أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من نظام الرئيس مبارك















المزيد.....


موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من نظام الرئيس مبارك


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 5056 - 2016 / 1 / 26 - 19:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانتفاض – جريدة حزب العمال الشيوعى المصرى – العدد 40 – يناير – كانون الثانى 1982 – طبعة الخارج .
موقفنا من نظام الرئيس مبارك - ابراهيم محمد حسن
أدى اغتيال الرئيس السابق ، ومجئ حسنى مبارك الى السلطة الى اثارة ( مسألة ) الموقف من النظام في ظل وجود الرئيس الجديد، والتساؤل عن الطريق الذى سيسير فيه هذا الرئيس .
وقلة قليلة من السياسيين والصحافيين العرب هى التى رأت في استلام الرئيس مبارك للسلطة استمرارا لنفس سياسات النظام السابقه . أما الأكثرية الغالبة ، بما فيها قادة المعارضة فى مصر . والتى أودع السادات أغلب ممثليها فى السجون قبل اغتياله ، فقد رأت فى التخلص من السادات ، ومجئ الرئيس الجديد فرصة لحدوث تغيير تدريجي فى سياسات النظام السابقة ( الانفتاح الاقتصادي والسياسي على الغرب ، والولايات المتحدة الامريكية ، والصلح مع اسرائيل ، وسياسة التطبيع ، وقمع القوى الوطنية فى الداخل ....الخ ) . على اعتبار أن هذه السياسات هى المسئولة عن تصاعد موجه المعارضة للنظام ، بل وعن اغتيال الرئيس السابق نفسه .
ورغم تفاوت التقديرات بخصوص المدى الذى يمكن أن تصل اليه يد الرئيس الجديد " بالتغبير والتجديد "... فان الأهم هو أن جميع الواهمين حول هذا الأمر يتفقون على ضرورة إيقاف الهجوم على النظام الحاكم فى مصر، والانتظار لحين اتضاح سلوكه . ولا شك ان هجمات الرئيس مبارك فور استلامه السلطة على أشد المظاهر استفزازا بالنسبة للشعب مثل الأمر بإيقاف الحديث عن "زوجته" و"قريته" ، وسحب استراحات الرئيس السابق ، ومطالبة الصحف بالكف عن نشر اعلانات التأييد لشخصه ، ثم وعوده بشن حملة ضد الرشوة والمحسوبية ، ومختلف مظاهر الفساد الادارى والسياسي فى البلاد قد انعش الأمال فى المزيد من التغيرات . وجاءت كل خطوة جديدة للرئيس مثل ايقاف الهجوم الاعلامي ( الموجه ) ضد الدول العربية ، واعلانه الاستعداد للتحاور مع أى دولة راغبة فى الحوار معه. وأخيراً شق صفوف المعارضة والافراج" المشروط " عن أقسام منها ، لتغذى هذا الموقف الواهم من حدوث تغيير ذو شأن بالمزيد من الحجج والأدلة على صحة تاكتيك الانتظار ، واعطاء الرئيس الجديد المهلة الضرورية....
والمبشرين "بالتغيير" الأبعد مدى من الهجوم على بعض مظاهر الفساد يراهنون على امكانية التغيير انطلاقا من حقيقة وجود رئيس جديد للنظام . بما يمكن أن يحمل من اختلاف فى الافكار والميول والقدرات . وعلى حقيقة أن الرئيس مبارك عرف بطهارة ذيلة وأنه غير ملزم بالتسليم بإرث سلفه . بل ان الكثيرين يتساءلون عن إمكانية أن يكرر التاريخ نفسه فيقوم الرئيس الجديد بالانقلاب على سياسات سلفه ، تماما كما فعل السادات من قبل عند توليه السلطة بعد وفاة الرئيس عبد الناصر . ..وبغض النظر عن طهارة ذيل الرئيس الجديد من عدمه ، وبغض النظر عن جدية وعوده بالاصلاح من عدمها، وبغض النظر أيضاً عن أن الرئيس مبارك هو الشخص الثانى في نظام الحكم طيلة 6 سنوات ، وأنه من أشد المعبرين عن سياسات النظام الحاكم ، فإن ما ينبغى مناقشته أولا هو تلك المبالغة الفجة فى قدرات رئيس النظام على اعادة صياغة السياسات العامة ، او اجراء تعديلات أساسية بشأنها ... وهى مبالغة تستند على مثال ان الرئيس السادات قد قاد انقلابا سياسيا شاملا في أعقاب توليه السلطة بعد انقلاب 15 مايو 1971 ولكنها بالطبع تغفل عن تفسير سر نجاح هذا الانقلاب وسر إحتضان الطبقة الحاكمة له ...
فمن الصحيح ان الفوراق بين الاشخاص من حيث افكارهم وانتماءتهم الطبقية ، ومواهبهم تؤدى حتما الى بعض الفروق فى تصرفاتهم في ظل نفس الشرط التاريخي ، فلم يكن حتميا أن يتردى أى حاكم آخر لمصر في ظل نفس المأزق التاريخي الذى وصل فيه السادات الى السلطة الى المستنقع الصهيوني الامريكي بهذا الشكل السافر ، اى العمالة التى لا تبخل على اعدائنا بشئ . اذ كان من الممكن لرئيس آخر أن يكون أقل سفورا ، أو أقل اندفاعا ، أو أكثر بطئا فى تطبيق التطبيع الامريكي الاسرائيلي ... ولكنها امكانية للتفاوت والاختلاف ، وليس الخلاف الكامل ، لأن هذا القائد أو ذاك من المفروغ منه انه يتحرك على ارض من الشروط السياسية والاقتصادية المحلية والعالمية التى ليست من صنع يده ، والتى لا تترك له سوى هامشا محدودا للحركة قد يضيق أو يتسع وفقا لخصوصية هذه الشروط فى اللحظة المحددة . ففى أعقاب موت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لم يكن فى وسع اى شخص يعبر عن النظام الحاكم ، أى عاجز عن الانفتاح عن الجماهير الشعبية ، والاعتماد عليها فى مواجهة الاحتلال ، سوى أن يسير فى الطريق الذى سار فيه السادات من الناحية الاساسية ، اذ سيجد نفسه على رأس نظام مسئول عن هزيمة شنعاء كهزيمة 67 ومبتزا للنهاية بإحتلال أرضه حيت الامبريالية الامريكية تلهب ظهره لتقديم تنازلات تمس صميم الاستقلال السياسي والاقتصادي ، ان كان يريد الوقوف على أول طريق التفاوض لاسترجاع ارضه بينما الحركة الوطنية تشهد نموا ملحوظاً وتطالب بتحرير الأرض .. فى وضع كهذا لا يملك رئيس النظام سوى الاسراع ، فى تطبيق السياسات التى كانت قد بدت كمخرج ضرورى لأزمة النظام الحاكم ، وعلى رأسها الانفتاح الاقتصادي "كحل" لازمة الرأسمالية المصرية من جهة ، وكتنازل ضرورى يغرى الطرف الآخر ببحث امكانيات التفاوض المباشر مع اسرائيل بهدف انسحابها من سيناء...
أما الى أى درجة يسلك هذا الرئيس أو ذاك هذا السلوك ، وبأى معدلات فهذا بالفعل هو المدى الذي يمكن أن تؤثر فيه شخصية هذا الرئيس أو ذاك .
أما حقيقة قيام الرئيس السادات ، بالانقلاب على سياسة سلفه ، ونجاح هذا الانقلاب واستمرار سياساته إلى اللحظة الراهنة ، فإن هذا الأمر لا يجد تفسيره فى قدرات السادات الخاصة ، ولا فى عمالته الاستثنائية رغم حقيقة هذه وتلك ... بل فى كون أن هذه السياسات قد عبرت عن أعمق الميول الموضوعية للطبقة الحاكمة وحلفائها ( وأهمها الميل للإلتقاء بالرأسمالية العالمية "كحل" ضرورى لمشاكلها الخاصة ) ... وبالإستناد على إتجاه سياسي إقتصادى كامل داخل الطبقة الحاكمة نفسها .

إن الإرتداد الكبير لحكم السادات عن حكم عبد الناصر لم يكن ممكنا فى الأساس إلا بسبب أن الطبقة الحاكمة وكامل نظامها كانا على عتبة إنعطاف تاريخى كبير . وكانت مصر حبلى بكل إمكانات هذا الإنعطاف الذى تراكمت أسبابه منذ هزيمة 67 . والذى تمتد أصوله إلى ما قبل الهزيمة ذاتها ... فمأزق النمو الرأسمالي فى مصر كان قد إستحكم بشدة منذ منتصف الستينات بالرغم من كل إجراءات إنقاذه بدءا من حركة يوليو . للتمصيرات والتأميمات للإنفتاح شرقا بالإضافة للعلاقات الاقتصادية بالغرب ، وصولا لخطط التنمية وصيغة الإشتراكية التى طلت بها رأسمالية الدولة نفسها ... وزاد الازمة إستحكاما بطبيعة الحال الاحتلال الاسرائيلي فى 67 والذى كان الثمن الباهظ لكل استقلال وطنى إنتهجه النظام الناصري....
لقد إستلم السادات السلطة ليواجه جملة شروط ، أهمها هذا المأزق المستحكم ، وما إستجد عليه من بعد 67. وكان إزاء حركة شعبية دخلت الميدان عنوة بعد الهزيمة وإزاء جيش مجروح الكبرياء . ومتوتر القوى في مجرى عملية شاقة من إعادة بنائه وتدريبه وإنخراطه بالكامل للحياة على جبهة القتال ...
لقد كانت مصر على عتبة إتجاه من إثنين للتطور السياسي من الناحية الأساسية ، إما إتجاه الإصطدام الأوسع والأعمق مع أعدائها التاريخيين من خلال تطور حاسم للحركة الشعبية تستند على مصالح الطبقات الكادحة وفرض وجود هذه الطبقات على السلطة الحاكمة نفسها بالمشاركة من أسفل ومن أعلى ... وكان هذا الاحتمال الأضعف نظرا لضعف الحركة المستقلة للطبقات الشعبية وأحزابها وإرثها الكئيب طوال المرحلة الناصرية ... أو الإنعطاف الحاسم تجاه الغرب الإمبريالي وتجاه التسليم أمام الشروط الاسرائيلية ... وكان هذا هو الاتجاه الأغلب والقابل للتحقيق فى مدى زمنى أسرع من المدى الذى يتطلبه نمو الحركة الشعبية القادرة على قطع الطريق على هذا المسار... وهذا هو ما تم بالفعل . وساعد على تسارعه فقدان السلطة زعامة عبد الناصر بتاريخه المعادى للاستعمار ، وما ترتب عليه من صراع على السلطة أفضى إلى إزاحة إتجاه كامل من الطبقة الحاكمة فى مايو 71 لصالح الإتجاهات الأميل للتهادن ... على أرض هذا الخيار إذن ، توفرت إمكانية حدوث ما حدث على أيدى السادات ، وإلى كل إمكاناته التاريخية المتوفرة . يرجع سبب "نجاحه" في "الارتداد الكبير" ، ولا يرجع "الفضل" أساسا لعمالة السادات الشخصية أو لاسلوبه الشهير فى الصدمات الكهربية .

إن أى عميل ما كان ليحقق مسيرة السادات من الناحية الأساسية بعد إمتلاكه للسلطة إلا بإلتقائه بمصالح طبقية وسياسية ناضجة لدعمه . وأى ميلاد لاتجاه جديد لم يكن ليتحقق بمجرد توفر مولد ماهر. بل يشترط توفر نسيج هذا الاتجاه في أحشاء نفس المجتمع الذى يرتد عليه ... أما الرقعة التى تتسع لكفاءات السادات ، وإرتباطاته وتفسخاته الشخصية فقد تمثلت فى براعة إستناده وصقله لكل نقاط القوة التى ورثها ( بدء من سلطات رئاسة الجمهورية وصولا لاستخدامه الجيش في حرب أكتوبر) ، وفى إلتفافه ومناوراته على جوانب الضعف وإنقضاضه الصاعق على منافسيه بعد إدعاء الضعف الشديد .... أما تفسخاته وعهره السياسي فقد تجليا بالذات بسفور تعبيره عن المصالح الامريكية بعد إمتلاكه كامل السلطة ومجد أكتوبر.
وبدت فى الإنتشار الواسع للفساد وإجراءاته الإستفزازية المحلية هو وعائلته ومن يدورون بفلكه.... فهل يمتشق مبارك عرش السلطة ياترى فى شروط شبيهة تسمح بإنعطاف عميق عكس إتجاه السادات؟ وهل يقف الحلف السائد طبقيا فى مصر أمام منعطف تاريخي جديد؟ إن الاجابة القاطعة بالنفى . هى الإجابة العلمية الصحيحة الوحيدة لكل من يستند إلى التحليل الطبقى الملموس .. وإن الوضع الصائب لهذا السؤال والإجابة الصائبة عليه يضيئان بوضوح المساحة المتاحة لحسنى مبارك . التى يمكن فى حدودها وفي حدودها فقط أن تتجلي فيها كفاءات وقدرات هذا الرئيس "غير المعروف" للنهاية ، الحدود التى إن فرض وتجاوزها جدلاً ... ألقته الطبقات التى تمثل السند الاجتماعي له والمنتفع من نظامه ....على قارعة الطريق بمساعدة الأسياد الأمريكيين أنفسهم الذين يحمونه اليوم .
إن مبارك يأتى فى لحظة تاريخية ، أهم خصائصها هو إنتقال البرجوازية المصرية من ضفة العداء إلى ضفة التحالف مع الامبريالية وإسرائيل ... وان هذا الإنتقال قد تم قطع شوط هام منه ، أحاطته الضمانات المتعددة من ناحية الطرف الإمبريالي الإسرائيلى ...
فقد تم إضعاف الجيش المصرى وحرمانه من السلاح السوفييتى . ولا تتم إعادة تسليحة إلا فى الحدود .، ووفق المهام التى تخطط الإمبريالية لإسنادها إليه . وعلى أساس من التشابك المتين بين قيادة هذا الجيش وقيادة أعدائنا تنظيميا وأمنيا بل وعملياتيا وإقتصاديا. لسنا في لحظة التبشير " بروعة الانفتاح" "وفوائده" . بل تم قطع شوط هام توغلا فى مستنقع هذه السياسة . وأصبح هناك وجودا وفاعلية للمصالح والمصارف والمشاريع الأجنبية ، التى مدت آلاف الخيوط بمفاصل البناء الإقتصادي فى مصر وما ترتب عنها من تحولات إجتماعية فى صورة فئات وشرائح وقطاعات وثيقة الإرتباط من زاوية مصالحها بمصالح هذا الوجود ....
والأمر دواليك في مختلف جوانب الحياة فى بلادنا ... لكل متتبع وإن عن بعد ... والمعارضة فى مصر قد أشارت بالبنان للعديد من هذه المظاهر في مختلف نواحي حياتنا .
لقد إنتقلت برجوازيتنا فى مجرى تطورها فى الاطار الإمبريالي نهائياً إلى ضفة أعدائنا التاريخيين ، وقد أحاطت نفسها ، وأحاطها أعدائنا بالشروط والضمانات التى تؤمن إستمرارها على أرض هذه الضفة .. وإن إخراج بلادنا من فلك الجرجرة المدمرة لهذه المصالح يتطلب نضالا شاقا واسع النطاق متنوع الأساليب والأشكال لابد وأن يصطدم بأعدائنا التاريخيين وأداتهم إسرائيل ...

أما مبارك أو أى من الممثلين السياسيين الذين يرتضون الموقع الراهن لبلادنا ، فإن حدود جهدهم ستكون فى العمل الدؤوب من أجل أن تكون " صورة " مصر أقل شقاء على أرض هذه التبعية ، ولكى تكون الحياة بها أكثر إحتمالا ولو بالعيش على الآمال الكاذبة ، ولن يعنى ذلك أبدا أن علينا أن نعزى أنفسنا على بئس المآل وبئس المصير ...إن الوجه الآخر لواجبنا المتصل فى تبديد الأمانى الكاذبة يتمثل فى واجبنا من أجل فتح عيوننا بالكامل على القوى الوحيدة القادرة على التغيير فى مصر... إن بلادنا حبلى بالثورة ولن يجهض حملها سوى التمنيات الواهمة ، والتعلق بأذيال كل ممثل جديد للطبقة والفئات الطبقية التى جوهر مصالحها وأد حركة قوى الثورة فى مصر ...
إن الخطر الراهن يكمن فى ترجمة هذه الأوهام عمليا . أى فى إنتهاج تاكتيكات سياسية تعيق وتضعف من نمو الوعى والحركة المستقلة للطبقات الشعبية التى على أساس من نضالها فحسب تنعقد الآمال الجادة فى التنمية والاستقلال واسترداد الحقوق ورفع رايات الوطن عالية ....
إننا نعيش اليوم مثالا نموذجياً، لضرر القابلية للوهم ، وإنعكاسه المباشر على السلوك الميدانى للقوى والاحزاب والرموز السياسية ، فالرئيس الجديد يسعى إلى كسب الوقت من أجل تأمين سلطته ، وإلتقاط أنفاسه في لحظة ضعف خاص بعد أن سقط بجانبه من إستمد هو منه القوة بنيابته ، بعد أن كان محض ضابطا بالقوات الجوية ، وبعد أن ظهرت رغم أنف الجميع نتيجة أول إستفتاء شعبى غير مزور على رئيسه يوم جنازته ، حيث إحتفل شعبنا بعيد الاضحى دون أن يطرق له رمش لمقتل " رسول السلام".
وبعد أن إستدعي جلوس الرئيس سالما على عرش السلطة ، تحريك القوات الامريكية " لضمان الاجراءات الشرعية لإنتقال السلطة فى مصر" كما أعلن التصريح الأمريكى الصفيق . ففى مثل هذا الظرف من الضعف ، يسعى مبارك بطبيعة الحال إلى انتهاج تاكتيك الهدنة ، مفتشاً عن جمع رصيد لسلطته التى إستلمها وشعبيتها قد وصلت الى حد الصفر ، بالذات بعد مذبحة المعارضة التى ودع السادات بها حياته السياسية ومات ملعونا من الجميع ...
فهل تسمح القوى الثورية ، التى تستهدف تطوير وعى حركة قوى الثورة الحقيقية للرئيس الجديد بهذه الهدنة ... أم أن واجبها إنتهاج تاكتيك يستفيد من ضعف النظام لصالح القوى الشعبية التى تمثلها ...... تاكتيك يتسم طابعه بالهجوم من أجل الفوز بتنازلات وإن جزئية ، حتى وإن إستجاب لمرونة يعرضها النظام ، شرط أن تكون مسبوقة بمطالب قاطعة لا مساومة فيها ... وشرط إطلاق اليد بالكامل فى التوعية بملابساتها وأسسها وشروطها وإعلاء اليقظة تجاه مناورات النظام ومحاولاته فى التضليل هنا ، فى مجال التاكتيك . خطة السلوك اليومي ، تلعب كلا من الانتهازية السياسية ، والأوهام القاتلة دورهما فادح الضرر بوعى وحركة قوى الثورة والمعارضة فى مصر....
وما نشهده اليوم هو إنجرار الأغلبية العظمى من قادة ورموز معارضة السادات الى الفخ الذى نصبه مبارك بعرضه تاكتيك الهدنة وشق ( صفوف ) المعارضة والذى إنتهجه بالفعل .
ويعتمد قبول هذا التاكتيك شديد الفائدة للنظام ، وشديد الضرر بالقوى الثورية على المبالغة فى كل إجراء يتخذه الرئيس الجديد وإعتباره إنعطافا كاملاً ، أو على الأقل إمكانية إنعطاف ... فإفراج الرئيس عن رموز المعارضة ومقابلته إياهم ... يروجون له بإعتباره عملا إستثنائياً للرئيس ، وسابقة خطيرة لصالح المعارضة ، رغم القيود الثقيلة التى تتضمنها هذه المقابلة شكلا ومضمونا، إذ لم "تمنح" لهم حرياتهم قبل مقابلة الرئيس ، أى حتى لم يكونوا أحرارا فى تقرير مقابلته من عدمها . بل ولم يحفظ القضايا المرفوعه ضدهم ، بل تم تعليقها كما أشارت جريدة " مايو" برقة بالغة !، هذا بالإضافة الى أن باقى المتحفظ عليهم كانوا وقتها بالمعتقلات مع التشديد على عدم إثارة !! ما حدث لهم من سوء معاملة ، بدعوى فتح صفحة جديدة ...أى بشرط تفريط المعارضة فى حقها فى التشهير بهذا الإعتداء غير المشروع على حريات المواطن فى مصر.
ومثال أخر . عندما يتكلم الرئيس عن الإنفتاح الانتاجي ، ولا يجب أن ننسي أنه بهذا الوصف نفسه قدم السادات إنفتاحه فى البداية ، تتم المباركة فورا لإتجاه النظام الجديد دون وضع القيود الثقيلة والشروط الجادة فى قطع الطريق على الإنفتاح الجارى بقوانينه ولوائحه وضماناته للغير والتى تحدد طبيعته ... مهما كانت الاوصاف المعسولة والمضللة . بإختصار ان الانجرار لهذا التاكتيك يعتمد أساسا على كل ما حذرناه منه ... وعلى تفريط شديد فى أصول المعالجة السياسية لكل تغير جديد . وتتيح فورا لكل الميول الانتهازية القفز للصفوف الأمامية والغدر بالقوى التى بالكاد إصطفت فى مواجهة النظام الحاكم بإجهاض الأسس الديمقراطية الوطنية التى تبنتها اقسام المعارضة الأكثر تماسكا ( ناهيكم عن أى مطامح طبقية إشتراكية ) وإختزالها لمعارضة السادات فى الأساس ، إهدار لكل تعبئة كانت قد نمت وإعطاء الرئيس الجديد المهلة التى يحتاجها لفرض سيطرته على الحركة الشعبية ، والإصطدام بها إن إضطر فى لحظة ، يكون فيها أقوى ، وتكون الحركة المناهضة أضعف ...بفضل الإنجرار لمثل هذه التاكتيكات .....
فما هو التاكتيك الصائب إذن إزاء تغير كهذا بمصر؟ وما هى حدود المرونة المبدئية فى وضع كهذا ؟
إنطلاقا من أن التاكتيك الصائب لابد وأن ينطلق من نسب القوى الفعلية والشروط المحيطة بهذه القوى مستهدفا تطوير حركة وفاعلية وشروط القوى الثورية ...فإنه لابد أن ينطلق فى حالتنا من واقعة الإضعاف الملموس الذى أصاب النظام فى مصر بفقدانه رئيسه القوى . وكون إزاحته – أيا كانت ملاحظاتنا على الطريقة التى أزيح بها – قد حققت مطلبا شعبيا ووطنيا ... أى أنه لابد وأن ينطلق من ضعف النظام ، الذى يتيح فرصا أفضل لتقوية المعارضة بالضغط من أجل رفع التحفظ على كافة رموزها ، وإخراجهم من المعتقلات . الأمر الذى يقوى صفوف المعارضة بطبيعة الحال . بالذات حين يكون خروجهم فى إطار الضغط على النظام وتنازل الأخير غير المشروط أمامه ... إن مواصلة الهجوم لا بد وأن يكون الطابع الأساس للتكتيك الصائب فى مواجهة الرئيس الجديد ... ولا يعنى ذلك رفع شعار إسقاطه كهدف مباشر تحريكي ...بل يتسع هذا الطابع الواضح حتى لإمهال النظام ... لكن هناك مهلة ومهلة ... والتى نعنيها هى المهلة المشروطة بطبيعة الحال للأمور التى تتطلب مدى معين ، والمرفقة بجملة من المطالب المباشرة فى نفس الآن . فإلغاء جميع قرارات السادات الأخيرة التى إعتدى بها على الحريات الديمقراطية مطلب مباشر . والمهلة المشروطة تتسع لمطالب تمس صلب سياسة النظام ، أى بهدف فرض المطالب التى يتضمن تحقيقها وضع القيود الفعلية ، ووضع العصى فى عجلات سياسته المدمرة وعلى رأسها التطبيع والإنفتاح والمناورات الأمريكية ...إلخ .
كنقاط إنطلاق هامة ، يمكن ويجب تطوير الهجوم منها على كامل سياسات النظام ... التى لابد أن تحفظ المعارضة الثورية حقها، وأن تمارس هذا الحق فى الإصطدام بمجمل هذه السياسات ( المعاهدة ، التحالف مع الغرب). بالدعاية والتشهير ضدها فى كل وقت ، قبل المهلة وخلالها وبعدها ...إن مثل هذا التاكتيك وحده هو الذى يحاصر النظام ويضعه على المحك أمام جماهيرنا ، ويختصر من عمر تراكم خبرتها الخاصة بالنظام "الجديد" ...ولا يعيب هذا التاكتيك ، إعتقادنا الراسخ بالهامش المحدود فى الخيارات أمام حكم مبارك بالنسبة للسياسات الأساسية ... إذ يظل هناك دائما فارق كبير أن يستمر في خيارات رئيسه السابق الأساسية دون مقاومة ، وبين أن يفرض عليه السير ببطء على هذا الطريق ... هناك فرق أساسى بين إنعكاس هذه المقاومة على تطوير وعى وحشد وأشكال حركة الجماهير الشعبية وإنتزاع مكاسب وإن جزئية من أسفل كثمرة لهذا ، وبين قيادتها فى إتجاه الأوهام الناعمة وفي إطار التهليل والإعجاب الساذج أو المغرض بكل تراجع طفيف من أعلى ينتهجه النظام ...
إن هناك فارق إذن بين الزمن الذي ينقضى على أساس هذا التاكتيك أو ذاك ... فالرئيس الجديد يريد أن يستغله لتثبيت أقدامه وإحكام قبضته فى نفس الإتجاه السابق ، الأمر الذي بتحقيقه يكون النظام بالفعل قد حول شيئا سيئا بالنسبة له ( مقتل السادات ) إلى شئ حسن ، ويمكنه الإستفادة بموت السادات بإلصاق أكثر الأمور فجاجة وإستفزازا به فاتحا صفحة جديدة لرئيس جديد.
بينما واجب هؤلاء الذين لم تنته معركتهم بذهاب السادات ، وإستمرار سياسته الأساسية المدمرة ، هو أن يفوتوا هذه الفرصة على النظام ، بإستمرارهم فى الدعاية لمطالبهم الأساسية ، من أجل خلق الحشد الجماهيري اللازم لإجبار النظام على التنازل والمزيد من التنازل أمام مصلحة الجماهير ، وعلى تقييد يديه في الإهدار الخطير لكافة مصالح الوطن ، وفي التعامل مع اعداء شعبنا .
إن هذا الموقف هو الذى يمكننا من الاستفادة حتى من أى تهدئة مؤقتة أو مناورة يلجأ إليها النظام ، ويفرض طابعه عليها ، إذ يحول الضغط الشعبى هذا التنازل أو ذاك الذى قصد منه المناورة إلى تنازل دائم ، محاصراً النظام ، مستغلا كونه لم يرتب صفوفه بعد من أجل الحصول على المزيد من التنازلات .... فالتغيرات الوحيدة الحقيقية التى سيضطر إليها النظام ستكون تلك التنازلات المفروضة عليه بقوة الضغط الشعبى ...
فقط .... لا غير ....
ابراهيم محمد حسن .



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من حكم مبارك عقب اغتيال الساد ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من التهديدات الامريكية للثورة ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى إزاء المضمون الطبقى للثورة ال ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى عند اندلاع الثورة الإيرانية
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من الفتن الطائفية فى عهد السا ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من الجماعات الاسلامية
- حزب العمال الشيوعى المصرى ونقد فكرة التحالف مع الاخوان المسل ...
- بيان المكتب السياسي لحزب العمال الشيوعى المصرى حول انتفاضة 1 ...
- سلطة البورجوازية البيروقراطية فى مصر واشباح الانتفاضة الشعبي ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى وذكرى انتفاضة 18 - 19 يناير 1977 و ...
- 10 اعوام من النضال الثورى المتواصل 8 ديسمبر 1969 - 8 ديسمبر ...
- الفهم الثورى لقضية وحدة الشيوعيين في مصر - حزب العمال الشيوع ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى مرآة الصحافة البورجوازية والتحر ...
- نقد مسألة التحالفات من منظور حزب العمال الشيوعى المصرى
- موقف من وحدة الحركة الشيوعية المصرية - حزب العمال الشيوعى ال ...
- الإنتفاض جريدة حزب العمال الشيوعى المصرى – طبعة الخارج الثل ...
- موقف من وجهة النظر القائلة بسلطة البورجوازية الصغيرة فى مصر ...
- موقف من مهمات النضال الفلسطينى - شيوعى مصرى - حزب العمال الش ...
- فى ذكرى تأسيس حزب العمال الشيوعى المصرى - 8 ديسمبر 1969
- الاتحاد السوفييتى فى مرآة الدستور الجديد - ليون تروتسكى


المزيد.....




- مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج رجل حر في أستراليا.. بماذا أقر في ...
- الشرطة الكينية تطلق الرصاص على محتجين ضد قانون جديد للضرائب ...
- اكتشاف جديد يفسر سبب ارتفاع معدل الوفيات بين مرضى الكبد الده ...
- ما الأسلحة التي يمكن أن تزود بها كوريا الجنوبية الجيش الأوكر ...
- الإسرائيليون محبطون للغاية وغير مستعدين لحرب حقيقية
- حرب إسرائيل ولبنان يمكن أن تخرج عن السيطرة
- ?? مباشر: الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لتفادي حرب مع حز ...
- مصر.. كنائس ومساجد تفتح أبوابها لطلاب الثانوية للمذاكرة بسبب ...
- محاكمة مؤسس ويكيليكس: أسانج ينهي الأزمة مع أمريكا بعد الإقرا ...
- عيد الغدير.. منشور نوري المالكي وتعليق مقتدى الصدر وتهنئة مح ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من نظام الرئيس مبارك