حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 11:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتصف "الذهنية الدينية" بطغيان التقبل العفوي و الانتظام اللاشعوري للانسان ضمن اطار "الايديولوجية الغيبية" الضمنية و السائدة (صادق جلال العظم, نقد الفكر الديني).
يرفض الأزهر الى يومنا هذا الخروج من المنطقة الرمادية, فيما يخص الظاهرة الداعشية. و يكتفي بالبيانات الانشائية الزاخرة بالتناقضات و لغة الخشب. رافضا بشدة أخذ موقف واضح صريح من الظاهرة لا يقبل الا حالتين, اما "التكفير" أو "التبني" !!!
صراحة أجد نفسي عاجزا عن فهم التعاطي الأزهري مع النازلة. و الذي لا يمكن تسميته الا "عهرا" بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فهو من جهة يقول بأن داعش لا تمثل الاسلام, و بأن أفعالها ليست بأفعال المسلمين. و لكنه من جهة أخرى يرفض رفضا قاطعا تكفيرها, لأنها لا تستوفي شروط التكفير كما جائت في "الاسلام". و هنا ننقل عن شيخ الأزهر أقواله في معرض جوابه عن نفس السؤال: "لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به". و يضيف الشيخ قائلا: "الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص، طالما يؤمن بالله وباليوم الآخر، حتى ولو ارتكب كل الفظائع" !!
بهذا المنطق فداعش و أخواتها مسلمون مؤمنون من أهل السنة و الجماعة, و لا يحق لأحد تكفيرهم و اخراجهم من الدين و الملة, مهما ارتكبوا من جرائم و فظائع!!! و بصيغة أخرى, يكفي أن تنطق الشهادتين و تتبنى أركان الايمان الخمس, لكي تمارس كل أنواع الارهاب و القتل و سفك الدماء, و ويل لكل من تسول له نفسه تكفيرك!!
أليس هذا ما أراد الشيخ قوله؟؟ سعيكم مشكور يا فضيلة الشيخ !!
فقط هذا المنطق العهري و اللانساني في التعاطي مع مسألة التكفير, كفيل باعطائنا فكرة عن الأسباب العميقة لنشوء الظاهرة الداعشية. فالأزهر لا يتورع عن اصدار بيانات التكفير في حق أي أديب أو مفكر أو كاتب أو شاعر(ة), يغرد خارج سرب المرجعية الأزهرية المتمثلة في الاسلام السني(باعتبار أن الأزهر هو الممثل الرسمي له). و هذا التوجه "التكفيري" تتم ترجمته قانونيا تحت يافطة "ازدراء الأديان" (المادة 98 من قانون العقوبات المصري). في شكل من أشكال الوصاية الدينية المدعومة من قبل السلطة السياسية. لكن السؤال هو: كيف نكفر حامل "القلم", و لا نكفر حامل "السيف"؟؟
بالعودة الى "المرجعية الأزهرية", و المتمثلة في الاسلام السني الذي يريدون اقناعنا عنوة بوسطيته و اعتداله و سماحته. نجد في منهج السنة الثالثة من الثانوية الأزهرية التالي:
«قتال الكفار واجب على كل رجل عاقل صحيح حر قادر.. ص290، ويجوز قتال الكفار بغير إنذار وبغير أن يدعوهم لدين الإسلام، لأن شيوع الإسلام قام مقام الدعوة إليه.. ص291، فإن أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم، ونصبوا عليهم المجانيق، وأفسدوا زروعهم وأشجارهم حرّقوهم ورموهم وإن تترسوا بالمسلمين.. ص293، وإذا كان للمسلمين قوة لا ينبغى لهم موادعة أهل الحرب، لأنه لا مصلحة فى ذلك، لما فيه من ترك الجهاد صورة ومعنى أو تأخيره.. ص293، والمرتدون وعبدة الأوثان من العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ولا تتم موادعتهم أبدًا.. ص295».
و نجد أيضا: «وله- أى للمسلم- قتل الزانى المحصن، والمحارب، وتارك الصـلاة، ومن له عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام فى القتل، لأن قتلهم مستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء»، «الشرح الصغير»، المقرر على الصف الثالث الثانوى.
وفى منهج السنة الثالثة الثانوية الأزهرية أيضا نطالع فى كتاب «الاختيار لتعليل المختار»، فى صفحة 366 تحت عنوان «أحكام المرتد» ما يلى حرفيًا:
«وإذا ارتد المسلم يُحبس ويعرض عليه الإسلام، وتُكشف شُبهته، فإن أسلم وإلا قُتل، فإن قتله قاتل قبل العرض لا شىء عليه.. ويزول ملكه عن أمواله زوالا مراعى، فإن أسلم عادت إلى حاله».
و اذا أضفنا على كل هذا أن الأزهر يقر بصحة الحديث المبشر بالخلافة, و يعتبرها فرض كفاية, تكتمل الوصفة!!
أليست هذه هي الأرضية التأسيسية لداعش و أخواتها؟ و أمام هول الصدمة أيها القارئ العزيز, ألا تمثل "داعش" الا مشروع التخرج من مؤسسة الأزهر, و البيان التطبيقي لمناهجه السمحة المعتدلة؟؟ فهل ننتظر من الأزهر أن يكفر نفسه مثلا, أو أن يعض الكلب ذيله بتعبير آخر؟!!
هذا ما وراء الأكمة, و لهذا يتعنت الأزهر في تكفير قاطعي الأيادي و الرؤس من حملة السيوف, و يهرول نحو تكفير حاملي القلم و الكلمة, و يموه على هذه "الداعشية" بالتحالف مع السلطة السياسية و ذراعها القضائية, و التي تقوم بترجمة فتاويه التكفيرية الى قوانين جنائية, يحاكم بها كل من أقلق راحة "الكهنة" و حراس المعبد.
ان الاشكال واضح و صريح, و يتجلى في نصوص دينية مقدسة لا يمكن التخلي عنها(من جانب المؤمن) لأسباب بنيوية مأصل لها في المنظومات الفقهية من جهة (الناسخ و المنسوخ), بمعنى أن القرآن المدني الذي تعتمد عليه داعش و أخواتها يلغي القرآن المكي اللطيف المهادن. و من جهة أخرى فالانتقائية في الدين بدعوى التكيف مع مستجدات العصر ممنوعة بنص قرآني واضح صريح: "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ". و هذا يلغي كل مساعي التوفيقيين أو التلفيقيين و خبراء التجميل.
ليس الاسلام الوسطي المعتدل, الا محاولة يائسة للتغطية على همجية الاسلام الحقيقي كما أقره و طبقه و مارسه محمد و صحابته و التابعون, على مدى 1400 سنة من الارهاب و الاستبداد, و تمويها على مصانع و مشاتل الدواعش التي تعمل في صمت دون ازعاج الأنظمة الحاكمة و بالتواطئ معها في بعض الأحيان, بهدف الحاقهم (الدواعش) بعد نضوجهم و استكمال معرفتهم ب"الدين الحقيقي" ب"دولة الخلافة", وعد الله لعباده المؤمنين !!
و اذا لم يكن اسلام داعش اسلاما, و اسلام الأزهر بعد ما سبق ليس اسلاما, و اسلام الشيعة ليس اسلاما, و اسلام "العجائز" ليس اسلاما..., فمن يمثل الاسلام اذن؟؟؟
صدق الشاعر عندما قال: "وكلّ يدّعي وصلا بليلى ... وليلى لا تقرّ لهم بذاكا ".
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟