من المبادئ القانونية العامة أن تكون البيّنة علي من يدّعي واليمين علي من ينكر، وهذا المبدأ يرتب مسؤولية الإثبات علي من يطرح الإدعاء بالسبل التي
يقرها القانون، فيترتب عبء الإثبات علي المدعي، في حين يتحلل من الالتزام المدعي عليه الذي يبقي عليه أن يؤدي اليمين ويخسر المدعي دعواه.
وفي قضية تفتيش أسلحة الدمار العراقية انقلبت المبادئ القانونية بموافقة وقبول السلطة العراقية المتهمة بحيازة وإخفاء الأسلحة المحرمة دولياً، وأصبح
الاتهام ثابتاً وفق قبول السلطة العراقية التي لم تزل لحد اللحظة تنكر امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، وصدر القرار الدولي بأن علي الحكومة العراقية أن تثبت أنها لاتملك هذه الأسلحة المحرمة دولياً، وفي هذه الحالة الشائكة يترتب علي السلطة العراقية وهي تقف في موقف المدعي عليها أن تقوم بعملية الإثبات وهي من أول مهمات المدعي، أي أن عليها أن تثبت النفي، لتتحمل في هذه الحال موقفين متناقضين ومتعارضين هما موقف المدعي والمدعي عليه، وبالرغم من طرافة الموقف التي حشرت السلطة العراقية نفسها به، فإنه يضعها في زاوية حرجة للغاية حينما قبلت بتحمل عبء إثبات النفي الذي لن يتحقق لها مطلقاً. والحكومة العراقية التي قبلت الالتزام والتقيد بهذا المبدأ المقلوب، إنما تقبل من خلال حالة المتهم أو المدعي عليه (المرتبك) الذي يقبل بالتزام لايقع عبئه عليه ولايتحمل مسؤولية محرراته وأسانيده. وعمليات التفتيش القائمة علي جميع الأراضي والمؤسسات العراقية لاتشكل سنداً من أسانيد الإثبات بالنفي، مثلما لاتدخل في جانب الأدلة التي ينبغي علي السلطة العراقية أن توفرها لتنفي عنها التهمة بحيازة أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دولياً، بالرغم من تقبلها استباحة الكرامة الوطنية والسيادة العراقية وانتهاك إنسانية المواطن الذي لم تستطع السلطة أن توفر له أبسط حماية ممكنة وبقيت متفرجة، تراهن علي ملل المفتشين وارتباكهم في عمليات البحث والتفتيش لعلهم يعلنون انسحابهم من الساحة بعد بروز بوادر اليأس من الحصول علي نتيجة إيجابية لصالح المدعي أو سلبية ضد المدعي عليه. غير أن ما يلفت النظر في العملية أن الحكومة العراقية قبلت عن طيب خاطر وبعد دراسة أن تتحمل عبء النفي وإنكار التهمة إضافة الي تحملها عبء الإثبات وبذلك أوقعت نفسها في مصيدة اللعبة القانونية الدولية لأنها ستخرج خاسرة الدعوي سواء في حالة النفي أو في حالة الإثبات.