|
السعودية تغرق في الازمات ولن ينقذها الا روسيا
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 5051 - 2016 / 1 / 21 - 21:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عند انهيار السلطنة العثمانية في نهايات الحرب العالمية الأولى، فر الجنرالات والولاة الاتراك الى إسطنبول، تاركين وراءهم جنودهم البسطاء وضباطهم الصغار يتسكعون جماعات في المدن والقرى العربية في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق، ويستعطون الأهالي رغيف خبز يسدون به جوعهم او قطعة ثياب يسترون بها عريهم. وكان الأهالي، من كل الأديان والمذاهب والمشارب، يعطفون على هؤلاء المساكين، الذين كانوا حتى الامس القريب يتنمرون عليهم، واحيانا يجمعون لهم بعض النقود كي تساعدهم على السفر والعودة الى اهاليهم. سايكس ـ بيكو ترتفع فوق القبور والمشانق وعلى انقاض تلك السلطنة التي خلفت وراءها حتى عسكرها جنبا الى جنب المشانق والمجاعات والقبور الجماعية، والتي يخجل حتى البوم من النعيب عليها، ـ على هذه الأنقاض ظهرت "اتفاقية سايكس ـ بيكو" و"وعد بلفور". منطقة التجاذب والصراعات الجيوستراتيجية العالمية وبالإضافة الى الأهمية التاريخية لهذه المنطقة، التي تقع وسط العالم، والممتدة من اقاصي افريقيا الشمالية حتى ايران، والتي تشكل مهد الحضارات القديمة ومكونا رئيسيا من مكونات الحضارة الهيلينية، والتي أعطت العالم الدينين العظيمين، المسيحي والمحمدي، فبعد انهيار السلطنة العثمانية واكتشاف النفط والثروات الطبيعية الأخرى في المنطقة، وما فيها من ممرات بحرية وبرية (وأخيرا جوية) للتجارة والحركة العالميتين للسكان والجيوش، تحولت المنطقة بأكملها الى منطقة تجاذب وصراعات جيوستراتيجية عالمية، تجسدت في مختلف الاحتلالات و"الانتدابات" الأجنبية، كما في النزاعات والصراعات والانقلابات والثورات والحروب، العشائرية والدينية والمذهبية والمحلية والإقليمية، التي تغذيها وتدعمها هذه الدولة الأجنبية او تلك. وقد امتد الصراع السياسي ـ العشائري، المدعوم من الخارج، الى شبه الجزيرة العربية أيضا، بما فيها من مقدسات إسلامية، وهو الصراع الذي انتهى بانتصار السعوديين على الهاشميين، وتأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود. "اتفاق كوينسي" بين روزفلت وعبدالعزيز وفي 14 شباط 1945 عشية نهاية الحرب العالمية الثانية تم لقاء خاص بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت على متن الدارعة الأميركية كوينسي في البحيرات المرة في قناة السويس بمصر، ونتج عن اللقاء "اتفاق عرفي" ـ نقترح تسميته مجازا "اتفاق كوينسي" ـ بين "الصديقين" روزفلت وعبدالعزيز، بأن تضع اميركا يدها على نفط السعودية والخليج، مقابل حصول الحكام السعوديين على عائدات "عادلة" حسب التقدير الأميركي، كما مقابل وضع المملكة السعودية تحت مظلة "الحماية" الخارجة التامة من قبل اميركا. السياسة المتحفظة والمحافظة للسعودية ان الضمانات العسكرية والأمنية والمالية، بالإضافة الى الهالة الدينية، منحت القيادة السعودية إمكانية انتهاج سياسة هادئة، متحفظة ومحافظة، ضمن حالة الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية. ومن اجل المحافظة على هذه المكانة او الهالة الخاصة، درج الحكم السعودي على انتهاج سياسة ذات وجهين: خلف الستارة: استخدام اطراف ثالثة ـ فخلف الستارة كان يعمل بهدوء ودهاء (وبدون ضجة إعلامية ما امكن) على تنفيذ السياسة التي يريدها بواسطة اطراف ثالثة تبدو أحيانا ظاهريا مخاصمة له. وظهر ذلك بشكل ناتئ في مناسبتين: حرب 5 حزيران 1967... صدفة! الأولى، خلال الحرب اليمنية بين الاماميين والجمهوريين في الستينات من القرن الماضي، كانت السعودية في اشد الضيق من حشد الجيش المصري على عتبات باب المندب. فجاءت حرب 5 حزيران 1967، التي قامت فيها إسرائيل بتحطيم الجيش المصري تحطيما تاما واجبار قواته في اليمن على الانسحاب، وكأنها ـ أي حرب الستة الأيام ـ "صدفة خير من ميعاد". صدام حسين... دمية للسعودية! والمناسبة الثانية هي: دفع النظام البائد لصدام حسين في الثمانينات من القرن الماضي لشن الحرب الظالمة ضد الجمهورية الإيرانية الإسلامية بعد سقوط نظام الشاه الذي كان مواليا للغرب. وهذا بالرغم من كل التناقضات التي كانت قائمة بين السعودية ونظام صدام حسين. امام الستارة... الترفع المصطنع! اما امام الستارة فقد درج النظام السعودي على التظاهر بالترفع عن أي من النزاعات في الساحة العربية وانه ليس طرفا في أي نزاع، بل صديق الجميع ويساعد الجميع، حتى خصومه ومنتقديه (طالما ان الانتقاد لا يخرج عن نطاق مقاييس "الاعتدال" ولا يطال رموز واسس المملكة). خنق المعارضة الداخلية ومن اجل المحافظة على هذه الصورة المهيبة كانت المملكة تحرص اشد الحرص على عدم خروج أي صوت سعودي معارض الى خارج حدودها، اما المعارضة الداخلية فكانت تقمع بشدة لا نظير لها ويطبق عليها نظام الصمت المطبق. "الربيع العربي" يخرج السعودية عن سياستها التقليدية ولكن الاحداث الأخيرة المترافقة او الناتجة عن "الربيع العربي" المشؤوم، الذي اطلقته المخابرات الأميركية، ألزمت المملكة السعودية على الخروج عن سياستها التقليدية المحافظة والمتحفظة. ونكتفي بالإشارة الى النقاط التالية التي ينطبق عليها القول المأثور: أحرج فأخرج!: المعارضات "اليساروية" و"الاسلاموية" تخذل السعودية! ـ1ـ لقد انفقت السعودية واخواتها عشرات مليارات الدولارات لشراء مختلف اجناس والوان المعارضات العربية، ولحشد وتدريب وتسليح وتجميع عشرات الاف المقاتلين الاسلامويين، الذين كانوا يتسترون بتلك المعارضات، والآتين من كل انحاء العالم، ناهيك عن جيوش الإعلاميين المرتزقة، وذلك بهدف استغلال "الربيع العربي" المشؤوم لايصال الاسلامويين للحكم حيثما تريد السعودية واميركا وتركيا وإسرائيل. ولكن هذا المخطط فشل فشلا ذريعا، لاسباب عديدة أهمها ان الجماعات الاسلاموية ليس لديها أي برنامج اجتماعي او وطني تقدمه لشعوب البلدان التي وصلت فيها الى السلطة. والتستر بالدين الإسلامي هو حجة على هذه الجماعات وليس حجة معها. وتأكد بالملموس ان هذه المنظمات هي على درجة من الانحطاط الأخلاقي والفساد والافساد انها حتى حينما نجحت في قلب نظام الحكم وتحطيم الجيش الوطني ومؤسسات الدولة والمجتمع في ليبيا، بدأت تأكل بعضها بعضا من اجل نهب الثروات العامة والمساعدات والاستيلاء على النفط والمتاجرة به لصالح امرائها وقراصنتها. وحتى في مصر فإن محمد مرسي وصل الى الرئاسة بواسطة صندوق الاقتراع، ولكن انتهى به الامر الى السجن والمحاكمة بتهمة قتل المدنيين. واليوم يخوض الاسلامويون معركة "كسر عظم" مع الجيش المصري والمجتمع المدني المصري. وهكذا وقفت القيادة السعودية في منتصف الطريق حيص بيص لا تدري هل تستمر ام لا في دعم حركة الاخوان المسلمين وتفريخاتها الإرهابية والاجرامية. الفشل الكبير في سوريا ـ2ـ وضعت السعودية وشركاؤها نصب اعينهم الإطاحة بسرعة بالنظام السوري، وطرد الروس من قاعدة طرطوس، والقضاء نهائيا على التحالف بين النظام السوري وايران وحزب الله وروسيا، من اجل وضع اليد من دون أي عائق على مكامن الغاز والنفط التي اعلن عن اكتشافها في شرقي المتوسط. ولكن بالرغم من محاصرة سوريا من جانب تركيا وقسم كبير من الحدود اللبنانية وإسرائيل والأردن والقسم الداعشي من الحدود العراقية، وبالرغم من الحشد الداعشي بعشرات الاف المقاتلين الدواعش في تركيا وفتح الحدود التركية الطويلة لمهاجمة سوريا، فإن الخطة فشلت فشلا ذريعا، فلم يسقط النظام السوري ولم يستطع احد ان يهز اصبع بوجه القاعدة الروسية في طرطوس، بل على العكس انقلب الزورق وبدأ الصراخ والشكوى من "تدخل حزب الله في الشؤون السورية" وحتى "قتل الشعب السوري"، والشكوى من "تدخل الحرس الثوري الإيراني" طبعا. أي ان الهجمة الداعشية العالمية ضد سوريا هي "شأن داخلي سوري" اما قيام حزب الله بتقديم المساعدة الأخوية للشعب السوري الشقيق ضد الهجمة الخارجية الداعشية ومنع وصولها الى لبنان، فهو "عدوان على الشعب السوري". وقد بلغت معايير الكذب والدعاية المعكوسة اشدها: فحينما كان الاسلامويون الأجانب والسوريون ينكلون بالمسيحيين السوريين، كان جورج صبرا وغيره من رموز المعارضة المعهرة يتشدقون بأنه "لا طائفية في سوريا" وان "حزب الله يعتدي على الشعب السوري". روسيا تتدخل ضد الاسلامويين الروس لمنع عودتهم الى روسيا وحينما بلغت اعداد المقاتلين الروس الاسلامويين في سوريا عدة آلاف قررت القيادة الروسية تلبية طلب الحكومة الشرعية السورية بمساعدة الشعب السوري على التصدي لهذا العدوان الفاضح، وللقضاء على هؤلاء الاسلامويين في سوريا، لان عودتهم الى ستتسبب بكوارث للقرى والبلدات التي أتوا منها، وخصوصا لاهاليهم واقاربهم واصدقائهم الذين قد يتصلون بهم. وقامت المناحة الكبرى حينما أنشأت روسيا قاعدة حميميم العسكرية قرب اللاذقية وبدأت حملتها الجوية الفعالة ضد المنظمات الإرهابية في سوريا بالتنسيق التام مع الجيش السوري. وبلغت الوقاحة حتى عند ما يسمى "المعارضة اليسارية والتقدمية" السورية بأن تسمي المساعدة الروسية للشعب السوري بأنها "احتلال روسي لسوريا". القيادة السعودية تخرج عن تقاليدها التحفظية ولكن بصرف النظر عن الجعجعة الاعلامية الفارغة فإن القيادة السعودية اضطرت للخروج عن تقاليدها التحفظية، وقررت التدخل مباشرة في المعركة السورية بطريقتين: الأولى: الدعوة الى التفاوض بين المعارضة المسلحة "غير الإرهابية" وبين النظام السوري، ودعت الى اجتماع في الرياض للمعارضة حشرت فيه كل المنظمات الإرهابية، بما فيها امتدادات داعش والقاعدة، ولكن تحت مسميات أخرى، بهدف انقاذها من الضربات الروسية واعطائها دورا في مستقبل سوريا. والطريقة الثانية هي: ان القيادة السعودية خرجت بمبادرة الى تشكيل قوة جوية عربية وإسلامية مشتركة، على طريقة قوة التحالف التي شكلتها ضد اليمن. وكان الهدف المعلن لانشاء مثل هذه القوة هو المشاركة في مكافحة المنظمات الإرهابية في سوريا، ولكن الهدف الحقيقي غير المعلن فهو ـ وبحجة التنسيق ـ عرقلة فعاليات القوة الجوية الروسية والتجسس عليها ومساعدة المنظمات الإرهابية التي تدعمها السعودية على تجنب الضربات الروسية. روسيا تتهم السعودية بالاسم ولكن بعد تفجير الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء وقتل ركابها الأبرياء الـ224، والتحقيقات التي أجرتها الأجهزة الروسية والدولية المعنية بهذه الجريمة النكراء ضد الإنسانية، وصدور بيان روسي يتهم بالاسم السعودية وقطر وتركيا بالمشاركة في هذه الجريمة، وبعد "الغلطة المميتة" لنظام اردوغان باسقاط الطائرة الحربية الروسية غدرا، وقتل الطيار على ايدي ازلام اردوغان شخصيا، وامتناع القيادة الروسية عن القيام بأية ردة فعل انفعالية انما البدء بتطبيق مقاطعة اقتصادية شديدة وحصار خانق حول تركيا من ضمن خطة متكاملة ـ لإزالة تركيا تدريجيا من الوجود كدولة... السعودية حيص بيص بعد هذه التطورات، المترافقة مع النجاحات المتواصلة التي تحققها الحملة الروسية والتي زادت من فعالية الجيش السوري، وانعكست إيجابيا على الحملة العسكرية المعادية لداعش في العراق، وقفت السعودية في منتصف الطريق حيص بيص لا تدري هل تتقدم او تتراجع عن قرارها بانشاء قوة جوية عربية بقيادتها للتدخل في سوريا. السعودية لا تريد وحدة اليمن ـ3ـ قبل اكثر من سنة حقق الحوثيون وتيار انصار الله انتشارا عسكريا على كامل الأراضي اليمنية، بما في ذلك عدن وباب المندب، وذلك بدون قتال بشكل عام، باستثناء بعض الاشتباكات مع عناصر تنظيم القاعدة حيثما تواجدت. وبدأ تشكيل هيئات السلطة من جديد بعد الفوضى التي عمت البلاد في اعقاب موجة "الربيع العربي" المشؤوم في اليمن. لا بل بدأت المفاوضات بين جبهة الحوثيين وانصار الله وانصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من جهة، وانصار الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، الذي تدعمه السعودية، من جهة ثانية، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها جميع القوى السياسية والقبلية والمذهبية في البلاد. اشعال الحرب الاهلية في اليمن فجأة وبدون تفسيرات واضحة بدأ جناح الرئيس المنتخب وحكومته يعرقلون المفاوضات، ثم انسحبوا الى السعودية. وبدأت العمليات العسكرية لطرد الحوثيين وتيار انصار الله من المدن والمناطق اليمنية، بدعم واضح من السعودية ودول الخليج الموالية لها. وفسر بعض المراقبين ذلك بأن السعودية لم تكن راضية من الأساس عن مفاوضات الوحدة الوطنية في اليمن، وعن بناء دولة يمنية موحدة وقوية الى جوارها، تمسك بيديها ممر باب المندب ذي الأهمية الجيوستراتيجية والاقتصادية العالمية. وبدا ان السعودية تريد من اليمن ان تكون لا اكثر من مدى حيوي ودولة خاضعة لها. ولما تأكدت من النزعة الاستقلالية للحوثيين وانصار الله وحلفائهم، عملت على تعطيل المفاوضات واشعال الحرب الاهلية في اليمن. الافتراءات على ايران لتبرير التدخل العسكري في اليمن وخوفا من العواقب الوخيمة لهزيمة الجناح اليمني التابع لها، اطلقت السعودية حملة إعلامية شرسة، دعمتها آلة البروباغندا الغربية ـ الصهيونية بقضها وقضيضها، تتهم فيها ايران بالتدخل في الشؤون اليمنية والمساعدة العسكرية للحوثيين والعمل على "تشييع" اليمن. وكانت هذه الحملة بمثابة تمهيد وحجة للتدخل العسكري السعودي والخليجي ضد اليمن. وكانت السعودية تأمل في تدويل المسألة اليمنية ووضعها تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة واستصدار قرار بموضعة قوات دولية في باب المندب بحجة "مكافحة القرصنة". اميركا ذاتها تفرمل الاندفاعة السعودية ضد ايران ولكن بنتيجة فشل الحملة الدولية المعادية لايران بخصوص برنامجها النووي السلمي، ووقوف روسيا بحزم الى جانبها، اضطرت اميركا الى توقيع الاتفاقية النووية مع ايران مما يقتضي رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهذا ما جعل اميركا ذاتها أميل نحو تبريد التوتر مع ايران. قرار سعودي بتدمير اليمن ومع ذلك ظلت السعودية مصممة على تشكيل التحالف ضد اليمن، وبدأت حملة القصف الجوي ضد اليمن منذ اشهر. وفي الشهر او الشهرين الاولين لهذا العدوان السافر، استنفد كل "بنك الأهداف" العسكرية والقيادية اليمنية. وكل عمليات القصف اللاحقة صارت تستهدف المدنيين والاهداف المدنية اليمنية. ويظهر بوضوح ان الهدف هو التدمير بحد ذاته، وتحويل اليمن الى ارض خراب وتحويل الشعب اليمني الى شعب مشرد وجائع يعيش على المساعدات الخارجية بحيث تحتاج اليمن الى 10 او 20 سنة لاعادة بناء بنياتها التحتية والدور السكنية للمواطنين. والان فإن عشرات بل مئات آلاف الشبان والرجال والجنود السابقين اليمنيين، الذين دمرت بيوتهم وشردت عائلاتهم ولم يبق لهم شيء يخسرونه سوى كرامتهم التي يفضلون الموت دونها، يتجمعون مع الحوثيين وانصار الله على الحدود اليمنية ـ السعودية، ويتدربون ويتنظمون ويتسلحون ويستعدون بكل الوسائل لاجتياز حدود السعودية ونقل الحرب وتفجير السعودية من داخلها. العمل لاشعال فتنة سنية ــ شيعية شاملة ولتبرير حملتها العسكرية لجأت السعودية أيضا الى شن حملة طائفية ضد ايران، متهمة اياها بدعم ما تسميه "الإرهاب الشيعي" في لبنان وسوريا والعراق واليمن وباكستان وغيرها. ومن ضمن هذا السياق العكر، جاء الإعلان السعودي عن اعدام رجل الدين السعودي الشيعي المعارض البارز الشيخ نمر النمر ليصب الزيت على نار العلاقات السعودية مع العالم الشيعي بأسره. وقد اثار الإعلان عن اعدام الداعية النمر حملة معارضة شديدة في كافة انحاء العالم. وجرت في ايران مظاهرات حاشدة. ولكن للأسف ان بعض المجموعات الغاضبة تمكنت من التغلب على مقاومة الشرطة المكلفة بحماية المؤسسات السعودية واقدمت على اقتحام واحراق وتخريب السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد. قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ومع ان الأجهزة الامنية الإيرانية اعتقلت عددا من المشاغبين واحالتهم الى التحقيق. كما ان وزارة الخارجية الإيرانية أعلنت عن الأسف لما حدث، فإن القيادة السعودية سارعت الى الإعلان عن قطع العلاقات مع ايران. واقتدت بها بعض البلدان الخليجية و... السودان. وحتى لا ينسى احد وجودها، انضمت أيضا الى الجوقة المعادية لإيران... ما تسمى "جامعة الدول العربية". وفي هذه النقطة أيضا تقف السعودية في منتصف الطريق حيص بيص، فهي لا تستطيع وقف حرب التدمير العبثي لشقيقتها التاريخية اليمن، بالأسلحة الأميركية الجوية المتفوقة، وفي الوقت ذاته فهي تصاب بالذعر لمجرد التفكير فيما سيحدث حينما يقتحم مئات الاف وملايين اليمنيين حدود السعودية ويفجرون المجتمع والدولة "السعوديين" من الداخل. ومن جهة ثانية فإن السعودية لا تستطيع ان تتخلى عن قيادتها للحملة الإعلامية المحمومة ضد ايران والشيعة وحزب الله، حتى لا تفقد هيبتها، وبالمقابل لا تجد "طرفا ثالثا" يمكن ان يهاجم ايران او يشن الحرب عليها حتى ولا إسرائيل (لان إسرائيل خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا ـ ولانقاذ جلدها ـ أصبحت اكثر "عقلانية" و"تعطي اذنها" لاميركا وليس للسعودية، او للصقور الإسرائيليين انفسهم)، اما هي ذاتها ـ أي السعودية ـ فإن آخر ما تفكر به، خارج دائرة الجعجعة الإعلامية وفتاوى بعض الشيوخ، هو ان تجرب قوتها الحربية مع ايران، كما فعلت في اليمن وندمت. اميركا تتخلى عن السعودية ولا بد للمراقب الموضوعي ان يلاحظ ان اميركا بدأت في المرحلة الأخيرة تتخلى تدريجيا عن السعودية وتتركها تتخبط في اخطائها، لاضفاء الطابع "الإقليمي" على النزاع، وإظهار السعودية بأنها جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل. وتنصرف اميركا للمساومة بهدوء مع روسيا وايران والنظام العراقي والنظام السوري وحزب الله والفسيفساء اللبنانية والسلطة الفلسطينية ومصر، من جهة، ومع إسرائيل وتركيا، من جهة ثانية، حول مستقبل استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط، بمعزل عن السعودية ودول الخليج. ويعود السبب الجوهري لابتعاد اميركا النسبي والمشروط عن السعودية انها لم تعد تعتمد على مصادر الطاقة السعودية والخليجية، لحاجات السوق الأميركية بالذات، لان اميركا انتقلت، وبعد نضوب آبارها التقليدية، انتقلت مرة أخرى من مرحلة "الدولة المستوردة والمستهلكة" للطاقة، الى مرحلة "الدولة المنتجة والقادرة على تصدير" الطاقة، تبعا لحاجات السوق العالمية. وأميركا اليوم، بما تمتلك من قدرات مالية وعلمية وتكنولوجية هائلة، "تغرد خارج سرب جميع الدول المنتجة للنفط والغاز"، والتروستات ـ التي هي تقرر في نهاية المطاف الخطوط العريضة للسياسة الأميركية ـ هي منشغلة تماما الان في ما سمي "ثورة استخراج الغاز الصخري" لمزاحمة الغاز الطبيعي الروسي. ولكنها وجدت الطريقة لاستخراج الغاز الرخيص بكثافة، ولكنها لم تستطع ان تجد الطريقة الرخيصة لنقله الى أوروبا، للوقوف بوجه السيطرة الروسية الكاملة على أوروبا، بواسطة الغاز، القادمة كالقدر المحتوم. وأميركا مضطرة ان تتابع "ثورة استخراج الغاز الصخري" لاجل استهلاكها الخاص، والا فإنها هي أيضا ستقع في قبضة الكرملين، بواسطة الغاز والنفط، لان كل منابع النفط والغاز في الشرق الأوسط وافريقيا ستشح في الخمسين سنة القادمة. ولسوء حظ اميركا (والسعودية) انها لعبت الورقة الخاسرة في سوريا وفشلت في اسقاط النظام السوري وطرد الروس من طرطوس. وقد بدأ الخبراء الروس في زيارة مطار حميميم قرب اللاذقية تمهيدا لاقامة المختبرات لاستخراج النفط والغاز من حقول شرقي المتوسط الواعدة. الورطة الوجودية للسعودية بعد احداث 11 أيلول 2001 طرح الرئيس جورج بوش الابن شعار "إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير". ومع كل ضبابية هذا الشعار، فهو كان يعني: إعادة النظر في كل خريطة الشرق الأوسط، التي قامت على أساس "اتفاقية سايكس ـ بيكو" و"وعد بلفور". وانه اذا كانت الخريطة القديمة قد قامت على أساس تفاهم الحليفين بريطانيا وفرنسا، فإن الخريطة الجديدة ستقوم على أساس تفاهم الخصمين اميركا وروسيا. وكان شعار جورج بوش يشمل فيما يشمل السعودية وإسرائيل. وهذا ما لم تفهمه في الوقت المناسب ولا في الشكل المناسب لا القيادة السعودية ولا القيادة الإسرائيلية. اميركا أصبحت رهينة في قبضة الغواصات الروسية وهذا لا يعني ان اميركا كانت تتخلى بسهولة عن حلفائها الستراتيجيين. ولكنه كان يعني ان اميركا لا يمكن ان تضع الامن القومي لاية دولة حليفة فوق "الامن القومي الأميركي". فاميركا أصبحت مجبرة على التفاهم مع روسيا وعدم إيصال الاختلافات بين الدولتين الى درجة التصادم المصيري. فروسيا نجحت في الإمساك بنقطة ضعف اميركا وهو وضعها الجزيري. فطوقتها بالغواصات النووية من ثلاثة محيطات، المتأهبة لتدمير اميركا على مدار الساعة. وكان معروفا منذ سنوات ان غواصة نووية واحدة هي كافية للقضاء التام على اميركا، ولكن من باب الاحتياط موضعت روسيا كحد ادنى غواصتين نوويتين في كل محيط. اما الان فلا يعرف عدد الغواصات الروسية التي تحيط باميركا، وكلها أصبحت من الجيل الجديد المسير بالطاقة النووية كذلك، أي لا تحتاج الى العودة الى قواعدها للتزود بالوقود من جديد. وكل الغواصات من الموديلات القديمة والتي يحمل بعضها الصواريخ زنة المائة طن يتم سحبها الى البحر الابيض المتوسط وبحر العرب والمحيط الهادي في الشرق، كي "تلعب شطرنج" مع الاساطيل الأميركية المكشوفة التي أصبحت كلها رهينة في قبضة الغواصات الروسية "النائمة" في أعماق البحار والمحيطات. "الفوضى البناءة" الاميركية وفيما بعد طرحت وزيرة الخارجية الأميركية السيدة غونداليزا رايس شعار "الفوضى البناءة" كطريقة او وسيلة لتطبيق شعار جورج بوش. وجاء "الربيع العربي" المشؤوم كوسيلة تنفيذية لتهديم كيانات "سايكس ـ بيكو" وإعادة بناء الخريطة الجديدة للشرق الأوسط على انقاضها. واستخدمت المعارضات "اليساروية" و"الليبيرالية" و"الاسلاموية"، بالاموال السعودية والخليجية"، كادوات تنفيذ غبية لهذا المخطط. وهذا ما لم تدركه الى الان قيادات تلك المعارضات، التي ستلقى في نهاية المطاف في مكب النفايات. والان تقاتل اميركا، بواسطة تلك المعارضات، بخطة تراجعية تدريجية امام روسيا وحلفائها. وهي مجبرة ان تتراجع. تركيا وإسرائيل والسعودية رقصت بحماس زائد عن اميركا يقول محمد مهدي الجواهري عن العملاء: وعلامَ يوغل في الحماسة راقص بأشد مما ينفخ الزمّار لقد رقصت تركيا وإسرائيل اكثر مما يجب وستدفعان الثمن غاليا، واميركا وأوروبا هما مجبرتان ان ترفعا الغطاء عنهما عاجلا ام آجلا. روسيا: الصديق الوفي للعرب والمسلمين عشية الثورة الروسية سنة 1917 كان لينين يوجه النداء تلو النداء الى "مسلمي آسيا والشرق" للتعاون من اجل التخلص من الاستعمار الغربي. وفور انتصار الثورة فإن السلطة الروسية الثورية هي التي فضحت اتفاقية سايكس ـ بيكو" اللصوصية الاستعمارية. والان لن ينقذ السعودية من ورطتها العويصة سوى ان تصافح اليد الكريمة الممدودة اليها، أي يد روسيا التي اقترحت القيام بالوساطة بين السعودية وايران. طبعا ان روسيا ليست جمعية خيرية. وهي دولة كبرى لها مصالح. ولكن منذ انهيار السلطنة العثمانية الى اليوم، برهنت التجربة التاريخية الطويلة ان مصلحة روسيا هي في تحرير وتوحيد صفوف الشعوب العربية والإسلامية جميعا، وتقدمها ورقيها وعزها. وهذه المعايير هي محك اختبار ليس فقط لصدق الموقف النبيل للشعب الروسي ودولته القومية الجديدة، بل أيضا لصدق أي تيار سياسي او مذهب ديني، يساري او قومي، إسلامي او مسيحي، سني او شيعي، في دعوته الى خير العرب والمسلمين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب العالمية الاسلاموية الأميركية ضد روسيا ...ستنقلب على
...
-
صعود الدولة الروسية وأفول الدولة الاوكرانية
-
القيادة البوتينية تتجه نحو العسكرة الكاملة للدولة الروسية
-
روسيا تقلب المواجهة تماما ضد داعش واسيادها
-
كيسينجر ينعى النظام العالمي لاميركا
-
حذار من الغضب الروسي الآتي
-
تحطيم الداعشية وكسر نظام الآحادية القطبية العالمية لاميركا
-
فشل خطة شرعنة الدولة الداعشية
-
الحرب الجوية الروسية في سوريا ستقلب ستراتيجية الحروب الإقليم
...
-
بدأ العد العكسي للانهيار الداخلي لاوكرانيا
-
الحرب الاهلية الأوكرانية تتجه نحو الغرب
-
العلاقات الروسية الإيرانية سد منيع ضد الامبريالية والصهيوني
...
-
العقيدة الجديدة للبحرية الحربية الروسية: المحاصرة الكاملة لا
...
-
أزمة أوكرانيا ستنتهي بزوالها كدولة
-
اميركا تقع في الفخ الذي نصبته لروسيا
-
اليونان المتمردة تغيّر ميزان الجيوستراتيجيا العالمية
-
بعد اغتيال نيمتسوف روسيا تتجه نحو تغيير كل الخريطة المحيطة ب
...
-
اليونان تنتفض ضد التبعية الغربية
-
الستراتيجية الروسية وأسلحة الليزر
-
بداية ثورة في صناعة الأسلحة الروسية
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|