سعدون الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5054 - 2016 / 1 / 24 - 23:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرب الخليج ( الملف السري)
تأليف:
- بيير سالينجر
- إريك لاورينت
ترجمة :
سعدون الركابي
الناشر: دار كيوان للطباعة و النشر
دمشق
الطبعة الأولى
2005
الحلقة السادسة
الفصل الثالث
في بدايةِ شهرِ مارس وصلت الى واشنطن إشارتان تحذيريتان, و لم يكن هناك أيُّ سياسيٍ مُستعدٍ لأخذهما بعينِ الإعتبار. الأولى كانت عبارةٌ عن برقيةٍ مستعجلةٍ و مفاجئةٍ, مرسلةٍ من وكالة المخابرات الامريكية الى البيت الابيض, و التي يُشارُ فيها الى حقيقةِ إنه؛ " طِبقاً للمعلوماتِ التي لدينا, فإن هجوماً عراقياً على الكويت قد أصبح مُمكناً ". كانت أجهزةُ مُخابراتِ البيت الابيض قد حذَّرت من إمكانيةِ حصولِ هجومٍ عراقيٍ و لكن على إسرائيل و ليس على الكويت. لقد تَمَّ النظر الى مِثلِ هذهِ المعلومات بِشكٍّ كبيرٍ و لم تُغيِّر شيئاً من الخطِ السياسي للحكومةِ الأمريكية. بعد ذلك بوقتٍ قصير, وصل الى العاصمةِ الفيدرالية وفدٌ إسرائيليٌ رفيعُ المستوى. لقد كانت التحليلات التي عَرَضَها هذا الوفد تُثيرُ التشاؤم. إذ تُشيرُ بِأَنَّ الطابعَ المُعتدل للنظامِ العراقي هو لذرِّ الرمادِ على العيون. ذلك إنَّهُ و مُنذُ شهر شباط و لحد الآن, لم يَتَوَقَّف صدّام حُسين عن تصعيدِ مواقفهِ المُعارضةِ. فهو يطلبُ رحيلَ البوارجِ الأمريكيةِ التي تقومُ بالمُراقبةِ في الخليج, داعياً في الوقتِ نفسهِ العربَ بِتفعيلِ سلاحِ النفط. و لم يَكتَفِ بتهديدِ إسرائيل الحليف الرئيسي للأمريكان, بل هو أشارَ الى إمكانيةِ إستعمالِ الأسلحةِ الكيميائيةِ ضِدَّها. و اخيرآ, فإنَّ إصرارَهُ على التقويةِ المُستمرةِ لترسانتهِ العسكريةِ الضخمةِ, هي علامةٌ إضافيةٌ على إرادتهِ العدوانية.
و رغم ذلك لم يُلفح الإسرائيليون بإقناعِ الأمريكيين بِمُشاطرتِهم القلق, بل فَسَّرَ بعضُ محدثي الوفدِ الإسرائيلي من الأمريكيين الأمرَ و حاولوا إقناعَهُم بذلك, بِأنَّ اللهجةَ العراقية التهديدية, هي ليست إلا للدفاعِ عن النفس, و مَرَدُّها الخوف العراقي من هجومٍ إسرائيليٍ آخر, هذهِ المَرَّة ضدَّ المَعاملِ التي تصنعُ الأسلحةَ الكيميائيةَ, بينما فَسَّرها البعضُ الآخرُ من الأمريكيين بأنَّها للرغبةِ الشديدةِ لدى صدّام حُسين لِيَبرُزَ كزعيمٍ أوحدٍ للعرب. لقد كُنا أمامَ حالةٍ غريبةٍ و بيِنةٍ من الغباءِ السياسي. فبالنسبةِ لِرجُلِ العراق القوي, لا تُخفى على أحدٍ نظرتهُ القاصرةُ للعالمِ. فالرجلُ لا يُجيدُ إلا العربية و لم يُسافر الى الغرب الا سنة 1975 الى فرنسا, عندما تفاوض مع صديقهِ رئيسُ وزرائِها آنذاك جاك شيراك من أجلِ شراءِ مُفاعلٍ نوويٍ. و صدّام لا يعرفُ الشيءَ الكثير عن الولايات المتحدة. إذ فوجىءَ ذاتَ مرةٍ و أثناءَ حديثهِ مع زائرٍ غربي عندما أخبرهُ الأَخير, بأنهُ يمكن توجيهُ أيِّ إنتقادٍ للرئيسِ الأمريكي دون الوقوعِ تحتَ طائلةِ القوانين, بالعكس من مثيلاتِها من القوانين الشديدةِ جداً في العراق, و التي يُعاقبُ فيها مِثلُ هذا الإنتقاد بِالإعدام و بدونِ رحمة. و لم يفهم أيُ أحدٍ في واشنطن إنّ مثل هذا القصور الشديد في بصيرةِ صدّام حُسين سيجعلَهُ شخصاً خطراً جداً.
كان يَتَصَرَّف مع العالم بنفس الطريقةِ التي يَتَصرَّفُ بها في العراق مع العراقيين, و دون أن يفهمَ و يأخذَ بعينِ الإعتبار, الأنظمةِ و الضوابطِ التي تَحكُمُ العلاقات الدولية .. كان لديهِ و لسنواتٍ عديدةٍ, مُمَثلٌ و سفيرٌ و خيرُ مراقبٍ , بشخصِ سفيرهِ في واشنطن نزار حمدون. ذلك الدبلوماسيُ المُحترم الذي كان يَمتلِكُ الكثيرَ من العلاقاتِ الوثيقةِ مع العديدِ من الشخصياتِ السياسيةِ الأمريكية ذات المستوى الرفيع. بعدَ شهرٍ من إندلاعِ أزمةِ الخليج*, صَنّفتهُ الصحيفةُ الشهيرة WaII Street JournaI؛ " كأحسنِ سفيرٍ أجنبيٍ بحق شَغِل منصبهُ في الولايات المتحدة ". إستُدعي حمدون سنة 1987 لتنصيبهِ كوكيلٍ لوزيرِ الخارجية, بينما لم يمتلك خليفتهُ, لا عِلاقاتهِ و لا أريحيتهِ. كانت هذهِ المُلاحظة قد طرحها أمام صدّام حُسين, بعضُ الشخصياتِ الأمريكية, مثل " جون كيلي " و " روبرت دول ". أضف الى ذلك, المواقف المُتناقضةِ التي إعتدمتها القيادة الأمريكية و التي ينقُصُها العزم و تمتازُ بالتَردُدِّ و المراوغةِ و الانحيازِ أكثر فأكثر نحو المُهادنةِ لا نَحوَ الصِدام! تلك كانت حقائقاً مليئةً بالعواقبِ الوخيمةِ في المستقبل.
في 21 مارس حدث أمرٌ كان هديةً رفعت حرارةَ الموقفِ بِعدةِ درجاتٍ. إذ قام جنديٌ إسرائيليٌ بقتلِ 7 فلسطينيين عُزّل تماماً. و رَغمَ الإدانةِ السريعةِ من قِبل إسرائيل لهذا العمل إلا إنّ الإضطرابات إندلعت في الأراضي الفلسطينيةِ المُحتلةِ, " الإنتفاضة " التي أبطأت خُطاها قبلَ بُضعةِ أشهرٍ, و راحت تَشتدُّ بِعُنفٍ. هذه المأساة حدثت في لحظةٍ ليس هناك أسوأ منها و بأسبوعٍ بالضبط قبل إجتماعِ الجامعةِ العربيةِ المُقرَرِ عقدهُ في بغداد لإدانةِ الهجرةِ الواسعةِ لليهودِ السوفيتِ إلى إسرائيل. بعد هذا الحادث مُباشرة, أوقفت واشنطن إقتراحاً لِمُنظمةِ التحرير الفلسطينية في مجلسِ الأمنِ, و التي تدعو من خلالهِ لإرسالِ مُراقبين دوليين إلى الأراضي المُحتلةِ. هذا الموقف عزَّزَ المواقف المُضادَّةِ للأمريكيين و التي تَمّ التعبير عنها - على أيِّ حالٍ - و بإصرارٍ في كُلِّ العالم العربي. الأُردُن مثلا ً, واجهت مُظاهراتٍ عنيفةٍ و دامية. و في يوم 24 مارس, و في مناسبةِ حفلةِ إستقبالٍ عُقدت في حدائقِ بلاطهِ الفاخرةِ, كان الملك حُسين يبدو غارقاً في أفكارهِ و هو يَتجَوَّل بين مجاميعِ المَدعوين, موجِّهاً كلماتِ المُجاملةِ لهذا المدعو أو لذلك, كان يَبذُلُ جُهداً كبيراً في الإحتفاظِ بأناقتهِ و كبريائِهِ الأسطوري. و رغم ذلك, و من خِلالِ جُملةٍ هُنا أو مُداخلةٍ هناك مع المُتحَدِّثين, يَتَّضِحُ إنّ كُلَّ شيءٍ يُشيرُ الى درجةِ تَوَرُّطِ الملك؛ " خلال إجتماعِ القِمةِ القادمِ في بغداد, سأطلبُ و بِإلحاحٍ مُساعدةٍ ماليةٍ للأُردن و لمُنظمةِ التحرير الفلسطينية ". إذ أكَدَ لهُ صدّام حُسين, و قبلَ وقتٍ قصيرٍ مِن هذا الموعِد, قائِلآ: " سأُجبِرهم أن يدفعوا ".
كان الواحدُ و العشرون مَلِكاً و رئيساً و أميراً عريباً, و الذين إلتقوا في صباحِ 28 مارس في بغداد, ليسوا على عِلمٍ بالسيناريو الذي وُضِعَ سِراً لهم. فَهُم جاؤوا الى العاصمةِ العراقيةِ, لإدانةِ سَيلِ هجرةِ اليهود السوفيت, و لمساندةِ تهديداتِ صدّام حُسين بِشأنِ تدميرِ نُصفِ إسرائيل.. مَلُكُ العراقِ كان بَطلُ هذه القِمَّةِ. فمُنذُ جمال عبد الناصر, لم يظهر أبداً أيُّ زعيمٍ عربيٍ يُقلِقُ الدولةَ العبرية بهذا الشَكلِ الذي فعلهُ صدّام. و مع ذلك, فإنَّ اللقاءَ إتخَذَ مَنحاً مُحيِّراً. في بدايةِ الجَلسَةِ, و أمامِ دهشةِ الجميع, إقترحَ صدّام جلسةً مُغلقةً للقادةِ فقط. و حاولَ المَلكُ فهد الإعتراض, و لكن عبثآ, إذ وَجدَ نفسهُ في الأقليةِ, فإسَتسلَم للواقعِ. و حَسَب طلبِ صدّام حُسين, سِيقَ زُعماءِ الدولِ, و لوحدِهم فقط , وتَمَّ وضعَهم في قاعةٍ مُغلقةٍ, و لَم يُسمح لأيٍ من مُساعديِهم من دخولِ القاعةِ. و لقد أوضَحَ صدّام بِأنَّهُ؛ " لا داعي أن يسمعَ الآخرون الامورَ التي نُريدُ أن نَقولَها ". و أبتدأَ صدّام حُسين حديثهُ, و بدلاً من مُهاجمةِ إسرائيل و الولاياتِ المُتحدة, كما كان يَتوَقَّع الجميع ذلك, إبتدأَ يشجبُ و بشدةٍ موقفَ دولِ الخليج, و كان يضربُ بقبضتهِ بعنفٍ على الطاولةِ التي أمامهُ: إنّهم يستخرجون كميات كبيرة من البترول مُساهمين بذلك في خفضِ سعرهِ الى أقصى حَدٍّ! إذ إنّ كُلَّ إنخفاضٍ لسعرِ برميلِ البترول بدولارٍ واحد, يجلِبُ للعراقِ خسارةً تصلُ الى مليارِ دولار في السنة, و هكذا فنحنُ أمامَ حربٍ إقتصاديةٍ حقيقيةٍ فجَّرتُموها ضد بلدي! كان الصمتُ يسودُ القاعةَ و كأنَّ الحضورَ أموات و هم أحياء! و كان أولُ مُجيبٍ بل الوحيد, الشيخ زايد رئيسَ دولةِ الأماراتِ العربيةِ المتحدة. هذا الرجلُ الطويل النحيف , بعبائتهِ البيضاء التي نُسِجت من خيوطِ الذهب. فأجابهُ صدّام حُسين: " أشكُرُ الإمارات العربية التي كان لها موقفٌ إيجابيٌ تِجاهُنا, و لكنني أُحذِّركُم بأنني لن أنسى بعضَ أفعالِكُم مِثلَ تزويدِ إيران عن طريقِ إمارةِ دُبي, بالسُفنِ المُحَمَّلةِ بالأسلحةِ و الأعتِدَةِ العسكرية. و سوف يأتي اليومُ الذي ستدفعونَ فيه غالياً ثمنَ كُلِّ هذهِ الأعمال.
كان حُسني مُبارك مُطرِقاً ينظرُ الى الطاولةِ التي أمامه و هو يغلي من الغَضب, بينما يَتجَوَّلُ القذافي بِنظراتهِ الساخرةِ بين وجوهِ رؤوسِ هذه القِمّة, في الوقتِ الذي يبدو فيه الملكُ فهد و بِمنظرهِ الحزين أصلا ً, ضحيةَ مشاعرٍ مُتضاربةٍ من الرُعبِ و الملل. كان خُطابُ صدّام حُسين المُرتَجَّل تماماً, خليطاً من المطالبِ العنيفةِ و الإتهاماتِ الواضحةِ المُباشرةِ و الحكاياتِ العربيةِ التي إستعمَلَها كدلائلٍ و حِكَم. كان يَتكلَّمُ بشاعريةٍ, بينما كانت حركاتُ يديهِ التي تُرافقُ تَصريحاتَهُ, تزدادُ شيئاً فشيئاً؛ " أيُها الأخوة, إسمحوا لي أن أحكي لكم حِكايةً قديمةً, رُبما يعرفُها البعضُ مِنكُم. في يومٍ من الأيام, و في قريةٍ صغيرةٍ , حدثَ مُصابٌ جلل, و طُلِبَ من الجميعِ أن يُساهِموا بشيءٍ ما مِمّا لديهِم للتعويضِ عن الخسارةِ. و في هذهِ القريةِ كان يَعيشُ رَجُلٌ فقيرٌ جداً, لم يَكُن يملكُ شيئاً, و لِذلكَ قَررَ أهلُ القريةِ أن لا يَطلبوا منه شيئاً, و لكِنَّ الرَجُلَ الفقيرَ إقتربَ منهم و قال لهم: سيكونُ عيباً عليهِ أن لا يَشتَرِكَ معهم في شيءٍ, ثُمَّ تَبَرَّعّ بالشيءِ الوحيدِ الذي كانَ يمتلِكَهُ, و هوَّ قِدر من النحاس. حَسَناً, في هذا الإجتماع, فإنَّ الرَجُلَ الفقير هو العراق, و لكن نحنُ لا نَتراجع عن إلتزاماتِنا و سوف نُقَدِّم 50 مليون دولار الى الاردن و 25 مليون دولار لِمُنظمةِ التحرير. هذا سيكونُ ضغطاً أخلاقياً على هؤلاءِ الذين ليسوا مُستعدين للمساهمةِ. أنُتم على إطلاعٍ على كُلِّ التضحياتِ التي وافقنا على تَقديمِها طِيلة السنين الماضيةِ, بينما لم يَحتَرِم الآخرونَ الإتفاقات المَعقودةَ ". في هذهِ اللحظاتِ, كان صدّام يُسَدِّدَ نظراتَهُ الغاضبةَ نَحوَ جابر الصباح, أمير الكويت و الذي كان جالساً لِبُضعِ خُطواتٍ عنه! كان هذان الرَجُلان يحمِلان كُرهاً قديماً أحدُهما للآخر, ثُمّ أضاف قائِلآ: " حُصَصُ منظمةِ أوبك حتى شهر آذار, تَنُصُّ على إنَّ حُصَّةَ الكويت اليومية, هي 1.5 مليون برميل. في الحقيقة فإنّ الكويت تُنتِجُ 2.1 مليون برميل يومياً, و هذا هوَ على حِسابِنا نحنُ. إنّ العراقَ يُريدُ أن يَستعيدَ وضعهُ الإقتصادي الذي كان سنةَ 1980 و قبلَ الحربِ مع إيران و في المستقبل القريب. نَحنُ بِحاجةٍ ماسةٍ الى 10 مليار دولار, إضافةً لإلغاءِ الثلاثين مليار دولار التي تُمثِّلُ ديوننا تِجاه الكويت و الإماراتِ المُتَّحدةِ و السعوديةِ من فترةِ الحرب. في الحقيقة, أيُّها الأخوة العرب, لا بُدَّ لنا أن نقولَ بصراحةٍ, بأننا نعيشُ اليومَ ولادةَ صراعٍ جديدٍ ", ثُمَّ راحَ صدّام يتكلَّمُ بنبرةٍ غاضبةٍ؛ ".. لا يمكنُ تعريفُ العدوانِ, عندَ إستعمال العدو لِمُعداتِ الحربِ كالمدافعِ و الدباباتِ و السفن فقط, بل من المُمكنِ أن يكونَ في شكلٍ خفيٍ آخر, هكذا, مِثلُ إغراقِ الأسواقِ بالبترولِ و بإحداثِ الخسائرِ الأقتصاديةِ و الضغوطاتِ التي تُعدُّ لِجرِّ شعبٍ كاملٍ الى حالةِ العُبوديةِ ". هذهِ الكلماتُ الأخيرة, كانت قد تُلِيت في جوٍ من الهدوءِ الجليدي الذي كَسَرَ طوقهُ الملكُ حُسين عندما أضافَ قائلا ً: " لا يجبُ القيام بأيِ عملٍ من شأنهِ التأثيرِ سلبآ على العراق من الناحيةِ الأقتصادية ". وهنا حانَ دورُ المُتهمين للردِّ, و في المُقدمةِ مِنهم, الملك فهد و أمير الكويت, و اللذينِ صاغا آراءآ عامةً لم تُشَّجِع العراق و لم تَعِدهُ بأيةِ مُساعدةٍ. إنّ أكثرَ ما أثارَ دهشةَ جميعِ الحضورِ مِن الزُعماءِ في المُؤتمر, هوَ الهدوءَ َ بل عدمُ الأكتراثِ الذي أبداهُ الأميرُ جابر, سِواء في تصرُّفاتهِ أو في تصرُّفاتِ وفدهِ! كانت هُناكَ حالةٌ تشبهُ حالةَ الإستخفافِ, تِجاهَ الموقفِ العراقي! لقد إرتفعَ إنتاجُ أُوبك ثلاثَ مراتٍ مُنذُ إنتهاءِ الحربِ العراقيةِ الإيرانية و بِطلبٍ صريحٍ من الكويت, و التي لم تُنكِر هذا الأمر أمامَ المبعوثين العراقيين. يرغبُ الكويتيونَ أن يُسَمّى بلدهم, سويسرا الشرق الأوسط. و كانوا يُحاولون تناسي التعريفَ الذي أطلقهُ العراقيون عليهم, بأنَّهم؛ " بئرُ نفطٍ حُوِّلَ الى دولةٍ "! كما تناسوا مُحاولةِ الغزو التي قامَ بها صدّام حُسين سنةَ 1973. إذ إحتلت القواتُ العراقيةُ وقتَها, كُلَّ شمالي الإمارة ولكنَّها إنسحبت سريعاً نتيجةً لضغطِ العالمِ العربي.
كان حُكّام العراق يُشيرون عِندَ تعريفِهم بأهدافهِم السياسية, الى ماضي العراق ذي الخمسةِ آلافِ سنةٍ, من المفاخرِ التي يعرضونَها بشكلٍ إيجابيٍ. كانوا يعيشونَ مُنغمسينَ في تاريخِ إمبراطوريةٍ عابرةٍ, و هُم يُحاولونَ إحياءَ قوتِها و نفوذِها, بينما كان الكويتيون تُجّاراً بِطبعِهم و مُؤَهلين لإدارةِ أملاكهم, و هم مشغولون في مُتابعةِ إستثماراتِهم التي وزَّعوها في العالمِ كُلُهُ. كانوا يُؤمنونَ بأنَّ التهديدات العراقية, تصطَّدمُ في حاجزٍ واضحٍ, ذلِكَ إنَّهُ في التاريخ الحديث, لم يحدُث أبدآ بأنَّ شعباً أو دولةً عربيةً, غزت دولةً عربيةً أُخرى. مع ذلك , فإنَّ هُناكَ حِكمةً موروثةً يَمكنُ تطبيقها على الكويت, و نَصُّها يقولُ: ب " أنَّ عالمآ بدونِ ذاكرةٍ سيصبحُ عالماً بدونِ مستقبل ". و إستمرَت المُداولات المُلتهبة, في رُدهاتِ البلاط, وذلك بعدَ كلمةِ صدّام حُسين. المُحصِّلةُ التي وُضِعت أمامَ جميعِ قادةِ الدولِ و أمامَ الوزراءِ و المستشارين الدبلوماسيين, كانت تُشيرُ بوضوحٍ, بأنّ النظامَ العراقي و زعيمَهُ, يُعانيان من صعوباتٍ خطيرةٍ جداً. و لم يكُن إلا بُضعةٌ من المُنَظِّرين الأذكياء, الذين يمكُنَهم التَكَهُنَ بأنَّ الحلَ الوحيدَ الذي بقي في يدِ صدّام, هو أن يضعَ يدَهُ على الكويت.
__________________________________________________________
* الحربُ بين إيران و العراق – المُؤَلف.
#سعدون_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟