|
نحو تفكيك أمبراطورية المال والفساد في فلسطين !
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 07:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ نكبة العام 1948 ثم نكسة 1967 تم تأسيس الكفاح الوطني الفلسطيني على مبدأ تحرير فلسطين بالقوة لأن ( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة )، متخذين من أمثلة فيتنام والجزائر نماذج تحتذى. لكن الثورة الفلسطينية يم تطرح مفهوم التحرر الاجتماعي من الموروث الثقيل للتخلف والانحطاط الحضاري، بل إن قوى اليمين الوطني والديني كانت دوماً عوامل جذب إلى الوراء، فلم تتم مناقشة قضايا الحريات الشخصية وحقوق الإنسان مثل حرية المأكل والملبس والمشرب وحرية التفكير والاعتقاد، ونظراً لغياب مفهوم التحرر الاجتماعي فإن ثورات كفيتنام والجزائر منيت بفشل ذريع في تطوير مجتمع الرفاه والتقدم كالدول التي تبنت العلمانية والديمقراطية. ولأن إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية دولة تبنت العلم كسلاح فقد تفوقت حتى على الولايات المتحدة نفسها، فاليوم لن تجد أدوات جراحة الليزر إلا وبصمات إسرائيل داخلة في صناعتها هذا خلاف أن جامعاتها السبع تدخل ضمن تصنيف ال 500 جامعة الأولى على العالم. لو تأملنا الحالة الفلسطينية، فسنجد مثالا جديداً طرأ على مفاهيم الكفاح مثل الاندحار الإسرائيلي من لبنان عام 2000، وهو ما جعل الشعب الفلسطيني يستبشر بتقليد التجربة، متجاهلين أن الرغبة وقوة الإيمان وحدها لا تكفي لإحداث توازن يؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف جيش الاحتلال ومستوطنيه، فقد كان للعمق الجغرافي لحزب الله المفتوح على سوريا وإيران بالغ الأثر في استمرار الدعم المتواصل للسلاح المتطور والعبوات الموجهة التي أثخنت جيش الاحتلال، ولو قارنا وضع أهلنا في الضفة لوجدنا أن الضفة محاصرة بشدة من إسرائيل والأردن وأنه لا أمل بدخول السلاح إليها كما كان الوضع عليه في لبنان وسابقاً في فيتنام. الآن ماذا لدى الشعب الفلسطيني ؟؟! لدينا سلطتين تعتمدان على نهب وحشي لرواتب الموظفين في شعب غير منتج. لدينا شركة الاتصالات وجوال وحضارة والكهرباء والبلديات وكلها تسرق وتنهب وتبتز الناس لتراكم مليارات الدولارات بينما مئات الآلاف يموتون جوعاً ومرضاً. السلطتان تنهبان مقدرات الناس والفقراء في سياسة نيوليبرالية متوحشة تم نسخها من الولايات المتحدة وإسرائيل مع تجاهل الفوارق المريعة في مستوى الدخل والإنتاج، ذلك أنه واستناداً لاتفاق باريس الاقتصادي فإن الضفة وغزة تشتري الوقود والغذاء من إسرائيل بنفس أسعار ما يدفعه الشعب الإسرائيلي في حين أن الحد الأدنى لدخل الفرد في الضفة وغزة لا يتعدى 1200 شيكل مقابل 6000 شيكل في إسرائيل ! إن مجرد وجود السلطتين تحت الاحتلال لم يخلصنا من هيمنة الاحتلال على مفاصل الحياة الاقتصادية في غزة والضفة، وعليه فإن على قوى المقاومة في الشعب الفلسطيني أن تركز جهودها لحماية الناس من السرقة والنهب والسلب للشركات الاحتكارية الكبرى، علماً بأن السوق الرأسمالي التي يفترض أننا ننتمي إليها، تمنع الاحتكار إلا إذا كان للقطاع العام أي ملك للدولة، فكيف تسيطر الشركات الاحتكارية الخاصة على مفاصل الحياة وهي مملوكة لأفراد بلا انتماء سوى لنهب المزيد والمزيد من الملايين من دماء الفقراء والمضطهدين ؟! راقبوا ما يأتي:
1- إمبراطورية شركة الكهرباء:
هذه الشركة تعامل الناس في غزة وكأنهم قطيع من الدواب، فلا يهمها ساعات الوصل إن كانت في النهار أم مفاجئة بعد منتصف الليل .. مئات المساجد والوزارات والمؤسسات التابعة لحماس لا تدفع ما عليها من استهلاك .. النتيجة هي أن الشركة تقوم بتقسيم الاستهلاك الكلي على الموظفين القادرين على الدفع فقط، ما يعني أن الموظف سيدفع 250 شيكل نظير 4 ساعات كهرباء في اليوم علماً بأن معدل قيمة الفاتورة في المتوسط قبل سيطرة حماس على القطاع لم يتجاوز ال 130 شيكل مقابل 24 ساعة كهرباء ! ظلم وافتراء ونهب وبلطجة طبعاً بقوة سلاح المقاومة !
2- إمبراطورية الاتصالات وما تفرع عنها من شركات إنترنت
تتقاضى شركة الاتصالات من كل اشتراك مبلغ 20 شيكل خاوة لا تفسير لها تحت بند " رسوم ثابتة " رغم أن المحكمة العليا قررت أن هذا المبلغ غير قانوني ! أما ما لا يعرفه الناس هو أن شركة الاتصالات تتقاضى مبلغ 55 شيكل كرسوم لخط النفاذ، وهي سرقة وبلطجة لأن خط النفاذ يتم تنصيبه مرة واحدة فقط، فكيف تسمح الشركة لنفسها بجباية مبلغ مهول وغير قانوني شهرياً ؟؟! بمعنى أوضح فإن شركة الاتصالات تنهب مبلغ 75 شيكل من كل فاتورة شهرية كخاوة غير مستردة تحت بند " رسوم " وليس " استهلاك " ! طيب ماذا لو ضربنا ال 75 شيكل في 400 ألف اشتراك ؟؟! إنه مبلغ شهري يساوي تقريباً 8 ملايين دولار !!! هل فهمتم لماذا يريد عريقات مفاوضات للأبد ؟؟ وهي فهمنا لماذا لا يريد أبو مازن حل السلطة الوهمية ؟؟ إنهم بكل وقاحة لا يريدون التخلي عن دجاجة تبيض لهم ذهباً من دماء الفقراء والمضطهدين. ونأتي الآن إلى النهب والسلب من شركة حضارة بصفتها أكبر شركة أنترنت فلسطينية، فالسرعات التي تزود بها المشتركين كلها سرعات وهمية ونصب واحتيال كما يوضح هذا الفيديو .. https://www.youtube.com/watch?v=Cjqz4nWp4bg
وما يزيد الطين بلة، هو أنه ورغم أن السرعة التي يتم منحها هي لتحميل غير محدود، إلا أن ما يحدث بكل سخافة هو أن شركة حضارة تتجسس على تحميل المشتركين فتعاقب كل تحميل يتجاوز الحد المسموح من خلال تخفيض سرعة الاتصال لكي لا يعود صالحاً للاستخدام الآدمي، وعند مراجعتهم يتضح أنهم ابتكروا ما يسمى " سياسة الاستخدام العادل " وهي سياسة خبيثة وغير قانونية يتم من خلالها ابتزاز المشتركين على السرعات العالية لكي يجبروهم على دفع المزيد والمزيد من المال ثمناً لسرعات وهمية كاذبة !
3- إمبراطورية جوال من يحدد لجوال أسعار المكالمات ؟؟ من يعلم أصلا أي شيء عن أسعار جوال ؟؟ كل ما نعرفه هو أن شحن مبلغ 20 شيكل لا يكفي لثلاثة أيام أو أربعة ما يعني أن المستخدم العادي يحتاج حوالي 150 شيكل شهرياً. طيب العائلة التي لها طلاب وطالبات في الجامعات ومن الضروري لهم حيازة الهاتف الجوال، لنقل 3 حسب متوسط العائلات في غزة، كم تحتاج ؟؟ 450 شيكل أليس كذلك ؟؟!
4- إمبراطورية البلديات
تعتبر البلديات أن الحد الأدنى للاستهلاك هو 30 كوب شهرياً، طيب ماذا لو كان الاستهلاك 15 أو 20 ؟؟! الزيادة طبعاً لا تفسير لها سوى البلطجة والنهب في غياب القانون. وطبعاً من المهم الانتباه إلى أن مياه البلدية غير صالحة للشرب، فيضطر الناس في غزة لدفع 20 شيكل ثمن مياه مفلترة، لتصبح ثمن فاتورة المياه الكلية 37 + 20 = 57 شيكل كحد أدنى ! هذا غير ضريبة الأملاك !!
----------------------------------------
الآن لو جمعنا ثمن الفواتير للكهرباء والاتصالات والإنترنت والجوال والبلديات فكم يصبح المجموع ؟؟! تابعوا من فضلكم:
250 شيكل كهرباء ( مقابل 4 ساعات وصل ) 450 شيكل جوال 150 شيكل اتصالات 250 شيكل إنترنت 60 شيكل بلدية ------------- المجموع 1160 شيكل
هذه خاوة شهرية مقابل خدمات رديئة ومعاملة زفت مع كل انتهاكات الكوكب لحقوق الإنسان .. ماذا إذا كان الموظف براتب 1200 شيكل مثل موظفي سلطة حماس ؟؟؟
لكننا لن ننسى طبعا في هذا المسح، ثمن سلة الغذاء ( الطعام ) حيث أوضحت دراسة بريطانية أن معدل ثمن السلة الغذائية في غزة والضفة يعادل 86.9 % من الراتب الشهري، مقابل 12 % في إسرائيل، ولكم أن تتخيلوا المفارقة الهائلة في مستوى الدخل بين الفلسطيني في الأرض المحتلة ( عفواً المحررة !! )، حيث يبلغ متوسط الدخل في غزة والضفة 1800 شيكل مع حد للفقر يصل إلى 2200 شيكل .. بمعنى أن الأغلبية الساحقة من الناس تعيش تحت خط الفقر !!!
ماذا لو تساءلنا عن آلاف العائلات التي لا دخل لها أصلاً، ونقصد 300 ألف عامل تقطعت بهم السبل بعد إغلاق إسرائيل في وجوههم بسبب عنف الانتفاضة الثانية التي جلبت الجدار في الضفة وحماس في غزة ؟!
------------------------
توضيح مهم بخصوص الاحتكار !
الاحتكار الوحيد المسموح في النظام الرأسمالي الذي نعيش فيه وضمن قوانينه هو احتكار الدولة لبعض الخدمات الأساسية لتحقيق هدفين فقط، الأول هو منع احتكار المال الخاص للخدمة الأساسية لكي لا يتعرض الناس للاستغلال والظلم، وثانياً لأن مرابح القطاع الذي تحتكره الدولة تكون مضمونة وبالتالي تصب مرابحها في خدمة الموازنة العامة للدولة، وكأمثلة، فإن شركة " مختوشيم " لتصنيع الأسمدة والمبيدات الحشرية الازمة للزراعة في إسرائيل هي شركة حكومية ( قطاع عام ) حيث تقوم الدولة بتوفير الأسمدة والمبيدات بأسعار زهيدة لدعم المزارعين هذا من جهة، كما أن مرابح هذا القطاع في دولة بها زراعة متقدمة هي مرابح مضمونة. شبكة مترو الأنفاق في لندن حكومية. شبكة السكك الحديدة في الولايات المتحدة حكومية. أما أن يحتكر القطاع الخاص المملوك لأفراد خدمات أساسية كالكهرباء والاتصالات والإنترنت فهي جريمة أخلاقية وقانونية تتحمل مسؤولياتها سلطة رام الله أولاً، وسلطة حماس ثانياً، ثم جهل عامة الناس بحقوقهم قبل وبعد !
والخلاصة ؟!
إن وجود سلطة طفيلية غير منتجة تحت الاحتلال، مع تفشي الفساد المالي والإداري، قد تسبب في سياسات اقتصادية وضريبية وحشية ومجحفة بحق شعب يعاني البطالة والفقر بصورة فظيعة، وطالما أن وجود السلطات تحت الاحتلال يخدم الاحتلال بالدرجة الأولى، فلماذا لا يتم حل السلطة وتفكيك إمبراطورية الاحتكار الفاسد والظالم للخدمات الأساسية ؟؟! لماذا نعفي دولة الاحتلال من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الواقع تحت الاحتلال ؟؟! لماذا لا تتركوا الشعب يواجه إسرائيل، فإما ان تعطينا حقوقنا وإما نواصل الثورات والتمرد ؟!
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا سلام مع العنصريات !
-
لماذا تجبى الضرائب ؟!
-
بين مارك زوكربيرغ والوليد بن طلال !
-
عندما تصبح ( الجعلصة ) ثقافة شعب !
-
طعن الجنود ليس عملاً إرهابياً، ولكن .. !
-
بعد فشل ذريع وآلام وكوارث: هل تتخلى حماس عن إدارة قطاع غزة ؟
...
-
وماذا مع الإرهاب الصهيوني ؟؟!
-
المثقف الشعبي الفلسطيني !!!
-
أزمة الأنروا لم تنتهي بعد !
-
غزة والموت بلا مقابل
-
الأنروا من مؤسسة دولية إلى مؤسسة عربية !
-
لماذا تبرئة إسرائيل وبريطانيا من المسؤولية ؟!
-
عن طلائع التحرير الفلسطينية واليهودية !
-
أضواء على مؤامرة وكالة الغوث !
-
حول تصفية ملف اللاجئين والقضية الفلسطينية
-
جمهور غوغائي وعنصري !
-
عن دواعش إسرائيل مرة أخرى !
-
رأي آخر في مسألة تحرير الأوطان من المستعمرين !
-
فساد السلطة وبيع المنح الدراسية لغير مستحقيها: هل من نهاية ؟
...
-
الحقيقة الصادمة !
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|