|
سوريا .. القهر بعد الخوف.... لماذا لا يجنب الرئيس الشاب سوريا مصيرا عراقيا؟
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 08:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما ألقيت كلمة أمام ألفين وخمسمئة من القيادات العربية في الثامن من مايو عام 1990 وكان ذلك في بغداد، أي قبل الغزو العراقي للكويت وقطع كل علاقة لي بالنظام الفاشي، قلتُ حرفيا: كنتُ أتمنى أن يكون الأخ الرئيس حافظ الأسد بيننا الآن! كلمة لم تَرُق بالطبع للقيادة العراقية وعلى رأسها آنئذ الرئيس الطاغية، وكان ذلك آخر عهدي ببغداد قبل أن يخنعها ويهينها حدثان: خيمة صفوان عقب الانسحاب المذل من الكويت، وحفرة الجرذان التي كان فيها صدام حسين مختبئا أو التي وضعه فيها الأمريكيون لاخراج مسرحية المهانة، وارسال تحذير للقادة العرب بأن من يرفع عينيه أمام سيد العالم فإن مصيره لن يختلف عن شيطان بغداد. لسوريا في قلبي موضع خاص ربما كان ذلك يرجع إلى طفولتي مع ايام الوحدة، وحلمي بالسفر إلى الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة. وكتبتُ كثيرا عن الهموم السورية، وشغلتني حقوقُ المواطَنة حتى ظن كثيرون أنني معارض سوري يتعذب في الغربة. واستجاب الرئيسُ الراحل حافظ الأسد إلى واحدة من مقالاتي عن عشقي الشديد لسوريا ورؤيتي لحقوق المواطن المهضومة، ودولة المخابرات التي أحالت حياة السوريين إلى رعب وخوف واستكانة وصمت، وجعلت سجونها ومعتقلاتها تنافس كل زنزانات العالم العربي التي يتباهى في جعلها الأسفل والأحط معظم زعمائنا العرب أطال الله أعمارهم. وفعلا تم الافراج عن عدد كبير من المعتقلين، وقمت بزيارتي الوحيدة واليتيمة لدمشق رغم كل ما نشرته من أجل حقوق السوريين وضد دولة الرعب الاستخباراتية. بعد وصول الرئيس الشاب بشار الأسد إلى سدة الحكم إثر تغيير في الدستور لجعله مناسبا لطبيب العيون، استمرت كتاباتي ورسائلي عن قلب العروبة النابض وكلها تحمل فكرة واحدة وَهَمّاً جريحا وهي حقوق المواطَنة وكرامة السوريين وعذابات الأبرياء والمطحونين والمقهورين في أبشع سجون الوطن الكبير، وقد رصدتُ ذلك في مقال لي بعنوان ( حوار بين زنزانتين في سجن عربي ) . وظللتُ أكتب تقريبا في كل عدد من طائر الشمال عن خوفي على سوريا، وتحريضي الرئيس بشار الأسد على ضرب دولة الاستخبارات في عملية جريئة أمام جماهير الشعب ليحصل بعدها الرئيس على شرعيتيه الشعبية والدستورية. عندما تحب تجد سبعين تبريرا لكل خطأ يرتكبه ذلك المحظوظ، فكنت أرى بشار الأسد على مرمى حجر من انقلاب داخلي أو ثورة داخل القصر ينهي بها عهدَ زبانية التعذيب وأباطرة القبور الذين أذاقوا شعبنا السوري كل الويلات، وتفننوا في أنواع التعذيب حتى بدا إبليسُ نفسُه في حيرة من تفوقهم عليه. وكان مقالي الأخير ( الرئيس بشار الأسد ..سجين أم سَجّان )، وأنا لا أرى شيئا في الدنيا أهم وأقدس وأكرم من كرامة الإنسان، بل تكاد كتاباتي كلها في ربع القرن المنصرم تدور في فلك هذا الهَمّ المترسب في أعماق النفس . لكن كل الصرخات التي وضع سيد القصر في دمشق أصابعه في أذنيه حتى لا يسمعها صعدت إلى السماء السابعة لتشهد أن أجهزة الأمن والاستخبارات وحراس السجون وكلاب التعذيب من أحط أنواع البشر لا يزالون يقومون بعملهم على أكمل وجه ، فوق الأرض وتحتها، ولا مانع من دفن العشرات دون إبلاغ الأهل والأحباب، ولا مانع أيضا من اعطاء صك أمن وأمان لزوجات المطلوبين في الخارج، فإن رجعن تم احتجازهن وتهديد الهاربين بانتهاك أعراض زوجاتهم وبناتهم. منظمات حقوق الانسان لديها وثائق وأرشيف عن سوريا لو قرأها الرئيس بشار الأسد والتزم الصمت لما ذرفنا عليه دمعة واحدة إن لحق بالرئيس الأسير صدام حسين. الآن انتهى وقت اللعب، وخرج السوريون من لبنان، ووقف لهم الأمريكيون على حدود العراق المحتل، وقامت فعلا أجهزة الاستخبارات السورية بتوريط الوطن في أعمال اجرامية لو كان إيللي كوهين هو رئيس شعبة الاستخبارات في دمشق لما فعل مثلما فعلت تلك الأجهزة ( الوطنية ) مع شعبهاكتبتُ عشرات المرات بأنه في حالة تدنيس الإقليم الشمالي بأحذية اليانكي ودعم من القوات الصهيونية فإن كل الضباط المنخرطين والمتورطين في تعذيب السوريين أو تصفيتهم سيرحبون بقوات الغزو، وسيتعاونون معهم ضد المقاومة السورية، وسيبيعون أسرار الوطن ووثائق الجيش تماما كما سلم العقيد القذافي للأمريكيين آلاف الوثائق وتعويضات لوكربي خشية أن يضطر في يوم من الأيام لنشر ملابسه الداخلية أسوة بالقائد المهيب. من الذي قتل رفيق الحريري؟ من الذي قتل غازي كنعان؟ هل هي نفس الأجهزة التي قتلت منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ميشيل نمري رئيس تحرير ( النشرة ) في أثينا؟ هل هم الذين رضعوا من ثدي سرايا الدفاع عندما كانت تحت إمْرة رفعت الأسد ( الذي سيعود قريبا ليصبح رئيسا للبلاد وفقا لأحلامه وكوابيس المواطنين )؟ لم يعد هناك خط رجعة، وسيدفع شعبنا السوري المغلوب على أمره ثمنا غاليا لجرائم ارتكبتها حثالة من البشر لم يكن أيّ منها يحمل ولاء لوطنه أو حبا لأهله أو عشقا وحبا وتقديرا لتاريخ هذا البلد العظيم. سيقولون بأن زيارة خاطفة من الرئيس مبارك تجعلهم في منأى عن الخطر، وكأن الرئيس أبا جمال أنقذ الكويت والعراق وليبيا والفلسطينيين في وساطاته التي تحمل مئة علامة استفهام. وسيقولون بأن السوريين يخرجون بملايينهم يشجبون وينددون بتقرير مليس، لكن الرئيس بشار الأسد لا يعرف الجانب الخفي والحزين والمتألم في نفوس أبناء شعبه. سوريا فوق بركان وقبل الطوفان وقاب قوسين من انفجار يقلب الطاولة على الجميع. في نفسي كل أحزان الدنيا على مصير عشقنا الأول .. قلب العروبة النابض، لكن لا فائدة من الصياح والصراخ والتحذيرات والرسائل والمقالات والبكاء فساكنو القصر في دمشق يصُمّون آذانهم، ورجالُ الأمن والاستخبارات الذين غرقوا في عمليات تعذيب السوريين وانتهاك حرماتهم وكرامتهم يستعدون الآن لعقد صفقة مع الشيطان وبيع الوطن. أدعو الله أن يحمي سوريا، ولكن هل يريد السوريون فعلا حماية وطنهم؟
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا يتعلم الفلسطينيون من تجاربهم؟
-
المسلمون والأقباط .... الفتنة بأوامر عليا
-
انتحار الرئيس المصري حسني مبارك
-
عبد الناصر .. عشرون عاما على ذكراه الخامسة والثلاثين
-
رسالة خاصة من الرئيس حسني مبارك .. طُزّ في حمارك
-
الحوار المتمدن وطائر الشمال .. كلمات شكر
-
عقيد متقاعد : نعم اشتركت في قتل جون جارانج
-
رسالة مفتوحة إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز .. هل تستطيع أ
...
-
نعم .. أنا مسلم رغم أنفك
-
الانقلاب العسكري القادم في تونس
-
الخليج والرئيس حسني مبارك .. قراءة في علاقة غريبة
-
الرئيس بشار الأسد .. سجين أم سجان؟
-
عبقرية الحماقة لدى العقيد
-
غباء السُنّة .... غباء الشيعة
-
القبض على الرئيس مبارك في جحر بشرم الشيخ
-
جنازة الرئيس حسني مبارك
-
حمار يقدم شكوى إلى الرئيس حسني مبارك
-
وقائع محاكمة الرئيس مبارك .. كتاب يبحث عن ناشر
-
حمار يقدم أوراق ترشحه للرئاسة
-
إنقلاب عسكري في مصر .. البيان رقم واحد
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|