حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5056 - 2016 / 1 / 26 - 22:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما نتكلم عن النظام المغربي أو ما اصطلح على تسميته ب"المخزن", فالمقصود ليس نظاما سياسيا من قبيل الأنظمة المتعارف عليها كونيا. و القابلة للخضوع لمنظار العلوم السياسية أو علم الاجتماع السياسي. و انما نظاما فريدا من نوعه يتميز بشذوذه عن كل التصنيفات و التعريفات التقليدية للنظم السياسية, و لا يجوز حتى تسميته ب"النظام" نظرا لعدم استوفاء بنيته العميقة-العتيقة لأدنى شروط ذلك.
و عندما نتكلم عن النظام المغربي أو "المخزن", فنحن بصدد "عصابة" اجرامية مافيوزية خالصة. دينها الفساد بكل صوره و أشكاله, و مذهبها الاجرام الممنهج بشقيه الرسمي و الغير رسمي.
و نحن أيضا بصدد بنية متعفنة موغلة في الرجعية و القروسطية, تستمد وجودها و شرعيتها من خلال تكريس مجتمع العبودية و رعايته و تطعيمه حسب ضرورات المرحلة و عبر تعاقب الأجيال. بنية تلغي كل شروط و صفات دولة المواطنة لصالح دولة "الرعايا", و هو مجرد تعبير "مخفف" للتعبير الأصح الذي هو دولة العبيد و الأقنان و البيعة للسلطان بصفته "أميرا للمؤمنين". تلك البيعة التي يركع فيها علية القوم للملك سنويا (صلاة البيعة), وهو يمتطي حصانا أسودا يمسك بلجامه "عبيد القصر" كما يمسكون بالمظلة التي تظلله, بينما تلفح أشعة الشمس الحارقة الآخرين في مشهد مهين للكرامة الانسانية.
أما من منظور اقتصادي, و تماهيا مع مشروع دولة العبيد و الأقنان, فلا أحد يحق له التساؤل مثلا عن ثروات البلد و مقدراته التي تحتكرها اللوبيات المعلومة التي تدور في فلك القصر و بالتشارك معه طبعا.
نحن اذن أمام عصابة اجرامية استحواذية احتكارية, نهجها افتراس ثروات البلد و احتكار اقتصاده و شراء الولاءات و أخيرا التنكيل بالمعارضين..., لكن الى متى؟
لقد نجح "المخزن" في تخطي أمواج طوفان ما سمي بالربيع العربي بأقل الخسائر الممكنة, بعد نجاحه في تفكيك قنبلة الحراك الشعبي المغربي الممثل في حركة "20فبراير". مستفيدا من عدة عوامل منها ما هو داخلي: تواطؤ الأحزاب الاصلاحية-المخزنية و الاسلاميين مع النظام. و منها ما هو خارجي من قبيل اصطفاف القوى الكلاسيكية الداعمة للتغيير في بلدان دون أخرى (دعم مصلحي) الى جانب النظام المغربي, و ما رافقه من تعتيم اعلامي دولي على الحراك الشعبي. اضافة الى ضخ تلك القوى لمساعدات مالية ضخمة بطرق سرية و علنية لتمويل المشروع المخزني الالتفافي على هذا الحراك, دون أن ننسى طبعا تبني المنتظم الدولي لحلول السلطة القاضية باجراء تعديلات دستورية تعقبها انتخابات مبكرة. و هذا ما تم الترويج له محليا و اقليميا و دوليا تحت يافطة "الاستثناء المغربي".
بعد كل هذا الزخم و الأخذ و الرد و السمسرة في مطالب المحتجين من طرف البعض و الركوب عليها من قبل آخرين. تمكن النظام المخزني من خلق نوع من الاستقرار الهش الذي لن يستمر طويلا. فقد بدأت تطفوا على سطح البركة الآسنة مؤخرا تداعيات هذه السياسات الترقيعية الالتفافية. و قد تجلى ذلك بوضوح في مناسبتين جد متقاربتين. أولاهما احتجاجات مدن الشمال المغربي المطالبة برحيل شركة التدبير المفوض لقطاعي الماء و الكهرباء "أمانديس", و هي شركة فرنسية. و ثانيهما احتجاجات الأساتذة المتدربين الرافضين للمرسومين الحكوميين, و التي قوبلت بقمع همجي شديد ينم استنفاذ النظام لكل الحلول الأخرى.
و بعيدا عن كل الجدل الذي أثير حول القضيتين, وجب التطرق الى الأسباب الخفية وراء تعنت الدولة في الاستجابة لمطالب المحتجين المشروعة. علما بأنها لا تشكل أدنى خطر على النظام من ناحية سياسية ولا تصل حتى لمستوى خدش كرامته أو ما يسمى في النظم الاستبدادية المس ب"هيبة الدولة".
الاشكال الحقيقي العميق في كل هذا هو أن الدولة المغربية لم تعد تملك قرارها, و حتى أعلى سلطة في البلاد "الملك" لم تعد تملك لرعيتها ضرا و لا نفعا, رغم احتكارها "دستوريا" لجميع السلطات. و صار دورها مقتصرا على مخاطبة عواطف فئة من الأميين و المؤمنين, و شراء الولاءات عن طريق اقتصاد الريع و توزيع الفتات.
هذه الأزمة العميقة هي نتاج عقود من الاستبداد و الفساد الذي تضخم و استقوى و تغلغل داخل كل مفاصل الدولة. و جعل من حركيتها و تفاعلها مع المستجدات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية أمرا صعبا ان لم نقل مستحيلا. مما فتح الباب على مصراعيه أمام دجالي السياسة و مشعوذي الاقتصاد لتجريب وصفاتهم و حلولهم الترقيعية التي لا تهدف الى معالجة أصل المشكل, بل الى ربح الوقت و اطالة عمر النظام القائم ما أمكن.
هذا ما يحصل داخل كل الأنظمة الاستبدادية, حيث يتغول الفساد بشكل تدريجي على حساب "الدولة" حتى يصير دولة داخل الدولة الأصل. و يضطر الحاكم -حتى بفرض حسن نيته- الى التطبيع مع الوضع مرغما لضمان بقائه في السلطة. و هنا يستحيل الشعب لمجرد عبئ ثقيل وجب التعامل معه تارة بمنحه شيئا من الفتات, و تارة باللعب على وتر الدين, و تارة أخرى بتقويمه بالقمع و الترهيب. و هذا بالضبط حال الشعب المغربي مع العصابة المخزنية.
الفساد في المغرب مترابط و متصل بشكل مركب و معقد مثل جسم يؤدي فيه كل عضو وظيفته. و بنية الفساد في المغرب تشعبت و تداخلت لدرجة لم تعد تتحمل أي تغيير أو اصلاح ولو سطحي. و الدليل على هذا الكلام هو تماطل الدولة في الاستجابة للمطالب الشعبية التي يعبر عنها آلاف المحتجين و لو بشكل عبثي, لأنهم لم يصلوا بعد الى المستوى اللازم من الوعي السياسي لقصد العنوان الصحيح.
يجب أن يعلم المغاربة أن الطريقة التي يقدم بها المخزن نفسه, و التي تفيد بأن الملكية هي الضامن للأمن و الاستقرار و الوحدتين الترابية و العرقية للمغرب و للشعب المغربي, و الحامية للملة و الدين عن طريق مؤسسة امارة المؤمنين.., هي طريقة موغلة في التسلط و الفجاجة و الابتزاز, و لا تنتمي بأي حال من الأحوال لأي تعاقد حديث بين نظام و شعب, و لا تنطبق مع أي من مفاهيم "النظم السياسية" الحديثة.
يجب أن يعلموا أن هذا الخطاب البائد يمثل عمق الاشكال في المغرب, و يشكل عقبة أمام كل تطور أو نهضة في البلد. بل أيضا يزج المغاربة في صراعات دينية و سياسية و عرقية هم في غنى عنها, و لا طائل منها الا استنزاف ميزانية الدولة و مقدرات البلد حصريا لصالح تجار الأزمات و سماسرة السلم الاجتماعي و الأمن الروحي(الدين). زيادة على ارتباطات المخزن الخارجية بالقوى الاستعمارية, و التي مازال الشعب المغربي يدفع ثمنها الى يومنا هذا.
فاذا نظرنا مثلا بعمق الى ما وراء أزمة احتجاجات مدن الشمال المطالبة برحيل شركة "أمانديس", فسنجد أن النظام المخزني محاصر. لأنه اذا قام بالاستجابة لمطالب المحتجين الذين تعرضوا لنهب ممنهج من طرف الشركة الفرنسية, وقام بفسخ العقد الذي يربطه معها, فسيخسر تأييد فرنسا في قضية الصحراء الغربية. بينما مشكلة الصحراويين بالدرجة الأولى ليست مع "المغرب" بل مع "النظام الملكي" المتسلط على البلد بأكمله. و هم على كل حال أحرار في تقرير مصيرهم. لكن السؤال يطرح نفسه بقوة, لماذا يذهب شعب بأكمله ضحية صراع مصالح بين أنظمة فاسدة مستبدة؟
و لماذا يصير قوته اليومي و ثرواته و اقتصاد بلده, رهينة قضايا تستغلها الأنظمة المتعفنة للمزاودة فيما بينها و لتبرير فسادها و استبدادها و الهاء شعوبها عن مشاكلها الحقيقية؟
أمام كل هذا العبث الممنهج, و الافلاس الذي وصل اليه النظام المخزني, ألم يحن الوقت لكي يأخذ هذا الشعب زمام المبادرة, باعتبار أن كل دواعي التغيير الجذري الراديكالي حاضرة في المعادلة؟
لقد وصل النظام الحاكم لدرجة متقدمة من الافلاس و التعفن, و استنفذ جميع الخيارات السياسية و الاقتصادية طوال عقود من تجريب الوصفات الفاشلة و تعاقب حكومات ذات مرجعيات مختلفة, من الاشتراكيين مرورا بالتكنوقراط و وصولا الى االاسلاميين. و لم تكن النتيجة الا مزيدا من الاحتقان و الأزمات التي تتجلى بوضوح في التدهور الخطير للأوضاع الاجتماعية والمعيشية, و الذي طال فئة كبيرة من الشعب المغربي, بالرفع من الأسعار و جمود الأجور و تفشي ظاهرة البطالة بين خريجي الجامعات و المدارس العليا. و هذا الواقع المتردي الذي لم تستطع أي تجربة حكومية تغييره أو حتى تحسينه, يدل بكل وضوح على أن الاشكال في المغرب هو النظام الملكي, و الغابة التي يخفيها.
ختاما نجد أنه من أهم أفضال الاحتجاجات الأخيرة, أنها بينت للجميع أن النظام المغربي صار محاصرا داخليا و خارجيا, و لم يعد يمتلك هامشا كبيرا للمناورة أو تقديم حلول لمختلف المشاكل البنيوية العميقة التي بدأت تطفوا على سطح البركة الآسنة. و أيضا أظهرت لنا عبثية النظام الملكي, و الكلفة الباهضة لسياساته الفاشلة و رهاناته الفارغة التي بدأت انعكاساتها تطرق أبواب جيوب المغاربة و تستهدف قوتهم و مستقبل أبنائهم, طبعا بعد أن فرغت من نهب و استنزاف ثروات البلد...
الحل هو الثورة!!
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟