سكر برّه (السكر في إناء صغير مجاور لكوب الشاي) ، شاي بنور (بالطريقة العادية في إناء زجاجي) ، شاي خمسينة (كمية متوسطة من الشاي في كوب أصغر من المعتاد).
- عدد من الدراسات العلمية أكدت أن لمشروب الشاي آثار إيجابية أهمهما مقاومته لمرض السرطان، بما يحويه من مضادات للأكسدة، كما أنه يعزز جهاز المناعة واليقظة العقلية ويقاوم الخمول (كما هو شائع)، بالإضافة إلى أنه يعمل على خفض هرمون التوتر الكورتيزول عند التعرض لموقف مربك.. في المقابل فإن الإكثار من شربه، وإدمان مادة الكافيين، يؤدي إلى جملة من المشكلات، منها اضطراب النوم، كما أن الإفراط فيه يمنع امتصاص الحديد والبروتين، ويعود السبب لمادة التانين.
#السيد_شبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغز الإرهاب في شمال سيناء.. بقلم: السيد شبل
-
الأتراك الخزر أجداد اليهود الأشكناز.. هل سمعت بهم من قبل!
-
عن تعقيدات المسألة العراقية.. بقلم السيد شبل
-
االسبكية والوهابية!
-
الثورجي والدولجي.. وانتحار المنطق!
-
توثيقي: كيف دعم جيش الاحتلال الصهيوني العناصر المتمردة في سو
...
-
في ثمان نقاط.. ما قبل وما بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية!
-
النضال بالمقلوب !
-
عن -الحقوقي- الذي أثار قلق -بان كي مون-!
-
عن شرم الشيخ التي سحرتنا، نتحدث.. بقلم: السيد شبل
-
رسائل غير مشفرة !
-
المثقفون العرب!
-
سبع معلومات لا تفوتك عند الحديث عن الأمم المتحدة !
-
كيف توظف أوروبا قضية اللاجئين السوريين لصالحها ؟.. بقلم: الس
...
-
لا بديل عن دور الدولة
-
الجمهورية العربية المتحدة تنتصر
-
من يتهم الغرب بالإبادة الجماعية ؟!
-
الجزر المنعزلة داخل المجتمع الواحد!.. بقلم السيد شبل
-
الإنسان قبل الأيدولوجية
-
الربيع العربي وفقًا للمفهوم -الثوري- الأمريكي
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|