|
منظمات المجتمع المدني مطالبة بتطبيق إصلاحات
اسماعيل داود
الحوار المتمدن-العدد: 5052 - 2016 / 1 / 22 - 15:05
المحور:
المجتمع المدني
منظمات المجتمع المدني مطالبة بتطبيق إصلاحات
لكي لاينطبق قول الواعظ: “ وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل”
اسماعيل داود*
عدد كبير من المنخرطين في منظمات المجتمع المدني المختلفة، من منظمات غير حكومية، نقابات عمالية ومهنية، منظمات اعلامية وغيرها، ساهمت وتساهم وبشكل ايجابي وفعال في الحركات الاحتجاجية المطالبة للحكومة العراقية بتطبيق اصلاحات تتعلق بمحاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية الفعلية. على مثل هذه المطالب الملحة ان تُعزز، وذلك بان يباشر نشطاء منظمات المجتمع المدني بعملية بمراجعة جدية واصلاح لبيتهم الداخلي.
دعوة للرقابة والمراجعة الذاتية، وليست دعوة لقمع ومصادرة حق التجمع وتشكيل المنظمات
من المهم البدء بتوضيح ان هذه الدعوة لاتتضمن وباي شكل من الاشكال تاييد للاصوات المنادية بقمع وتحجيم حق التجمع وتاسيس المنظمات، فهو حق اساسي منصوص عليه في الدستور العراقي وفي اللوائح الدولية، وعامل رئيسي لبناء الديمقراطية. كذلك ان هذه الدعوة لا تعول على دور رقابي خارجي من دائرة المنظمات او غيرها، قدر تعويلها على عملية اصلاح داخلية يقوم بها نشطاء المجتمع المدني انفسهم بناء على التجربة والخبرة المتحققة في العقد الماضي.
(1) الحكم الرشيد من الشعار الى الممارسة
حصل في احد اللقاءات في عام 2006 ان تحدثت مع رئيسة منظمة ضمن احد التدريبات ،حول ثمن تنقلها من مدينتها الى مكان التدريب، وكانت قد جلبت ايصال بمبلغ كبير، فقلت لها، اسف لن استطيع صرف المبلغ لانه ليس واقعيا وان كان في ايصال رسمي، فردت “ استاذ انت اكثر خبرة مني، برأيك شكد لازم اكتب بالوصل”! فأجبت “اكتبي الكلفة الحقيقية”! وتسبب الحادث “بزعل” الزميلة ولغاية يومنا هذا! وبشكل عام تعتبر مشكلة توثيق المصروفات، وتوفير ايصالات لابواب الصرف المختلفة للانشطة والمشاريع، مسألة معقدة في بلاد فقدت كثير من مقومات العمل النظامي. لكن من المفترض اول الامر ان تتوفر حسن النية والحرص على ان تكون مبالغ الصرف حقيقية وتعكس السعر الملائم لطبيعة النشاط، وهذا ما على المنظمات ان تتمرن عليه وان تعوّد عليه ناشطيها وموظفيها المعنيين، وهو مفتاح الادارة الجيدة للموارد.
اما مَن دخل الى هذا المجال بهدف تحقيق الربح والمغانم فهو واهم ويجب عليه ان يتحول الى القطاع الاقتصادي الربحي ، ذلك اجدى له ولمنظمته. علماً ان الادارة الجيدة ومبادئها تنطبق على كل القطاعات: حكومي، مجتمع مدني او اقتصادي ربحي، ذلك لمن يريد ان يُتم عمله بجد وحرص!
ومن المشاكل المزمنة التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني، التبذير. مثلا الاثاث الضخم للمكتب (كراسي كبيرة، حواسيب ،شاشات التلفاز)، الصرف على الفنادق الغالية خمس او اربع نجوم، تبذير الطعام، والكميات المبالغ بها من مواد الطباعة غير المستثمرة. كل ذلك ارتبط بعمل منظمات المجتمع المدني خلال العقد الماضي. التبذير نوع من انواع الفساد المستمر والخطير ، لانه فساد يسير بشكل مبطن، وعلى المنظمات ان لا تقلل من هذه المشكلة. كنا قد د’عينا انا وزملاء لي لزيارة تدريب اعدته منظمة صغيرة، وعند وقت الغداء سالت الزملاء عن العدد المحدد لمن يحضر الغداء فاجاب الزميل : “ لتشيل هم احنة نطلب 50 وجبة وهوة (صاحب المطعم)يراعينا في السعر “ قلت نعم لكن عدد من حضر التدريب لم يتحاوز 30 شخص، فمن سياكل المتبقى! وفي زيارة لمقر منظمة اخرى، لفت انتباهي وجود التلفاز في اكثر من مكتب، فسألت : متى تعلمون وكيف تركزون، اذا كان التفاز مفتوح؟ فاجاب زميل منهم : “لا استاذ هاي بس علمود الاخبار” ، الطريف بالامر ان التلفاز كان على قناة اخبارية تواصل تقديم الاخبار 24 ساعة في اليوم! ولربما صادفكم انتم ايضا منظمة او اخرى تريد تغيير الحاسوب والطابعة والكراسي و غيرها، ليس لانها لم تعد تعمل بل لانها اصبحت قديمة “مو على المودة” ! وفي كوردستان زرت احد الاتحادات، ودهشت من ان الاتحاد يملك سيارات دفع رباعي ومقر كبير تحسده عليها وزارات في بلدان الجوار، علما ان نشاطه غير واضح بتاتاً.
اما الافة الاخرى هي : استمرار انشطة التدريب من اجل التدريب وليس من اجل غاية محددة ومدروسة ضمن برنامج متكامل. وكل ما يرافق هذه التدريبات أو الورش من صرف. اذكر اننا دعينا عدد من المنظمات وممثلين من وزارة عراقية متخصصة، في عام 2006 لتدريب حول حقوق السجناء، وفي نهاية اللقاء كان هنالك عملية تقييم شاملة، ومن بين التقييم، كان هنالك ملاحظات جدية ومفيدة، لكن بنفس الوقت كانت هنالك تقييمات صادمة: مثلا احد ممثلي المنظمات قال ان “الفندق قديم وان هنالك فنادق افضل بكثير منه” ثم اضاف ان فكرة مشاركة الغرف بين المشاركين غريبة وغير واقعية! وكأن الهدف من التدريب هو تجربة اغلى فندق والاقامة باجمل غرفة! اما من ممثلي الوزارة، فقد طلبوا لقاء خاص، وبعد مدح البرنامج وسيره، سأل احدهم “ لكن اجوركم اليومية قليلة، الامم المتحدة تنطي اكثر بكثير”! واشارتهم حول الاجور كانت حول مبلغ متواضع خصصه المنظمين لتغطية تكاليف العشاء! وفي نفس التدريب حصل ان لفت انتباهي ممثل منظمة كان قد امتنع عن الافصاح برئيه حول التقييم، وكنت قد انتبهت على هذا الامر، فتاملت ان له رئي ناقد، فتقدمت له وطلبت ان يخبرني سراً هل له نقطة معينة يرغب بايصالها لي او للمنظمين؟ فقال بشكل عام التدريب جيد لكن “لماذا لاتعلموا مشاوي فقط للعشاء”! فقلت نعم لكن اقصد للمستقبل ما ذا يمكن ان نعمل بعد هذا التدريب، فاجاب تدريب اخر! … فتصوروا خيبة الامل!
لو سألت نشطاء المجتمع المدني عن اساسيات الحكم الرشيد، خصوصا وان اغلبهم حصل على اكثر من تدريب حول الموضوع، لاجابك عدد منهم بانها: الشفافية، المسائلة والمحاسبة، الفعالية والاستجابة، الرؤية الاستراتيجية وغيرها. وبنفس الوقت لو سألته ماهي الاليات التي تضعها منظمتك لضمان هذه الاسس، لتعذر على اغلبهم الجواب. بل ان البعض اصبح يستاء من ذكر هذه المبادئ وكانها “يوتوبيا” - احلام ليس لها ان تتحقق. والحقيقة ان المنظمات لا تضع اليات محددة لتبطيق هذه المبادئ، فتبقى شعارات وافكار عائمة.
قليلة هي البرامج الجادة التي تستثمر التدريب كوسيلة، وهو وسيلة مهمة ومفيدة، لبناء قدرات في مجال محدد، وفي برنامج يشمل انشطة ما بعد التدريب، قليلة لكنها موجودة. وقليلة هي المنظمات التي تريد ان تحسّن استجابتها وان تقلل من التبذير وان تعتمد ادارة صحيحة، وان تكافح الفساد، مرة اخرى، قليلة لكنها موجودة. المهم هو ان لا نستسلم للامثلة السيئة وان لانسمح لها ولمن يمثلها بان يهيمن على المشهد، بل علينا ان نقُصيها ونشجع الامثلة الايجابية، كذلك يجب ان لا يتطيّر البعض او ينزعج من النقد والمراجعة لمسيرة العقد الماضي، فمن المراجعة الصريحة نتعلم الكثير!
(يتبع)
*ناشط مدني، مسؤول سياسات في منظمة اون بونتة بير… الايطالية، حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية وحقوق الانسان من جامعة سكوالا سانتانتا - ايطاليا. (ورقة معدة لاجتماع تقييم لنشاط عدد من منظمات المجتمع المدني- شباط 2016)
#اسماعيل_داود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سليم الوردي، تبكيك بغداد، يبكيك العراق
-
غيبوبة “كوب 21 “ : قمة المناخ في باريس والمجتمع المدني العرق
...
-
سر الحقيبة الأشورية!
-
قراءة أولية في بنود حماية الاثار الواردة في قرار مجلس الامن
...
-
المثلك يا ابو انيس هذا الوكت مطلوب!
-
زكية جورج لم تكن مُدافعة عن حقوق المرأة ولكن !
-
كُلّ ما حَولنا سياسة، والدليل زكيّة جورج !
-
الى من هم احق بالاحتفال والتهنئة!
-
صديقتي التونسية... تسال عن العراق! (2)
-
صديقتي التونسية... تسال عن العراق!
-
دَرسٌ في الكرامة
-
مشكلة واستبيان!
-
احفظوا الموروث العالمي لنهر دجلة في وادي الرافدين، الاهوار ف
...
-
المنتدى الاجتماعي العراقي
-
الحوار المتمدن مُتَسع للكتابة والنشر والنقد، قلّ نظيرها!
-
حديثٌ في الثقافة والسفارة!
-
ثمانية وثلاثون سؤال حول حقوق الإنسان في العراق
-
ﻻ تنتخبوا أُُم سجاد !
-
العراق و آلية الاستعراض الدوري الشامل
-
عُذراً ، فبناء السلام في بِلادي يحتاجُ لموافقاتٍ أمنية !
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|