|
القوة - النقود
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 02:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ليس بخفي على أحد تلك القوة التي تهيئها النقود لصاحبها ، حتى و إن كانت النقود ذاتها مزوّرة أو معدومة القوة في ذاتها . بالطبع هذه القوة التي تهيئها النقود لصاحبها لم تأت من عدم ، و إن كان من الممكن أن يمثّل العدم قوة للبعض [ القوة | الوهمية ، التجريدية ] ــ لقد مثلت النقود قوة لأنها كانت تعبير عن جهد مبذول مُختزن [ قوة العمل المُختزن ] ؛ فوظائف النقود كوسيط للمبادلة و كمعيار للقيمة ما كانت لتكون لولا أنه يقوم بدور مخزن للقيّم [ قوة العمل المُختزنة ] .
إن النقود تحوي شرطيّ القوة ، فبجانب أنها تختزن [ تملّك ] قوة العمل ، هناك تفاعل يحدث بها ؛ كما لو كانت النقود كائنا بشريا مستقلا بذاته يتملّك و يتفاعل بقوة العمل ! ــ إلا أن هذا الكائن لا يقوم بذلك لذاته ، إذ يقوم بذلك لغير ذاته ؛ في آخر المطاف النقود ليست كائن بشري .
لذلك فقد كان من الممكن أن تُستبدل قوة العمل المُختزنة ، من حيث هي ذات وجود موضوعي [ قوة | حقيقية ، مادية ] ، بأخرى ذات وجود ذاتي مُتخيّل [ قوة | وهمية ، تجريدية ] ؛ كما هو حادث الآن بالنسبة للدولار ــ أي الثقة بديلا عن الذهب كغطاء للعملة .
و لكن هل يعني ذلك أن الذهب لمجرد كونه كذلك [ أي ذهبا ] هو أساس قوة النقود ؟! ، لا ــ إن الذهب بذاته لا شيء ، فارغ تماما من المعنى ، كما أنه فارغ تماما من القيمة . إذا فعلام هذا الحضور المهيب للذهب ، و لماذا إذا كان غطاءا للنقود ؟! . إن الجهد المبذول [ قوة العمل ] للذهب هو الذي أوجد المعنى و القيمة للذهب ، و هو جهد ليس بقليل أو هيّن ؛ يعود ذلك إلى بعض الخصائص المرتبطة بالذهب كالندرة [ لا لخصائص الذهب نفسه ] ــ بالتالي فإن الجهد المبذول للذهب ليس كمثل الجهد المبذول لقطع الشجر (بشكل عام) ؛ و إن أمكن التوصل إلى تحديد يقترب من مساواة جهد معين مبذول للذهب في مقابل جهد معين مبذول لقطع الشجر (بشكل خاص) . أما فيما يتعلق بشأن إتخاذه غطاءا للنقود ، فلأنه الأقدر و الأمثل و الأفضل تعبيرا عن الجهد المبذول المُختزن [ قوة العمل المُختزنة ] ــ فبقدر ما تعبّر خصائص الذهب ذاته عن ذلك ، فإلى الجهد المبذول [ قوة العمل ] يُعزى المعنى و القيمة التي جعلت من خصائص الذهب وعاءا حاويا له .
* و لا يجب أن نغفل عن حقيقة أن كل ما سبق يخضع للكل الإجتماعي ؛ فلولا القبول الإجتماعي العام للنقود (بغض النظر عن الغطاء) ، لما كانت النقود . و كذلك هي الحال بالنسبة لقبول الذهب أو الثقة كغطاء للنقود ( بغض النظر عن الإختلاف بين الذهب و الثقة ) ــ لكن هذا القبول لا يعني على الإطلاق أن يكون مبنيا على وعي و إدراك إجتماعي ، بالتالي إمكانية أن يكون المقبول مزيفا و وهما .
قد أتاحت النقود أمكانية تملّك الجهد المبذول للغير ، و ذلك من خلال القدرة على فصل الجهد المبذول بتجسّده مستقلا عن صاحبه [ الحديث هنا مُقتصر على النقود من حيث هي ( قوة | حقيقية ، مادية) ] . و تتشابه بذلك النقود مع السلعة إلى حد كبير ، فالسلعة يقتضي إنتاجها أن ينفصل الجهد المبذول عن صاحبه ليتجسّد فيها ، إلا أن الدور الذي تلعبه النقود في المجتمع هو الذي يميزها عن باقي السلع .
* مؤسف هو هذا الغض العام للنظر عن التحوّل الذي إعترى طبيعة النقود ، أعني التخلي عن الذهب كغطاء للنقد ، و جعل الثقة هي الغطاء ــ إن التحوّل لم يجر من (قوة | حقيقة ، مادية) إلى (قوة | حقيقة ، مادية) أخرى ، إذ التحوّل الذي حدث هو من (قوة | حقيقة ، مادية) إلى (قوة | وهمية ، تجريدية) ؛ أي من الذهب إلى الثقة // و في موقع سابق تمت الإشارة إلى أن كل من (القوة | الحقيقة ، المادية) و (القوة | الوهمية ، التجريدية) تتساويان من حيث الأثر ، أي التأثير ــ فالدولار المزوّر له ذات قوة الدولار الغير مزوّر عند غير العارف بالتزوير ؛ و كذلك بالنسبة لمن لا يعرف الفرق بين النقد (من حيث له غطاء ذا وجود موضوعي حقيقي) و النقد (من حيث له غطاء ذا وجود ذاتي مُتخيّل) .
هذا التحوّل في طبيعة النقود [ الغطاء ] هو تحوّل جذري في النمط العام الإقتصادي الإجتماعي ، و لا يجب أن يفوتنا الإنتباه له و تحليل آثاره في الكل الإجتماعي ــ إن الشخص الذي يرى أن الــ 100 دولار من حيث أن الغطاء هو الذهب يساوي 100 دولار من حيث أن الغطاء هي الثقة ، لمجنون أو أفاك ، و لا وجود لإحتمال آخر لكي يكونه ؛ و إن كان من الممكن التوصل لتحديد يقترب من مساواة جهد معين مبذول للذهب في مقابل جهد معين مبذول لقطع الشجر ، فمن المستحيل التوصل لذات الحالة بين الذهب و الثقة ، إلا عن طريق التضليل و الوهم .
في الختام ــ مقطع من رواية { ثورة في جهنم } ، لنقولا حداد :
ــ و لكنك قلت إن المال نتيجة العمل ، هو عرق الجبين المتبلور مالا ، فكيف يولد المال بلا عمل ؟! . ــ فأجاب : المال المولود من العمل يتغذى من دم العامل ، و أما المال المولود من رأس المال فأغذيه من الهواء ! . ــ ويحك ! إذن جعلت الهواء قوة مال في أيدي البشر ، فأنت تقوي البشر ! . ــ نعم ، لو كان الهواء قوة ، و لكن ليس إلا هواءً أو هوسا ، و أهل المال يبنون فيه قصور ثرواتهم الشامخة الباذخة ! و أي بناءٍ يثبت في الهواء ؟! . ــ إذن ؟ . ــ إذن الإله الذي يتغذى هواءً لا يكون أقنومه إلا الريح ، فذوو المال يقبضون الريح . (...) ــ لقد فقت في اصطناع المعجزات موسى الذي استخرج من الصخرة ماء ؛ لأنك تستخرج ثروة من الهواء ، كأنك تجعل الهواء يتبلور ذهبا ! .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القوة - الجهد المبذول [ قوة العمل ]
-
القوة - الجمهور و الجماعة
-
تصفية الشهداء
-
القوة - كونك ماركسي
-
كونك ماركسي 2
-
كونك ماركسي
-
مغالطات مُتداولة .. العامل المُنتج هو بروليتاري
-
القوة - الجنس
-
شيء عن الإيديولوجيا
-
القوة - الضعف و العبودية
-
القوة - الثقافة
-
القوة - الإيمان و الإلحاد
-
من ثروة الأمم الزيرجاوية إلى أسانيد المانفيستو النمرية
-
مغالطات مُتداولة .. الإنتاج السلعي هو رأسمالي
-
وهم تحرر الإنتلجنسيا .. المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟!
-
دراسات (Derasat) .. و دراستها لإيران
-
دراسات (Derasat) .. أربع مقالات للدكتور خالد الرويحي
-
القوة - مقدمة
-
وهم تحرر الإنتلجنسيا .. منطق النقض
-
وهم تحرر الإنتلجنسيا .. طائفة الخارج [3]
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|