|
الآن - العدد (32) تشرين الثاني 2005
حزب العمل الشيوعي في سورية
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
•إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكل المجتمع. • قيام أوسع جبهة عمل ديموقراطي علني وسلمي. • مقاومة وإسقاط المخططات الأمريكية والصهيونية. • حزب يساري من طراز جديد. نشرة غير دورية تصدر عن حزب العمل الشيوعي في سورية Syria now @ Personal. Ro العدد (32) تشرين الثاني 2005 سعر النسخة 25 ل.س 1ـ الافتتاحية (1) 2 ـ الافتتاحية (2) 3 ـ تقرير المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي /أيلول 4 ـ بصدد ما يسمى إعلان دمشق 5 ـ إعلان دمشق تنازل العروبيون عن القضايا العربية 6_ رسالة إلى إعلان دمشق 7ـ البيان التأسيسي للجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي 8 ـ سوريا دولة نامية أم نائمة 9ـ بانوراما عراقية/ المأزق العراقي 10ـ سياسة غدت عاجزة عن اسناد ذاتها 11 ـ طال انتظاري قديماً وحديثاً 12 ـ ملاحظات مكثفة في العامل الخارجي الأمريكي 13 ـ الإمبريالية والشباب المعجبون 14 ـ الشباب والحياة السياسية 15 ـ العمل من أجل بناء منظمة شبابية 16 ـ إهداء إلى الصديق محمد ديب 17 ـ قاصر في فرع أمن الدولة 18 ـ ذكرى استشهاد إحسان عزو
افتتاحية الآن (1): أهلاً بالرفيق عبد العزيز الخير معنا في «الحرية» صباحك الدمشقي الأول.. عيدك السعيد دكتور عبد العزيز معنا.. من جديد في حرية جديدة. صباحك حريتك الأجمل والأبهى في شوارع دمشق التي أحببت.. قفزت فرحاً من شارع عرفته إلى شارع تذكرته.. إلى زوايا مواعيدك في هذه الشوارع الأثيرة إلى قلبك. نعم تغيرت دمشق بحجم ثوانيك.. دقائقك.. ساعاتك.. أيامك.. شهورك.. وسنوات سجنك الطويل القاسي البارد جداً جداً.. لكن أنت معنا الآن من جديد.. هل يكفي ذلك لدوران ساعات النضال الجديدة في ظروف وشروط جديدة لوطن يستحق تلك السنوات ويستحق الحرية والديمقراطية التي تتفتح براعمها مقاومة استمرارية الديكتاتورية.. وقرقعة طبول المجتمع الدولي بقرارات جديدة ضد النظام الذي سيجر معه الوطن إلى معركته ومعركة أدواته الأمنية ضد مجلس الأمن والعدو المستمر للوطن الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل رأس حربة الصهيونية في المنطقة بعد احتلال بغداد. وإخراج القوات السورية من لبنان الشقيق بقرار دولي. والآن اجبار النظام على التعاون مع لجنة ميلس بقرار دولي. نعم رفيقنا أنت بيننا من جديد في هذه الظروف الجديدة التي يحاول فيها حزب العمل الشيوعي صون عودته إلى العمل السياسي السوري ليحمل من جديد هموم الطبقة التي ادعى تاريخياً تمثيلها، بأعمق الكفاح الطبقي لشعوبنا. على درب شهداء حزبنا. على درب مئات الرفاق الذين قاوموا الديكتاتورية، وتمزقت جلودهم تحت سياط الجلادين، وهدرت سنوات غالية من أعمارهم في الزنازين المظلمة وخلف قضبان القهر.. ونذكر هنا رفيقنا محمد ديب الذي اعتقل حديثاً. وكنا نتمنى أن لا يمر صباح هذا العيد دون أن يكون إلى جانب أطفاله وزوجته.. لكن الأسلوب الأمني القديم ـ الجديد ما زال هو سيد الموقف في بلدنا الحبيب. فإليه ألف تحية.. وكنا نتمنى أن لا يمر هذا العفو دون أن يكون معتقلي ربيع دمشق بيننا وفي مقدمتهم أبو جواد رياض سيف والدكتور عارف دليلة وحبيب عيسى وفواز تللو والدكتور وليد البني والنائب مأمون الحمصي. هكذا في ظل الأنظمة الأمنية مكتوب على شعوبها.. وعلينا السير في عكس حركة التاريخ. لكن هذا لن يستمر إلى الأبد، فالحقيقة القائمة الآن.. وغداً.. وإلى الأبد ان الديمقراطية ستعم رغم ظلمة المعتقلات.. لكن السؤال الذي مازال مطروح ألم يحن الزمن لانتهاء ملف الاعتقال والمعتقلين في زمن فتحت سورية بكل مكوناتها أمام لجنة التحقيق الدولية. فهل دم الحريري أغلى من دماء وسنوات المئات والآلاف من أبناء الشعب السوري التي مررت على أقبية السجن والسجان؟. ألم يحن الوقت ليكون أبناء الوطن أهم من كل المعطيات السياسية المحلية والعربية والدولية؟ هل من مجيب لنداءات أبناء الوطن؟. أخيراً نرحب بك الآن وأنت في حضن اللاذقية.. وأنت ترقب البحر الذي حرمت منه أكثر من عشرين عاماً مابين ملاحقة واعتقال. «هيئة التحرير» 1636وتقرير ميلس خطوات متسارعة نحو التدويل جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1636. الذي يلزم النظام السوري على التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري منسجماً مع تقرير المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي الصادر في أيلول عام 2005 من زاوية التدويل . والقرار ينص " في حال عدم التعاون فإن مجلس الأمن سيلجأ إلى اتخاذ عقوبات ضد سوريا حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قد يصل إلى العقوبات العسكرية ". ويستند قرار مجلس الأمن على تقرير لجنة ميلس والذي وزع منه نسختين احتوت النسخة التي لم تقدم إلى مجلس الأمن على أسماء عدد من الشهود السوريين . ويأتي القرار 1636 في سياق الضغوطات الدولية على النظام السوري وعزله دولياً . وستستمر الضغوط الدولية إلى أن يتم المضي قدماً في مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير . ويسعى النظام لملاقاة القرار الجديد من خلال تشكيل لجنة تحقيق خاصة برئاسة القاضية غادة مراد لتحضير الملفات وذاتيات كل المطلوبين للشهادة، كما أكد النظام استعداده تسليم كل المطلوبين للتحقيق حتى ولو تم التحقيق معهم خارج الأراضي السورية . وبهذه الإجراءات من قبل النظام السوري يضع البلاد تحت سيف التحقيق الدولي المفتوح وغير المحدد من جهة الأشخاص والأدلة كما فعل نظام الطوائف في لبنان .وبذلك يثبت النظام عدم حرصه على ما يتشدق به منذ أكثر من ثلاثين عاماً بالسيادة الوطنية بغاية إنقاذ ما تبقى من النظام الديكتاتوري القمعي . وتأتي عملية انتحار أو نحر اللواء غازي كنعان وزير الداخلية خطوة في هذا السياق.والحملة الإعلامية والشعبية ضد تقرير ميلتس خطوة إضافية أخرى في ذات السياق .ولكن سلوك النعامة الذي مارسه ويمارسه النظام لن يجدي نفعاً أمام تصلب القوى الدولية في مطالبها الإقليمية "حيث غيبت كل مطالب الوضع الداخلي السوري من ديمقراطية وحريات عامة الخ " على مذبح التقليل من جثث الجنود الأمريكان والإنجليز القادمة من العراق، وعودة الأم الرؤوم " فرنسا " لرعايتها لبنان واللبنانيين ، وحصة النظام في الساحة الفلسطينية . وفي السياق ذاته فإن القرار يلعب دور الكابح للنظام السوري في دعمه للإرهاب كما يصنفه الأمريكان وحلفائهم الجدد القدامى مما يؤدي إلى تقليم دور النظام السوري الإقليمي في الساحات الثلاث. و يلعب القرار المذكور أعلاه دوراً في سحب الغطاء الدولي عن النظام وانكشافه داخلياً ( طبيعته المافيوية وفساد رموزه بالمعيار الأخلاقي والسياسي ) وخارجياً. من كل ما تقدم يتضح أن النظام على استعداد لتقديم كل ما هو مطلوب منه دولياً مقابل اخذ مصالحه بعين الاعتبار بينما يسعى في التعاطي مع المجتمع السوري وقوى المعارضة بقمع الاجتماعات تفكيكها وبنفس الوقت القيام ببعض الإجراءات المتعلقة بالحريات العامة بالقطارة _ افراجات سياسية جزئية، قانون أحزاب لا يزال قيد الدراسة وكذلك تجنيس الأكراد الخ _وكأن القرار 1336 هو قرار المعارضة السورية وأن الشعب السوري هو من يريد فرض الحصار على ذاته. وهكذا يكون النظام قد أدخل البلاد والعباد المصيدة الدولية ولا يزال يراهن على عقد صفقات ومساومات تنقذ ما يمكن إنقاذه بينما المطلوب تشكيل هيئة إنقاذ وطنية عاجلة تجمع كافة أطياف المعارضة والفعاليات المجتمعية السورية والنظام دون خطوط حمراء أو صفراء لاطلاق عملية تغيير ديمقراطي سلمي وآمن كخطوة على طريق إلغاء احتكار السلطة في سوريا.وإطلاق الحريات العامة ودينامية المجتمع السوري بحيث تلعب دورها بإدارة الأزمة مع الخارج وبالدرجة الأولى مع الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ الوطن . هيئة التحرير اجتماع هيئة المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي في سورية أيلول - 2005 تدويل الوضع السوري ( المسألة السورية) تداعيات لجنة التحقيق الدولية و المخرج من المأزق التدويل: قد نوافق أو نرفض في الوطن بكل أطرافنا على تدويل الوضع السوري أو قيام مسألة سورية على الصعيد العالمي - كما غدت هناك مسألة عراقية ولبنانية بالتتابع- لكن الآخرين (الأقوياء) قرروا عنا ذلك، وينفذونه فعلياً، فالتطورات تتسارع في هذا الاتجاه ويراد للتدويل أن يكون طريقاً لإجراء تغيرات حاسمة في الوضع السياسي السوري، وإن أول وأكثر من يحس بالأمر ، ويحاول التعايش معه أو التملص منه، امتصاص وتخفيف آثاره عليه بشكل خاص هو النظام السوري بعينه. إن إصرار النظام على متابعة سياساته التدخلية ، القمعية الشاملة، والخاطئة في لبنان، أكثرها سوءاً خطوة التمديد لرئيس الجمهورية اللبناني، والتي افتقرت لأي ذكاء، أو استخدام صحيح للخبرة من منظور مصالح النظام، أطلقت ردود فعل أولية سريعة وواضحة في إطار التدويل للوضع السوري. فجاء القرار 1559 ليؤكد وضع حد، أو إنهاء سياسية الدور والنفوذ الإقليمي وليجبر النظام على انسحاب مذل بكل معنى الكلمة، ويضع هيبته في مهب الريح إقليمياً وداخلياً، لقد وجد النظام نفسه مجبراً على قبول القرار بسرعة وبدون شروط، فالقصة مختلفة عن الماضي تماماً. أما مقتل الحريري وسلسلة المفاعيل اللاحقة، بشكل خاص لجنة التحقيق الدولية وتداعيات عمل القاضي (ميليس) في سورية فقد جعل التدويل حقيقةً تتقدم على الأرض بكامل مظاهرها، وكل هذا يزيد في وتائر التطورات الداخلية الخطرة، ويفاقم الأزمة، كما يجعل مسألة بلورة برنامج للإنقاذ الوطني والبدء بتنفيذه قضية بقدر ما هي شائكة وربما بدأت تخرج من يد العمل الوطني الداخلي بسبب شروطه، وكذلك بسبب تسارع الأحداث والضيق الشديد في الزمن المتبقي – بقدر ما هي ضرورية وملحاحة. حقيقة المشهد السياسي السوري في آخر صوره: قبل القرار 1559 كان الأمر فيما يتعلق بالوضع السوري من حيث الشكل والأهداف والمحتوى أمريكياً صافياً بدرجة حاسمة: مستوى التدخل، الاستراتيجية العاملة، محاولات الاختراق، الاستقطاب، السيناريوهات المطروحة والتكتيكات بين عسكرية وأخرى سياسية بحسب الشرط. أما التدويل فقد أعطى الأمر بعض الاختلافات، وخلق ردود فعل وآثاراً مختلفة. وأول من يدرك ذلك ويتعاطى معه مضطراً هو النظام السوري أيضاً. بالنسبة لنا نقول: 1- على الرغم من وعينا ومعرفتنا بالدور الشمولي، الطغياني والهيمني للإدارة الأمريكية، كذلك دورها كمايسترو لأهم مراكز القوى العالمية، واعتراف الأخيرة بذلك واستجابتها لهذه الحقيقة، في إطار تناقضات المصالح ثم التوافق عليها، ضبطها وضبط الصراعات من الانفلات مجدداً بصورة عنفية ( فهذا خط أحمر ممنوع اختراقه). كل هذا لا يعمي عيوننا عن رؤية بعض الحقائق والفرو قات بين قرار وتدخل أمريكي صرف، وآخر دولي، كما لا يعمي عيوننا عن رؤية الأسباب والتطورات والحقائق الداخلية التي ساهمت في خلق الأزمة ومفاقمتها. إن وجهة نظرنا معروفة وقد تكون متميزة فيما يتعلق بالخطر الرئيسي القائم في الوطن والمتمثل بالصراع والاستقطاب بين استراتيجية إدارة أمريكية متشددة، واستراتيجية نظام ونهجه وطبيعته ومنطقه في مواجهة الأزمة، ذلك الاستقطاب الذي يقسم النخبة والقوى السياسية، والمجتمع جزئياً ، ويمنع تشكيل قطب أو قوة معارضة واحدة، ويضعف دورها كثيراً في إنجاز مهمات برنامج ديمقراطي وطني، مهمته المركزية إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديمقراطي معاصر لكامل المجتمع، ذلك الاستقطاب يؤدي إلى ذلك بحكم إصرار العامل الخارجي الأمريكي على التدخل الكثيف والتمفصل أساساً على دوره، كذلك بحكم إصرار النظام على نهجه القمعي والشمولي والاحتكاري في إدارة الأزمة، والاستمرار في عزل المجتمع والمعارضة مما يسمح بوجود رأي ومنطق في أن عملية الانتقال الديمقراطي مغلقة في سورية بسبب النظام، ولا مخرج إلا عبر العامل الخارجي ( الأمريكي تحديداً). كل ذلك يعني أن الأمر ليس أمر مؤامرة خارجية من حيث الجوهر بل هي أولاً وأساساً مسؤولية نظام في توصيل الوطن إلى شروط محددة جعله عرضةً لكل ما هو قائم من التدخل والاستقطاب ثم التدويل والمخاطر اللاحقة. 2- إن تدويل الوضع السوري وخلق مسألة سورية دولية، لا يخلق أبداً من حيث الجوهر شروطاً مختلفة لوقف مخاطر الاستقطاب الداخلي واندفاعه المحتمل إلى حرب الجميع ضد الجميع. إذ لا تزال الاستراتيجية الحاسمة العاملة في القرار الدولي هي استراتيجية الإدارة الأمريكية بأهدافها ووسائلها وتكتيكاتها ومستوى تدخلها ، فالإدارة الأمريكية الآن هي المحتاجة للقرار الدولي، والشرعية الدولية خاصةً وأن شروط عملها في العراق تبدو أكثر تعقيداً من المتوقع بكثير، وشروط الساحة السورية بحد ذاتها غير ناضجة مما يفترض قيام تكتيكات حركية في التعاطي مع هذه الساحة. فالعامل الأوروبي حتى في العراق لم يستطع لجم الوسائل الميكافيلية الأمريكية (العنف والحرب) عندما قررت الإدارة التدخل على الرغم من غياب قرار دولي ورفض العالم إعطاء شرعية للتدخل، وفي سورية أيضاً لن تستطيع أوروبا ذلك إن قررت الإدارة التدخل، وفي أحسن الحالات قد تسحب غطاء الشرعية، وعلى الرغم من اشتراك أوروبا وموافقتها الآن على تدويل الحالة السورية فإن ذلك لم يحد من مستوى التدخل الأمريكي، وقطبية التناقض والصراع والاستقطاب وآثاره السلبية في سورية، إن التدويل لم (وباعتقادنا) ولن يخلق قوة أخلاقية وسياسية وإعلامية مختلفة حقيقةً عن الحالة الأمريكية لإنقاذ الوضع السوري من المخاطر المحتملة ووقف الاستقطاب والانقسامات في الصف الوطني ووقف احتمال الحرب الأهلية. إن التدويل لم يخلق قوة دولية واستراتيجية مختلفة (حتى الآن) لتعمل على الانتقال التدريجي الآمن في سورية، وتهيئة الأداة أو القوة الوطنية القادرة على ذلك. 3- لكن من الواضح أن للقرار الدولي قوة فعل مختلفة، ومدلولات مختلفة، فعندما ينضم العالم الآخر الفاعل إلى الإدارة الأمريكية بقرارات موحدة ، وعلى الرغم من التأثير الأمريكي الحاسم، فإن الأمر يأخذ بعداً أخلاقياً، وأبعاداً سياسية مختلفة، كما مدلولات مختلفة (على الرغم من القيمة الجزئية لكل وجه)، هذا يعني الآن أن هناك قراراً دولياً ( وبدون عقبات في إطار التناقضات الدولية) لحسم الحالة السورية سريعاً. وعندما نعتقد أن هناك فروقات هامة بين المركز الأمريكي والأوروبي بعلاقة كل منهما بالنخب الثقافية والسياسية والإنسانية والديموقراطية والأخلاقية القائمة، ودورها في سياسات النظم، تصبح مقاومة الأمر أكثر صعوبة، يصبح الفصل بين الأطراف وأهدافها وقيمها ودوافعها صعباً، تصبح إمكانات العامل الوطني، والديموقراطي على اللعب بالتناقضات صعبة، إذ تكاد تكون الأطراف موحدة في إطار الشرعية الدولية، وهذا بحد ذاته يعقد شروط عمل القوى الديموقراطية والإنسانية العالمية التي قد تكون متنبهة مثلنا على مخاطر الاستقطاب داخل الوطن السوري. 4- لكن ما هي وجهات النظر القائمة تجاه لجنة التحقيق، وأعمال القاضي (ميليس) والنتائج المتوقعة؟ نعتقد أن هناك رأيين أساسيين خاطئين، هما وجهان لعملة واحدة، ويساهمان في اشتداد أزمة الوطن بسبب اشتقاقهما واصطفافهما على الاستراتيجيتين المتصارعتين. الرأي الأول القصوي يرى الأمر برمته أمر قرار أمريكي مسبق تجاه النظام السوري وسوريا، يقوم على التناقض مع مواقف النظام في المسألة الوطنية وتكتيكاته من أجلها في لبنان، فلسطين، إيران، بشكل خاص مع الإسلاميين المتشددين والمقاومين للمشروع الإسرائيلي والأمريكي فهذا التناقض يتقدم كل شيء، وتسبب في كامل الدوافع والسلوك والممارسات الأمريكية والإسرائيلية، خلق أزمة الوطن، وهنا الوجه الرئيسي فيها، مما يحدد المهمة المركزية أيضا بصفتها مقاومة العدوان الأمريكي، وضرورة الالتفاف حول النظام ونهجه، الذي تقع عليه المؤامرة بشكل أساسي، أو التحالف معه على هذه الأسس، فالخطر داهم ولا يسمح بوجود أي معنى لأي مهمة أخرى، فالوطن بكامله ( جغرافيا ، سكان ، سيادة ، ثقافة ، مستقبل ) مجتمع، نظام، معارضة مستهدف، بحسب التعبير الشائع: سوريا برمتها يجري اغتيالها الآن، فلماذا نضيع وقتنا في مسألة المعارضة والديموقراطية، نضيع وقتنا في حوارات سفسطائية، بينما العدو على الأبواب، يريد أخذ الجميع بفعله. هذا الرأي مشتق كلياً من استراتيجية ونهج وممارسات النظام ورؤيته ( بالتغاضي عن وعي أو عدم وعي أصحابه لذلك ). أما الرأي الثاني القصوي، فيرى أن عمل (ميليس) هو عمل قضائي صرف، هو عمل أخلاقي يقوم به المجتمع الدولي لكشف جريمة اغتيال شنيعة، إن كل ما يتعلق بالجريمة أمر سياسي، وعقوبته سياسية وجنائية عامة وشخصية بحسب المسؤوليات، ولا علاقة للأمر بالتالي باستراتيجية أمريكية، أو قرار أمريكي بالتدخل مسبق أو غير مسبق، وفي كل ذلك لا مخاطر على الوطن، هي على المسؤولين عنها أياً كانوا، والأمر الآن بيد العالم الأخلاقي الذي يرى أنها مسؤولية النظام ، وسيطيح به كنظام شمولي ديكتاتوري قمعي بسب مسؤوليته المحتملة أو المؤكدة. وسيشرف هذا العالم على إدارة التطورات السياسية في سوريا بصورة آمنة وسلمية. فلماذا هذه المبالغات في الخطر؟ لماذا هذا السحب للخطر من النظام إلى الوطن؟ لماذا هذه التحليلات الخاطئة والتي تشوش على لجنة ميليس ونتائجها الأخلاقية، إن كان في لبنان أو سوريا بشكل خاص؟ كذلك نعتقد أن هذا الرأي مشتق من استراتيجية الإدارة الأمريكية وممارساتها ( بالتغاضي أيضا عن وعي أو عدم وعي أصحابه ). كلا الرأيين لن يفعلا إلا خلق المزيد من التحفيز على الاستقطاب، وقسم المجتمع والنخبة والمعارضة، وتسريع التطورات باتجاه المخاطر المتوقعة. 5- بالنسبة لنا نعتقد أولاً وقبل كل شيء بأن هناك ضرورة حتمية لإجراء تحقيق سريع، نظيف وشفاف في هذه الجريمة، كما نتمنى أن يحصل في أي جريمة أخرى، ونعتقد بضرورة عزل هذا التحقيق عن أي ممارسات تساومية، أو ابتزازية سياسية، في لبنان أو سوريا، كما نعتقد بضرورة إيقاع عقوبات جنائية في أي مسؤول له علاقة مباشرة، أو غير مباشرة، أوفي شاهد كان يستطيع منعها أو الحد من مخاطرها، أو تستر عليها لاحقاً ( أي تطبيق كل ما يتعلق بالأصول القانونية الجنائية لجريمة ) لكننا نميز ويجب أن نميز بين أن يكون الأمر تحقيقاً جنائياً في جريمة سياسية بامتياز، وضرورة معاقبة المسؤولين عنه. وأن يتحول أو يكون واسطة أو طريقاً أمريكياً بشرعية دولية للمزيد من التدخل وتشجيع الاستقطاب، وإضعاف العمل الوطني وتبديد الطاقة الوطنية، لفرض سياسات أمريكية، أو مشروع أمريكي، أو استراتيجية عمل أمريكي قائمة فعلياً، ونراها ضارة وخطرة من حيث المحتوى الحقيقي لأهدافها، ووسائلها، علاقاتها ومعاييرها السياسية تجاه قضايانا السياسية المختلفة. الدوائر السياسية العالمية والإقليمية مهتمة جداً بمحتوى تقرير ميليس، مهتمة بالآثار التي ستنجم عنه، تكن الدوائر السياسية في الوطن أكثر اهتماماً وتحفزاً، أكثر ترقباً، ونحن بدورنا على درجة عالية من الاهتمام والتقدير لمخاطره، ونعتقد أن سوريا ستشهد تطورات متسارعة خطرة بدأت من الآن، المجتمع السوري بدوره مستنفراً داخل بيوته بسبب العزلة والقمع، مع أنه شهد العديد من تفاصيل التجرؤ على السلطة، كما العديد من الانفجارات على أرضية الاحتقان والشحن العصبي المتخلف، الطائفي وغيره. المعارضة السورية بدورها مستنفرة، لكنها وللأسف لم تفعل شيئا هاما أبداً. فلا تزال غير موحدة الصفوف، ولم تتحول إلى قطب، أو قوة ظل حاضرة في الأزمة بالحد الأدنى المطلوب، لا تزال تعيش على الانفعالات، وردود الفعل على سياسات الأطراف الفاعلة، لا تزال تعيش حالة الانقسامات، والحساسيات والمنطق القديم الجامد والمتخلف في العمل الوطني الديموقراطي المعارض، وهي بذلك عاجزة عن التقاط أنفاسها لطرح مشروع إنقاذ موحد، لطرح مشروع حوار وطني شامل. عاجزة عن الرد على سياسات النظام وقراره الأخير بمنع أي اجتماع أو حراك، عاجزة عن تشكيل هيئة تنسيق مشتركة بسيطة على الصعيد السياسي. لا تجري أي حوارات جادة أو متواترة بين صفوفها ، وهي منقسمة على توافقات العمل الوطني، ولا تجري أي جهد لوقف ذلك الانقسام وتوحيد الصفوف، هذه مسائل مطلوبة من المعارضة فوراً لتلعب دوراً في هذه اللحظات الخطرة والمستوى الخطر من الأزمة والمأزق الذي وصله الوطن، بل عليها أن تبدأ عملية هجوم برنامجي وحواري إنقاذي. الأطراف الفاعلة لديها خياراتها بالتأكيد. للإدارة خياراتها، قرارها، تكتيكاتها ووسائلها. النظام بدوره عنده خياراته، وهو أكثر الأطراف تنبهاً لاتجاهات تطور الأزمة وتأثيراتها عليه، ويعمل بالمقابل على أكثر من صعيد، صعيد تقديم التنازلات للإدارة الأمريكية، والسعي الهائل ليكون خيارها من داخله، يسعى النظام مستبقاً قرارات الإدارة وتكتيكاتها فيما يتعلق بنتائج عمل اللجنة، ليطرح مساومات مختلفة بين الحد الأدنى والأقصى، وليس السعي السعودي والمصري إلا جزءاً من ذلك. وزيارات أكثر من شخصية سلطوية إلى الخارج محملين بأوراق عمل هو جزء من هذا الجهد، بل إن قبوله بمجيء ميليس في إطار الشهادة وليس الاتهام، جزء أساسي من سياسات التعاطي والاهتمام. بل أخذ الأمر من جهة النظام أبعاداً أخرى. فهناك محاولات لجس نبض المعارضة، وفتح حوارات مع أطرافها، فنحن رصدنا هذا الأمر وحقيقته، كما أن هناك بداية لقاءات مع فعاليات مختلفة في المجتمع. صحيح أن الأمر لا يزال حتى الآن بدائياً، كواليسياً، ويطلب أن يكون سرياً بحجة عدم إفساح الفرصة لتدخل جهات سلطوية وتخريب الأمر. وكل هذا منسجم مع منطق احتكار السلطة، لكن وفي كل الأحوال له دلالاته الهامة على مستوى استشعار النظام للأزمة ومخاطرها عليه، حتى ما قيل ويقال عن خطوط حمراء تجاه الحركة الدينية ( تحديداً الأخوان المسلمين ) أو الحلقة الكردية، أو حتى الخط الأمريكي. نلحظ مرونة في التعامل معها بأشكال مختلفة، ( السيد زهير سالم ، والسيد العريضي في برنامج واحد على طاولة واحدة ، ومرونة عالية في الحوار )، كما سمعنا عن لقاءات أمنية مع أكثر من طرف كردي متشدد في خطابه، كل ذلك في إطار البحث عن خيارات في هذه الشروط الخاصة والصعبة. كيف نخرج من المأزق؟ كيف نساهم في إنقاذ الوطن؟ في الإجابة على السؤال سننطلق من عدة اعتبارات، افتراضات، حقائق، حتى ولو كانت أولية وبسيطة. كما سنعتمد عدداً من المبادئ والأسس، لنحاول الوصول إلى أهداف محددة جوهرها فتح عملية أو سياق إنقاذ وطني جاد وشامل . أولا : افتراضات وحقائق - نفترض هنا أن عمليات تمهيدية للحوار بين السلطة والمجتمع والمعارضة قد بدأت، أو عمليات جس نبض من أجل ذلك، وهكذا نجد ضرورة في تقديم التصورات التي يجب أن تحملها المعارضة، أو تصوراتنا التي نطرحها بأنفسنا وندافع عنها الآن، مفضلين دائماً آن تكون المعارضة طرفاً واحداً أو قوة موحدة ببرنامج واحد وتصورات إنقاذية واحدة. - نفترض أن المعارضة يجب أن تبدأ ( وهي تأخرت كثيراً ) هجوماً أخلاقياً وسياسياً لبرنامجها الإنقاذي، ومشاريعها المتعددة بسلوك عقلاني مرن، تحاول إشراك أوسع القطاعات في الحوار، ولا يوجد تناقض بين ضرورة استمرار نشاطها المستقل وممارسة الضغط على النظام، وبين فتح حوار معه والتقدم بمشروع إنقاذي للوطن والمجتمع. - نفترض أن خيار النهاية الصغرى الممكن أو المحتمل، أو المتاح قد بدأت شروطه بالتحقق، فنعتقد أن السلطة قد أدركت حدود الخطر الواقع عليها بالذات، أدركت ضيق الخيارات المطروحة أمامها، وكل المؤشرات تؤكد أنها تحاول البحث عن المخارج الممكنة، على الرغم من قناعتنا أن نهجها الديكتاتوري والشمولي، ونهج احتكار السلطة، والبحث عن المصالح الضيقة لا يزال الحاسم في ترتيب أو تحديد أولويات الخيارات: على رأسها المساومة وتقديم التنازلات للإدارة الأمريكية كي يكون خيار الأخيرة من داخل النظام، وكي توقف قرارها بتصفيته،على الأقل الوصول مع الإدارة إلى مساومة الحد الأدنى الممكنة التي تسمح بحماية النظام عبر أهم رموزه، وفي نفس الوقت تجد السلطة نفسها مضطرة للتفكير بمقاومة أو الاستعداد لمقاومة مشروع الإدارة في حال إصرار الأخيرة، ومتابعتها لاستراتيجيتها وقرارها وتكتيكاتها في تصفية النظام وعدم لحظ أي مصلحة له، وفي هذا الإطار ربما وصلت السلطة إلى قناعة بضرورة البدء بفتح حوار مع المجتمع والمعارضة للاستقواء بهما. ونحن نعتقد أن جميع الخيارات التي تبحث عنها السلطة، إن كان المساومة والخضوع لابتزاز الإدارة وإجراء تسوية معها، أو خيار السلطة في إدارة الأزمة متفردة لمقاومة مشروع الإدارة نعتقد أنها كلها لا مستقبل لها، وفي أحسن الحالات ستتابع الإدارة ابتزاز النظام في إطار أي خطوات تكتيكية تساومية، بانتظار الشروط المناسبة لإزاحته تماماً. بذلك المعنى ربما أدركت السلطة أو بعض اتجاهاتها أن هناك ضرورة على الأقل لجس نبض المجتمع والمعارضة وإجراء حوارات تمهيدية. لأن خيار الاستقواء بهما قد غدا مفيداً حقيقة، أو أن خيار اشتراك الجميع بحلول إنقاذية قد غدا بدوره مفيداً أيضاً. ثانياً: بعض المبادئ والأسس 1- ضرورة إجراء حوارات شاملة مع كامل الطيف السياسي الموجود في الوطن بدون شروط بشكل خاص الآن بين المعارضة والنظام . 2- عملية الحوار والإنقاذ تتطلب من البداية اتفاقاً على عدد من الأسس والمبادئ والتوافقات السياسية العامة مثل: - رفض العنف والحلول العسكرية من الداخل والخارج. - الانتقال الديمقراطي المطلوب : سلمي، تدريجي( وآمن). - آمن، بمعنى أنه يأخذ بعين الاعتبار أساساً ضرورة قطع أي احتمال للحرب الأهلية ومخاطرها، منع تقسيم المجتمع وقواه وإضعاف الطاقة الوطنية مما قد يضعف الوطن ويؤدي إلى تسليم مستقبله إلى قوى خارجية. 3- عملية إلغاء احتكار السلطة، وإلغاء آثارها بصورة آمنة وتدريجية مسألة لها الأولوية، تعبر عن المهمة المركزية للمجتمع والمعارضة، وتسمح للنظام عبر القوى صاحبة المصلحة فيه، بالاشتراك الفعلي في ذلك، تسمح بأخذ مصالحه بعين الاعتبار وأن يلعب دوراً ندياً وقانونياً في مستقبل الوطن. هذه العملية مفتاحية لأي موضوع آخر وهي ضرورية ولها الأولوية ليس فقط لحاجتنا إليها مجدداً من أجل تعزيز الوحدة الوطنية المتهالكة، أو تعبئة القوى لمواجهة مخاطر العامل الخارجي، أو إطلاق طاقة داخلية لإنجاز برنامج شامل. إنما لأن الديمقراطية ومهمة إنجازها قيمة بحد ذاتها ولم يعد يجوز تقديم أي حجة لتأخيرها. 4- أهم التوافقات التي يجب الحوار والاتفاق عليها هي : مسألة الانتقال الديمقراطي الآمن بإلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديمقراطي معاصر لكامل الوطن - دور العامل الخارجي والتمييز الواضح بين عامل خارجي وآخر، بين عامل تدخلي يزيد في أزمة الوطن، وآخر يساعد على حلها بشكل آمن، يجب بشكل خاص الحوار وتحديد موقف من العالم الأمريكي - حوار حول مرجعية العمل الديمقراطي وقضايا حقوق الإنسان، ونعتقد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق الدولية المتعلقة بذلك، تشكل أساساً ومرجعية قادرة على وقف تقدم العصيبات المتخلفة، قادرة بالمقابل على رفع سوية الوحدة الوطنية- حل مسألة الأقليات في إطار ديمقراطي وطني، في إطار وحدة الوطن وسيادته. ثالثاً: آليات الإنقاذ وبعض المسائل البرنامجية. 1- تشكيل (هيئة عمل وطني للإنقاذ) من النظام والمجتمع والمعارضة، تتمثل فيها جميع التيارات الفكرية السياسية دون استثناء ودون خطوط حمراء على أحد إذ علينا التمييز بين تيارات، آراء وخيارات سياسية لها كامل المبررات في الوجود وبين خطئها وصوابها، والضرر الذي يمكن أن تأتي به، موافقتنا أو عدمها عليها. بشكل خاص يجب عدم استثناء ( التيار الديني وحركة الإخوان المسلمين، الحلقة الكردية، تيار الخيار الخارجي بمختلف تلويناته حتى الأمريكي منه) الاستثناء يشمل فقط التيارات والفعاليات والأشخاص الذين يرفضون الخيارات السلمية الآمنة، ويطرحون بالمقابل خيارات عنيفة أو عسكرية داخلية أو خارجية، أو يوافقون عليها، فالاستثناء أو الاستئصال أو الإقصاء يعيدنا إلى نهج احتكار السلطة، ويبقي المبررات والاعتبارات قائمة في وجود خيارات ترى الدور الرئيسي في التغيير للعامل الخارجي، إن إطلاق عملية أو سياق إلغاء احتكار السلطة سيلغي بدوره مثل هذه الخيارات، خاصةً وأن التمثيل الشامل في الهيئة يجعل الجميع أندادا ًفي البحث عن مخرج. 2- ليس مهماً من الذي أطلق أو سيطلق العملية، لكن نعتقد أن السلطة - الطرف الأكثر قوة وتحكماً وشعوراً بالأزمة- يجب أن تطلقه وتبدأ تنفيذه بالحوار والاتفاق مع الآخرين. 3- ليس مهماً الآن كيفية تمثيل المجتمع والمعارضة والنظام، أو من هو الأقوى أو كيف يجري الاختيار هذا موضوع يحله الحوار التمهيدي الذي يجب أن يجري بسرعة، فليست مشكلة أبداً عندما تكون للنظام الحصة الأكبر في هذه الهيئة المهم هو الاتفاق على برنامج عمل الهيئة، أولوياته، والمبادئ التي يقوم عليها، وآفاقه الزمنية. 4- عندما يبدأ تشكيل الهيئة المعنية، يجب اعتبارها مفتوحة، لاستكمال النواقص وتلافي الأخطاء واستكمال التمثيل. 5- من المهمات الأساسية للهيئة، إعادة الاعتبار للمجتمع والمعارضة، وتكوين أداة أو مؤسسة موثوقة داخلياً وخارجياً، قادرة على إطلاق طاقة فعل وطني تنفذ برنامج الإنقاذ، وتحمي الوطن من المخاطر الخارجية والداخلية المحتملة. 6- الهيئة أداة فعلية لإدارة الأزمة، تجري حوارات في اجتماعاتها وتقسيم عمل في صفوفها، تتفق على المهمات والخطوات المطلوبة وآليات تنفيذها والمؤسسات المعنية بذلك. 7- تعمل الهيئة أساساً على إلغاء احتكار السلطة بصورة تدريجية سلمية وآمنة أي خلق سياق مختلف عن الماضي وذلك في العمل على عدد من الملفات الفورية والسريعة من جهة والذي يحتاج إلى دقة وعمل تدريجي وهادئ من جهة أخرى. - الملف الذي يحتاج إلى إنجاز تدريجي هو إلغاء المادة الثامنة ومجمل جوانب الدستور والقوانين الأخرى الملحقة، ورسم آفاق زمنية لكل خطوة. - أما الملفات الساخنة والفورية والتي يجب أساساً أن يبدأ النظام بإنجازها فوراً فأهمها : * ملف الاعتقال السياسي لطيه كلياً عبر إطلاق سراح معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، التأمين الفوري لمطالب المعتقلين والملاحقين السابقين، حل إشكالات المتوفين والمفقودين. * ملف المنفيين بالسماح لهم بالعودة غير المشروطة فوراً. * ملف الإعلام بتطويره وجعله ديمقراطياً بدايةً من حصص فعلية للمعارضة وفعاليات المجتمع. * ملف الفساد عبر لجان تخصصية من الهيئة بالتعاون مع الإعلام والقضاء. * إعطاء كل قوة سياسية أو تنظيم أو فعالية حق إصدار نشرة خاصة بها تراقب موضوعاتها بعد توزيعها. * تحسين المستوى المعيشي للكتلة الشعبية. * العمل على (قوننة) قانون الطوارئ، بإلغاء أي دور له في العمل السياسي الداخلي وقصره على قضايا الأمن والتجسس الخارجي. من الملفات الهامة أيضاً إصلاح القضاء والقيام ببعض الخطوات السريعة فيه: ملف قانون عصري للأحزاب بشروط سهلة- قانون ديمقراطي للمطبوعات. كما تعمل الهيئة خلال المرحلة الانتقالية بالتعاون مع مجموع القوى الاجتماعية على قيام مشروع تنمية اقتصادي شامل يجد للوطن موقع قدم في العولمة وبين مراكز القوى وتقسيم العمل الاقتصادي العالمي. كما تعمل على مناقشة كل ما يتعلق بقضايا قطاع الدولة: تخليصه من أزماته الاقتصادية والاجتماعية، دمجه في التطورات الجديدة، قطع الطريق على أي أزمات قد تنشأ بسبب التعاطي الخاطئ مع هذا القطاع. وبالتدريج تتوصل الهيئة إلى برنامج ديمقراطي وطني شامل وإلى الأسس القانونية والسياسية لنظام ديمقراطي معاصر. اجتماع هيئة المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي في سورية أيلول / 2005
بصدد ماسمي "اعلان دمشق" نذير جزماتي عن أي دمشق صدر "اعلان دمشق":دمشق يوسف العظمة الذي خرج الى مقاتلة الغزاة الفرنسيين بالرغم من حل الملك فيصل للجيش السوري قبل مغادرته البلاد، فلبى نداء الواجب المقدس من لبى من بقايا الجيش ومن غيره، وذهبوا الى ميسلون فاستشهد، من استشهد، وكان على رأسهم وزير الدفاع قائد الجيش السوري يوسف العظمة ، أم دمشق، التي دعا جبناؤها غورو الى حفل استقبال، وعندما خرج ليركب عربته وجد الأجراء، الصغار قد فصلوا الخيل عن العربة وأحلوا أنفسهم محل الخيل وجرّوا العربة بالجنرال الغازي الجديد لبلادهم؟ أغلب الظن أن الإعلان إعلان دمشق هذه، وليس بالمطلق، دمشق يوسف العظمة. ومع ذلك شتان ما بين من يقف الى جانب أميركا لأنه مقتنع بأن النظام القائم لا يمكن إسقاطه الا بالقوة الأميركية، إلا أنه لم يكن يوماً عميلاً لها، ولن يكون عميلاً لها أو لغيرها، وبين أولئك المتمسحين بعتبات سفارات الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وكتبت الكاتبة اللبنانية المعروفة دلال البزري في جريدة"الحياة" اللندنية الصادرة في 30/10/2005 أن "اعلان دمشق"(16تشرين الأول /اكتوبر) الصادر عن أحزاب ومجموعات وشخصيات معارضة سورية، كان فعلاًً بحاجة الى نصرة كبار الكتاب، لكي يبدد من شدة ارتباكه ،وعمومية صيغه المتذرعة بالتوافقية. ولكي يضفي المعنى على مفرداته المغرقة بالعمومية."اعلان دمشق" صيغ بذهنية تفترض أن التوافق بين أطرافه هو ترتيبات خلفية، وانه لا يتوخى الدقة ولا النقاش المستفيض، بل بدا مثل المعارضات العربية الأخرى اقتساماً لحصص على مواقع آيلة، باعتقادها، إلى هلاك.. "اعلان دمشق" يحسب التوافق على أنه ألفاظ مطاطة وجاهزة تخص"تحالفات" و"تقاسمات" على الأرض.. ودعا باتريك سيل في مقال له نشر في جريدة "الحياة" اللندنية في 28/10/2005 دعا الرئيس الأسد لأن يحزم أمره ويقوم بحركة تصحيحية مثل أبيه قبل 30 عاماً. أي أن يتعاون مع المجتمع الدولي ويسلم من تطلبهم اللجنة الدولية حتى لو كان بينهم أخوه ماهر الذي يقود وحدة عسكرية قوية هي اللواء الرابع الذي يسيطر على كل مداخل العاصمة، وصهره آصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية. وطلب قرار مجلس الأمن رقم 1636 الذي اقر في 30/10/2005التعاون، بمعنى تنفيذ مطالب اللجنة الدولية بقيادة ديتليف ميليس. والتقرير المذكور مفعم بعبارات الاتهام والإدانة للقيادة السورية . وثمة جمل كثيرة في تقرير مبليس نقلت حرفياُ إلى قرار مجلس الأمن. وقد انتقد ذلك وزير الخارجية فاروق الشرع. أمام مجلس الأمن . وبدا الموقف السوري في منتهى الضعف والارتباك.ولم يُؤبه كثيراً للجنة السورية التي شُكلت حديثاً للتحقيق مع المشتبه بهم، والتعاون مع السلطات القضائية اللبنانية، وان كان تشكيلها يدل على اختيار بشار الأسد للخيار الذي نصح به باتريك سيل، أو ربما أراد أن يوحي بذلك. وتساءل جهاد الخازن في("الحياة"30/10): هل من وجه شبه بين إدارة جورج بوش ونظام الدكتور بشار الأسد؟ ..أعتقد بأن الرئيسين لأسبابهما المختلفة، في حاجة إلى بداية جديدة قوامها تغيير أساسي في الأهداف والأساليب والأشخاص. والواقع أن قائمة المطالب التي ينبغي للحكم تلبيتها طويلة جداً بسبب ضعف النظام وقصر نظره وخوفه وتردده بسبب لا شعبيته .ويقع على رأس هذه القائمة مطلب الإفراج عن جميع السياسيين بدءاً بسجناء ربيع دمشق ومن بقي من السجناء السياسيين ومن ضمنهم الأخوان المسلمين ،وطي هذا الملف إلى الأبد، وانسحاب الجيش إلى ثكناته، وتحديد موعد لانتخابات تشريعية تجري تحت اشراف دولي إن كان باشتراك النظام في ظل الاستقلال، أو بدون اشتراكه في ظل الاحتلال الأجنبي. ومثلما خضع الحكام للقرارات الدولية، بدءاًُ من الانسحاب من لبنان وانتهاءً بالإذعان إلى قرار مجلس الأمن رقم 1636،في ظل التهديدات التي لها أول وليس لها آخر، ليتفضل الحكام بالخضوع للإرادة الشعبية التي ستجتذب كل ذوي الإرادة الطيبة حتى من الأوساط التي أيدت التدخل الخارجي بسبب احتكار السلطة من قبل فئة معينة وانسداد الأفق أمام ممارسة الديموقراطية بصورة صادقة وأمينة، على عكس، ما كان ولا يزال يجري. ولا بد من إزالة الاحتقان إذا كان الهدف تجنيب البلد الاحتلال الأجنبي الغاشم، بغية وقوف الجميع صفاً واحداً في مواجهة الغزو المحتمل، وإلا فان أبواب الحرب الأهلية تفتح على مصراعها، ولن يخرج منها أحدٌ منتصراً، والخاسر الأكبر هو الشعب ومستقبل الأجيال. واذا ما ركبت أميركا بقيادة بوش رأسها ولم تول انتباهاً للتغييرات الايجابية الواعدة في سوريا، فان مقبرتها ستمتد من العراق إلى سوريا، ولن تخرج من الحرب إلا كما خرجت من فييتنام مكسورة وذليلة،مما يفسح في المجال الى انتصارات أخرى في صالح الشعوب ضد الإمبريالية والصهيونية. ومن جهة أخرى، فان الخيار المتمثل بعبد الحليم خدام وحكمت الشهايي أو غيرهما من أهل النظام الذين اختلفوا على حصة كل منهما من الثروات المنهوبة، وعلى المناصب أكثر من اختلافهما على حرية الوطن والمواطن ليس حلاً، واقتراح رياض الترك في هذا الشأن أفضل وآمن أكثر بما لا يقا س. وليس موقفاً مقبولاً تجاهل كل ما قام به هذا النظام من انحرافات، واعتبار كل ما يجري ، ليس أكثر من مؤامرة على البلاد-حسب ما ورد في " بلاغ من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري"(يوسف فيصل)في23/10/2005 إعلان دمشق تنازل العروبيون عن القضايا العربية للمرة الثانية يطرح التجمع الوطني الديمقراطي وثيقة برنامجيه " وثيقة التغيير الوطني الديمقراطي " الأولى جاءت مع تأسيسه في العام 1980 على خلفية الصراع المسلح ما بين التيار الديني والنظام السوري. وقد قام التجمع آنذاك بتحليل الأزمة واعتبر ما يجري في سوريا حراك شعبي .وأن حراك التيار الإسلامي حراك ليبرالي وبناء على هذا التحليل فقد ذهب الحزب الشيوعي _ المكتب السياسي، حالياً حزب الشعب آنذاك إلى الدعوة للتحالف مع الأخوان المسلمين من خلال وثيقة داخلية صدرت في حزيران 1980. رد عليها التيار الإسلامي في حلب ببيان شهير"عودوا إلى جحوركم أيها الشيوعيون ". والآن يقدم التجمع بالإضافة إلى قوى كردية وشخصيات سياسية وثيقة برنامجيه تعد وثيقة مهمة وربما كانت الأولى التي تفصل سوريا عن محيطها العربي . هنا قراءة لها: * تحمل الوثيقة نظام حافظ أسد _دون ذكر الاسم _مسؤولية النظام القمعي الشمولي، وإعفاء النظم القومية (نظام الوحدة، ونظام حزب البعث على وجه الخصوص من دورهم في إقامته ) رغم الدور الكبير للأسد الأب في توطيده ومركزته . * كما تم إعفاء الحكومات السورية منذ عام 1963 من دورها في تهتيك النسيج الاجتماعي الوطني للشعب السوري وهذا يتناقض مع الأدوار التي لعبتها تلك الحكومات من استقطاب ديني وطائفي في صراعاتها على السلطة (من المفيد العودة إلى كتب فان دام حول الصراع السياسي والطائفي في سوريا ). وإعلان دمشق هو بحد ذاته تهتيك جديد للنسيج الاجتماعي في سوريا وسنرى ذلك في قراءتنا للإعلان. *لا ندري ماذا عنت الوثيقة بالسياسة الماضية العربية والإقليمية _ المقصود النظام _عدا سياسته تجاه لبنان، ولماذا عومت الوثيقة تلك السياسات، هل تريد الوثيقة القول أن سياسة النظام تجاه احتلال العراق كانت وما تزال خاطئة ؟ وفي هذه الحالة لا ندري لماذا اعترضت القوى القومية بشدة على الاحتلال، وهي لا تزال تقدم المعونات المادية والمعنوية للأطراف المعارضة العراقية ، وما هو حقيقة موقفها غير المعلن ؟.فهي من أقام الدنيا ولم يقعدها ضد الحرب .واعتبرتها حرباً عدوانية. وهذا يسمح لنا بالتساؤل :هل لأن صدام حسين كان يمول هذه القوى ؟أم لأسباب أخرى تتعلق بتغيير موقفها من المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط فأصبحت تتلاقى معه؟ أو لأسباب براغماتية سياسية؟ أو أن المشروع الأمريكي أصبح مشروعاً ديمقراطياً وطنياً فيما يتعلق الأمر بسوريا؟ ونعتقد أن الأسباب باتت واضحة. وكيف ترى وتقيم هذه القوى سياسة النظام حيال القضية الفلسطينية وموقفه من اتفاق أوسلو، والفصائل الفلسطينية المسلحة ( حماس، الجهاد لإسلامي ، فتح ، الجبهة الشعبية والديمقراطية )؟. * فيما يتعلق بالملفات المطروحة للحل فقد غيبت الوثيقة ملف المفقودين . * كاتبو وموقعو إعلان دمشق ( ينبذون الفكر الشمولي ويقطعون مع جميع المشاريع الاقصائية والوصائية والاستئصالية )، لكن واقع الأمر أول ما سلكوه هو الإقصاء السياسي لأطراف سياسية عديدة ليس حزب العمل الشيوعي الوحيد، وإنما تعداه إلى تيار المستقبل الكردي وحزب اليكتي والوفاق والقوميين السوريين والآشوريين إضافة إلى إقصاء شخصيات من جمعيات حقوق الإنسان السورية المختلفة بدافع الوصائية والاستئصالية، فهم ينصبون أنفسهم ممثلين للشعب السوري، وبالأحرى لأكثرية الشعب السوري كما أعلنوا عن أنفسهم والذي يتضح من خلال الأسماء الواردة في الإعلان .والتي استبعدت أي أسم من العلويين بمن فيهم حبيب عيسى السجين والعضو في الاتحاد الاشتراكي. • يقودنا ما ذكرناه سابقاً إلى اكتشاف السبب بما يتعلق بإقحام الإسلام في الوثيقة دون مبرر موضوعي لها سوى حك جلد أو اتفاق مع الأخوان المسلمين وبالتالي تقديم خطاب، أو إعلان سني وصائي باسم الأكثرية السكانية _كما يحبون . ويؤكد الإعلان على أن الدين الإسلامي دين الأكثرية وعقيدتها ..وشريعتها السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب .وتتابع الوثيقة تحديد ماهية خطابها .. مع الحرص على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية ) وهذه المفردات تدلل على أن مصدري الوثيقة يتموضعون مع الأكثرية الإسلام ( السنية ) ويمثلونهم . مع العلم أن هذه الكتلة السكانية غير معنية بالإعلان أو مهتمة به. وبذلك فالإعلان يفعل ذات الوصائية التي يمارسها النظام القمعي وغيره من القوى السياسية باسم الأمة والشعب .والشعب لم يسأله أحد عن ذلك. والقراءة الأولية لهذه الفقرة تقول : أن إدخال مصطلحات سياسية جديدة ذات مدلولات محددة لم تكن حاضرة يوماً في الخطاب السياسي السوري، والآن بدأ استيرادها من التجربة العراقية_ ويبدو هذا ما قصد بتجديد الخطاب السياسي السوري _ كمحاكاة لها ولعلها الخلفية السياسية لإعلان دمشق . فمن خلال عبارة ( جميع مكونات الشعب السوري ) يرجع الإعلان جميع طبقات وشرائح وفئات المجتمع السوري إلى المربع الأول ( الطائفية ، العرقية ..) ليحاكي التجربة الأمريكية في العراق _دون أن ننسى دور النظام السوري بتفكيك البنى المجتمعية وإعادة تركيبها بما يخدم مصالحه، وأتى الإعلان يساهم بتفكيك ما تبقى من "المتحد الوطني "؟ وبذلك أعطى القوميون العرب السوريون المعارضون درساً في البراغماتية السياسية، كما فعلت الأنظمة القومية في التخلي عن القضايا التي تمثل شرعية وجودها، وبهذا الإعلان تسقط شرعية هذه الأحزاب باعتبارها تقوم على فكرة القومية والوحدة والالتزام بقضايا الأمة. نتابع : *ورد في الإعلان ( حل ديمقراطي للقضية الكردية ) وبنفس الوقت شرحوا ماذا يعني الحل الديمقراطي الذي اقتصر على حقوق المواطنة والثقافة مع العلم أن الحل الديمقراطي يصل إلى حق تقرير المصير، وما ورد في الإعلان ليس إلا مداورة وزيادة في الالتباس حول القضية الكردية والتي أراد منها أصحاب الوثيقة استخدام القوى الكردية وقضيتهم كجسر عبور إلى الأمريكان _ حيث يعتبرون الأكراد جلب وضيوف في المنطقة وليسوا سكاناً متواجدين فيها، ولم يرد في برامجهم أي ذكر لمشكلة أو حقوق أو وجود الأكراد فما المستجد؟. * لم تنس الوثيقة أن تتناول الاحتلال الإسرائيلي للجولان واستعادته كرفع عتب وكنوع من الخجل من عدم ذكره لكنها ربطت ذكره بالدور الإقليمي الإيجابي والفعال؟ والسؤال المطروح ما هو الدور الإيجابي والفعال المطلوب من النظام السوري في حال استمر في الحكم إقليمياً ؟ هل دور في الإطار الأمريكي الإسرائيلي ؟ لأنه لا يمكن لأي نظام في المنطقة أن يكون فعالاً إلاّ في الإطار الأمريكي الإسرائيلي لأن الاحتلال الأمريكي للعراق قد قوض الدور الإقليمي لكل دول المنطقة بما فيها مصر وإسرائيل وبالتالي فقد قدم الإعلان تنازلاً للنظام بالقضايا الوطنية الأساسية. * ويتابع واضعو الإعلان مشروعهم الخاص فيشرعون العمل السياسي الذي يقوم على أساس الدين، والذي سيفتح الباب أما الآخرين ليشكلوا أحزاباً دينية وطائفية وعرقية . *يؤكد الموقعون على الإعلان ( أن عملية التغيير قد بدأت وهي ليست موجهة ضد أحد )؟؟ وهنا يظهر الالتباس والتناقض في موقف القوى الموقعة على الإعلان والتي تطالب بالتغيير ومنها النظام وتغيب التحديد الدقيق (لتغيير النظام السوري ) فالإعلان لا يشمل في التغيير النظام _ النظام السوري نفسه _ فهل يكفي قانون أحزاب يضمن حصة واحد و50 بالمائة للنظام حتى تقبل القوى الموقعة ؟. في الفقرة التي تلي هذه التباس جديد في الموقف من النظام السوري حيث يعوم الموقف ويستدرك بألا يستثنى ( أهل النظام ) على حد تعبيرهم ، وهنا يبرز لماذا لم تدع أي شخصية معارضة من الطائفة العلوية ، فقد اعتبروا أنفسهم ممثلين للأغلبية السنية وهم يخاطبون النظام السوري باعتباره يمثل الأقلية العلوية وعليه أن يأخذ دور وحجم هذه الطائفة .ولم تكن كما ادعوا في دفاعاتهم أنها سقطت سهواً بل عمداً، لأنها رسالة موجهة إلى النظام السوري ،كما هي موجهة للأمريكان . حيث غيب الدور الأمريكي وكأن الأمريكيين غير موجودين في المنطقة ولا يمارسون أي دور أو ضغط سواء على المنطقة أو النظام السوري، ولا يلعبون أي دور! وقواتهم العسكرية غير موجودة! ولا تحتل العراق!! وإنما هم دولة جارة مثلها مثل الأردن ! أضف إلى التناقض ما بين الفقرة التي تقول بضرورة التغيير الجذري ..ورفض أشكال الإصلاحات الترقيعية والجزئية أو الالتفافية وما بين التغيير ليس موجهاً ضد أحد، إذاّ ضد من ولمن ؟؟!! والنداء يشمل الجميع دون استثناء بما فيهم البعثيين ؟ فما هي عملية التغيير المطروحة ؟ ويتابع الإعلان في طرح المزيد من الالتباسات حيث جاء في الإعلان ( رفض التغيير الذي يأتي محمولاً من الخارج ) لايتضح ماذا تعني هذه الجملة ، هل هو التغيير الأمريكي المباشر؟ أم القوى المرتبطة بالأمريكان ؟ أم يقصد القوى السياسية السورية كالإخوان المسلمين الموجودين في الخارج ؟ ماذا يقصدون ؟. * وننتقل إلى الفقرة رقم 4 في الإعلان (.. التوافق الوطني لقوى المعارضة) ولا بد من الإشارة أن كلمة معارضة لم ترد في البيان إلا في هذه الفقرة وهذا التباس آخر في الإعلان . أما الفقرات التي تليها تزيد من حالة الالتباس والتناقض الوارد في الإعلان رغم ما يقال عنه " أنه توافقي ". ولا ينسى الإعلان التطرق إلى المعيقات الوطنية وبالطبع المعيق الرئيسي هو النظام السوري في الإعاقة وهنا سنتدخل ونقول أن التجمع الوطني الديمقراطي في سوريا هو أيضاً يتحمل جزئياً مسؤولية عدم الوصول إلى برنامج وطني ديمقراطي يشمل القوى السياسية السورية، فهم يتبعون سياسة النظام في الإقصاء وعدم قبول مبادرات الآخرين ( إعلان دير الزور ) لأنه لم يخرج من معطف التجمع، وخلال أكثر من خمس سنوات في الفعل الديمقراطي المعارض مازال التجمع الوطني الديمقراطي يتبع إصدار الفيتو تلو الآخر على القوى السياسية السورية التي مازالت خارج التجمع، فأي فعل ديمقراطي أو برنامج ديمقراطي يدعون إليه في الإعلان؟؟!! بعد قراءتنا لإعلان دمشق بتفاصيله وخطواته البرنامجيه نحو التغيير الديمقراطي نجد من واجبنا وضع الوثيقة في سياقها السياسي من الزاوية الدولية والإقليمية والمحلية: 1_السياق الدولي: يأتي إعلان دمشق قبل أيام معدودة من تقديم ميلتس تقريره إلى مجلس الأمن الدولي_ ونحن نعتقد أنه سيمدد من جديد لميلتس _مما يعني أن الإعلان رسالة _ استباقية _ موجهة إلى القوى الدولية الفاعلة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، رسالة تقول أن القوى السياسية السورية الموقعة على الإعلان تستطيع التعاطي مع المشاريع الدولية الأمريكية كبديل للنظام السوري، وهذا بدا واضحاً من غياب أي معارضة أو انتقاد للمشاريع الدولية والأمريكية تجاه المنطقة خصوصاً الاحتلال الأمريكي للعراق وعدم التعرض للدور الأمريكي في المنطقة ( العراق، فلسطين، لبنان، سوريا) أي أرادت القوى الموقعة إبداء حسن النوايا نحو المشروع الأمريكي للمنطقة . ومن المفيد ذكره هنا أن هذه القوى تتوقع إسقاط النظام السوري لهذا قررت نشر الإعلان في هذا التوقيت بالذات بعد أن ماطلت طويلاً في قبول أي مشروع مطروح للمعارضة . 2_ في السياق الإقليمي تجاهل الموقعون على إعلان دمشق قضايا المنطقة (احتلال العراق وفلسطين ) والموقف منها، خصوصاً وأن التجمع الديمقراطي مشكل من أحزاب قومية ( الحزب الاشتراكي العربي وحزب العمال الثوري العربي وحزب الشعب الذي انشق عن خالد بكداش بسبب الموقف من القضايا القومية) .وبذلك صدر الموقعون القوميون أول صك سياسي يفصل سوريا عن محيطها العربي يتعامل معها كبلد بلا حدود ولا قضايا ولا مشاكل خارج إطار الداخل الاستبدادي ؟.. 3_في السياق الداخلي:جاء البيان وكأنه إعلان سني موجه إلى نظام يمثل الأقلية العلوية دون النظر إلى ما يمثل النظام؟ ما هي تشاركا ته وتشابكاته ( السنية، المسيحية، الدرزية، الإسماعيلية، العلوية) ؟وما هي مواقف القوى الطبقية المختلفة من النظام ؟ وإلى أي حد هذه القوى الفاعلة اقتصادياً وسياسياً تقطع مع النظام ؟. ليس المهم أن تعلن القوى أنها تتكلم باسم الأكثرية لكن المهم أن تكون الأكثرية على علم بالتفويض ؟ وليس على طريقة حزب البعث باسم الشعب والشعب في مكان آخر ولم يستشر أصلاً . أليس هذا احتكار لتمثيل الشعب ؟ ألا يؤسس لاحتكار السلطة التي نريد التخلص منه وإقامة نظام ديمقراطي عصري ؟. ويعيدنا إلى ما ذكرناه سابقاً عن الإقصاء السياسي الذي رفضته الوثيقة كلاماً ومارسته على الأرض . أي تغيير ديمقراطي ؟وأي ديمقراطية هذه ؟؟. بقي بعض النقاط : الأولى، هي تغييب أي ذكر لخلق قطب معارض في سوريا مما يجعل الإعلان قاصرا وبلا مبرر موضوعي له، حيث يفتح الإعلان الباب الواسع لدخول النظام. والثانية تغييب العلمانية سواء في دين الدولة أو رئيس الدولة ..أو القوانين ..الخ وهذه رسالة موجهة إلى الأخوان المسلمين إن لم يكن التجمع قد صدّر الوثيقة بالتنسيق مع الأخوان المسلمين على أن يوقعوا عليها لاحقا بعد الإعلان. أما النقطة الثالثة: فهي تتعلق بقضايا الشعب ( الاقتصادية وغيرها ) التي غيبت تماماً في الإعلان .
الروائية حسية عبد الرحمن الصحفي بسام سفر رسالة إلى إعلان دمشق غسان مفلح للتغيير الوطني الديمقراطي بداية هي تحية حقيقة .. تحية الحدث الحقيقي السوري .. تحية الناس الذين يصرون على التعرض للقمع من أجل مخاضهم الديمقراطي الحر .. من أجل سوريا .. سوريا ..أمنا .. سوريا دمعة تنز من عيني .. وأشتاق إلى كل حارة فيها .. إلى أصدقائي في التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الكردية..الخ إلى رفاقي في حزب العمل الشيوعي في سوريا الذين لم أسمع صوتهم في هذا الإعلان .. إلى أصدقائي الذين .. رافقوني ورافقتهم في محنتنا السورية .. إلى حواري المخيم ,, إلى مهاجع سجن صيدنايا وفرع فلسطين عندما كنا مصابين بمرض الجرب مرض الجرب ولا أظن أن أحدا لايعرف هذا المرض . إلى مراحيض فرع فلسطين التي كانت تستقبل روائحنا دون أن تتذمر.. إلى بسام الحسن قائد سجن فرع فلسطين للمخابرات العسكرية الذي كان يسرق مخصصاتنا وما كان معنا من نقود , أو ما يجلبه بعض رفاقنا من أهاليهم في زيارة بالواسطة .. إلى الجلاد البطل أكرم حلوم .. وفي غرفة مساحتها 15 خمسة عشر مترا مربعا . كنا فيها 55 خمسون وخمسون. رفيقا سجينا بنفس التهمة : حزب العمل الشيوعي في سوريا .. إلى صوت ألسجان أحمد خليل الذي كان .. يذكرنا بحضور الكبل والدولاب .. والشبح على السلالم .. إلى .. مزرعة أهل رفيقنا ياسر مخلوف والتي عندما زرتها ذكرتني [بأمه أم ياسر وهي تحمل لنا كل ما يتسنى لها من نقود وأغراض وملابس إلى السجن في صيدنايا وقبل ذلك إلى تدمر حيث سجن الله هناك ..أم ياسر لم تكن تميز بين السني والعلوي والكردي والدرزي والمسيحي ..الخ من رفاق ياسر في السجن .. .. إلى خلافنا مع عبد العزيز الخير .. والذي لازال سجينا لأنه .. مناضلا من أجل الحرية .. ومن مدينة القرداحة .. القرداحة بلد السلطة .. وعبد العزيز صوت الشعب الباحث عن الحرية في قلب القرداحة .. بلد السيد الرئيس .. عبد العزيز الذي أخذ حكما 22 إثنين وعشرين عاما قضى منها أربعة عشر عاما تقريبا .. إلى الصداقة والحوار التي جمعتنا بمعتقلي الأخوان المسلمين .. وبعث العراق ــ كما يسمى عند السلطة ــ .. إلى العرفاتيين .. إلى حزب التحرير .. إلى رفاقنا في المكتب السياسي جورج صبرا وأبو ماهر مسوتي الخ .. إلى خلافاتنا الحزبية الضيقة والواسعة .. إلى أصدقائنا من المعتقلين اللبنانيين جميعهم بلا تمييز طائفي أو سياسي .. إلى أبو طعان .. أقدم سجين فلسطيني .. وقائد قوات الكفاح المسلح .. إلى المساعد محمد مساعد انضباط سجن صيدنايا .. الذي كان إنسانا حقيقيا .. إلى العميد محي الدين محمد الذي كان مدير سجن صيدنايا .. الذي كان يحاول أن يحاور السجناء .. أو يعذبهم أحيانا .. وخصوصا سجناء الأخوان المسلمين .. إلى كل ذرة تراب في سوريا .. ألا يستحق كل هذا أن يكون حزب العمل الشيوعي وغيره من فصائل الحركة الديمقراطية السورية موقعين على هذا الإعلان .. أتحدث من باب العتب .. رغم أنني الآن مواطن عربي سوري مستقل بالمعنى التنظيمي .. هذه سوريا ألا تستحق كل أبنائها .. وهؤلاء أبناء سوريا .. ألا يستحقون جميعهم سوريا حرة ديمقراطية .. سوريا لكل أبنائها .. لكل أحزابها لكل تنظيماتها المدنية .. وشخصياتها المستقلة .. وشعبها الذي لم يذق طعم الحرية منذ خمس وثلاثون عاما .. إلى الفساد والمفسدين من أبناء هذا الشعب المنكوب بجزء من أبناءه .. وأخوته .. وأصدقاءه .. لم يعد هنالك بيت سوري واحد خاليا من فاسد أو مفسد .. ألا تستطيع هذه السوريا أن تنتج أخلاقها الوطنية .. لم يبق مواطنا في سوريا إلا لوثته سلطة الفساد .. لوثته بأخيه أو أبيه أو لوثته بنفسه .. غن خطوتكم في هذا اليوم التاريخي تستحق : الوقوف دقيقة صمت على كل ضحايا السلطات في سوريا .. كل هذا الألم .. كي ننسى .. ننسى من أجل سوريا .. يجب أن ننسى .. يجب أن نخرج من هذا السجن السلطوي دون أحقاد على بعضنا .. إلى روحية المسامحة والمصالحة .. إلى وطن من جديد .. هل يمكن أن يكون هذا اليوم بداية لمرحلة جديدة لا اٌصاء فيها ولا استبعاد .. لأحد مهما كان .. إنني معكم يا رفاقي وأصدقائي .. كي تكتمل خطواتكم بكل السوريين .. دون استثناء ..
البيان التأسيسي للجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية تعيش بلادنا في ظل حكم شمولي وراثي، حكم الحزب الواحد الذي فرض نفسه قائداً للدولة والمجتمع، وألغى الحريات العامة والخاصة، ونشر أجهزة الأمن لتسرطن مرافق الحياة، ولجأ إلى حالة الطوارىء والأحكام العرفية لبسط هيمنته على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وصادر السلطة التشريعية والقضائية، واعتمد الاعتقال السياسي وتعذيب المواطنين وقتلهم ونفيهم ولم يتوان عن اللجوء إلى المجازر الجماعية، كما بث سياسة الخوف، وفصل المجتمع عن السياسة. الحالة الاجتماعية السيئة تزداد تدهوراً، فهناك أكثر من خمسة ملايين مواطن يعيشون تحت خط الفقر. وتضرب البطالة ما يقارب من مليوني مواطن. والخدمات الصحية في وضع مزرٍ. وتتقهقر مستويات التعليم باستمرار منذ ربع قرن في بلد أصبحت فيه قيم العلم والثقافة مرذولة في ظل الفساد الذي يضرب المجتمع عموديا وأفقياً ويسلبه حصانته الأخلاقية والوطنية. أما الاقتصاد السوري فيعاني في كافة قطاعاته الصناعية والزراعية والبترولية والخدماتية والسياحية من التخلف البنيوي، والاستنزاف المتواصل من جراء الفساد، وانعدام استراتيجية فاعلة، مما وضع بلادنا في حالة عجز حقيقي لمواجهة احتياجات السكان وتطويرها، وتحديات العولمة. كل هذا والجولان ما زال محتلاً منذ ثمانية وثلاثين عاما. دون أن تحرك السلطة ساكناً لتحريره سوى تأكيداتها للراعي الأميركي أن السلام خيارها الاستراتيجي، متناسية شعاراتها في الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي، ومتجاهلة أن السلام هو نتيجة توازن القوى وليس نوايا حسنة أو استجداء. إزاء كل ذلك رأت مجموعة من الفعاليات الثقافية والسياسية السورية التي نهضت بخط التغيير الديموقراطي ومن مختلف التيارات في الخارج، وممن ساهموا على مدى العقود الماضية في كل الأنشطة والهيئات الديموقراطية، تأسيس إطار لعملها تحت اسم لجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي في سورية. لقد وجد المجتمع نفسه بعد عقود من الاستبداد محاصراً بعد أن أنهك النظام القوى السياسية والمدنية السورية بالسجن والملاحقة والنفي والقتل، إن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي في سورية إذ تؤيد إعلان دمشق وتدعمه، تدعو للعمل يداً واحدة للوصول إلى تغيير جذري في البلاد من دون إقصاء أي طرف كان أو تجاهله. تؤمن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي في سورية بأن الخلاص ليس حزبياً أو خارجياً بل هو من شأن الشعب السوري، ليتمكن من تأسيس عقد اجتماعي جديد يحترم حقوق مكونات المجتمع ويسعى لعودة المنفيين طوعاً أو قصراً، كما ويحرص على فصل السلطات، وتأسيس بنية قانونية لمكافحة الفساد، وعلى محاربة الفقر والبطالة، وضمان العيش الكريم لجميع المواطنين، وتحديث الاقتصاد واعتماد سياسات تنموية فاعلة ومستديمة. يجد صياغته في دستور ديمقراطي يعمل على إحلال دولة الحق والقانون محل دولة الاستبداد، ويكرس التعددية السياسية، ويصون الحريات العامة والفردية، ويساوي بين جميع المواطنين دون تمييز مذهبي أو عرقي، أو بين المرأة والرجل، ويعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية، وصون حقوق الإنسان، وحرية العمل المدني والحزبي والنقابي والإعلامي، كما ينص على فصل الدين عن الدولة آخذاً بمبدأ «الدين لله والوطن للجميع». إن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي في سورية ستعمل بكل السبل الديموقراطية لمواجهة سياسات النظام القائم، كما ستلجأ إلى كل وسائل الاتصال والإعلام لتوضيح توجهاتها، وستتصل بكل القوى والفعاليات الديموقراطية في مختلف البلدان لايضاح صورة الوضع القائم ومساندة الشعب السوري في مسيرته نحو الديموقراطية. ويهم لجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي في سورية أن تبين رفضها لمبدأ التدخل الخارجي في الحياة السياسية السورية، وتأكيدها على أن الديموقراطية هي خيار الشعب السوري، الذي يحققه بجهوده ولمصالحه ولأهدافه. لجنة التنسيق من أجل التغيير الديموقراطي في سورية باريس 28/10/2005 سوريا ــ دولة نامية أم نائمة؟! عمر إدلبي آخر ما يحتاجه المواطن السوري الآن هو الاقتصار على المستوى التجريدي في تداول المفاهيم، إذ يبدو من قبيل العبث والترف المعرفي الذي لا طائل منهما، الانهماك في الثرثرة عن المواطنة، وتجنب الحديث عن مواطن محروم من تقرير ما يشاء، والتعبير عما يشاء، والانتماء بمشيئته إلى ما يشاء، وكذلك الأمر في التنظيرات التي يتحفنا بها أركان النظام السوري عن الحرية، والدولة، والهوية الاقتصادية، في حين يقفزون عن الحديث عن مواطن حر ومستقل، وعن دور الدولة في ضمانها لتساوي جميع أفرادها أمام القانون، وحقهم في الانتفاع بالقيم المادية والمعنوية بعدالة وتكافؤية، دون تمييز إلا بالكفاءة. وقبل أن يستغرق الجانب الاقتصادي مقالنا، نؤكد على مسلمة نزعم أن لا خلاف عليها بين العاقلين، وهي أن الإنسان هو أداة وهدف التنمية بآن معاً، وليكون أداةً للتنمية، ينبغي أولاً تمكينه من ممارسة حريته في الاختيار من بين عدة ممكنات، ومن هذا المنطلق يُنظر إلى وظيفة الدولة ـ باعتبارها عقداً اجتماعياً ـ على أنها إطار لبناء فكرة المواطنة وتعزيز الحريات وتنمية المواهب والمبادرات، وتمكين المواطن من الاستغلال المشروع لطاقاته وموارد الوطن، بغية بلوغ الدولة مستوى حضارياً يليق بطموح مواطنيها. هذا الهدف الحضاري يتطلب قبل كل شيء تنميةً اجتماعيةً يتوقف إنجازها والتقدم فيها على معاصرتها لتنمية اقتصادية تتوافق مع ظروفها، ونجاح هذه التنمية المزدوجة يتوقف على حسن إدارتها، وكل ذلك لا يجدي فتيلاً بدون وجود حياة سياسية، يشعر فيها المواطن بموجوديته و فعالية قراره الحر، وقدرته على محاسبة من يخطئ، من دون أن يخشى ردود فعل انتقامية تطال كرامته أو مصدر رزقه أو ..... رغم تعاظمه، فإن قلق السوريين من انسداد الأفق أمام حل مشاكل مزمنة في الحياة السورية من قبيل مشكلة البطالة واستشراء الفساد وغيرها الكثير، لا يقارن بقلقهم أو بالأحرى رعبهم القاتل من القادمات من الأيام، ولاسيما من تداعيات اشتراطات الدخول في الشراكة الأوربية المتوسطية في ظل نظام الحكم الحالي الذي لا يعرف إلا كيف تؤكل كتف مواطنيه, وهو رعبٌ له من المبررات ما يكفي، إذ إن السوريين يعرفون تماماً هشاشة قوة العمل، وقصور نوعية التعليم وكمية المعرفة، وهذا القصور سيؤدي لا محالة إلى إقصاء الكفاءات السورية عن شغل مواقع هامة مستقبلاً، إضافة إلى ضعف فعالية النقابات نتيجة تبعيتها المفضوحة، وتدهور مصداقيتها وتراجع أخلاقية العمل بين أعضائها، وضعف بناها التنظيمية، وهذه الحالة تجعلها غير مؤهلة للدفاع عن المكاسب ـ إن وجدت ـ وغير قادرة على الوقوف أمام موجات التسريح التي ستشهدها الصناعة السورية، عداك عن تهاونها في المطالبة برفع الأجور والتعويضات الاجتماعية والمعاشات، فتبدو هذه النقابات وكأنها خط الدفاع الأول عن مصالح النظام السياسي(رب العمل)، لا راعية لمصالح وحقوق من تمثلهم! فهل تتحمل التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، دون السياسية مسؤولية نقص المناعة أمام الأمراض المحتملة لهذه الشراكة، التي نحمد الله وحده على تأجيلها بغير إرادة النظام ؟ الإحصائيات الرسمية كشفت عن نسبة بطالة تصل إلى 20 % من إجمالي الذين هم في عداد قوة العمل الفعلية، ويحتاج إيجاد فرص عمل لهذا العدد الضخم من المعطَلين عن العمل إلى نسبة نمو لا تقل عن 10 %، فيما آخر التقارير الرسمية تشير إلى أن نسبة النمو لا تزيد عن 1.5% ، فهل يمكن لنسبة نمو هزيلة كهذه أن تمتص البطالة الموجودة حالياً؟ وما مصير الوافدين إلى سوق العمل والذين يقدر عددهم سنوياً بـ 185 ألف وافد؟ وبحسب تصريحات المسؤولين السوريين فإن اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تبناه النظام كهوية اقتصادية للاقتصاد السوري يمكنه في أحسن الأحوال وخلال خمس السنوات القادمة تحقيق نسبة نمو لا تتعدى 6%، وهذا اعتراف رسمي بعدم القدرة على حل معضلة البطالة التي تنذر بمخاطر جمة، يدرك الجميع أبعادها باستثناء واضعي خطط التنمية في سوريا!! نصف نسبة البطالة هذه كافية لاستقالة أي نظام حكم يحترم نفسه في العالم، أما في سوريا البعث فإن الوضع لايزال قائماً على ما هو، وما على المتضررين إلا اللجوء إلى الصمت، أو ضرب رؤوسهم بأي جدار، وابتلاع وجبات القهر اليومية التي تفوق بعددها أضعافاً مضاعفة عدد وجبات الطعام الشهرية التي يتناولها المواطن السوري. تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة كشف عن 5.3 مليون سوري فقير، و مليونين لم يشبعوا حاجاتهم الأساسية، وكل هذا باعتراف النظام السوري، الذي أقام احتفالاً ليعلن عن فقر شعبه، لكنه بالتأكيد لا يلقي باللائمة على سياسات جهابذته، وهنا نشير إلى قول نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري: " ليس من المعيب أن نستعرض أرقام الفقر في أي بلد، العيب ألا نعرضها.... نحن فخورون لأننا اليوم نعرفها ونطور السياسيات التنموية للقضاء على الفقر لأن هدفنا اليوم وفي المستقبل هو رفاه المواطن السوري"، وما لم يقله الدردري أن المواطن السوري لا يشعر بأيّ فخرٍ حيال الوضع المزري الذي يغرقه فيه نظام الحكم، في الوقت الذي تنمو فيه ثروات أعوان النظام وأزلامه نمواً مضطرداً، ولا يخشون في مفاخراتهم لومة لائم!!!! وبالتأكيد أيضاً يعرف المواطن السوري على أرض الواقع ما لا يعرفه خبراء المنظمات الدولية، ولكنه لا يجرؤ على مجرد البوح بآلامه ومعاناته، فما هو الحال فيما لو تجرأ أحدهم على سؤال أرباب النظام عن مسؤوليتهم، وللتذكير فقط ، فإن أحداً من المسؤولين السوريين الذين أشبعوا البلاد والعباد نهباً وقهراً لم يحاسب قط ، ولا يتوقع المواطن السوري من حملة مكافحة الفساد التي أعلن عنها النظام في مؤتمر حزبه الأخير إلا عرضاً مسرحياً ممجوجاً وهابطاً بدءاً بالسيناريو، انتهاءً بالجمهور الذي سيصفق حتماً، خوفاً أو طمعاً، وسيبقى عرض الفاسدين وفسادهم مستمراً وعلى عينك يا تاجر!!!! نمط الاقتصاد الذي كرسه نظام الحكم السوري ـ وهو اقتصاد ريعي ـ يسعى إلى ضمان تحكم الدولة بوسائل الإنتاج، بما يحقق مراكمة الثروات للفئات المسيطرة فيها، إضافة إلى التحكم بمصير المواطنين عن طريق إفقارهم وربط مواردهم بما تقدمه الدولة لهم من أجور تكفل لهم العيش ضمن مستوى الكفاف المادي، ولم يكن عسيراً ـ بقدر ما كان مؤلماً ـ على السوريين أن يشهدوا استخدام الدولة من قبل النظام كأداة أساسية في خلق شروخ طائفية في البنية الوطنية، ويمكن ملاحظة ذلك ببساطة في أي دائرة حكومية، إذ عمد النظام إلى تقديم مكافآت التوظيف في قطاعه العام لأبناء الطوائف الموالية، بغض النظر عن الكفاءة، في انتهاك صارخ للدستور الذي وضعه النظام نفسه، مما ساعد في نمو بذور الاحتقان الطائفي، وكرس منهجاً لإفقار الناس وتجويعهم، وبالتالي دفعهم لهجرات اضطرارية لا تختلف في حقيقتها عن النفي، ونذكر هنا بما أكدته وزيرة المغتربين السورية من أن حوالي عشرة ملايين من السوريين يعيشون في بلاد الاغتراب، و هؤلاء لم يتركوا بلادهم بطراً بكل تأكيد!! كل هذه الأساليب ساعدت النظام على تحديد تفاوت طبقي من نوع جديد، في ظل التوزيع غير العادل للثروة و تحويل جزء هام من الدخل الوطني إلى جيوب العصابة التي تسيطر سيطرة شاملة على موارد الدولة، وتبديد جزء آخر من الدخل على تمتين وتعزيز بنية الأجهزة الأمنية التي يوفر لها النظام كل ممكنات القيام بواجبات قهر المواطنين دون حساب. الاقتصاد السوري بوضعه الراهن يكرس شللاً فاضحاً في قوى الإنتاج، بما يمارس فيه من نهب وهدر وبيروقراطية، وتبدو فيه الدولة مجرد مجلس إدارة من الفاسدين، يدير مصالحه ويصرّف نفوذه على قطاعات الدولة كما يشاء، ولا يفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى مسألة تضخم الدولة نتيجة سيطرتها على دور رب العمل مما مكنها من احتكار مهمة توزيع الثروة، وشكل هذا الدور مطمعاً لمسؤولي الدولة بسبب الامتيازات الضخمة المتاحة لهم، فالإثراء السريع صار يشكل لهؤلاء ناتج ولائهم لنظام الحكم، وغدا الفساد السياسي بذلك صفة ملازمة لهذا النظام. وتبدو ظاهرة الفساد السياسي جلية وواضحة في تحكم واحتكار أبناء المسؤولين وأعوانهم قطاعات الأعمال الاقتصادية الحيوية، الأكثر والأسرع ربحاً، وفي تلقي هؤلاء عمولات وأتاوات لقاء تسهيلهم إبرام عقود الدولة مع شركات محلية وخارجية، كل هذا يضاف إلى الشلل المركزي الذي يقع في صلب اقتصادنا باعتباره قائماً على تصدير المواد الخام، وفي أحسن الأحوال المواد نصف المصنعة، مما يحرم خزينة الدولة والعامل والمواطن بشكل عام من الاستفادة من القيمة المضافة، ولا يخفى على أحد مقدار التطور الذي طرأ على هذا المفهوم، فالقيمة المضافة في عصرنا ـ عصر ثورة المعلومات والاتصالات ـ تخطت حدود مفهومها الكلاسيكي، وصارت اليوم تشتمل على قيم مضافة غاية في التنوع، ناتجة عن إنتاج الأفكار وتداولها كسلع تتمتع بقيم مضافة عالية جداً، وهذا النوع من السلع حديث كل الحداثة، ويشكل فهمه والتعامل معه ـ قبل إنتاجه ـ نقطة تحول في مفهوم العمل ذاته، وتبدو كبرى الاستثمارات العالمية اليوم متجهة إليه بقوة، فيما يترنح الاقتصاد السوري تحت ضربات ابتلاع المسؤولين أقصى ما يمكنهم ابتلاعه من قوت الناس، إضافة إلى اضطراب رؤية مشرعي السياسات الاقتصادية ومخططيها ومنفذيها، وتبدو معه سوريا ليست دولة نامية، وإنما دولة نائمة بامتياز!!! ومن لا يصدق، فعليه بتقرير التنمية الإنسانية العربية للعام /2004/ ليرى وبالحدود الدنيا أيّ دولة هي سوريا في ظل النظام البعثي. بانوراما عراقية / المأزق العراقي بقلم: فجـر *بعد الحرب العالمية الثانية، وما تمخضت عنها من تشكيل كيان الدولة القطرية في المشرق العربي، استقرت حدود العراق كما عليه اليوم، حيث أخذت بريطانية العظمى على عاتقها دعم سلطة أبناء الشريف حسين في سورية والعراق، لم يدم الأمر طويلاً، إذ اسقط العراقيون النظام الملكي إثر دخوله في معاهدات وتحالفات لم تنسجم مع آمال الشعب العراقي آنذاك، ثم توالت على العراق عدد من الانقلابات العسكرية كان لها ارتباطاتها الخارجية والإقليمية حتى استقر الوضع بانقلاب البعث في 14 رمضان مدعوماً أمريكياً بحيث تم ضبط الساحة العراقية التي كانت تشهد مداً شيوعياً عالي الوتيرة. والحقيقة لم يستقر وضع حكم البعث بشكل فعلي حتى استلام صدام حسين مقاليد الحزب والسلطة معاً، لقد كان الرجل المناسب " نفسياً وطبقياً " لقيادة نظام قومي فاشي بامتياز. استطاع صدام حسين تصفية رفاقه البعثيين خلال سبع سنوات، حتى أضحى الرجل الأول في الحزب والدولة دفع خلالها حزب البعث خيرة كوادره السياسية والثقافية من الصف الأول. لقد حملت سنوات 68ـ 77 نهراً من دماء البعثيين على يد الرفيق المقدام (أبو عدي) وبهذا استطاع الإمساك في الحلقة الأولى (حلقة البعث) ثم استدار على الحلقة الثانية (الخطر الخارجي) في تصفية الحزب الشيوعي العراقي المنافس التاريخي لحزب البعث على السلطة، فتم إعدام الآلاف من المدنيين والعسكريين من الحزب الشيوعي العراقي الذين كانوا معه في جبهة واحدة. إذا ما عدنا إلى الوراء ونظرنا بقائمة التصفيات التي شملت الكوادر البعثية نجد أنهم أغلبهم من كوادر الوسط الشيعي، بمعنى أن الجسد التنظيمي البعثي في الوسط الشيعي تم تصفيته باكراً. وعندما استدار صدام حسين لسحق الحزب الشيوعي العراقي في الحملة العالمية لمكافحة الشيوعية المدعومة أمريكياً، كذلك تم تصفية خيرة المناضلين والمثقفين الشيعة والسياسيين منهم. لقد كان الشيعة في العراق الرافدة الأساسية للحزب الشيوعي العراقي إلى جانب الحركة الكردية، بسبب تكوين هاتين الفئتين:فالأولى: لها أساسها الطبقي التاريخي. أما الثانية: فلها أساسها الطبقي والقومي معاً. باختصار " يمكن القول أن أغلبية المجتمع العراقي وجدوا أنفسهم خارج الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد سنوات من الاستقلال" وهم الذين دفعوا من أجله الغالي والرخيص بطردهم المحتل الإنكليزي( عشية سقوط نظام صدام حسين كان يوجد في مجلس قيادة الثورة والوزارة شيعي واحد وزير الإعلام) أما المفارقة الكردية فلقد بدأت من استقلال العراق وبروز الفكر القومي التحرري عند الشعوب عامة والأكراد في العراق كغيرهم كانوا طامحين في شكل من الاستقلال الذاتي. لقد تعاملت حكومة البعث مع المسألة الكردية وكأنها مسألة عابرة يمكن حلها من خلال ألاعيب السياسة وضربات عسكرية، وكان ذروتها في مجزرة حلبجة المشهورة التي وضعت المسألة الكردية على طاولة الدول الكبرى. لم تكن الدوائر الاستعمارية والأمريكية تحديداً بعيدة عما يجري في العراق, على العكس كان نظام صدام حسين تحت المجهر الأمريكي ولكن الدور الذي أنيط به في المنطقة جعلت الدوائر الغربية تغض النظر عنه, فلقد أدى خدمة عظيمة لها من خلال حربه مع إيران لمدة ثمانية سنوات، جعلت من الخطر الإسلامي الثوري الإيراني داخل حدوده، فيما كانت بقية آبار النفط العربية خلال تلك الفترة تعمل ليلاً نهاراً في خدمة الشركات الغربية بما فيها الأمريكية. لقد استمر الوضع في العراق على حاله حتى قيام صدام حسين باحتلال الكويت الذي تسبب في حرب الخليج الثانية. وانهيار الاتحاد السوفياتي. ثم جاءت هجمات 11 أيلول المشؤومة هذين العاملين جعلت من الإدارة الأمريكية تعيد النظر في إستراتيجيتها الخارجية السياسية والاقتصادية. ** بعد الحرب العالمية الثانية استقر العالم على قطبين سياسيين ونظامين اقتصاديين واجتماعيين مختلفين، الأول رأسمالي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وما عرف بالاقتصاد الرأسمالي، والثاني بقيادة الإتحاد السوفييتي وما عرف بالاقتصاد الاشتراكي. هذا الانقسام لم ينسحب على ما يسمى بالعالم الثالث أو ما انضوى تحت مجموعة دول عدم الانحياز فلقد كان أغلبها إما أنظمة شمولية( فاشية بعض الأحيان) باقتصاد حر، أو أنظمة شمولية باقتصاد مخطط. هذه الأنظمة الملتبسة الانتقالية يمكن أن نذكر نماذج منها الكوريتين في قارة آسيا، مصر الناصرية، والتجربة البيرونية الأرجنتينية....الخ. نسمي هذه الدول ملتبسة انتقالية ليس فقط اقتصادياً وسياسياً، بل في دورها الوطني الذي قامت عليه( المشروعية) فما هي وظيفة هذه الدول في العصر الحديث؟ آ ـ قامت مشروعية الدول الاشتراكية على تصنيع مكثف ـ العدالة الاجتماعية ـ العلمنة ـ الانصهار الوطني ـ السيادة الوطنية والدفاع عن الاستقلال. ب ـ كما أن الدول الرأسمالية قامت مشروعيتها ليس فقط على تبادل السلطة والديمقراطية وفصل السلطات، بل تقدم هذه الدول الهائل في مجال الزراعة والصناعة والضمان الصحي والتعليمي وسيادة هذه الدول واستقلالها. لنقارب المقدمتين السابقتين مع التجربة الناصرية أو البعثية في سورية والعراق وهي تجربة واحدة من حيث المنشأ الفكري والسياسي وحتى الطبقي. إن هذه المقاربة النظرية يمكن أن تعطي تصوراً أولياً عن المأزق العراقي الواقع بين الإرهاب الأمريكي والإرهاب المضاد ( ما يمكن أن نسميه المقاومة العراقية). إن هذه المقاومة هي التي حكمت العراق بعد الحرب العالمية الثانية سياسياً وثقافياً وفكرياً ونفسياً قبيل الاحتلال الأمريكي، وهي نفسها (المقاومة) التي كانت مطواعة للسياسة الأمريكية في المنطقة بعد استقلال العراق عن الاحتلال البريطاني، وهي نفسها التي ذبحت الشعب العراقي طوال خمسين عام وتماشت مع المشروع الأمريكي في المنطقة، فالعراق لم يكن دولة اشتراكية يوماً حتى بشكلها البيروقراطي،(بولونيا مثلاً) لا انصهار وطني ـ لا تصنيع ـ لا علمنة ـ ولا هي دولة رأسمالية بشكلها الكلاسيكي باقتصادها الحر وتبادل السلطة وبسيادة القانون. *** العوامل المؤثرة في المأزق العراقي: 1ـ هزيمة المشروع القومي التنويري الديمقراطي، فبدل أن يكون العرق بثرواته الطبيعية والبشرية الكبرى قد أنجز ما أنجزته أي دولة في أوروبا الشرقية، أضحى المشروع القومي التنويري مأزق العراق الحديث بنظامه البعثي الفاشي. 2ـ الثورة الإسلامية في إيران وبروز المد الإسلامي الشيعي كإسلام تحرري معاد للإمبريالية بدل الإسلام السعودي التقليدي المرتهن للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وما نتج عن الثورة الإيرانية في العراق من اتساع الفكر الإسلامي بدل الفكر العلماني بعد الاستقلال. 3ـ الظروف الدولية الانتقالية عشية انهيار المنظومة الاشتراكية والانفراد الأمريكي في المنطقة والعالم. 4ـ صعود برنامج اليمين الأمريكي السياسي والاقتصادي والثقافي المتطابق تماماً مع المشروع الصهيوني في المنطقة. 5ـ بروز الإسلام التكفيري وما نجم عن ذلك عبر العالم والمنطقة من أفغانستان إلى العراق. **** أخيراً من هي المقاومة العراقية؟ لو أن المقاومة الفلسطينية تعاملت مع الشعب الفلسطيني كما تعاملت (المقاومة) العراقية مع شعبها لكان الشعب الفلسطيني قد زال عن الوجود. ـ هل المقاومة العراقية حركة تحرر وطني بالمفهوم الكلاسيكي؟ ـ ما هي شعاراتها ؟ ما هو برنامجها الراهن والمستقبل؟ كثير من الأسئلة يمكن طرحها، ولكن يمكن تلمس ـ وبشكل أولي ـ ماهية هذه (المقاومة). المقاومة العراقية ذات طابع تكفيري إرهابي، أكثر من أن تكون حركة تحرر وطني بشكلها الكلاسيكي،(الجزائر وفلسطين مثلاً)، ليس لها برنامج محدد المعالم حتى هذه اللحظة، خصوصاً شكل الدولة بعد انسحاب القوات الغازية. وحتى نكون أقرب إلى الموضوعية في تناول هذا الموضوع الحساس، يمكن أن نحدد المجموعات المقاتلة في العراق: 1ـ المجموعة الأولى هي المجموعة الصدرية: وهي أول المجموعات التي خاضت معارك طاحنة ضد الأمريكيين وهزمت في المدن المقدسة، كربلاء، النجف، ومدينة الصدر في بغداد، لقد تجنبت هذه المجموعة الاعتداء على رجال الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة، وقاطعت الانتخابات التشريعية لوجود قوات الاحتلال الأمريكي. 2ـ المجموعة الثانية وهي المجموعة السنية: نشأت في السنوات الأخيرة في ظل نظام صدام، وعند انهيار النظام وجدت نفسها في جبهة واحدة، خصوصاً في ظل إلغاء نظام الأوقاف السنية، ونزع الامتيازات التاريخية التي كانت رهن السنة. 3ـ المجموعة الثالثة وهي مجموعة إسلامية سنية عربية وعراقية، مؤلفة من مجموعات تكفيرية إرهابية بامتياز، تقتل عشرة عراقيين وجندي أمريكي واحد(إذا ما صدف وجوده بقرب العراقيين). 4ـ المجموعة الرابعة وهي فلول النظام الصدامي من مخابرات وحرس جمهوري وفدائيي صدام وضباط جيش سابقين يقاتلون من أجل عودة العراق إلى المعادلة القديمة. 5ـ المجموعة الخامسة وهي أبناء الشعب العراقي الوطنيين الشرفاء الذين يقاتلون الاحتلال من أجل عراق حر ديمقراطي مستقل، ولكن للأسف الشديد فإن بركة الدماء التي صنعها الاحتلال والمجموعات الإرهابية قد غيبت دور هؤلاء، كما غيبها الإعلام العربي المتواطئ مع المحتل والإرهابيين. سياسة غدت عاجزة عن إسناد ذاتها على الرغم من أننا جميعاً نولد خدجاً، لكن البعض ما زال عاجزاً سياسياً ومتكلاً في بقائه على السلطة، وهذا الاعتماد وبأية حال هو مسألة مادية كالإطعام والمكاسب والحفظ من الأذى أو إشباع الغرائز، وجنوح للسياسة عندما يكون بوسع مهندسي هذه السياسة جني المكاسب لأنفسهم وفي نهاية الأمر لا يهم الرضيع من هو الشخص الذي يعيله فعلياً. ومع ذلك سأتحدث ببساطة دون تبسيط أو تسطيح، وأقول: حان الوقت إن لم أقل تجاوزنا كمجموع لفهم وصياغة بديل حقيقي للخراب الذي حل بنا ويوشك أن يغطينا جميعاً! حان الوقت لقلب معادلة الحديث الثقافي على المادة! أن السكوت عن الخراب والتردي الحاصل هو مساهمة في ديمومته وهذا يستدعي أي جهد حقيقي وأي بحث أن يكون نزيهاً وأن لا يلجأ لستار من الدخان أو طريق مختصرة كاذبة. لم أستطع أن أتطبع مثلكم على قبول ما هو غير طبيعي ولا أن أسوي بين مطالب تمتنع التسوية بينها، لقد اتخذت قراري بأن أكون شيوعياً كراهية للا معقول والأسطوري فرأيت نفسي في هذا الشرك من اللامعقول والأسطوري، وما زلتم إلى الآن تنطقون بخطاب نشاز لم ينزلق لمثله من يحمل أفكار الطبقة العاملة والمثقفين الثوريين والكادحين والفقراء، ويدافعون عن لقمة الشعب والذين حولتهم أنظمتنا إلى كائنات غريزية لا تفكر سوى بالخبز والماء والكهرباء والفواتير وثمن التطبيب وزيادة الرواتب ولا من يدعي حب الوطن، كون من يعبر عن آرائكم ويحدد سياستكم خدم لمفاهيم واستنتاجات نهائية لا يمكن تجاوزها وغدوتم تكتبون لفئة قليلة بعيدة عن أي تغيير إجتماعي، وبتم كما تعلمون وبأنكم محل رقية مؤذية يتجنبكم المجتمع والجميع ـ الحزب الشيوعي كما عرفته كل الأحزاب وبأنظمتها الداخلية هو الطليعة الواعية والمنظمة للطبقة العاملة. وعلى الرغم من دراسات جدية وهامة وملموسة للوضع الاقتصادي السوري قبل وبعد القانون رقم 10 للإستثمار ونهاية بالشراكة الأوربية وسوق الأوراق المالية لايمكن لعاقل أن يتصور بأن قطعاً من الورق لوحدها يمكن لها أن تحسن أوضاع البشر أو أن تكون لقاحاً ضد الفقر والجوع أو لحد أدنى من تنمية بشرية مادية ومعنوية لمن تحملون أفكارهم، وصرتم كما كنتم تمتلكون الحقيقة ومجمل القيم الإنسانية وتطلقون أفكاركم دون البحث عن دعمها سوى بهذه القناعات العميقة ولا فرق في هذه الحال بينكم وتصرف الأنبياء. لقد قلبتم رأساً على عقب محتوى وجوهر أول وثيقة للشيوعيين (البيان الشيوعي)، ولا أحد يدري غيركم بأن استنتاجاتكم وسياستكم حول الوضع الاقتصادي ما زالت كما كانت في السبعينات من القرن الماضي وبأنكم إذا انطلقتم منها لتحديد سياستكم ستكونون حتماً في صف المعارضة! ماهي أحوال من تمتلكون فكرهم أيها الثوريون والتي تناضلون من أجلها؟ أليس إقتصادنا إقتصاد سوق رأسمالياً سلع كل شيء طفيلياً كومبرادورياً مع فساد ونهب أفرغ القطاع العام من محتواه على يد فئة نهبت وما تزال الدولة والشعب معاً كما أنتم تشخصون؟ فهل يمكن لهذا الوضع الإقتصادي أن يكون مؤهلاً وأساساً لسياسة وطنية قادرة على المواجهة والتصدي لكل التحديات الداخلية والخارجية؟ صحيح ما يكتب على الأقل من الناحية النظرية في صفحتكم الأولى من صوت الشعب «من أجل جبهة عالمية مناهضة للإمبريالية»، وقد وصل بكم الحال في العدد 117 الطلب لمواجهة العملاء والخونة والمأجورين للخارج، ألا تستحق هذه الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية، جبهة داخلية ووحدة وطنية لكل أطياف مجتمعنا للمواجهة المشتركة، ولتكون هذه الجبهة فاعلة أكثر، وكأنكم تعيشون فقط العالم الموضوعي وتقفزون عن واقعنا الملموس، لقد فقدتم الحلقة الأساسية التي كنتم تتحلقون دائماً حولها وكأن الأمور قد اختلطت عندكم والأصح من هذا خرجت عن إمكانية السيطرة. ألا يعني العقل: «إدارة الصراعات بين المختلفين من البشر بأقل قدر من النبذ والعنف والاستبداد» هل التفكير بالإنسان كذات إنسانية وبالحرية والديموقراطية والمساواة عمالة؟ هل التفكير في الدولة والمجتمع يمكن أن يكون بدونها؟. الموقف والظروف الراهنة لا تحتاج إلى التفلسف ولا النطق بمنطق المؤرخين رغم الأهمية الكبيرة لذالك فدقة الموقف والظروف الخطيرة التي نمر بها تحتاج إلى الكل الاجتماعي، وحركات وتنظيمات مشبعة بالسياسة وعمل مشترك واسع لتأسيس أولى اللبنات لمجتمع سياسي لم يبق خيار متوفر غيره وهو الضمانة الوحيدة أيضاً، فنحن أنصاف دول أو بالتحديد دولة ما قبل وطنية ولا يمكن بأي حال اختزالها إلى أداة قابلة للحيازة والتملك والاستعمال أو السيطرة لتحقيق مصالح فئوية وفردية والدفاع عن هذه المصالح. لا يمكن الاستنتاج من شرعية التشكيك بالسياسة الأمريكية وبدوافعها التغييرية أن أوضاعنا بخير وأنظمتنا شرعية ولا تحتاج إلى إصلاح حقيقي وتغيير، إنها مطالبنا قبل أن يمتطي الأمريكان وغيرهم صهوتها. مشكلتنا ليست فيما يريده الأمريكيون، مشاكلنا معظمها إن لم أقل كلها ذاتية بالكامل، المشكلة فيما نريده نحن ومطابقاً لمصلحتنا الوطنية الحقيقية جوهر ذلك وحدة وطنية لكل أطياف الشعب السوري ضد كل أشكال الانفراد والسيطرة الداخلية والخارجية، وصولاً إلى هذا المجتمع السياسي ولا يمكن لذلك أن يكون إلا بإزالة كل المعيقات والقوانين الطارئة والاستثنائية وتداول سلمي للسلطة العابرة، ولا يحق لأي حزب أو تيار حق الإدعاء بدور استثنائي أو نبذ الآخر أو إضطهاده. لكم كامل الحق في أن تعلنوا هذا الرأي أو خلافه لكن ليس من حق أحد مهما تصور علو شأنه السياسي أن يتحدث باسم عموم الناس. كم من النظريات والممارسات تصنف تحت عنوان المقدس ومجال المقدس كما نعرف هو المجال الذي لا يجب المساس به لأنه يتطلب وجود ملاذ يتيح تبرير وضمان أعمال هذا أو ذاك ومصالح وأعمال المستفيدين والمسيطرين فوق كل شيء. لقد وصل الفساد إلى خطابكم كما وصل للفتوى، وتحولتم إلى كنيسة فهل ما زال لديكم أدنى وهم بأن نخبنا الحاكمة ليست لديها سوى عقيدة واحدة وهي الحفاظ على سيطرتها وامتلاكها الثروة؟ وهي المستعدة لأن تنقلب من النقيض إلى النقيض ولا مانع لديها مثلكم لقولبة السياسات والدفاع عنها لمصالح فئوية أو فردية، وأن تنقلب على مبدئها السياسي والاقتصادي وأن تغيرها جذرياً ومجمل تحالفاتها دون أن تشعر بأي حرج! قد تستعيد الأكاذيب والتضليل والاختلافات التقليدية جاذبيتها الآن لأنها عملية تخدم مصالح السلطة القائمة، وعندما أقول سياستكم غدت عاجزة عن إسناد ذاتها فأنتم خاطرتم وتخاطرون بفقدان موضوعها المحدد ولديكم خيار وحيد لا تحسدون عليه في أن تغطسوا حتى الاختناق. إن أي إصلاح أو تغيير حقيقي في بلادنا لا يمكن أن يأتي محمولاً على الدبابات الأمريكية ليجلب لنا الخبز والحرية والديموقراطية، بل لايمكن لهذا أن يأتي إلا على أكتاف الشعب السوري ومن خلاله. إن وطننا ومشاكلنا وتردي حالنا والمناهج الملائمة للتصدي لكل هذا أكبر من أي حزب أو فئة أو تيار أو جبهة هزيلة إنها أكبر من ذلك بكثير. علي أبا زيد طال انتظاري قديماً وحديثاً أيها الرفاق الأعزاء في جريدة الآن، لقد طال انتظاري لأرى فصيلين أو فصائل القوى السياسية المخلصة لمبادئها تلتقي وتتحاور وتنسق وتندمج، كم كانت فرحتي غامرة عندما كلفني أحد الرفاق أن أوزع بياناً على رواد الملتقى الوطني الديموقراطي في السويداء، وهو بيان حوار حزب العمال الثوري العربي، وحزب العمل الشيوعي. إنها بداية صعود الخط البياني النضالي بعد زمن طويل من تفتيت الأمة كافة، تفتيت وحدتها القومية ووحدة طبقتها العاملة وقواها الوطنية. لقد قسمت أمتنا إلى طوائف ومذاهب بعصر الانحطاط الذي ما زال جاثماً على صدورنا من مشروع سايكس بيكو سيء الذكر إلى مصيبة التحزب التي ابتليت بها أمتنا فأصبحنا قبائل وطوائف ودويلات وتحزبات بعد أن كنا دولة واحدة، مركزها المدينة المنورة في عصر النهضة والثورة العربية ـ الإسلامية ثم انتقل المركز إلى دمشق في عهد الدولة الأموية، وانتقل ثانية إلى بغداد بعد أن كانت يثرب ثم دمشق وأخيراً انتقل إلى القاهرة عاصمة الأمة لدولة الأمويين والأيوبيين. لقد طال انتظاري الجديد لأقرأ تطور العلاقة بين حزبيكما إلى الوحدة والاندماج وأرى فصائل أخرى رفدتكما ليكتمل المشروع الحزبي اليساري الوطني الجديد، إني متفائل وهذه ميزتي التي لا أحسد عليها، لذا بدأت أقترح الاسم الجديد لحزب يساري من طراز جديد، وكان (حزب العمل والعمال الشيوعي العربي) وأقترح اسم الدولة المنشودة (جمهورية العرب الديموقراطية الشعبية) أتمنى ألا يطول هذا الانتظار لأن أمتنا بحاجة لمثل هذه المواقف وبحاجة لمثل هذه المبادىء لتعود لها قوتها وبأسها. مؤيد فياض ملاحظات مكثفة في العامل الخارجي الأمريكي والعمل الوطني السوري هناك ضرورة في رصد ردود أفعال تشكيلات المجتمع السوري على تزايد الضغوط الأمريكية على سوريا وتزايد فاعلية العامل الأمريكي في عمليات الاستقطاب الجارية بالتمفصل على هذا العامل وتأثير ذلك في المجتمع على أسس ما قبل وطنية (طائفية ـ إثنية) ودورها المهم في السيناريوهات المحتملة لتطورات الحالة المجتمعية في سوريا بالتوازي مع ضعف وتشتت التيارات والأحزاب السياسية (يسارية ـ ليبرالية ـ قومية) وانقطاعها عن حواملها الاجتماعية. ونحصر ردود الأفعال تلك في ثلاثة اتجاهات رئيسية: 1 ـ الموقف المؤيد للتدخل الأمريكي: وينضوي تحت لوائه قسم كبير من النخب الليبرالية بمختلف تلاوينها انطلاقاً من فكرة أن النظام قد سدّ أي أفق للتغير الديموقراطي، وبالتالي لا بديل عن الرهان على العامل الأمريكي لإحداث التغيير المطلوب مع تجاهل تام أفكار الانقاذ التي طرحتها قوى سياسية مختلفة من مثال ضرورة عقد مؤتمر وطني يضم جميع فئات المجتمع بمن فيهم قوى النظام ينجم عنه هيئة إنقاذ وطنية تدير الأزمة وتقود عملية الإصلاح والتغيير كمشروع بديل للمشروع الخارجي، هذا التجاهل يتم باعتبار أن اطروحات مماثلة في السابق باءت بالفشل والصد والقمع من قبل النظام، وباعتبار أن هذه الأطروحات تلحظ النظام كطرف فاعل أساسي في اللعبة السياسية بينما لسان حالهم يقول لا تطلبوا شيئاً من هذا النظام فهو لا يستطيع أن يعطي شيئاً ولن يلد إلا نفسه. مشكلة الخطاب الليبرالي أنه يتجاهل كثيراً من معطيات الواقع ليرسم برؤية أشبه بالأماني سيناريو مثالي للأحداث المتوقعة، كأن أحداث هذا السيناريو تجري في الفراغ وليس وسط المجتمع، ومكثف هذا الخطاب يقول: (النظام فقط في خطر وليس الوطن فلِمَ التهويل، النظام لا أمل يُرتجى منه فلا تطلبوا منه شيئاً، النظام يضعف وسيسقط قريباً، في حال سقوط النظام ستتشكل حكومة انتقالية برعاية الأمم المتحدة فالعالم لن يتركنا وحدنا). هكذا بكل بساطة تسير الأمور وفق السيرورة الليبرالية بلا ألم، بلا هزات وخضّات اجتماعية وما علينا سوى الجلوس وانتظار تطبيق بنود هذا السيناريو. يتجاوز الخطاب الليبرالي الكثير من الحقائق وأولها الضعف البالغ للقوى والنخبة السياسية وانقطاعها عن حواملها الاجتماعية بفعل سياسات النظام القمعية لعقود طويلة بمن فيها هم كنخبة ليبرالية مقطوعة الصلة تقريباً بالطبقة التي يفترض بهم تمثيلها فجزء كبير من هذه الطبقة متحالف عضوياً مع النظام، وبالتالي فالقوى والنخب السياسية لا تستطيع تشكيل قوة ذات وزن قادرة على كبح عوامل الانفجار والانفلات في المجتمع مما يقودنا إلى الحقيقة الثانية التي تقول أن المجتمع السوري المقموع المعزول عن السياسة لمدة عقود مُستقطب طائفياً وإثنياً إلى حد خطر الانفجار لدى أية فرصة طبيعية كانت أم مصطنعة، مما يدفع أي سيناريو واقعي إلى توقع أنه في حالة ضعف النظام الشديد أو انهياره بفعل الضغوط الأمريكية السياسية أو العسكرية لا بد أن تبرز الحالة التقسيمية التفتيتية للمجتمع وخطر الحرب الأهلية، مع وضوح حقيقة أن العامل الأمريكي الضاغط سياسياً ومجتمعياً وربما عسكرياً هو كامل تقسيم وتفتيت بامتياز. 2 ـ الموقف الرافض للتدخل: إذا كان الموقف المؤيد للتدخل الأمريكي ينحصر تقريباً بالنخب الليبرالية فالموقف الرافض يتشارك فيه بعض النخب السياسية مع بعض الفئات الشعبية، ـ الفئة الأولى تتكون من بعض القوى السياسية اليسارية مع شريحة من المثقفين ترفض التدخل الأمريكي انطلاقاً من إدراكها لخطورة هذا المشروع وتأثيراته المتوقعة على الوضع المجتمعي شديد الهشاشة والقابل للإنفجار والتشظي، وعلى هذا الأساس طرحت بعض هذه القوى مبادرة للإنقاذ الوطنية كحل وحيد جدي للأزمة تقوم على تشكيل هيئة إنقاذ وطني تضم جميع فئات المجتمع تحاول فيما تبقى من وقت إيجاد آليات لاستعادة الوحدة الوطنية في مواجهة المشروع الأمريكي وفي مواجهة المخاطر والأزمات الداخلية عن طريق مشروع متكامل يتضمن إجراءات عاجلة وتدريجية بدءاً من الإصلاح السياسي الشامل وبناء الدولة العصرية وإشاعة الديموقراطية ومناخ الحريات وتهيئة كل الظروف المناسبة للقوى السياسية الوطنية للقيام بدورها، هذه المبادرة التي يقف منها النظام موقف المتجاهل ـ الفئة الأخرى الرافضة للتدخل تتشكل من بعض الفئات الشعبية ذات النزعة الأصولية، هذه الفئة التي أنتجت المتطوعين للحرب في العراق وأنصار بن لادن، رفضها لأمريكا يقوم على أسس دينية جهادية لا علاقة لها بالعامل الوطني ولا تملك مشروعاً سياسياً أو رؤية لمخاطر المشروع الأمريكي مجتمعياً ولا تملك بنية سياسية تنظيمية، هذه الفئة مرشحة للاتساع مع تصاعد الضغوط وستنتج على الأرجح نواة مهمة للمقاومة المسلحة في حال تدخل عسكري سافر. 3 ـ موقف الفئات الشعبية: موقف الجزء الأكبر من الشرائح الشعبية هو موقف اللامبالي غير المصدق، وهو ما يغلّف خوفاً ورعباً مما يمكن أن يحصل، ومن أسباب هذا الخوف إدراكهم أنهم هم من سيدفع الثمن الأعظم في حالة تعرض البلاد لغزو عسكري وهو الخيار الوحيد الذي يأخذونه بعين الاعتبار ببساطة تحليلهم السياسي، بالإضافة إلى إحساسهم بأنهم لأول مرة منذ عقود في مواجهة الحقيقة منفردين، فقد تعودوا لسنوات طويلة بأن النظام الذي صادر جميع حقوقهم وأبعدهم عن تقرير شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والثقافية، قد منحهم لقاء هذا إحساساً بالأمان والآن يدركون أن النظام عاجز، وهذا يزيد من إحساسهم بالعجز، هم يرفضون الخيار الأمريكي ولكن لن ينجم عن رفضهم أي حالة وعي ناضج ينتج عنها أي فعل اجتماعي راقي، ولن ينجم عن رفضهم أي فعل مقاوم بل إن ردة الفعل الطبيعية على الخوف والرفض هو مزيد من الإحساس بالعجز المؤدي إلى إلغاء أية فعالية، مزيد من الحاجة إلى شعور بالأمان الزائف عن طريق التمسك أكثر وأكثر بالتمثيل الآمن والمتاح خلال عقود وهو الحالة (الطائفية ـ الإثنية) مما يؤدي إلى تزايد درجات الاستقطاب الطائفي في المجتمع إلى ما فوق درجة الخطر وهذه أنسب بيئة تخدم السيناريو المتوقع من دفع المجتمع إلى حالة تفتيتية تهدد بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ياسر الإمبريالية والشباب المعجبون عزمي بشارة* فيما عدا استنتاجات اضطرارية تحتمها وحول التجربة المباشرة ودمويتها لم تتعرض السياسة الأمريكية في المنطقة لإعادة نظر. فالديموقراطية لم تكن أصلاً غايتها. ولا كانت الديموقراطية غاية الانتخابات العراقية النيابية والفلسطينية الرئاسية والانتخابات البلدية السعودية التي تساق إلى النقاش كأول غيث الديموقراطية. فبعدها استمر العنف الدموي في العراق متخذاً أبعاداً غير مسبوقة، وبعدها تم تثبيت العلاقة الأمريكية مع أنظمة بدت هدفاً لسياسة «زعزعة الاستقرار البناءة» كسياسة أمريكية مقصودة. والولايات المتحدة لا تزال تتصرف كأنها في بداية لحظتها التاريخية في المنطقة كما بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وقد بدأت لتوها بتوزيع وعود لشارون شبيهة بوعد بلفور والتخطيط لتقسيم المنطقة على أساس طائفي. حتى خراب العراق ينظر إليه من زاوية الضرر الذي تتعرض له الولايات المتحدة جراء هذا الخراب وليس من زاوية ما يتعرض له العراق. ولغرض رفع المعنويات في أمريكا تفتق ذهن الرئيس الأمريكي أخيراً بعد اجتماعه بقياداته العسكرية (يوم 28 سبتمبر) عن «خطة للانتصار في العراق» تتمثل في دفع العراقيين إلى الدفاع عن الحرية التي اكتسبوها عبر بناء جيش عراقي قادر على ذلك، مؤكداً أن أمريكا ستترجل عندما ينهض الجيش العراقي ويدافع بنفسه عن الحرية. الولايات المتحدة نفسها التي بدأت بحل الجيش بمرسوم من القيصر بريمر الأول الكبير في أيار عام 2003 هي التي تدفع إلى الكونفيدرالية الطائفية، وهي نفسها التي تؤدي بسياستها أن تزداد قوة وهيبة المليشيات الكردية والشيعية الحزبية على قوة الجيش، مما يزيد من عنف الرفض في المناطق التي باتت تسمى سنية. وهذه التسميات غريبة على العراق حتى الحرب العراقية ـ الإيرانية، والأخيرة من مصائب صدام حسين بدعم من كل حلفاء أمريكا الحاليين وبمعارضة أعداء أمريكا الحاليين. لكن تسييس الطائفية بهذا الشكل الذي فاق كل تصور هو انجاز أمريكي. ويتساءل الصحافيون والمعلقون الأمريكيون عن السبب من وراء ارتباك البيانات الأمريكية بين التفاؤل والتشاؤم بخصوص إعادة بناء الجيش العراقي وقدرته على مواجهة «المتمردين». وبعد لف ودوران يهرب الصحافي الأمريكي استنتاجاته من خلال مقالة انطباعية مفادها أن المسؤول هو ثقافة الخوف والكسل وانعدام المبادرة التي نشأت في ظل الديكتاتورية، وأن بناء الجيش يتطلب تغيير هذه الثقافة. (توماس فريدمان، نيويورك تايمز 29 سبتمبر 2005). واللطيف أن الصحافي المذكور الذي يمهر توقيعه باحتفال بأنه الحائز على ثلاث جوائز بوليتزر يستنتج ذلك من حادثة وصلت إلى مسامعه، عن قيلولة المتدربين العراقيين بعد الظهر نتيجة الحر، مما عطل أحد تمارين سلاح البحرية الذي يتم تأهيله في القاعدة التي زارها في أم قصر. ولم يلاحظ الصحافي المذكور التناقض في تقريره ذاته عن روح المبادرة والإقدام والإبداع في استخدام الأشعة تحت الحمراء للالتفاف على التشويش على أجهزة التحكم عن بعد في المتفجرات التي امتدحها لدى «العدو» المؤلف من أبناء نفس الشعب وبين ثقافة الخوف وعدم المبادرة المفترضة. ولا يتمكن فريدمان من ملاحظة الفرق الهائل في الدوافع، كما لا يتخيل انعدام الدافع لدى أفراد الجيش وتناميه لدى خصومهم. لماذا لا يتخيل؟ لأنهم كرروا المقولات التي تحط من ثقافة حلفائهم العراقيين كما في حالة فيتنام الجنوبية في مقابل امتداح خصومهم كما في حالة الفيتكونغ إلى درجة أنهم لا يلاحظون أن الحديث هو عن الشعب نفسه، وأن المشكلة قد تكمن في احتقار اتكالية من يتحالف معهم، أي مع المحتلين. من الصعب تسمية خراب الاقتصاد وإباحته للسرقة وتدمير البلد وفساد بنيته التحتية وتسخير عملية بناء الجيش للشركات التجارية والأمنية المختلفة، ثم فتحه كمصدر رزق وحيد تقريباً لملايين العاطلين عن العمل، من الصعب تسمية هذا كله دافعاً للقتال. قد يدفع ما يجري في العراق أمريكياً إلى دراسة التدخل العسكري المباشر في دول أخرى في المنطقة العربية بتأن أكبر، وذلك ليس نتيجة لتغيير في سياستها تجاه الدول التي كانت تنوي التدخل فيها، بل نتيجة ما يجري الآن في العراق. لم تتغير السياسة الأمريكية في المنطقة. وبالعكس فهي بتورطها في استغلال الحادي عشر من سبتمبر تدفع نحو الخراب. وهي إذ تفعل ذلك يتعرج مسارها بين البراغماتية اللازمة لحسابات انتخابية أمريكية داخلية ومحاذير انتخابية لكي لا تكون هذه آخر دورة للجمهوريين في الحكم لفترة طويلة في الحد الأدنى ولحسابات مصالح أمريكية عالمية وإقليمية في الحالة العادية، وبين الأصولية التي تميز العقدية الأمريكية في السياسة الخارجية والأمن القومي في مرحلة المحافظين الجدد. وقد تفاجأت أخيراً خلال قراءة بعض الدراسات العسكرية المنشورة لمدى عمق الاعتقاد الأمريكي بأن هدف التدخلات الأمريكية في العالم منذ الحرب الإسبانية الأمريكية واحتلال كوبا مروراً بالفيليبين، المسرح الثاني للاحتلالات الأمريكية، هو عملية بناء الأمة كمرادف لعملية بناء الحكم التمثيلي والديموقراطية. ويبدو أن للأمر جذوراً أيديولوجية في عملية تثقيف الضباط في الكليات العسكرية الأمريكية حتى قبل ظهور المحافظين الجدد وفلسفتهم في السياسة الخارجية، وهي كما يبدو تحويل لتلك الأيديولوجية التبريرية للاحتلالات الكولونيالية إلى نظرية ذات ادعاءات شبه علمية وغرور وثقة بالنفس منقطعي النظير في التنظير لنشر الديموقراطية والدفاع عن نمط الحياة الأمريكي وفي جعل الحرية مصطلحاً وأيديولوجية في مركزه. وفي خضم استلال الحجج دفاعاً عن التدخل الأمريكي الحربجي في العراق بعدما سقطت حجة «أسلحة الدمار الشامل» سقوطاً مروعاً بصفتها كذبة معولمة (هل رأى أحدكم ريتشارد باتلر مؤخراً)، تم استلال الديموقراطية من دون تردد كأنها سمة التدخل الأمريكي المميزة له عن أنماط الإمبريالية الأخرى في كافة العصور. وللتصوير والتقريب من الأذهان تجلب اليابان وألمانيا مثلاً على الديموقراطية كسياسة تدخ أمريكية. ولكن الأساس يبقى أن هذه القائمة من دولتين «تكرجان كرجاً» للتدليل على نجاح الديموقراطية بالاحتلال العسكري هي الاستثناء وليس القاعدة من بين نماذج التدخل الأمريكي في العالم. فالدولتان تتميزان بحركة قومية وحدوية تحالفت أمريكا معه ضد مقسميها، كما تتمتعان بانسجام داخلي على المستوى اللغوي وحتى «الاثني»، ناهيك عن القومي، وتجربة ديموقراطية أو قريبة منها سابقة على مرحلة الحرب، وانسجام الوجود الأمريكي مع فكرة الدفاع عن مصالح البلد الوطنية من خطر خارجي: الصين، الاتحاد السوفييتي، ألمانيا الشرقية... إلخ. أما في حال العراق غير المنسجم وغير المتطور رأسمالياً الذي لا تسبق ديكتاتوريته تجربة ديمقراطية فينسجم الوجود الأمريكي مع نزعة تجزيئية، ومع التفتيت الطائفي، والمراهنة على عدم الانسجام، والتوجه ضد النزعة الوحدوية، والبناء على مصادر عدم الشرعية وليس على مصادر الشرعية التي كانت قائمة، ولو كانت غير مصدر الشرعية الديموقراطية... وغير ذلك. كأن ينبغي أن تعيد التجربة الأمريكية في العراق إلى الأذهان أن التجربتين أعلاه لا تشكلان القاعدة بل الاستثناء مقابل تجارب التدخل الأمريكي في كوبا والفيليبين والدومينيكان وهاييتي وبنما وافغانستان وفيتنام وكوريا وتشيلي وقبرص وغيرها بدل أن تكون موضوع محاججة مملة حول برنامج مارشال في المانيا، خصوصاً أن غالبية «محاولات الدمقرطة» الأمريكية باءت بالفشل. وغالباً ما يتم تناسي الدور الأمريكي الأمني والسياسي والاقتصادي المباشر الجاري حالياً في جمهوريات آسيا الوسطى، خاصة أن نمط الأنظمة التي يشيد صرحها هناك على أنقاض الحالة السوفياتية بإشراف أمريكي ليس ديموقراطية على الإطلاق وإنما استبدادي وفاسد. في مرحلة بناء العقيدة الأمريكية الجديدة عشية العدوان على العراق ردد بوش وبلير، مهندسا التدخل العسكري أسباباً مختلفة في أزمنة مختلفة لتبرير ضرب العراق عسكرياً: تنفيذ قرارات مجلس الأمن (حتى رغماً عنه)، نزع أسلحة الدمار الشامل، تأمين تدفق النفط، إنقاذ الشعب العراقي من سطوة ديكتاتور، دعم الديموقراطية ومكافحة الإرهاب. وبعد أن صفع الواقع السياسي كافة التبريرات الأخرى مفنداً أكاذيبها أصر بوش بتنظير من المحافظين الجدد على الاستمرار في الربط بين نشر الديموقراطية ومكافحة الإرهاب. وقد استند في ما ذهب إليه إلى مقولة أو فرضية أن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي تميل إلى إنتاج الإرهاب وتصديره إلى أمريكا، وبالتالي قضى هذا المذهب بأن إنتاج الديموقراطية في العالم العربي مسألة أمن قومي للولايات المتحدة لا أكثر ولا أقل. وسرعان ما اكتشفت أمريكا أنه حتى بعد زوال الاتحاد السوفياتي، وحتى بعد زوال ضرورة الحفاظ على الوضع القائم في دولة استبدادية إذا كان الوضع فيها لصالح أمريكا (في الصراع مع الاتحاد السوفياتي) لا يتطلب الأمن القومي الأمريكي تغيير النظام وفرض الديموقراطية غير المضمونة النتائج دائماً، بل قد يحتم الأمن القومي الأمريكي أحياناً الحفاظ على وضع الاستبداد القائم تحت رحمة الابتزاز الأمريكي. وتبين للمحافظين الجدد شبه التروتسكيين من ناحية نفسياتهم ومزاجهم السياسي الراديكالي (ملاحظة: الراديكالية برأي الكاتب هي أيضاً حالة نفسية وبنية شخصية) وإيمانهم بـ«الثورة الدائمة» أن الولايات المتحدة مضطرة للتصرف أحياناً بواقعية لينين المهتم ببناء النظام الشيوعي في دولة واحدة بدل أو قبل تصدير الثورة كأداة هيمنة. فهي مضطرة للاهتمام ببناء الرأسمالية أو الديموقراطية في دولتها وإعطائها الأولوية في مقابل الثورة الديموقراطية الدائمة، أو التحالف مع دول غير ديموقراطية (غير شيوعية في حالة الاتحاد السوفياتي)، إذا كان ذلك في صالح النظام. لذلك ظهر مايكل روبين محرر «الميدل أيست كوورترلي» والباحث في معبد أو معهد المحافظين الجدد «الأمريكان انتربرايز»، في مقالته المنشورة تحت عنوان «من قتل مذهب بوش» (هآرتس 30 سبتمبر)، كمن ينعى منتحباً مذهب بوش الذي كرر إعلانه في كانون الثاني (يناير) 2005 في بداية فترة رئاسته الثانية والقاضي بدعم الديموقراطية والحرية في كل مكان. وهو يدعي أن عصابة قامت بتضليل وخداع رئيسه، وأن إدارة بوش قد تراجعت عن هدف الديموقراطية متمسكة بالوضع القائم في مصر وليبيا والسعودية وتركيا وحتى في لبنان. وفي الوقت الذي تنعى فيه الديموقراطية ويبقى الخراب تظهر بشائر الدراسات حول انعدام العلاقة بين الديموقراطية ومكافحة الإرهاب، أو بين الاستبداد والإرهاب. وفجأة يتضح لبعض الباحثين أن الإرهاب في الصين غير الديموقراطية يكاد لا يذكر مقارنة بالإرهاب في الهند الديموقراطية، وأنه في بريطانيا لم تؤثر الديموقراطية على تصميم بعض الشباب المولودين فيها على القيام بأعمال إرهابية وأنه في كل من ألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وإسرائيل واليابان نشأت حركات إرهابية محلية... وهكذا. وليس صحيحاً بالطبع أن الديموقراطية تنتج إرهاباً، وصحيح أن الديموقراطية الليبرالية هي أفضل الأنظمة القائمة، أو للدقة أقلها سوء، ولكن لا علاقة بين التوجه إلى الديموقراطية ووقف الإرهاب، كما أنه لم تثبت علاقة واضحة بين الاستبداد والارهاب. (غريغوري غوز، هل بوسع الديموقراطية أن توقف الارهاب؟ فورين افيرز، سبتمبر ـ اكتوبر 2005). والأهم من هذا كله أن الإرهاب كسب ساحة عمل جديدة في العراق والمتحلل من الاستبداد. غريب كيف يتم فجأة ملاحظة الصين والهند، وكيف تختفيان عن الأنظار بسهولة حسب مهمات المرحلة. في هذه الأثناء يتضح أكثر من أي وقت مضى ما كان دائماً صحيحاً وهو أنه من الخطأ الادعاء أن الفكرة صحيحة وأن الخطأ يكمن في ممارستها كما يقال عادة في حالة الشيوعية. بل يكمن الخطأ في الفكرة التي تتحول إلى مذهب موجه للعمل، أي غير المفصولة عن الممارسة ذاتها أن الديموقراطية تصدر محمولة على دبابة، وأن الخطأ يكمن في الاعتقاد أن حلفاء أمريكا المنصاعين لسياستها الخارجية قادرون على بناء الديموقراطية لمجرد أنه استقووا بها، وانه من السذاجة الاعتقاد أنه إذا كان بعض المحافظين الجدد يؤمنون بذلك فهذا يعني بالضرورة أن الواقعيين في السياسة الأمريكية قد صمموا سياستهم بموجب هذا المذهب. لم يكن نشر الديموقراطية مذهبهم أساساً. وإنما لاءم هذا المذهب سياستهم ومصلحة تطبيقها في مرحلة التعبئة وضرورة استغلال أحداث أيلول إياه. ولكن الثابت هو مصلحة الإمبراطورية. وقد تقضي المصلحة أن يبكي لفترة أحب الشباب الذين آمنوا ببوش وتشيني ورامسفيلد كما بكى المستوطنون من شارون. وفي النهاية ما يحكم هو المصلحة، وهي أقل عاطفية وتماسكاً مذهبياً مما تبدو، وهي من ناحية أخرى أقل تظاهراً بالعظمة وقلة المشاعر كما الشباب الذي يرغب أن يبدو ناضجاً، وكما يتظاهر شباب المحافظين الجدد في محاولة للظهور بمظهر الأسود غير المكترثين بتفاصيل وويلات الحرب والخراب إزاء المهمة التاريخية التي أوكلوها إلى أنفسهم منذ أن عملوا في الصحافة ومراكز الأبحاث أو كمساعدين لوزراء وأعضاء كونجرس. يشاركهم الواقعيون هذا التبلد في المشاعر تجاه معاناة الآخرين طبعاً، ولكن التبلد لدى الواقعيين هو واقع وليس استعراضاً للقوة، وليس موقف خريج جامعة شاب يتحدث عن شن الحرب وسفك الدماء وتشريد الناس وتقسيم الدول بسهولة غير محتملة. لدى المحافظين الجدد زاوية دافئة في القلب للأيديولوجية وللتماسك المذهبي والمهمة التاريخية للامبراطورية، في حين يفاجئهم الواقعيون كل مرة أن الزاوية الدافئة موجودة في الجيب وليس في القلب، وأن الإمبريالية عندهم ليست ديناً ولا تعويضاً عن دين، ولا أيديولوجية متماسكة منطقياً تغيظ الحساد بل ممارسة متناقضة تحكمها المصلحة وهدف الهيمنة والتجربة والخطأ في الحفاظ عليها وفي الطريق لتوسيع رقعتها. /نقلاً عن جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 9/10/2005/ الشباب و الحياة السياسية بقلم: س. ع يقرر مبدأ المساواة حقيقة أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وأمام القانون، وهذا يعني فيما يعني أن كل فرد في الوطن ما دام يتمتع بالأهلية الكاملة هو أهل ليكون محلاً للتمتع بالحقوق باعتباره يتمتع بأهلية الوجوب، وهو أهلٌ للالتزام بالواجبات باعتباره يتمتع بأهلية أداء، ومن هذا المنطلق نؤكد أن التعامل مع قضايا الشباب على أنها قضايا تخصهم وحدهم دون بقية أفراد المجتمع ما هو إلا إقرار بانتهاج منهج لا مساواة فيه بين المواطنين. فقرات المادة 25 من الدستور السوري تقرر أن الدولة تكفل مبدأ تكافؤ الفرص بين الموطنين، وأن الحرية حق مقدس، وأن سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة وأن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. أما المادة 26 فتنص على أنه لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحقيقة الأمر أن النظام السوري يخالف دستوراً وضعه بنفسه حين يقيد هذا الحقوق الأساسية، وهذا التقييد يشمل كل الأجيال، باستثناء أجيال مسؤولي النظام القمعي البعثي، وهم بالطبع مدللون بحكم دلال المسؤولين أنفسهم، ووصف هؤلاء بأنهم مسؤولون نعني به إلى جانب مسؤوليتهم في إدارة أجهزة الحكم في الدولة مسؤوليتهم عن تخلف الوطن وتراجعه على سلم الحضارة الإنسانية. إذن القضية الأساسية هي غياب الديمقراطية، بما هي تمكين للمواطن من ممارسة حرياته بمسؤولية ووطنية وبلا وصاية أو قمع من أي سلطة، سياسية كانت أو دينية أو مجتمعية أو جيلية. الكثير من الشباب يرفض من حيث المبدأ مناقشة ما يسمى "قضايا الشباب" من منطلق تمييزها عن قضايا الوطن ككل. فمشكلة البطالة لا تعني الشباب وحدهم، إنها قضية تنموية يرتبط بها مستوى الأداء الحكومي على الصعيد الاقتصادي، ونتائجها الكارثية ذات أبعاد اجتماعية تهم كل الطبقات والمواطنين على اختلاف أعمارهم، وهي بالتالي مسألة ذات بعد وطني بسبب تعالقها مع مستوى الإحساس بالانتماء الوطني لدى المعطلين عن العمل. هذا مثال بسيط على عدم جدوى التعاطي مع قضايا الشباب باعتبارها قضايا جيل، إنها وقبل كل شيء قضايا وطن ومواطنين. وعليه نرى أن موقف الشباب من مدى وفاعلية مساهمتهم في الحياة السياسية، وموقفهم من قضية الإصلاح، ومن أداء المعارضة السورية، ومن ممارسات النظام القمعي، هي في النهاية مواقف تنطلق من مواطنيتهم أولاً قبل أي تصنيفات أخرى ومنها التصنيف العمري، وتتعلق من حيث مرجعيتها بمستوى استقلالية أو ارتباط مواقفهم بمواقف مرجعيات حزبية تمكنوا بمبادرات فردية أو لأسباب خاصة أخرى من التواصل معها، وأعني هنا ارتباطاتهم بالأحزاب المعارضة، أو الهيئات ما دون الحزبية التي تعمل على صورة هيئات المجتمع المدني. الشباب مثلهم مثل كل مواطن سوري خضعوا لبرامج تعليم وتأهيل على أن يكونوا عبيد أفراد وأفكار النظام الشمولي، ولم يسلم من التهميش أو التدجين منهم إلا نخبة قليلة العدد، وهي بالتالي ضعيفة التأثير، وتوزع الباقي منهم على مستويات متعددة: المستوى الأول يتبنى اللامبالاة بالشأن العام، ويشعر بعدم الاكتراث بما يحصل، ويفضل التعايش مع الأمر الواقع، إما لعدم تقديره عواقب تردي أحوال الواقع على المستقبل، أو لقناعة واهمة بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وجل هؤلاء صاروا لقمة سائغة بين فكي تيارات عدمية دمرت فرص انخراطهم في شؤون مجتمعهم، وتحملهم مسؤولية بناء مستقبلهم ومستقبل الوطن. المستوى الثاني ينظر إلى التعاطي مع الشأن السياسي على أنه من قبيل الرمي بالنفس إلى التهلكة، وما تزال ذاكرته ترفض نسيان مشاهد الصدام الدامي في الثمانينات من القرن الماضي، وحالة الانكفاء هذه قابلها على الجهة المضادة وقوع البعض فريسة سهلة في فخ التيارات السلفية، وبعض الحلقات الصوفية التي شكلت عبر التاريخ خزاناً للطاقات البشرية المعدة تحت الطلب للصراعات العنيفة. المستوى الثالث وهم من يمثلون تيار المرجئة المعاصر، ويرون في الواقع استحالة القدرة على فعل شيء، وأنه ليس لهم إلا انتظار القادمات من الأيام لتفصل في الأمر، وهم على موقفين: موقف يأمل بالتغيير من داخل النظام، وموقف انتظار التغيير على يد الآخرين (الأمريكيين بالطبع). المستوى الرابع يجتر صباح مساء مرارته من خمول الواقع وتخلف الوطن بشكل منهجي مركب فتراه يكفر بالوطن، ويرى فيه معيقاً لمسار تطوره المفترض، وينظر إلى الهجرة على أنها خياره الأفضل، بما توفره له من الحريات وإمكانية تحقيق طموحاته المادية المشروعة، وهو خطر إلى حد ما، بسبب إمكانية تبنيه خيارات لا وطنية على قاعدة تأمين منفعته بأي ثمن. وحتى نكون واقعيين يجب الاعتراف أولاً أن النهج الإقصائي الذي مارسه النظام على الشعب ومنعه بالتالي من المشاركة في حكم نفسه ديمقراطياً، وساهم من خلاله في عزل أجيال كاملة وتحويلها إلى قطيع بشري محبط ومهمش، لا يختلف كثيراً عن نهج أحزاب المعارضة في احتكار قياداتها للعمل الوطني المعارض، وابتعادها عن الأجيال الشابة، إن على صعيد بناء جسور التواصل معهم، أو على صعيد إفساح المجال للشباب ليكونوا في مواقع المسؤولية عن توجهات وخطط العمل المعارض، ولا نستثني من هذا الحال إلا حزب العمل الشيوعي، الذي يؤسس لمستقبله السياسي بالرهان على الأجيال الشابة، قولاً وفعلاً. إن تبني مصالح ومطالب الوطن والمواطن المستحقة راهناً يجب أن يكون هو المعيار الذي يميز خطاب المعارضة، دون هواجس أو تخوفات على مغانم لا يحتمل اغتنامها إن بقيت عقليات قادة المعارضة تدير الأمور على هذا النحو. فالخطاب النظري الباهت والمتعالي بآن معاً، إلى جانب منطق الوصاية على العمل الوطني، وسيادة فكرة القائد الفرد، والوكالات الحصرية في العمل المعارض، كل هذه الإشكالات تشكل عناصر طرد، وتؤدي في النهاية ـ وهذا واقع الحال ـ إلى محدودية تأثير قوى المعارضة في ضمير أبناء الوطن، شبابهم وشيبهم على حد سواء. ما يحتاجه المواطنون السوريون ـ ومنهم الشباب بالطبع ـ من أحزاب المعارضة ليقفوا إلى جانبها، بل ويسبقوها أيضاً إلى الفعل الوطني المعارض، هو التقدم إلى السوريين ببرامج تنطلق من جدل العلاقة بين الواقع والفكر، بحيث تتم صياغة هذه البرامج على قاعدة ما هو مطلوب واقعياً، وما هو محوري ومركزي أولاً، هكذا برامج هي البوصلة التي يحتاجها السوري ليهتدي إلى خياره الأفضل في تحديد مواقفه من مختلف القضايا الهامة المعروضة على أجندة يومياته. وتَمَثّلُ أحزاب المعارضة لهذه المصالح يجب أن يكون هو المحك، وليس ضيق الأفق الحزبي أو المصالح الشخصية لقيادات نحترمها ونحترم نضالاتها، ولكن منطق الحياة يجعلنا نتساءل: أما آن لهذه القيادات أن تثبت إيمانها بالديمقراطية فعلاً لا قولاً وتعطي جيل الشباب بعضاً من الامتيازات الحصرية التي تتمتع بها في قيادة وتقرير خط سير العمل المعارض السوري؟
العمل من أجل بناء منظمة شبابية إن العنصر الأساسي الذي تسعى جميع الأحزاب لاكتسابه هو الشباب الذين يصل عمرهم بين (15 ـ 30) سنة. وهذا لسبب بسيط وهو أن العنصر الشبابي هو الوحيد القادر على الحفاظ على استمرارية الحزب وحياته. فمعظم الأحزاب التقدمية والمعارضة تقتصر اليوم على العجائز وعدد قليل من الشباب والطلبة والمشكلة الأكبر تكمن عندنا نحن الشيوعيون إذ أن الجماهير بدأت تبتعد عنا وتنفر منا بعد انهيار التجربة الفاشلة في الاتحاد السوفييتي السابق عدا عن أننا نستند في ايديولوجيتنا إلى فلسفة معقدة هي الفلسفة الماركسية ـ اللينينية وبالطبع لا نستطيع تنسيب شخص إلينا ما لم يكن قد فهم وآمن بها وهذا أمر صعب لأن الشباب في هذه الأيام انعدم عندهم الاهتمام بالفلسفة والثقافة السياسية هذا طبعاً نتيجة الذعر الذي زرعه الحكم الاستبداي في قلوبهم. ومن هنا تكمن أهمية العمل من أجل منظمة شبابية رديفة للحزب تقوم بدور تثقيفي فتعلّم أفكار الماركسية ـ اللينينية ومبادىء الحرية وحقوق الإنسان بما أننا حزب ماركسي لينيني مؤمن بحقوق الإنسان. وهكذا يغدو حزبنا مصنعاً للحرية. حسني كباش إهداء إلى الصديق محمد ديب المقال موجه إلى جميع جمعيات ولجان حقوق الإنسان في سوريا وخارجها وإلى جميع أحزاب المعارضة وخاصة القياديين والمحامين فيها وإلى أصدقاء محمد ديب القدامى، بسبب الإهمال الكبير في مسألة اعتقاله. لأننا لا ننتظر من الآخرين المطالبة بالإفراج عنه. خيار وفقوس هذا مثل كان يستخدم في سورية وربما في بعض البلدان العربية للتمييز بين الناس، أما الآن فقد أصبح شائعاً في كل شيء حتى في السياسة وهناك مثل شبيه به بما معناه (موت الفقير ورذيلة الغني لا أحد يسمع بهما). وما لمسناه حتى الآن أن محمد ديب كان من فصيلة الفقوس، فهو غني النفس لكنه فقير المال والشهرة، وهذا ليس ذنبه. إنه لا يملك المال الكافي لملء جيوب بعض المحامين (الذين ينشدون الشهرة والضجة الإعلامية) لإثارة ضجة إعلامية كافية له ولهم، أو أنه لا يملك علاقات شخصية مع أعضاء جمعيات حقوق الإنسان بكافة أشكالها في سورية والخارج. البعض عمل حسب إمكانياته المحدودة وله جزيل الشكر والبعض الآخر تقاعس وقال إننا في دولة أمنية، أما الذين زادوا الطين بلّة فقد برأوا ذمتهم وقالوا أنهم لا يمكن الدفاع عنه لأنه قام بنسخ بيانات للإخوان المسلمين وهذا خط أحمر فأضافوا بذلك تهمة إضافية للتهم التي وجهها له الأمن وهو بريء من جميعها، فهل أصبح كسب العيش من وراء نسخ الأوراق المكتوبة خط أحمر؟ جعل الله وجوهكم حمراء من الخجل فالخيار والفقوس موضة دارجة أكثر، فأوراق المعتقل محمد حسن ديب حولت من دمشق إلى منطق السلمية، فبعد مضي أكثر من شهرين على إعتقاله في دمشق تذكروا أن مكان وقوع الجرم المزعوم في منطقة سلمية فأحالوا إضبارته إلى المحكمة في سلمية ووصلت بتاريخ 21/7/2005 وأرسلت مذكرة إحضار بتاريخ 2/8/2005 إلى سجن عدرا لإحضاره إلى مدينة سلمية، واليوم هو 27/8/2005 ولم تصل المذكرة ولم يتم إحضاره للمحاكمة، والتواريخ هنا ليست للشرح وإنما للتذكير بأن هناك مئات الموقوفين يومياً ترسل مذكرات إحضار بحقهم من مدينة إلى أخرى وذلك باليد وبواسطة شرطي ويتم إحضار الموقوف بنفس اليوم لأنهم من فصيلة الخيار. إلى حضرة النائب العام في دمشق وحماه وسلمية وإلى كل القضاة أتمنى أن يصبح محمد ديب من فصيلة الخيار ويخلع عنه جلد الفقوس حتى ولو كان ذلك أمام المحامين المتقاعدين، وأحكموا بالعدل يا أولي المليارات على فقير لا يملك القروش. العين لا تقاوم المخرز: من يوم اعتقال محمد حسن ديب في 26/5/2005 وعامة الناس في منطقة سلمية وضواحيها ومن يعرفه في المحافظات الأخرى يقول: إن حسن ديب رجل اجتماعي وصادق ويحب أن يساعد كل الناس حتى من أساء إليه، لا يمكن لحسن أن يعامله بالمثل، لكن في نهاية المطاف يقولون العين لا يمكن أن تقاوم المخرز، ماله ومال السياسة؟.. (لم يدرك هؤلاء الناس أن من يقول الصدق أو يعمل به في بلدنا هو ولا شك يعمل في السياسة، ومن لا يرتشي ويمتلك اليد النظيفة هو أيضاً يعمل في السياسة، ومن هو ليس بعثياً ولا يعمل مع المخابرات، يعمل في السياسة والسياسة المضادة) من يومها عرفنا أن السلطة والأجهزة الأمنية والمخابراتية أصبحت مخرزاً في نظر عامة الشعب السوري (للتذكير المخرز أداة معدنية لها رأس مدبب ومقبض خشبي كانت تستخدم قديماً لصناعة أدوات القش المنزلية، وحالياً تستخدم لفقأ العيون) هذا المخرز الذي اختار عيون محمد ديب ليكون درساً للذين لا يغلقون عيونهم والذين يتلقون يومياً تهديدات أمنية وأصبح لها أشكال معلومة لدى الجميع، مثلاً رسائل قصيرة على الخليوي (دورك آت) وعلى البريد الألكتروني (قصر لسانك وإلا) بالإضافة إلى الفيروسات وتشفير بعض المواقع ...إلخ. هذا كله عدا مراقبة خطوط الهواتف الأرضي والجوال، وأبواب البيوت والمحلات، وأفواه الناس متى تفتح ليغلقوها، لكن عندما تغلق أفواه الناس وعيونهم فإن هذا يتحول إلى حقد وكره يتراكم في القلوب والعقول وما أكثر الحاقدين الآن. «قاصر!» في فرع أمن الدولة في يوم الأحد الواقع في 23/10/2005 استدعيت لفرع أمن الدولة وطلب مني تصريح خطي حول انتماآتي السياسية والمواقع التي أكتب فيها. فذكرت في هذا التصريح أنني عضو في حزب العمل الشيوعي وعضو مستقل في التجمع الوطني الديموقراطي. وطلب مني المحقق أن آتي في اليوم التالي. وفي يوم الاثنين الواقع في 24/10/2005 لم أتناقش مع المحقق بل مع رئيس قسم التحقيق الذي طلب مني أن أكتب تصريح جديد أعلن فيه إيقاف نشاطي السياسي فرفضت وأخذني إلى مكتب رئيس الفرع الذي بعد نقاش طويل طردني من مكتبه. في حين أحضرت أمي موبايلي ودفتر تليفوناتي ليأخذوا منهم أسماء كل شخص ليه فيشه عند الأمن. وطلب مني رئيس قسم التحقيق أن آتي في اليوم التالي. وفي يوم الثلاثاء الواقع في 25/10/2005 أُخذ أبي إلى مكتب رئيس الفرع ووقع تعهد بأن ابنه لن يعود لمزاولة العمل السياسي بحجة أنني قاصر في حين لم يسألوا إن كنت قاصر أو لا حين كتبت التصريح وحين طلبوا مني كتابة التعهد. كما أنني اضطريت إلى كتابة أسماء /4/ من رفاقي بسبب وجود أسماء في دفتر التليفونات والموبايل ليس لها علاقة بنشاطي السياسي لكن لديها فيشة عند الأمن مع العلم أن الأشخاص الأربعة الذين كتبت أسماؤهم هم شخصيات معارضة مشهورة، كما أن رئيس قسم التحقيق هددني بسجن أبي. ح.ك إلى الشهيد إحسان عزو لك الحبق والياسمين.. لك آهاتنا...... لك نبضات قلوبنا وشرايينا التي أردنا يوماً أن نحطم بها جدران زنزانتك ونضخ الدم في قلبك المتعب ولم نستطع. لك منا الحب ولأهلك كلمات عزاء أتت متأخرةً غصباً عنا. نحن من تدمت أيدينا من القيود ونخر عظامنا صقيع السجون. فمُنعنا من إقامة طقوس العزاء خارج تلك الجدران كما يليق بمناضلٍ مثلك. ورغم ذلك فإن عيوننا أحاطت بجسدك المتعب والذي توقف بعد أن منعوا الدواء عنه فقتلوك قصداً لا سوء تقدير كما يروج. رفيقنا الشهيد الحاضر معنا في كل كلمة نكتبها وفي استقبال كل رفيق يخرج من السجن وفي كل كأس ونخب شربناه ونشربه سواء كان في سجن صيدنايا أو خارجه، فأنت لم تغب أبداً رغم السنوات. يا شهيد سجن صيدنايا الأول لحزب العمل الشيوعي. لك منا العهد بالاستمرار في الطريق الذي انتهجته ودفعت ثمنه حياتك وفاءً لحرية الإنسان ولحياةٍ أكثر عدلاً. ورودٌ تمتد من دمشق إلى سلمية في ذكرى رحيلك عنا في 14/11/1987
#حزب_العمل_الشيوعي_في_سورية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تدويل الوضع السوري ( المسألة السورية) تداعيات لجنة التحقيق ا
...
-
الآن -العدد (31) أيلول 2005
-
بيان اثر اعتقال بعض ناشطي (خميس الاعتصام) في طرطوس
-
نداء إلى أبناء وطننا السوري حيال أحداث القدموس الثانية
-
الآن العدد 29
-
بيان صادر عن حزب العمل الشيوعي ـ المكتب السياسي
-
الآن العدد28
-
بيان من حزب العمل الشيوعي
-
الآن العدد (27) أيار
-
نشرة الآن العدد 26
-
الوطن في خطر دعــوة الى حـوار وعمــل انقـاذي مشتـــرك
-
العدد 25نشرة الآن
-
نشرة الآن- العدد 24
-
الآن
-
الآن العدد 22 / تشرين الأول 2004
-
الآن – العدد 21 – أيلول 2004
-
حزب العمل الشيوعي في سورية يتقدم بورقة حوارية وموقف من -الور
...
-
-بيان- حول مسألة حزب يساري من طراز جديد
-
- ورقة دعوة- من أجل المساهمة الندية والديموقراطية
-
أهلاً بالرفيق عماد شيحا معنا وأهلاً قريبة بالرفيق عبد العزيز
...
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|