|
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب السعودية والمغرب 3
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 11:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
واضح إذن ، أن ما يزعمه الأستاذ ضريف بكون جماعة العدل والإحسان ترغب في العمل السياسي من داخل النظام ووفق قوانينه ، لا يمت إلى أدبيات الجماعة وخطط مرشدها بأية صلة . ولمزيد من التوضيح ننتقل إلى الخاصية الثانية التي وسم بها الأستاذ ضريف جماعة العدل والإحسان ومعها كل الحركات الإسلامية . خاصية نبذ العنف : جاء في كلام الأستاذ ضريف ، المبثوث على قناة "اقرأ" ( وعندما أقول رفض العنف ، فلا توجد جماعة إسلامية في المغرب تتبنى العنف كإيديولوجية أو كعقيدة .. العنف في أدبيات الجماعات الإسلامية مرفوض . وهناك مواقف واضحة . وأشير باختصار إلى موقف "جماعة العدل والإحسان" ، وإلى موقف الأستاذ عبد السلام ياسين الذي طالما اعتُبر من طرف خصومه متطرفا وله مواقف جذرية . عندما تراجعون كتاب " المنهاج النبوي" ، لما يتحدث الأستاذ عن أبواب الجهاد ، فهو يستبعد ما يسمى بجهاد السيف ، ويشدد على الأشكال الأخرى من الجهاد : كالجهاد الاقتصادي والجهاد السياسي الخ . لذلك فكل الجماعات الإسلامية في المغرب ، بدون استثناء ، ترفض العنف ) . لنختبر جميعا صدق هذا الزعم على ضوء ما سطره الشيخ ياسين في كتابه " المنهاج النبوي" الذي يحاجج به الأستاذ ضريف . يقول الشيخ تحت عنوان " الجهاد تربية وزحفا" ( غاية التربية أن نهيئ الجندي المجاهد في سبيل الله . وغاية التنظيم أن يعبأ جند الله ليكون قوة مجاهدة )(ص 361) . إذن الجهاد في سبيل الله ضد من ؟ وفي أي مكان ؟ يجيب الشيخ ( في تربيتنا وتنظيمنا وزحفنا نمسك عواطف المسلمين وأفكارهم من فروع أسباب الغضب على الجور ، الأسباب الأرضية السياسية الاجتماعية الاقتصادية . ثم نربط النقمة الطبيعية على الظلم بالدين .. ثم نصعِّد العواطف والأفكار من حالة الخمول الجاثم على الأمة هذه القرون إلى حالة اليقظة ، إلى حالة الغضب )(ص 374) . وغاية هذا التنظيم وهذا الإعداد هي "صناعة الموت" . هكذا سماها الشيخ ، وعرفها كالتالي ( (( صناعة الموت )) إذا ضرورة تربوية تنظيمية ، حب الشهادة في سبيل الله ، وجعل الموت في سبيل الله أعز ما يطلب في ثقافتنا ، في تعليمنا ، في تربيتنا ) . وبذلك يجعل الشيخ من "صناعة الموت" الوسيلة الوحيدة للقضاء على " الحكم الفاجر الكافر" . أما محاربة المنكر بالقلب أو التركيز على مظاهره ، فلا يرى الشيخ في هذا سوى تبديد للجهد ( لا نبدد جهودنا في ملاحقة ظواهر المرض ، يأكل طاقاتنا السخط ، ويفتت عزائمنا في آهات التسلية النظر في تعدد المناكر ، وفشوها ، وفداحتها ، وعدواها ، وعجزنا عن تكميم الأفواه الفاجرة ، وزجر الزناة والسكارى ، وإغلاق الحانات والسنمات ، وكسر التلفاز حامل العهارة ورائدها في القصور والدور والأكواخ .. ما دام روح المنكر وجسده ، وينبوعه ، ولحمته وسداه بيننا ، ألا وهو الحكم الفاجر الكافر .. اجتث الشجرة من أصلها . أغلق الباب الذي منه تهب رياح الكفر والفساد )( ص 394) . وبالتالي فليس أمام الشيخ وأتباعه ، والحالة هذه ، سوى أحد الخيارين : إما "صناعة الموت" و"الاستشهاد" في سبيل الله ، وإما طرد "الطاغوت" ودك الحكم الجبري . على اعتبار أن الشيخ يرى في نظام الحكم "المنكر الأكبر" الذي لا تجب مهادنته وفق القاعدة التالية التي تحكم منهجه ( يجب أن نعلّم الأمة قبل القومة أن واجب المسلمين .. أن يعارضوا الحاكم .. فالرد عليهم (= الحكام) حق الأمة . فإن تجاوزوا القول المنكر إلى الفعل المنكر فالاعتراض عليهم واجب . فإن تجاوزوا اقتراف المنكرات هنا وهناك ، والمرة بعد الأخرى ، إلى استباحة محارم الله ، وإلى الحكم المنهجي بغير ما أنزل الله ، وإلى الكفر البواح ، فطردهم واجب مقدس )(ص 410) . وكل ما يحقق هذا "الواجب المقدس" فهو "مشروع" ، إذ ما لا يتم "الواجب الشرعي" إلا به فهو واجب "شرعي" . وهنا تكمن خطورة المنهج الذي يتبناه الشيخ ياسين ، لأنه لا يرى في أعمال العنف التي يخطط لها لطرد الملك ودك أركان حكمه والزحف على السلطة ، سوى أعمال "مشروعة" "وواجبة شرعا" . ومن ثم فهي تمثل "قومة" وليست "ثورة" . لذا يقرر الشيخ ( فما التعانف بين المسلمين بالتي يرضاها الله لعباده المسلمين) ، كما أن الأساليب والأعمال التي تنتهي بطرد الملك والطبقة السياسية التي ترفض مبايعة الشيخ ومساندته في "قومته" ، تلك الأعمال ليست من العنف ( وليس من العنف ولا منافيا للعفو أن يطرد من الساحة العامة سدنة الفساد من سياسيين ، وموظفين ، ومهرجين )(ص 309 المنهاج) . وحتى ندرك المقصود من مفهوم "العنف" الذي ينبذه الشيخ ، ينبغي الوقوف عند التمييز الذي يقيمه الشيخ بين "العنف" و "القوة" ، ليس على مستوى الوسائل والأدوات والأفعال المرتكبة ، إذ كلاهما يعتمدان نفس الأساليب ، ولكن يقيمه الشيخ على مستوى الجهة التي تمارس هذه الأفعال . فإما أنها جهة "إسلامية" يزكيها الشيخ أو يقودها ، وفي هذه الحالة لا تعتبر الأفعال المرتكبة من قبلها "عنفا" ، وإما أنها جهة "علمانية" يمقتها الشيخ ، فتكون كل أفعالها "عنفا" و "ثورة" . يقول الشيخ ( نستعمل كلمة قومة تفاديا لاستعمال كلمة ثورة . لأن " ثورة" فيها العنف ونحن نريد القوة . والقوة وضع يد التنفيذ في مواضعها الشرعية بينما العنف وضعها بميزان الهوى والغضب . " ثورة" كلمة استعملت لوصف الحركات الاجتماعية الجاهلية ، فنريد أن نتميز في التعبير ليكون جهادنا نسجا على منوالنا النبوي ، لا نتلوث بتقليد الكافر.. ولا بد لهذا من هدم ما فسد هدما لا يظلم ولا يحيف ، هدما بشريعة الله )(ص 9 المنهاج النبوي) . إذن حينما ينبذ الشيخ ياسين "العنف" ، فهو ينبذ الأعمال التي تقوم بها جهات غير "إسلامية" . أما ما يقوم به أتباعه أو ما يتوعد به خصومه السياسيين من تنكيل وقطع الأرزاق ، فليس عنفا لأنه ، حسب تبرير الشيخ ، "وضع يد التنفيذ في مواضعها الشرعية" . أي أن أعمال العنف تلك تستمد مشروعيتها من شخص "القائم" الذي يقود "القومة" ضد الحكم الجبري . وهذا ما ينفي صفة العنف عنها . يقول الشيخ ياسين ( كان المسلمون في العهد الأول يميزون بين كلمة " القائم" وبين كلمة "الثائر" . فيطلقون الأول على من قام بالحق ضد حكام الجور ، ويطلقون كلمة "ثائر" على كل مسلح يحارب السلطان )(ص 7 رجال القومة والإصلاح ). وبهذا فمحاربة السلطان ونظام حكمه تكون "جهادا" وعملا "مقدسا" إذا قادها "القائم" الذي هو الشيخ أو من هو في مقام "المبعوث" لإقامة دولة القرآن . وتلك مهمة أعلن الشيخ ياسين بعثته السماوية من أجلها بقوله : ( كوني مبعوثا مبَلِّغاً أمرني القادر عز وجل بإعداد القوة ووعدني بالنصر وشرط لي وشرط علي شروطا)(ص401 العدل) . ومما يتوعد به الشيخ خصومه قطع الأيدي وسمل العيون والتعطيش حتى الموت بعد أن تثبت أركان دولته . أما قبل أن يتمكن ويستتب له الأمر فسيكتفي بنفيهم خارج الوطن كما في قوله ( وإن لنا في قوله وهو أرحم الراحمين ( أو ينفوا في الأرض ) خيار ومندوحة عن البأس الشديد قبل أن نتمكن )(ص149 الإحسان2). ويستند الشيخ في تشريع أعمال العنف هذه على ما فعله الرسول (ص) بقوم غدروا به . يقول الشيخ ( كانت شدة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعداء الله بعد أن ثبتت أركان دولته في المدينة شدة بالغة . فقد غدر ناس من عُكْـل بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وعطَّـشهم حتى ماتوا عطشا . ذلك جزاء وفاق كما قال الله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقـتَّـلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض ) . وليس صدفة أن يرتكب عدد من أتباع الشيخ جرائم قتل في حق الطلبة بالجامعات . صحيح أن الشيخ لم يعط بعد إشارة الانطلاق والشروع في "صناعة الموت" . ومرد ذلك ليس إلى غياب العنف كعقيدة لدى الشيخ وأتباعه ، كما يزعم الأستاذ ضريف ، بل يعود السبب الحقيقي إلى هذا الذي حدده الشيخ نفسه في قوله ( بعض الإسلاميين الشباب يستعجلون الوصول إلى الحكم ، كأن الاستيلاء على السلطة يمكن أن يحل محل بناء ذات الفرد والمجتمع . ولا يدرون أن الحركية االمستعجلة التي تدفع تنظيمات تحتضن الشباب اليائس نحو التعصب والعنف لن تنجح إلا في تأجيل قدوم الغد المشرق ، لا يعلمون أن سنَّة " تداول الأيام" الإلهية لا تتحقق في عام أو عامين ، لأن المدة الزمنية تمثل أحد أهم أبعادها)(ص 314 الإسلام والحداثة). ذلك أن الشيخ لا يرغب في "صناعة الموت" مجانا ، أو يقود أتباعه إلى "قومة" خاسرة تنتهي به وبمريديه في دهاليز السجون أو غياهب القبور . إنه يريدها "قومة" على نهج الخميني تقطع رأس "الحكم الجبري" ، وليس "قومة" على نهج الإمام الحسين تكلفه رأسَه . لأجل ذلك فهو يتأسى بالرسول (ص) ، بل يدعي ما هو أعلى من مرتبة النبوة . ويكفي ، في هذا الإطار ، التنبيه إلى النبوءة التي يبشر بها الشيخُ أتباعه بكون سنة 2006 الميلادية ستكون نهاية الحكم الملكي في المغرب ، وبداية الحكم الإسلامي على منهاج النبوة . إذ سبق للشيخ أن أعلن ، باليقين الجازم ، أن الإسلاميين أصبحوا على عتبة الحكم ، وأن الإرادة الإلهية سترفعهم إلى سدة الحكم . ذاك وعد من الله للشيخ . من هنا نفهم لماذا يرفض الشيخ الانخراط في العمل السياسي من داخل النظام ، ونفهم كذلك إنكاره على إسلاميي العدالة والتنمية مشاركتهم في الانتخابات التي ليست سوى مساهمة منهم في ترميم صدع النظام الآيل للسقوط . فإذا قرر الشيخ عدم الاستعجال في الزحف على السلطة وإسقاط النظام ، فإنه على موعد مع سنة 2006 التي سيتحقق فيها وعد الله بعودة الخلافة الثانية . تلك نبوءة الشيخ التي ستجعله في حرج من أمره ما لم يتدارك أتباعه بما يوقظ فيهم أملا جديدا .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
منذ متى كان الظواهري رحيما أو حكيما ؟
-
رسائل التهديد بالقتل
-
التسامح مفهوم دخيل على الثقافة العربية
-
هل ستتحول - حماس- إلى نحس على الفلسطينيين ؟
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني 3/3
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني 3/2
-
خرافة إنكار علاقة الإرهاب بالتعليم الديني- 3/1
-
إرهابيون وإن غيروا فتاواهم
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي 10
-
انتحاريون ليسوا كالانتحاريين
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي 9
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي-8
-
فكر الحركات الإسلامية أفيون النساء
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي7
-
ومَكْرُ أولئك الشيوخ هو يَبُور
-
شيوخ الإرهاب يكفّرون القوانين الوضعية ويحتمون بها
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي 6
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي5
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|