نبيل جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1375 - 2005 / 11 / 11 - 10:48
المحور:
الصحافة والاعلام
من واجبات الصحافة ان تكون حاضرة عندما يغيب الجميع وان تقول كلمتها في لحظات الصمت لا ان تنام مع النائمين وتصمت مع الصامتين وتسمع حالها حال السامعين وتقول بعد ان يقول القائلين كما هو حال الصحافة العراقية.
اذ ما زالت الصحافة العراقية تحمل موروثات الاشكال الصحفية المتخلفة في كونها اشبه بنشرات تقرأ بسبب غياب البديل كما ان هذه الصحافة ما زال يغلب عليها الشكل السردي بدل الطابع الاخباري الذي يفترض ان يكون عليه شكل الصحافة الاخبارية الحيةوالفعالة وهو الشكل الاكثر تقدماً لصحافة ايجابية ناجحة .
ولو طالعنا الصحف العراقية اليومية الصادرة صباحاً لاكتشفنا انها تعتمد حدثاً واحداً بصياغات شبه متشابهة مع اختلاف قليل في صياغة العناوين حسب المرجعيات السياسية للصحف وتختفي المتابعات والتقارير الخاصة او ما يميز الصحف عن بعضها البعضص ويمنحها هوية مغايرة.
ما فاجأني قبل يومين من الاستفتاء على الدستور اعلان جريدة الصباح ( اضراب مثلاً عن الصباح لانها الجريدة الاكثر دعماً والاوسع انتشاراً وتوزيعاً ) حول توقفها عن الصدور قبل يومين الاستفتاء وبعد يومين من انتهاء الاستفتاء وتكرر ذات الامر لايام العيد التي تلت شهر رمضان
أن التوقف المطلق عن الصدور لجميع الصحف العراقية من دون استثناء ايام الاستفتاء على الدستور لا بد ان يقرأ بشكل سلبي جداً فلم يكن في العاصمة بغداد قرار بمنع التجوال بل كانت الحياة طبيعية اكثر من الحد المعتاد وكانت بغداد تلك الايام تمتلئ بمئات الاخبار والقصص وما يحصل من نشاط يعبيء عشرات الصحف بالمتابعات والتغطيات وكان هناك الكثير مما يمكن ان تقوله الصحف لجمهورها بما يوازي حجم حدث لم يشهد العراق مثله منذ اكثر من نصف قرن حتى ان الصحافة العربية والغربية قالت في تلك الايام اكثركماً ونوعاً مما قالته الصحافة النائمة التي سارع القيمون عليها بسعادة للراحة لمدة اسبوع كامل مما يؤشر خللاً فادحاً في طبيعة فهم الصحافة العراقية لمسؤولياتها.
ان عملية البحث عن العطل الرسمية والدينية والطائفية لاقتناص فرص للراحة والتعامل مع الحدث كمواطن يستقبل الاخبار عبر الصحون اللاقطة مؤشر لا يصنع صحافة يعول عليها هذا على مستوى الشكل اما على مستوى المضمون فلا يختلف الامر كثيراً فصناعة القصص المستنبطة من داخل الحدث والبحث عن الوان جديدة واشكال مغايرة وتناول ذكي بتغطية اكبر مساحة ممكنة من العراق ووجود مراسل نشيط وغرفة اخبار محترفة تصوغ المضامين وتعطيها الشكل المناسب امر غائب بل لا تعرفه الصحافة العراقية ( الجديدة القديمة )
ثم ان الصحافة هي التي تصنع شكل علاقتها بالجمهور على افتراض ان هذه الصحف تعامل جمهورها على انه جمهور ذكي ولماح وهو يستطيع بالتجربة ان يقيم كل مطبوع بما يستحقه رفضاً او قبولاً دون سؤال القارئ عن التفاصيل وهذه العلاقة التي قوامها الثقة بالمصدور وانتظاره والبحث عنه لا تتم من خلال النوم عند المفاصل الحساسة والمهمة
واذا لم تصنع الصحافة العراقية نفسها بهذا الشكل المحترف اليوم وهي في قلب الحدث فماذا ستفعل مستقبلاًعندما يغادرها الحدث الى اماكن اخرى ؟ فالعراق اليوم هو منجم القصص وقلب الحدث
ولنا ان نتساءل اين الصحافة العراقية من القصص الكبيرة التي تجود بها علينا صحف عملاقة مثل النيويورك تايمز والتي غيرت بنشرها للعديد من القصص شكل الجدل الدائر في العراق وحوله
ان عجز الصحافة العراقية في الارتقاء للحصول على مثل هذه القصص لا ينحصر فقط في الفارق بين صحافة حرة وعملاقة ولها تاريخ فبعض مراسلي الصحف العربية ايضاً والخليجية على وجه التحديد كانت لها قصصها الخاصة ولكن عجز الصحافة العراقية له اسباب عديدة اعتقد من اهما التأخر المهني وشكل العلاقة مع الانظمة السياسية ومصادر التمويل وسوء الوضع الامني والنظرة الى الصحافة ووسائل الاعلام من قبل الحكومات المتعاقبة على انها جزء من الحكومة وهذا ما اثبتته تجربة شبكة الاعلام العراقي .
فقد كان مطروحاً يوم تم تأسيس هذه الشبكة انها سوف تكون شبكة مستقلة ولانها تمول من خزينة الدولة استغلتها حكومة اياد علاوي للترويج لبرنامجه الانتخابي وبعد رحيل علاوي قامت حكومة الدكتور الجعفري بوضع اليد عليها والترويج لسياسة الحكومة الجديدة كل ذلك لان النخب السياسة لا تتقبل فكرة استقلالية هذه الوسائل ليس ذلك فحسب بل لان الصحافة العراقية في خطوطها العريضة صحافة اما حكومية او حزبية فلا وجود بما يشبه المطلق للصحافة المستقلة وحتى تلك التي تزين واجهتها بكلمة مستقلة فهي تدعم بشكل مباشر اوغير مباشر سواء من احزاب او هيئات دولية او دول اخرى فالصحافة التي تم دعمها من هيئات دولية لتكون مستقلة وتقف على قدميها وتدعم مشروعها اكتفت بالفرح العارم لحصولها على منح تذهب مباشرة للحسابات الشخصية لذلك يعاني هذا النوع من الصحف من مشاكل تهدد وجوده وسط حيرة المؤسسات الداعمة له التي يفترض ان لها خبرة في اماكن اخرى من العالم شبيهة بالتجربة العراقي.
واعتقد ان شكل العلاقات داخل الصحف وشكل العلاقات بين الصحافة العراقية والانظمة السياسية يطيل فترة بقاء الصحافة في الفناء الخلفي للمشهد العام في العراق ثم يحولها الى غرفة العناية المركزة لصالح الصحف الوافدة او الاطباق اللاقطة ثم تنتهي العملية بالنجاح ....بموت المريض .
#نبيل_جاسم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟