|
محكمة تفتيش
إبراهيم رمزي
الحوار المتمدن-العدد: 5059 - 2016 / 1 / 29 - 15:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- أنت متهم بازدراء الدين. - أنا لا أزدري الدين، بل أنتقد كثيرا من الممارسات التي تنسب إلى الدين، وأزدري تجار الدين الذين يخوضون في المستنقعات، وأزدري "أمخاخ مرشدي" المتدينين، وأزدري كل من ينتقي في الدين ومنه، فيأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، وقد يخترع ما يشاء. وأزدري سلبية المتدينين وتبعيتهم لمَن نوّمُوهم مغناطيسيا، وأزدري كل مَن عطّل عقله، وتاه في غياهيب الخرافة،
- أنت متهم بازدراء الدين - وأنا مستعد لمحاكمتي بالدين، ورافض للمحاكمة بأقــــــــــــــــــــوال "رجال" الدين وما يسمى "اجتهادات"، لأنها مفاهيم بشرية معرّضة للنقص والتباين والتناقض، فما "يصح" عند هذا لا "يصح" عند ذاك. وما هو "جائز" عند البعض، هو خروج صريح عن الدين عند الغير ... ما يزال "الإكراه واللإكراه" يبسط سيطرته، وما تزال "المتعة" مثار نقاش بين تحليل وتحريم، وما يزال "سب" الصحابة أو تنزيههم، كذلك. وما يزال تقديس أقوال الأئمة واختلافاتهم يراوح مكانه ...
- هذه شواهد من الماضي، وليست أساس الدين. - هي عند البعض "عماد" الدين، وحافز للتنابز والتناحر والدماء، وتناقض في الغايات: سياسة دينية؟ أم دين سياسي؟ المزدري للدين هو صاحب الاندفاع المتهور المتشنج للربط والمزاوجة بين: السياسة بنفاقها، والمواضعات التي تتكيء على شعارات الدين. فالديموقراطية، والدستور، والانتخابات، والبرلمان .. مستوردات باطلة، والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية ترهات، ولكن التحكم السياسي وجبروت السلطة حبيبة إلى قلبه، الذي يزدري الدين هو الذي ما يزال يكرس آراء فقهاء البلاط، ومدسوساتهم في الدين، وقد كانوا - كبَشَرٍ - عرضة لتقلبات الحياة الدنيا ونوازعها، فهُمْ بين مقبِل عليها، وزاهد. الأول يبحث عن السبل إلى خزائن المال بإرضاء أسياده، والثاني ينشد طرق التأليب عليهم وإثارة غضب الخانعين اللامبالين. وبين الاثنين عدد لا يحصى من ضحايا "الطريق" ومعطوبي السذاجة والاستلاب ... إن من ينكر غزو الإنسان للفضاء الخارجي، وسبر خفايا الكون الأخرى، يستحق الازدراء حينما ينعت منجزات كهذه بالمروق عن الدين. إن من "يستهلك" ثم ينكر دور العلوم الدقيقة في خدمة الإنسانية، ويعتبر تعلمها مناقضا للإيمان، لأنها من اختراعات الكفار وصناعاتهم، يستحق الازدراء. أما "بديل" العلوم العصرية - الذي يتشبث به - فيثير السخرية والغثيان ... وإساءتُه للدين وتشويهُه - بهذا "التصور" - أفدح وأقبح من أي انتقاد. ولذلك أريد محاكمتي وفق ظروف عصري ومستجداته القانونية، "لا بخرافات الشيوخ".
- لحوم العلماء مسمومة، واجتهاداتهم محترمة. - هذا بيت القصيد. هم سم في جميع الأحوال. أي انتقادٍ يزعزع "كراسيهم": ازدراءٌ للدين، أي انتقاد يهدد مواردهم المادية: ازدراء للدين، أي انتقاد يكشف خواءهم الفكري - وحتى الروحي -: ازدراء للدين. أي فضح لـ "تسويقاتهم" التضليلية، وكشفٍ "لأساليبهم" الانتهازية السوفسطائية: فيه تقليل من قدرهم بين الناس، ولذلك فهو ازدراء للدين. من عُجبِهم ببضاعتهم: صار الشخص هو الدين، والدين هو الشخص. بينما العلة في المعلول. لهم "اجتهاداتهم"، التي تشبه أحكام القضاة، وبسببها: اثنان في النار، وواحد في الجنة. أي تجديد منهجي واجتهاد عقلاني واختلاف فكري معهم - وحتى فيما بينهم - هو ازدراء للدين، ومدعاة للحقد والتعصب، والكراهية السوداء، والعنف الأعمى، ونبذ الغير، ودعوة لنصب المشانق، وإراقة الدماء. المزدري للدين هو من يتسلح بالمسخ تلو المسخ، لتعقيد الفطرة السليمة واغتصاب براءتها وطيبوبتها وتسامحها. يشعر الفرد بالخجل من الانتساب إلى الدين وهو محاصر كل وقت بهذه "الفتاوي" الفولكلورية، الطائشة، الشاردة، الغرائبية، التي تريد التسرب - دوماً - إلى حميمية الإنسان، وتكييفها بتصور غيريٍّ متقادمٍ يجرّ إلى الخَلف والخُلف، وكأنها من نتاج خيال شيطاني تعوّد على السباحة في مستنقعات الأوهام. المزدري للدين هو من يسعى إلى الالتفاف على الحرية الشخصية، وتحويل الإيمان: من شأن خاص، إلى شأن عام، واختزاله في أزياء ومظاهر.
كل باحث عن موضع قدَم على منصة الشهرة و"التأليه" الأرضِي، يطلق "شهابا ناريا" في ليل التخلف. في الأول يبهر بشعاعه ولونه، لكنْ سرعان ما يندثر الشهاب، ويبقى الظلام والتهَكّم.
عندما تفقد "لحوم ((العلماء)) سمومها"، يبحثون عمن رَقَاهم، وأبطل سمومهم، وشلّ "تأثيرها" .. فيأتلِفون حوله - كسحرة فرعون، وكلهم زاعمٌ أن سحره الأقوى والأفتك - في محاكمة هم خصومها وحكّامها، محاكمة جاءت من فراغ، ومبنية على أساسٍ فاضح من الخواء (بواو وليس براء، وربما يجوز الوجهان).
#إبراهيم_رمزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوزير والجَرَّة - كتابة ساخرة
-
وقال أشرف فياض
-
مهاجر: أما آن لهم أن يخجلوا ...؟
-
نكتة رئيس الحكومة المغربية
-
نكحُ حوريةٍ، عمرُها: عمرُ الأزَل
-
التطرف ونماذج من المعيش اليومي
-
من يوميات الشيطان
-
باسْم السيف وباسم الكوثر
-
-السيخ- بغدادي
-
على هامش مقال للأستاذ كامل النجار
-
الوقاية من وباء التعالُم
-
هوية
-
قليل من الوقاحة
-
جَنة وجَنة
-
تعقيب على: خطأ إملائي.
-
بأية حال عدت يا عام؟
-
الفحش في المؤلفات
-
من أرض لوط
-
دستور .. يا عالم، دستور
-
رسالة إلى دعوي: لا تكن إلهي
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|