أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عماد علي - ماذا تعلمت من معمل الطابوق في خانقين















المزيد.....


ماذا تعلمت من معمل الطابوق في خانقين


عماد علي

الحوار المتمدن-العدد: 5051 - 2016 / 1 / 21 - 12:56
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كنت طالبا مجتهدا حسب الزمان التي عشته و بمقياس الاجتهاد و الذكاء لذلك الزمن، لانني لم يكن لدي شيء انشغل به سوى المدرسة و ما فيها، من بيت كادح و اب عتال و ام ربة بيت . و لذلك اضطريت ان انتهز فرصة العطلة الصيفية كي اعمل في معمل الطابوق في خانقين، عسى و لعل انني احقق ما اريد و احصل على ما هو اقل ما يمكن من امنياتي في تلك الايام، و من زمن بائس عشناه دون اية وسيلة تواصل، و حتى التلفون لم يصل الى بيتنا ابداعلى الرغم من وجود ايجابيات فيها ربما افضل من زماننا هذا .
و انا اعمل و تعمقت في فكر ما بين صاحب العمل و والدي و كيف يمكن ان نعيش لو كان ابي كما هو صاحب العمل و لماذا لم يكن هو والدي و والد صديقي الافضا حالا تقريبا، و كان اصحاب المعامل ايضا مختلفين في الصفات و التعامل مع العمال بناءا على اخلاقياتهم وصفاتهم و ليس استنادا على الفكر والفلسفة التي طرحها و اعلنها المفكرون اليساريون حول العمل و الانتاج و فائض القيمة و علاقة صاحب العمل بالعمال و غير ذلك من المعادلات التي تقاس بها العلاقة بين العامل و صاحب العمل، بل لكوننا من منطقة واحدة و الفروقات الطبقية لم تكن كبيرة جدا، فاننا لم نحس بها بداية . و انا كنت مستغرقا في التفكير في هذا الامر عندما قررت ان اشتغل و لم يمانع اهلي بل فرحوا في قرارة نفسهم لما علموا بانني اخفف عمنهم على الاقل مصروفاتي الخاصة ( انني ساعدتهم في امور البيت ايضا) و كان هناك لنا جيرانا شيوعيا و له باع طويل في مثل هذه الافكار منذ نعومة اظافره، و لم يعمل يوما الا و يشتري باجرته كتبا و تعيش عائلته في فقر مدقع، و سُفرت عائلته في الثمانينات الى ايران لما سموهم بالتبعية الايرانية جورا و بهتانا و هو ولد في خانقين مع ابوه و امه، و للاسف مات هناك في طهران بحادث سير، و انا لحد الان مشتاق اليه و الى نصائحه التي اعطاني اياه اكثر من ابي، لك الاسم الخالد يا جاسم . بينما انا كنت مستغرقا في امور و انا اعمل و وجدت ابن صاحب العمل و هو كبير في السن و يعيش في بغداد و هو مرتاح، و صعد من خلال درج المعمل و اخذ مكاني و تكلم باريحية كاملة جاء و وقف و كانه يعلمنا كيفية العمل و نصح العمال بكيفية العمل و عدم التملص بعذر ما، و عندما اخذ مكاني لا لكي يساعدني بل لانه اراد ان يعلمنا هكذا يكون العمل مفتخرا بما هو عليه.
و كان الدرس الاول فيما بين الطبقة الكادحة و البرجوازية بمعناه النظري من خلال العمل على الارض واخذته من خلال العمل في معمل الطابقو، و في ذلك اليوم بالتمام و الكمال . و دخلت في عالم الفروقات الطبقية و اسبابها، و دون ان اكون متعمقا في راي و كتب من رسخوا الكثير عمرهم لبيان ذلك، و كنت في عمر الرابع عشر و خصوصياته و لا يمكن ان تكون متفهما لما يحصل دون ان تكون لك ادنى فكرة عن ما تضمنه الحياة و الناس . فشاهدت من العمال ايضا من كان يتملص بعذر واهي لكونه غير جدي في اي شيء في حياته و في دراسته و عمله و هكذا خُلق، بينما شاهدت و تابعت الاخ جاسم كيف يعمل برزانته و هو كبير نسبيا الى عمرنا باكثر من عشر سنوات و كان لاعبا و يشبه اللاعب العراقي فلاح حسن لعبا و شكلا . و كلما تكلم اتى بمثل و حكمة و عبر ما يدور في خلد كل محب للطبقة الكادحة بشكل علمي و عملي و احسست به و بكلامه و افكاره و توجهاته دون ان اعلم انه يطبق ما آمن به مما قراءه في كتب الشيوعية اطلاقا . كان محبوبا و له كل التقدير من جميع من كان يعمل هناك و هو من طبقتنا المعدمة . و بينما كان هناك من هو اعلى دخلا و افضل عيشا و لم يحصل على اقل نسبة من احترام الاخ العزيز جاسم الذي كثر العراق و كوردستان منهم في زمن الخير . لم يكن المعلمون في المدرسة فقط، بينما الحياة كانت تحوي في ثناياها و طياتها المعلمون العمليون الذي اخذنا منهم دروسا لا يمكن ان ننساها و قد آمنا بها فكرا و عقيدة و فلسفة .
اول درس في الطبقية بدات هنا، و من ثم توجهت نحو ما تعمقت فيه نظريا، و اني لم اترك شيء و لم ابحث فيه بما سمحت لي الوقت و ما توفر لي من الكتب، و لم اترك الدين و شانه بل تعاملت معه عادة كما فضله ابواي لمدة قصيرة . فادركت ان ما نحن فيه ليس كما يقوله الوالدان، و ان الحياة اعمق و اعقد مما امنوا هم بها . و هكذا دارت الايام و لم اكتف بما تعلمته عمليا و تعمقت و وصلت الى الاقتناع الكامل بما هو الحقيقة في الكون و كيف هو البداية وا لتطور، و خط البداية من معمل الطابوق .
كان هناك عمل و عمال و صاحب العمل و فائض القيمة والفرق الطبقي و المعايشة العملية لما هو يثبته الفكر والفلسفة التي تهتم بها اليسارية على ارض الواقع، و انا دخلته و خضته في العمر الرابع عشر و هو الفرصة لطالب اعتبر مجتهدا في دروسه و له حياة بسيطة و من عائلة فقيرة معدمة . فهذا فرض الخوض في عمق ما يجب ان انتهي منه، فيما هو حقيقة ما هي الحياة عليه من الناحية الفلسفية و الايديولوجية و سرت معها لحد اليوم و كيف تغيرت الامورو تغيرت معها و لم ازل اعتقد بان هناك الكثير الذي بداته من معمل الطابوق و لم انته منه .
ما آلمني كثيرا هو عدم وجود الثقافة المطلوبة التي من المفروض ان تكون موجودة بين الطبقة الكادحة، و عدم معرفتهم بحالهم الا بعد فوات الاوان هو الذي مهد لبقاءهم تحت سيطرة اصحاب العمل، و امكانية اللعب عليهم بسهولة لعدم ادراكهم بمقاصد اصحاب العمل و حيلهم، و كذلك سهولة استغلالهم من اجل مقاصد خاصة بهم، عدا الخلافات التي تقع بينهم في حالات تكون فيها الثقافة واطئة، بينما العكس صحيح في المعامل و المصانع الكبرى و التي تفرض الثقافة اليسارية الشيوعية نفسها و تكون الوحدة الطبقية سمة لا يمكن التشتت بها الا بصعوبة . و كلما قل عدد العمال تختلف كيفية التعامل معهم مقارنة مع كثرة العدد التي تفرض نفسها انبثاق نقابة و تنظيم خاص بهم لما تفرضه مصالحهم و كيفية تامين مستحقاتهم و حقوقهم . كل هذا فيظل انعدام القانون او عدم متابعة ما يفترض ان يطبق من القوانين ذات الصلة، و كيفية منع الاستغلال باي شكل كان فارضا نفسه في كل مكان مهما كانت الحياة و مستوى الناس، و بالاخص لدى العمال من الناحية الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية .
مضينا وقتا في المحاولة لمعرفة الحياة و ما فيها من الناحية الاجتماعية الاقتصادية والثقافية، و بما يخص الدائرة التي اهتميت بها من الطبقية و ان ترعرت من بيئة و عائلة في اسفل الطبقة الكادحة ، مع العلم ان مدينتي خانقين كانت تشتهر بانها صاحبة الثقافة العالية و مستوى معيشة الناس قريبة جدا من البعض، و لم تحس بالفروقات الطبقية الا عند التعمق او ما تراه من اولاد الطبقة الاثرياء التي لم تكن الا بعدد اصابع اليد في هذه المدينة خلال شبابنا، و لم يكونو من المسؤلين الحزبيين كما هو اليوم، بل كانوا من رجالهم او لهم الصلة بالسلطة ايضا لضمان مصالحهم ايضا .



#عماد_علي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثابت و المتغير في سياسة اقليم كوردستان
- لماذا تحول المال الى اِله لدى قادة اقليم كوردستان
- اليسار الكوردستاني و اوضاع الكادحين
- الاحزاب الكوردستانية تلعب على البعض
- اللامركزية تقسم اقليم كوردستان ام تمنع الاحتكار ؟
- ماذا تريد تركيا و ايران من هذه المنطقة و كيف تكون ؟
- نداء الى الراي العام
- هل تبرز نخبة من الجيل الجديد في العراق
- هل يحل لنا ان نناقش غير المُناقَش
- تركيا تمثل دور الشيطان في الداخل و الملائكة في الخارج
- طرح الاقتراحات دون ايجاد منفذ للازمة في كوردستان
- كيف ينتعش العراق و باي نظام و قائد ؟
- هل بدات حصانة المذاهب تتساقط ؟
- اختلاق اقاويل غير حقيقية لهدف سياسي
- لماذا يُلتصق انبثاق كل حركة تحررية بجهة ما تضليلا
- هل روسيا ارادت النصر السريع في سوريا ؟
- ماذا بعد داعش ؟
- اصبح اغتيال النساء امرا طبيعيا في اقليم كوردستان
- لماذا هكذا تتعامل امريكا مع اقليم كوردستان ؟
- كيف يتم توزيع الادوار لدول الشرق الاوسط ؟


المزيد.....




- حرب ترامب التجارية: لاغارد تحذر من الانزلاق إلى صراع تجاري ش ...
- -ارتكبوا جرائم من شأنها المساس بأمن الدولة-.. قرار قضائي جدي ...
- مدفيديف يرفض دعوة وزير الخارجية البريطاني لـ-هدنة غير مشروطة ...
- ترامب: تلقينا ردودا جيدة جدا من روسيا وأوكرانيا بشأن وقف إطل ...
- ظاهرة نقص العمالة الماهرة في أوروبا.. كيف يمكن الاستجابة لهذ ...
- الشيباني في العراق.. دعوة لفتح الحدود وتشكيل مجلس مشترك
- -الحياة لا الحرب-.. رسالة نشطاء المناخ من على مدخنة لشركة تص ...
- الإعلان الدستوري.. دستور مصغر للمراحل الانتقالية
- مرشح للرئاسة في الغابون يطالب بمحاكمة -عادلة- لعائلة بونغو
- مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عماد علي - ماذا تعلمت من معمل الطابوق في خانقين