غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 5060 - 2016 / 1 / 30 - 15:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اســتــقــبــال.. وتــرحــيــل...
والموت الأســود دومـا بـالـمـرصـاد...
من نظريات علم الاجتماع, واحدة تنص: " التجمع.. علة للتجمع.. كما أنه علة للإقفار "... ومن هذه النظرية بدأت عديدة من البلدان الأوروبية.. وخاصة الإسكندنافية منها.. ترحيل اللاجئين المختلفين الذين دخلوا أراضيها خلال السنتين المنصرمتين.. وبينهم عديد من السوريين.. عائلات كاملة.. أما ترفض.. أو لم تجدد أوراق الإقامة المحدودة المؤقتة (ستة أشهر أو سنة) التي منحت لها أولى أيام دخولها كلاجئين بدون فيزا... حتى أن الدانمارك أصدرت قانونا جديدا ـ إثر وصول وزارة يمينية متطرفة ـ بمصادرة كل ما يملكه اللاجئون الجدد من ممتلكات ذات قيمة.. كأموال ومصاغ.. تفوق قيمته حوالي الألف أورو... والحجة هي لتغطية نفقات السكن والتأمين الصحي.. بصندوق جديد يخصص لهاتين الغايتين المكلفتين.. السكن والتأمين الصحي.. النمسا ترحل اللاجئين باتجاه الحدود الألمانية.. بباصات تتسع ما بين ثمانين ومائة مسافر.. لغاية عشرة رحلات باليوم.. والشرطة الألمانية تضيف صعوبات جديدة على صعوبات الاستقبال الــقــديــمــة الموجودة... والصحف اليمينية تحاول نشر قصص سلبية عن اللاجئين ومخالفاتهم وعدم تفهمهم لأنظمة المعيشة والقوانين والعادات الألمانية.. مما خفف كثيرا مشاعر الاستقبال المفتوحة, والتي أثيرت جماهيريا بعد نشر صورة الطفل السوري ـ الكردي إيلان ميتا غرقا على الشواطئ التركية السنة الماضية.. وجميع الاحصائيات التي تجريها الصحف والنت والإذاعات ووسائل الإعلام الكبيرة, تظهر ردة فعل انعكاسية سلبية, لدى المواطن الأوروبي العادي.. وخاصة الملايين التي تعاني من البطالة وغلاء المعيشة وأزمات السكن... بالإضافة لما تسمع وترى أسماء الإرهابيين الإسلاميين الذين ولدوا بمدن أوروبية كفرنسا وبلجيكا, وعاشروا مدارسها وحتى جامعاتها.. ومن ثم قاموا بعمليات إرهابية واسعة بالعاصمة الفرنسية باريس أو غيرها من المدن الأوروبية.. مظهرين كل كراهيتهم لمعتقدات وعادات وقوانين البدان التي عاشوا بها.. أو فضلوا الذهاب إلى أفغانستان أو اليمن والعراق وليبيا وسوريا, والقيام بعمليات إرهابية أو انتحارية واسعة.. فاقت كل التصور.. نشرها إعلام داعش المتخصص بنشر كل ما يرهب ويرعب.. بأشكال ترفضها الإنسانية.. ويرفضها أي عقل سليم... لهذا السبب.. استغلت وسائل الإعلام اليمينية هذه الدعايات الداعشية الواسعة الانتشار, بالجاليات العربية والإسلامية والإفريقية الموجودة بكل المدن الأوروبية.. لتحذر المواطنين من خطر تدفق اللاجئين.. ومن وجود العديد من الحاضنات الداعشية أو القاعدية وأبنائها وحلفائها.. بينهم!!!...
ظاهرة جديدة, بالبلدان الأوروبية والتي كانت حكوماتها دوما ومنذ بدية القرن الماضية.. اشتراكية علمانية.. ذات أنظمة اجتماعية ومساعدات إنسانية للمهجرين من بلدان الأرض كلها... وصلت حاليا إلى سلطاتها أحزاب يمينية ويمينية متطرفة.. تحاول بجد وصرامة تغيير القوانين القديمة وتشديدها.. بأشكال جديدة تخفف من انفتاح جميع المساعدات الاجتماعية والصحية مع القادمين الجدد.. وحتى مع من تصنفهم بأنهم قد يشكلون خطرا على قوانينها وحرياتها وعاداتها وشرائعها.. حتى فرنسا.. أم الثورة الفرنسية وقوانينها وحرياتها.. تحضر قوانين صارمة جديدة.. ضد من يحملون جنسيتها.. وجنسية بلد آخر.. قوانين تمكنها من نزع الجنسية الفرنسية عن كل من يقوم بجناية أو جرم.. أو حتى جنح, شكلت أو تشكل خطرا أو تهديدا للأمن العام... وبدون تحديد هذه القوانين موجهة لأبناء شمال إفريقيا( الجزائر ـ تونس ـ المغرب) وغيرهم... قانون تقدمه الحكومة (الاشتراكية) الحالية.. مدعومة حتى من العديد من المعارضة اليمينية... ما عدا بعض النواب القلائل من جميع الأحزاب.. ولكن القانون ســوف يمر وينجح بكل من مجلسي النواب والشيوخ.. وحتى بالمجلس الدستوري... وخاصة أن رئيس الجمهورية السيد فرانسوا هولاند François Hollande, ورئيس وزارته السيد مانويل فالس Manuel Valls, قد تمكنا من تمديد قانون الطوارئ مرة ثانية.. بسهولة... دون أي اعتراض, سوى استقالة وزيرة العدل السيدة كريستيان توبيراChristiane Taubira واستبدالها بالقانوني الخبير بشؤون المخابرات والأمن السيد جان ـ جاك اورفواس Jean-Jacques Urvoas.. مما يعني أن بعض مظاهر الاعتدال التي كانت تبديها بعض المحاكم الفرنسية.. سوف تختفي وتتراجع.. وتحتل مكانها سياسة صرامة القانون وتنفيذه... يعني رسالة لمن يريد أن يفهم.. مما يدعو إلى تساؤلات وهمهمات عما تبقى من اشتراكية الحكومة الحالية.. ووعودها.. وخاصة يضاف إلى كل هذا ارتفاع اعداد الشركات التي تسرح عمالها وموظفيها.. وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل بآخر الاحصائيات بنهاية هذا الشهر... ومع كل هذا يتسرب يوميا أعداد جديدة من اللاجئين إلى فــرنــســا... وما زال المئات منهم أيضا يموتون غرقا بالبحر.. ما بين تركيا واليونان.. أو من الصقيع على الطرقات البلقانية وحدودها وأبوابها المغلقة.. وتموت معهم ما تبقى من المبادئ الإنسانية, بهذا العالم الأسود المغشوش!......
*********
بهذه الأجواء الأوروبية المكهربة اليوم.. هناك أحياء (إسـلامية) كاملة.. ببيوتها.. بأسواقها.. بمحلاتها التجارية.. بجوامعها.. بأزياء نسائها ورجالها.. أصبحت أحياء إسلامية شعبية بعاداتها وتقاليدها.. ولكن المشكلة أنها تريد فرض قوانينها, على السكان الأصليين الذين يعبرون, لحاجة أو ضرورة العبور.. أو صدفة.. مما يثير بعض التصادم المباشر أحيانا.. دون تدخل رجال الأمن. إذ أن أصحابها يعتبرونها مناطق حــرة أو Zone Franche وخاصة بغالب المدن البريطانية.. وبهذه الأيام الأخيرة أرادت بعض الأحزاب اليمينية أن تعبر ببعض الأحياء في مدينة لندن.. فوقعت عليها اعتداءات أمام أعين رجال الشرطة الذين صوروا ما حدث وسجلوا كلمات من بعض المتطرفين الإسلامويين أنهم سوف يطردون البريطانيين وكل علامات المسيحية منها.. لأن إحدى المتظاهرات البريطانيات رفعت صليبا من خشب.. وأن الإسلام وخلافته سوف تسيطر على بريطانيا والعالم كله... مما دعا بعض وسائل الإعلام عن التساؤل بأن غالبية اللاجئين الهاربين من أفغانسان والسودان وليبيا, يرغبون الوصول إلى بريطانيا.. ولا لأي بلد أوروبي آخـر...
وأنباء هذه المصادمات العرقية العنصرية.. بدأت تتظاهر بالسنوات الأخيرة بعديد من البلدان الأوروبية.. وحتى بكندا وأستراليا.. تبدأ تحت ستار جمعيات لبناء جامع أو لبناء مدرسة أو روضة أطفال.. ســرعان ما تتدفق عليها ملايين الدولارات السعودية والقطرية.. وتظهر فيها علانية سلفيتها.. وتقاليدها السلفية.. وتتمترس الأحياء.. وتصبح بسرعة رهيبة.. أحياء شعبية إسلامية.. بتحفظاتها المتحدية للقوانين المحلية.. وتخلق لنفسها متاريس وأبوابا ممنوعة للغرباء والكفار.. يعني سكان البلد الأصليين الذين احتضنوا أمهاتهم وآباءهم من أربعين أو خمسين سنة.. عندما لجأوا لهذا البلد (الكافر) طلبا للأمان أو بحثا عن لقمة العيش.. أو هربا من مظالم حكام بلدان مولدهم.. فيحصلون بعد سنوات قليلة.. على كل ما يرغبون.. وخاصة جنسية وجواز سفر البلد المضيف.. وســرعان ما يتصرفون.. كــغــزاة... يسبونه كغزاة.. ويشتمون أرضه كغزاة... حتى وصل التطرف إلى قتل أبنائه جماعيا كغزاة.. مثلما حدث يوم الجمعة بالثالث عشر من شهر نوفمبر ـ تشرين الثاني من العالم الماضي, بعاصمة فرنسا باريس.. حتى حصلت داعش, وحاضناته النائمة بفرنسا وأوروبا كلها ما ترغب.. من تفجير للقوانين المدنية المتسامحة.. وللعلمانية المتطورة المفتحة.. فجنزرتهما بما أصدرت السلطات الفرنسية مؤخرا, من قوانين طوارئ واسعة جديدة, غيرت كليا كل عادات شعاراتها من حرية ومساواة وتآخي ,Liberté Egalité Fraternité المحفورة على واجهات كل العموديات والمؤسسات الحكومية الفرنسية, منذ الثورة الفرنسية, والتي تعتبر رمز السلطات والحكومات الفرنسية... والتي درست قوانينها وسياساتها وحرياتها.. وخاصة علمانيتها.. حتى عشقتها.. واعتبرتها, وما زلت أعتبرها أرضي وأرض الجنة الحقيقية.. والتي يجب علي الدفاع ضد ديمومة علمانيتها وحرياتها وعاداتها وتقاليدها.. ضد كل هذه الجحافل المتوترة الهائجة, والتي أعاثت فسادا بأرض مولدي بتعصبها الديني المقيت.. والذي أخشى امتداد اخطبوطها السرطاني إلى هنا.. بعد أن انتشر هناك... في ســوريا ذلك البلد التاريخي الذي خلق أولى الحضارات وأولى الأبجديات.. قبل ابتداع جميع الأديان...
************
عــلــى الـــهـــامـــش :
ــ عودة للعصور المغولية العتيقة السوداء
وصل إلى فرنسا من بضعة أيام عدة مطارنة, من السودان وباكستان والعراق.. بينهم المطران السوري Jean-Clément JEANBART, من مدينة حلب السورية المنكوبة, بدعوة من جمعية AED, والتي تدافع عادة عن الكنائس المنكوبة والمضطهدة بالعالم... حسب جريدة Le Figaro الباريسية, والتي خصصت مقالا موسعا عنهم.. يستحق الاهتمام. جاء هؤلاء المسؤولون الكهنوتيون المسيحيون برفقة راهبة عراقية, ليلفتوا الانتباه بعدة لقاءات ومحاضرات, للفت الانتباه التي يلاقيها المسيحيون ببلدانهم, من بعض المقاتلين الإسلاميين المتطرفين المحليين والمستوردين.. وأخطرهم مقاتلو ما يسمى " الخلافة الإسلامية " التي تخصصت ببيع أسراها الأيزيدين والمسيحيين.. إذا لم تقتلهم إن رفضوا إشهار إسلامهم.. أضطهاد مجدد اختفى من أبشع احداث التاريخ منذ مئات السنين... والغريب أن كل الأمم الحضارية أو التي بالأحرى تدعي الحضارة.. لم تتدخل لحماية هذه الشعوب من هذا الاضطهاد الإنساني, والذي خلال عدة مرات من تواريخ هذه المناطق السورية, استعملته بالمشرق ومناطق الشرق الأوسط لغايات استعمارية وتجارية فقط.. ولا لأي شـيء آخر... واليوم تتعامي عنه, وهي التي ترى تحركات دبور من وكره أينما كان على سطح المعمورة.. بواسطة أقمارها الصناعية.. إن أرادت لحماية تجاراتها ومآربها الاستعمارية.. فقط لا غير...
ولست أدري إن كانت محاضرات ولقاءات هؤلاء الأساقفة المسييحيين المشرقيين أو غيرهم سوف تحرك ضمائر الشعب الفرنسي أو السلطات الفرنسية, والعديد من الدول والسلطات الأوروبية أو الغربية.. والتي غالبها لم تتوان, خدمة لمصالحها ومآربها الغير إنسانية.. عن التعامل مع داعش وحلفاء داعش وأبناء داعش وحاضنات داعش... وهي اليوم تندب وتندب.. وتدعي على الورق محاربتها.. بينما سياساتها من تحت الطاولة.. تبقى ملغومة.. مبهمة.. مجهولة.. ضبابية.. مرتبطة بالمصالح الرأسمالية... وسياسات عولمتها المافياوية العالمية.. والتي لم تعد تهتم بأي شكل من الأشكال.. بالجرائم ضد الإنسانية التي يعانيها المسيحيون وغيرهم بسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان.. وغيرها من المناطق الأسيوية والأفريقية بالعالم.. حيث الأموال السعودية والقطرية والسياسة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.. تشجع من تحت الطاولة وفوق الطاولة, هذا الإرهاب الإسلاموي الداعشي وغيره, والتي تدعي ــ بلا خجل ولا حياء ولا بقايا ضمير إنساني.. مـحـاربـتـه!!!...
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأكارم الأحبة.. هـــنـــا و هـــنـــاك.. وبكل مكان بالعالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية طيبة عاطرة إنسانية مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟