أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحكيم الشندودي - الدلالات الاجتماعية للسرد بالمناوبة في رواية -أبنية الفراغ- لمحمد عز الدين التازي















المزيد.....

الدلالات الاجتماعية للسرد بالمناوبة في رواية -أبنية الفراغ- لمحمد عز الدين التازي


عبد الحكيم الشندودي
كاتب وباحث

(Chendoudi Abdelhakim)


الحوار المتمدن-العدد: 5053 - 2016 / 1 / 23 - 23:42
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    



إن رواية «أبنية الفراغ»1 عمل يقف في نقطة جماع بين الدلالة الاجتماعية بكل حمولتها الإيديولوجية وبين الفن، وخاصة الفن الروائي بعجائبيته وتحليقاته السردية. وأي دراسة تفكر في خوض غمار استجلاء الروح الإبداعية في هذا العمل تستدعي أيضا الخوض في استقصاء الواقع الاجتماعي وما يؤثره من دلالات بالغة الأهمية.
في البداية أود أن أشير إلى أن عنوان الرواية يقف في موقف العتبة المؤدية إلى الدلالات المترتبة عنها. رغم أنه عمليا لا يرد في الرواية نفسها إلا على لسان مصطفى القزم في حواره مع علي المكاوي حينما يقول له « نحن في السيرك نبني الفراغ»، « الفراغ هو الفراغ الفراغ هو العالم » 2 فالفراغ هو المتعة والنسيان ، وعلى هذا الأساس فعنوان الرواية هو أبنية المتعة والنسيان. أبنية غير دائمة، متع عابرة، كل الذين انخرطوا فيها غير راضين عن أنفسهم يفكرون في سبل الخروج منها. أوضاع ليلية غير مرئية، أوضاع خارجة عن نظام الأسرة التقليدية. أوضاع تستحق أن يقال عنها أن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

السرد بالمناوبة :

تحكى الرواية من وجهة نظر أبطالها. أبطال محطمون، منكسرون « ليسوا قدوة حسنة لأبنائهم »3. تتولى كل شخصية سرد حكايتها التي تتقاطع حتما مع حكايات الشخصيات الأخرى، وتنعكس طبائع الشخصيات على رؤيتها السردية، فالصيغة السردية تتوافق مع طبيعة شخصية السارد فكما أن " بديعة " منظمة وملتزمة في حياتها بالقيم الأخلاقية والدينية، فإن سردها كان سردا منظما ومرتبا وأخلاقيا. أما سرد " علي " مثلا فهو مضطرب ومتداخل مثله، ويفتقر إلى انسجام فقراته، سرد يتداخل فيه ما كان بما هو كائن وبما سيكون، سرد مركب وجريء تغيب عنه المسحة الأخلاقية. ويمكن رد هذا إلى التلقائية في السرد وتوجيه الروائي له، وهذا يعني أن الشخصية/ السارد تحكي بتعمد، تحكي عن وعي. وكأنها في الرواية كانت تنتظر دورها لتشرع في الحكي. فهي تنظم حكيها بالطريقة التي تراها مناسبة ومبلغة لما تريد أن تنقله إلى القارئ. ويوضح هذا الإحالة السردية البعدية التي وردت على لسان الشخصية /السارد إدريس « زوجتي سعاد الدردوري التي سوف تتعرفون عليها فيما بعد »4.
إن اللعبة السردية في الرواية ذات صبغة دائرية مبنية على منطق التناوب والتعاقب، وذلك بقراءة الفعل والحدث من زوايا مختلفة هي زاوية الشخوص المشاركة فيه، فكل شخصية تضيء جانبا من الحكاية، وتخلق غموضا يوضحه السارد الذي يليه، وذلك بتوجيه من الكاتب الذي احتفظ لنفسه برؤوس خيوط اللعبة والتي يقتسمها مع القارئ في استغفال للشخصيات التي تظل تحكي عن أحداث هي مكشوفة مسبقا لدى القارئ، ومنها على سبيل المثال الغياب الغامض والمفاجئ لفارس والذي يضيئه إبراهيم في ص 193 بيد أنه كان مكشوفا من قبل، من قبل قرائن عدة.
إن اللعبة السردية المبنية على الرؤية مع خلقت نوعا من الإيهام بأن الشخصية لا تعرف إلا ما تعرفه الشخصية نفسها، بيد أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تمويه بناه الروائي بطريقة احترافية. فقد وزع الحكاية على الشخصيات ورسم الأدوار، وجعلهم يتحركون ليبنون حكايتهم بأنفسهم وأمدهم بكثير من خصائص السارد العارف، فجعلهم شخصيات واعية بدورها السردي، تنظمه على هواها، مما جعله سردا يقترب في لغته السردية من التحقيق الذي يقيمه المتلقي، وكأن ثمة تهمة خطيرة كل واحد يريد إبعادها عنه. فهو إذن سرد تبريري تبرر فيه الشخصية موقفها من الواقع الاجتماعي المتداعي والآيل للانهيار، مبرزة أن لا يد لها في هذا التداعي وهذا السقوط. وليست سببا في انهياره، بل هي ضحيته، واقعة في ظلمه. ولا تكتفي الشخصية / السارد بذلك بل تعمد إلى إلقاء التهمة على سواها، على نصفها الآخر. ولا يتورع السارد الثاني بعد تناوله الكلمة من تبرئة ذمته وتكذيب من سبقه بل والهجوم عليه كما هو حاصل بين علي وبديعة، فعلي يبدي انتقاده للصحافة المعاصرة باعتبارها صحافة أحداث ، وبديعة تقف موقفا مغايرا عندما تجنح إلى تكذيب علي كاشفة أنه من المدافعين عن الصحافة 2 فتفضح طبيعة عمله الصحافي بطريقة تقويمية يصدر عنها حكم تقول :« مقالاته لا يقرأها أحد ».
ولا تستفيق الشخصية/السارد من دوامتها تلك إلا بعد استفحال الأمر، فنراها تعود إلى صحوتها، تخرج من كهف الفراغ، محاولة أن تعود إلى سابق عهدها، كما فعل إدريس وعلي المكاوي الذي يمني
النفس بالعودة إلى ماضيه يقول : « كم أود أن أخرج من هذا الوقوف فوق ماء النهر وأن أرقب الشمس والأحجار وبداية النهار ».
وخلاصة القول إن اللعبة السردية في الرواية هي الداء والدواء، النار والماء، فهي مكمن الصراع ومحركه، هي كاشفة المواقف المختلفة التي تستمد مفاهيمها من مرجعيات مختلفة، مما يجعلها قابلة للصراع والصدام المستمرين. وهي أيضا محولة الصراع إلى حلول مخلصة للذوات مما هم فيه من اهتزاز وتفكك.

البطل الروائي :

ترك الروائي أمر اختيار البطل المحوري للمتلقي الذي سيختاره بحسب الانسجام الذي يمكن أن تخلقه الشخصية المختارة مع رؤيته للحياة والواقع الاجتماعي. بالرغم من أن علي المكاوي هو الذي يفتتح الرواية ويختمها ويحظى بفرصة ثانية لإكمال وإتمام حكايته . وعلى الرغم من تعدد الشخوص، فإن ثمة قواسم مشتركة بينها، وخيوط ناظمة توحدها، بل تجعلها تصطف في صف واحد، ويصدر عنها صوت واحد.
إن علي أو إدريس شخصيتان لوجه واحد، ويمثلان الفئة المثقفة بثقافة العصر، التي تبنت أفكار الحداثة والمعاصرة والانفتاح والحرية، إذ تحررت من جميع أشكال « المواضعات » الاجتماعية التقليدية، وتماهت مع الواقع الجديد، شأنها في ذلك شأن البطل الاشتراكي الذي تباهت به الرواية الثمانينية والتسعينية. مع فارق جوهري أن جل هذه الشخصيات « المعاصرة » لا تنطلق من موقف ورؤية إيديولوجية واضحة للأشياء تسمح لها ببلورة أفكارها بشكل ينعكس إيجابيا على الواقع. بل هي تائهة وسط واقع مترهل. إن علي الصحافي تخلى عن صحافة الأفكار واستبدلها بصحافة الأحداث، وإدريس المحامي الخصي المغرم بسليمة /طنجة ماتت رجولته وبالتالي لا يعول عليه في تغيير واقع مدينة طنجة.
وفي المقابل نجد بديعة أو سعاد شخصيتان لوجه واحد تفرغتا للأسرة والأبناء ووضعا ماضيهما خلفهما، وسارا على نهج مخالف، عندما تشبثا بالمعطى الديني واتخذاه كخيار لا يمكن التنازل عنه ولو اقتضى الأمر التخلي عن رفيق الدرب والحياة. بيد أن سليمة أو رشيدة أو فارس أو عباد أو إبراهيم أو طنجة أو الدار البيضاء هم وجوه واحدة لعملة فاعلة في الرواية تقوم بدور تشخيص واقع موغل في الضحالة، واقع متحول ومتغير وناقص، لا ينتج سوى شخصيات ناقصة ومحطمة، تعيش على مركبات نفسية، تغذيها أنانية مختلة، تفتقد إلى التوازن المطلوب، فحتى الذين لم يتغيروا مع تغير الواقع واختاروا السير على نمط تقليدي، أي الذين اختاروا المسعى الديني، لم يكن اختيارهم سوى هروب من فشل المحيط حولهم، لذلك اتخذوه ملجأ يحتمون به من حمم الواقع ومن اهتزاز مركبهم الأثيري. فتوحدت بذلك رؤية الكاتب اتجاه شخوصه وصورهم في نتيجة واحدة لا يختلفون عن بعضهم البعض كما صور استحالة التعيش بينهم لتباعد نظرتهم للحياة والواقع. فيستحيل التعايش بين الدين والحداثة. وهذا مؤشر من قبل رؤية الروائي على انفصام مستقبلي بينهما.
هذا الشرخ في الجسم الاجتماعي صورة لنقد يقدمه الروائي للواقع المجتمعي المغربي في مطلع الألفية الجديدة، مغرب تطغى عليه ثقافة الأحداث، وثقافة الاستهلاك، وانقلاب القيم وتفسخها باتخاذ المادة كغاية مرجوة تباح من أجلها مختلف السبل حتى غير المشروعة. والطريق الوحيد للتسلق الاجتماعي لا ينبني على قيمة فكرية أو علمية، أو على خدمة مشروعة، أو على احترام قيمة ثقافية واجتماعية مكتسبة من العمق التاريخي للأمة، وإنما على كل ما هو فارغ. مجتمع انزاح عن لغة البناء والإنتاج، ومحاولة الرقي الاجتماعي بما تحمله كلمة حضارة من معنى إلى الترقي في سلم الفراغ والضياع. إن المقولات الجديدة التي تصنع المجتمع الجديد هي المخدرات، الحانات، السرقة، التهريب، التفسخ الأخلاقي...وأضحت هي نفسها المقولات الثقافية المعاصرة والتي تملأ عناوين الصحف الجديدة، جنبا إلى جنب مع البدائل الجديدة كالحجاب والحضرة الصوفية...هذه هي صورة المجتمع المغربي الحديث أو بالأحرى حداثة المجتمع المغربي الذي حولته إلى مجتمع الفراغ والتفاهة.




1- محمد عز الدين التازي، أبنية الفراغ، منشورات سليكي إخوان، طنجة، 2009
2 - الرواية ص 71.
3 - الرواية ص 57.
4-الرواية ص 224.



#عبد_الحكيم_الشندودي (هاشتاغ)       Chendoudi_Abdelhakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحكيم الشندودي - الدلالات الاجتماعية للسرد بالمناوبة في رواية -أبنية الفراغ- لمحمد عز الدين التازي