|
على طريق النهوض العربي ..الوطني والقومي الديمقراطي التقدمي
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 5049 - 2016 / 1 / 19 - 22:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل العنوان الأمثل للأزمة السياسية العربية الراهنة، يتجلى في تغير المفاهيم والمبادئ والأهداف ، بعد أن تغيرت طبيعة الأنظمة وتركيبتها وركائزها الاجتماعية والطبقية وتحالفاتها الداخلية بما يتوافق مع الهيمنة الأمريكية وأحاديتها، حيث انتقل النظام العربي في معظمه، من أرضية التحرر الوطني والاجتماعي الديمقراطي كعنوان رئيسي سابق، إلى أرضية التبعية والارتهان السياسي والاقتصادي والاستبداد والاستغلال كعنوان جديد، وتحول التناقض الأساسي إلى شكل آخر أشبه بالتوافق بين التحالف البيروقراطي – الكومبرادوري المهيمن على النظام العربي من جهة، وبين التحالف الأمريكي – الإسرائيلي من ناحية ثانية، مما فاقم من مظاهر الإفقار والبطالة والحرمان، والاستبداد المرتكز إلى الأجهزة الأمنية، ومن ثم توسع وانتشار حركات الإسلام السياسي وانفجار الصراعات الطائفية الدموية في المشهد الراهن، في ظل حالة غير مسبوقة من العزلة الهائلة الاتساع بين الشعوب وأنظمتها ، وهي حالة أسهمت بدورها في اتساع الفجوة بين القله من الأثرياء بمختلف مسمياتهم البورجوازية الرثة (الكومبرادوية ، والعقارية ، والمالية ، والزراعية ، والبيروقراطية العسكرية والمدنية.. إلخ) وبين الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية العربية الفقيرة التي عانت –وما زالت- من كل أشكال ومظاهر الاستبداد والقهر والافقار طوال العقود الماضية. والسؤال اليوم هو : ماذا يجري في بلدان الوطن العربي في هذه المرحلة ؟ يَحقُّ لنا أن نطرح هذا السؤال، ونحن نُعايِن مجمل التحولات التي حصلت وتحصل في المجتمعات العربية منذ سنة 2011 ، سنة الانفجارات التي عمَّت مجموعة من البلدان العربية، وترتَّب عنها تداعيات سلبيه وصراعات دموية تصنع، اليوم أبرز سمات مشهدها السياسي. ويبدو أن متابعة سريعة للمواقف والأحداث المتواصلة، سواء في البلدان التي تَعَثَّر فيها الفعل الثوري، أو التي تعرف، اليوم، أطواراً انتقالية متنوعة، تجعلنا، "نميل إما إلى اتخاذ موقف إيجابي من كل ما جرى ويجري، على الرغم من صعوبات هذا الموقف، وبحكم أننا نواجه صوراً من الدمار والعنف والتهجير، وأشكالاً من التطاحن القبلي والمذهبي والطائفي، وهما معاً يشكِّلان العنوان الأبرز في المشهد الاجتماعي والسياسي في أغلب البلدان العربية. أو تجعلنا نختار الموقف الذي يربط كل ما جرى وتداعياته بالمؤامرات التي دُبِّرت، وما فتئت تُدَبَّر، ضد المجتمعات العربية، حيث يزعم أصحاب هذا الموقف أن ما وقع يُعَدُّ أسوأ مما كان، فالاستقرار السابق، على الرغم من سيادة أنظمة الاستبداد والفساد، يُعَدُّ أفضل حالاً من الفتنة، والمعلوم أن هذا الموقف يستوعب الحكمة العربية القديمة التي كانت تُعْلِنُ، في الناس منذ عصورنا الوسطى، أن حاكماً غشوماً أفضل من فتنة تدوم"[1]. على أي حال، فإننا نتفق مع د.كمال عبد اللطيف، بان الذي يتحكَّم في المواقف السائدة ونتائجها في موضوع الراهن العربي، وإشكاليات تحوله، هو زاوية النظر التي ينطلق منها من يريد معرفة ماذا جرى ويجري اليوم في المجتمعات العربية، حيث "يشكل اختيار الزاوية التي نُصَوِّب انطلاقاً منها النظر في واقع الحال في المجتمعات العربية، في نظرنا، المدخل المناسب والمحدَّد لطبيعة الموقف، أو المواقف التي يمكن أن نقرأ، انطلاقاً منها، مختلف الأحداث الجارية في مجتمعاتنا. وفي هذا الإطار، نتصوَّر أن ما يحصل اليوم في مجتمعنا وثقافتنا السياسية، سواء في فضاء الخطابات والصور، أو في مستوى الأحداث والوقائع، يندرج في سياق مجموعة من المخاضات المرتبطة بمسارنا التاريخي العام، حيث تتم مواجهة جملة تحدِّياتٍ كنا نغفلها ونتجنَّبها، خوفاً من مواقف وأحداث قريبة مما يقع اليوم بيننا. ولا شك في أن محصلة ما يجري، على الرغم من عنفها وعنف آثارها، ستراكم جملة من الخبرات السياسية والتاريخية التي تُعَدُّ مجتمعاتنا، قبل ذلك وبعده، في أمسِّ الحاجة إليها"، لكن الزاوية التي ننطلق منها في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تنطلق من رؤيتنا الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية، في بعدها الإنساني التقدمي، النقيض ليس لرؤى وبرامج حركات الإسلام السياسي فحسب، بل أيضاً، النقيض لكافة أساليب ومظاهر التخلف والتبعية والاستبداد في مجمل النظام العربي، والالتزام بالمسار التحرري الديمقراطي لبناء الدولة العربية الحديثة المعبرة عن خيارات وطموحات الجماهير العربية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. فالمجتمعات العربية في المرحلة الراهنة، تعيش رهينة طغيانين، "الطغيان السياسي الذي يتحكم بسلطة الدولة ليهمش المجتمع ويستبعده من أي قرار، والطغيان السلفي التراثي الرجعي يتحكم بالرأي العام ويسعى إلى تحويله إلى كتلة واحدة صماء وتابعة معا. وكلاهما يقومان على نفي الفرد وتجريده من استقلاله وحرية تفكيره ووعيه النقدي في سبيل إلحاقه بهما واستتباعه. فالطاغية (ملكا أو رئيسا أو أميرا أو شيخا) لا يقبل بأقل من الاستسلام والإذعان، وصاحب الوصاية الدينية السلفية الجامدة، المحموله برؤى نقيضة للتطور والنهوض الحضاري الديمقراطي، لا يقبل بأقل من التسليم والانصياع المطلق للنص أو لما يعتبره الرأي الصحيح والتفسير الحق"، دون أي مراجعة موضوعية عقلانية تستند إلى منهجية تاريخية تفسر هذا النص أو الحديث وفقاً للأحداث أو الأسباب التاريخية التي أدت إلى ورود هذا النص أو الحديث أو ذاك. من هنا ليس من المبالغة القول، أن هناك تحالفا موضوعيا بين احتكار السلطة واحتكار الحقيقة. فهما يكملان بعضهما البعض، رغم اختلاف منظور كل منهما وصراعهما على السلطة والمصالح، فالجوهر بينهما مشترك من حيث تكريس الاستبداد والتخلف، فبقدر ما يجرد الطغيان والقهر السياسي الفرد من وعيه وضميره وحسه النقدي، أي من إرادته واستقلاله، يحوله إلى لقمة سائغة لأصحاب جماعات الاسلام السياسي السلفيه الجامدة النقيضه للاستناره الدينية، أو يحوله إلى إنسان خاضع لنظام الاستبداد بصورة إكراهية هروباً من بشاعة ممارسات تلك الجماعات. نستنتج مما تقدم أن القوى الكومبرادوية والرأسمالية الرثة المهيمنة والمتصارعه، بجناحيها " اليميني العلماني " و" اليميني الديني او الاسلام السياسي " – في كل بلدان الوطن العربي - لا تملك في الواقع مشروعاً حضاريا او ديمقراطيا وطنياً مستقلا نقيضاً للنظام الامبريالي الرأسمالي، كما أنها لا تملك أيضاً مشروعاً تنموياً يحقق العدالة الاجتماعية وينهي التبعية ويتجاوزها صوب مبدأ الاعتماد العربي على الذات، فالتنمية عندهما هي ما تأتي به قوى السوق المفتوح والمبادرات العشوائية للقطاع الخاص المحلي الكومبرادوري الذي لا يستهدف سوى تحقيق الربح، حتى لو كان على حساب دماء الكادحين والفقراء من ابناء الطبقات الشعبية، إلى جانب حرصهما على تشجيع نشاط المستثمرين الأجانب والشركات المتعدية الجنسية الكبرى وحكوماتها التي تدعم كل من أنظمة الاستبداد وجماعات الإسلام السياسي ، وفق مصالحها في هذه المرحلة أو تلك ، بما يضمن تطبيق مقولة الاستيلاء على فائض القيمة لشعوبنا من ناحية، وإبقاء شعوبنا أسيرة لآليات التخلف والتبعية والاستغلال واحتجاز التطور من ناحية ثانية، في مقابل حرص القوى الإمبريالية على تقديم كل مقومات القوه لدولة العدو الإسرائيلي لمواصلة تنفيذ مخططاتها العدوانية لتصفية قضية شعبنا الفلسطيني وتفكيك هويته واستسلامه لشروطها، خاصة في ظروف الانقسام والصراع على المصالح بين طغيان واستسلام القيادة المتنفذة في م.ت.ف، وطغيان حركة حماس وتفاوضها على المهادنة، في مقابل تزايد مظاهر القمع والاستبداد والتفرد الدكتاتوري في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، كما هو الحال في مجمل النظام العربي اليوم، حيث يعيش المواطن العربي اشكالاً متنوعة من القهر والقمع تتراوح درجاتها في البشاعة بين طغيان النظام الحاكم أو بشاعة ممارسات الجماعات الإسلامية المتطرفة أو كلاهما معاً. فلا أحد من العرب من الخليج إلى المحيط -اليوم وقبل اليوم- يستطيع أن يقول: أنا "مواطن" بمعنى الشعور الواعي بالمساواة وحرية الرأي والمعتقد ، ذلك لأن الشخص الذي يستحق أن يسمى بهذا الاسم، هو الشخص الذي لا يدين بالولاء لا للقبيلة ولا للطائفة، ولا لحكم على رأسه فرد مطلق الصلاحيات، رئيسا أو ملكا أو شيخا أو اميرا، ولا لدولة يستمد القائمين عليها سلطتهم من مصدر غير إرادة الشعب المُعَبَّر عنها تعبيراً حراً. وفي خضم فوضى الأجندات المحلية والإقليمية، التنافسية بين الدول المُستَخدِمة للأديان والطوائف والحركات الإسلاموية التي يدعو كل منها لفكرة معينة (الخلافة، الأسلمة، الجهاد،...)، كان الضحية الأولى والأهم هو فكرة المواطنة والتعايش داخل أوطان ما زالت في طور التشكل، وما زالت الأسس المدنية والدستورية والمواطنية المكونة لها غير متبلوره أو مطبقة فعلياً على جميع المواطنين ، على الرغم من صياغة بعض النصوص الدستورية أو القوانين في بعض الدول، إلا أنها ظلت حبراً على ورق. "وهكذا وخلال أربعة عقود كاملة على الأقل اشتغلت الطائفية الإقليمية والإسلامويات المحلية على تحطيم فكرة الدولة المواطنية، وعلى اختطاف المجال العام باسم الدين، وعلى تديين كل الممارسات السياسية والاجتماعية والثقافية، بحسب الجهة صاحبة النفوذ والسيطرة في هذا البلد أو ذاك، أو هذا الجزء من البلد أو ذاك. كان ذلك جزءا من "سيرورة التطرف" التي نقطف حصادها اليوم. لذلك لا يمكن محاصرة هذا التطرف عبر محاصرة العناصر والمنظمات والأحداث المتطرفة. علينا أن نعترف أن المطلوب هو أكبر من ذلك وأخطر بكثير، وله علاقة بمعالجة مناخ التطرف وجذوره وخطاباته المُستبطنة في معظم مجالات اشتغال السياسة والاجتماع والثقافة والدين. يدفع هذا وغيره كثير إلى فتح ملف في غاية الأهمية وهو إحالة مسؤولية مواجهة التطرف وسيروراته إلينا جميعا وليس حصرها بالحكومات، فالمجتمعات عمليا وأولا وآخرا هي الخاسر الأكبر من وقوع المجتمع ضحية فكر الاستئصال والتصفية".[2] فمنذ منتصف القرن العشرين إلى يومنا هذا ، بقي مفهوم المواطنة في مجتمعاتنا العربية محصوراً في إطار نخبة من المثقفين ، في ظل هيمنة أنظمة رجعية تابعة أو أنظمة وطنية شمولية مستبدة ، الأمر الذي أدى إلى ضعف انتشار هذا المفهوم ، فعندما نعود إلى الأدبيات الفكرية والسياسية حتى منتصف القرن العشرين، نجد أن المفهوم السائد هو مفهوم الرعية ، بمعنى أن الناس رعايا للخليفة أو الإمام أو السلطان أو الملك أو الأمير ، وظل هذا المفهوم سارياً حتى بعد قيام وانتشار الأنظمة " الجمهورية " ، حيث بقية الناس أو الشعوب –وحتى المرحلة الراهنة – رعايا السلطة أو نظام الحكم أو على وجه الدقة رعايا للملك أو الرئيس أو الحاكم او ما يسمى "أمير" الجماعة الإسلامية أو "الخليفة"، وهي رعية - خاصة الشرائح الفقيرة - محكومة بكل مظاهر الاستبداد والقمع والاستغلال والإفقار والبطالة، الأمر الذي يدفع بقسم كبير من هذه الشرائح التشبث بالنظام الحاكم أو الخوف منه والاستسلام له، لتأمين لقمة عيشه ووظيفته، أو الالتحاق بالجماعات والحركات الإسلاموية بوهم الخروج من اوضاعهم البائسة، خاصة في ظل المأزق السياسي الاجتماعي الاقتصادي الراهن، الذي تعيشه مجمل اطراف ومكونات حركة التحرر العربية، التي باتت اليوم عاجزة ومعزولة عن جماهيرها، الأمر الذي عزز من سيطرة الطغيانين الرئيسيين في المجتمعات العربية، الأنظمة الحاكمة وجيوشها من جهة، وجماعات الإسلام السياسي من جهة ثانية، دون أي تأثير فعال للقوى الديمقراطية واليسارية العربية. إذن ، نحن أمام حركة تحرر عربية تعيش حالة من النكوص، تشير إلى طبيعة مأزقها الراهن، التي تدل على العجز الواضح ، في ظروف ومستجدات يبدو فيها الباب مشرعاً ليس أمام استمرار مشهد الصراعات الطائفية والمذهبية الدموية بذرائع دينيه، سلفية سنية أو شيعيه، تتصدر المساحة الكبرى منها جماعات الإسلام السياسي السنية من خلال جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة والنصرة عموماً و "تنظيم داعش" فحسب ، بل أيضاً ، بات الباب مشرعاً امام مزيد من الهيمنة الامبريالية الصهيونية على مقدرات الوطن العربي. وفي مثل هذه الظروف الشديدة البؤس والانحطاط السياسي والاجتماعي، كان من الطبيعي أن تتوفر كل السبل والمناخات والمساحات امام حركات الإسلام السياسي بمختلف الوانها واطيافها ومذاهبها ، وان تتقدم رافعة شعارها "الاسلام هو الحل" في واقع عربي مهزوم ومأزوم، ينتشر فيه الاستبداد والفقر والبطالة والصراع الطائفي الدموي، بصورة غير مسبوقة في أوساط الجماهير العفوية البسيطة، التي لم تجد في الساحة العربية شبه الفارغة من البديل الذي طالما تطلعت إليه تلك الجماهير، ونقصد بذلك الأحزاب والقوى الديمقراطية الثورية المؤثرة والمؤهلة، وكذلك الأمر ، لم تجد الجماهير قيادة "ملهمة" ، او مرجعية وطنية عبر كتلة تاريخية او إطار جبهوي ديموقراطي وازن قادر على إقناع الجماهير بتأييده والإنضمام إلى صفوفه. وفي تناولنا للحالة الجماهرية العربية وموقفها أو رد فعلها تجاه الحركات والجماعات الإسلاموية المتطرفة، يمكن القول بأن هناك نوع من ردة الفعل في أوساط الجماهير العفوية تجاه حركات الإسلام السياسي، تتراوح بين الحياد والرفض المستهجن لممارساتها البشعة والإرهابية، وبين القبول والترحيب والاندفاع في تأييدها دونما وعي حقيقي من الجماهير بطبيعة دور حركات الإسلام السياسي ورؤاها وشعاراتها الديماغوجيه وبرامجها، الأمر الذي يفسر تمسك كافة الجماهير العفوية بنوع ساذج من الدين، هذا التمسك يريح الجماهير عموماً، ويسوغ لبعضها انشدادها للتيارات الدينية طالما ظل البديل الديمقراطي غائباً. وفي هذا السياق نشير إلى أن النشاط الثوري العفوي للجماهير عبر انتفاضاتها وثوراتها، مستمر منذ أقدم العصور، لكن كل هذه الانتفاضات والثورات لم تحقق انتصارها ،ولهذا ظلت مُستَغَلَّة مُضطهدة، تثور مرة، ثم تعود إلى سباتها سنوات، وربما عقود، والسبب الجوهري هو أن الجماهير لم يتطور وعيها من خلال نشاطها الثوري. إن هذه الواقعة، فرضت على لينين ،أن يتحدث عن أن الوعي الاشتراكي الديمقراطي ،لن يأتي العمال "إلا من خارجهم"... من الحزب الثوري أو الطليعة الثورية، وهذا هو دور قوى اليسار الذي يتوجب على كل رفيق الالتزام به ووعيه بكل عمق، ذلك إن النشاط الثوري غير المنظم قد يُكسب الطبقات المضطهدة (وهو يُكسبها بالضرورة)، خبرات في التخريب ، وفي التظاهر ، والقيام بالإضرابات ... الخ ، لكنه لا يكسبها الوعي الثوري، ومن ثم زخم وتواصل الحراك الجماهيري الثوري لاجتثاث أنظمة الظلم التبعية والاستبداد والتخلف. لذلك علينا أن نفسر هذه الحالة الهروبية من الواقع، بصورة موضوعية ارتباطاً بظروف التطور الاجتماعي الاقتصادي الريعي المشوه ، الذي أسهم في تشكيل الوعي العفوي على هذه الصورة السالبة في أوساط الجماهير الشعبية ، في ظل استمرار غياب القوى الثورية الديمقراطية ، مما أدى إلى تكريس هيمنة الرجعية والكومبرادورية على ذهنية الجماهير ووعيها وصولاً إلى مشهد تزايد انتشار حركات الإسلام السياسي والصراع الطائفي الراهن ، دون ان نتجاوز تأثير الحالة الثورية العربية الراهنة - بالمعنى النسبي - في قسم هام من القطاعات الشعبية الفقيرة عموماً ، وفي المدن والعواصم العربية خصوصاً. وهذا يعني بوضوح أن ضعف انتشار الحالة الثورية في أوساط جماهير الفلاحين والمهمشين في المناطق الريفية والطرفية، يعود بشكل رئيسي إلى غياب الدور الفعال لأحزاب اليسار في أوساط هذه الجماهير في ظروف الوضع العربي الراهن، التي تحفز على الثورة المستمرة حتى إسقاط أنظمة الاستبداد والاستغلال والتخلف، إذ أن الوضع الراهن، الذي تعيشه شعوبنا العربية ، لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل التفكك و الهبوط الناجمة عن تكريس وتعمق خضوع وارتهان الشرائح الحاكمة في النظام العربي للنظام الامبريالي حفاظا على مصالحها الطبقية النقيضة لتطلعات ومصالح الجماهير، في ظروف تراجعت فيها حركة التحرر العربية، وفقدت قدرتها على الحركة والنشاط والنمو، وتراجع دورها في التأثير على الناس أو على الأحداث من حولها، الأمر الذي أفسح المجال واسعا لتيار الإسلام السياسي بمختلف تلاوينه ومسمياته في بلداننا العربية بذريعة منطلقاته الدينية أو الإيمانية التي لا تشكل تناقضا جذريا مع البرامج والسياسات الإمبريالية عموما وبرامجها الاقتصادية والمجتمعية خصوصا. إن مظاهر التراجع أو الانهيار التي أصابت المكونات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا العربية ، لم يكن ممكناً لها أن تنتشر بهذه الصورة، بدون تعمق المصالح الطبقية الأنانية للشرائح الاجتماعية البيروقراطية والكومبرادور التي كرست مظاهر التخلف عموماً والتبعية خصوصاً في هذه البلدان بما يضمن تلك المصالح. وقد كان طبيعيا في ضوء هذه المعطيات التي تؤكد على تعمق مظاهر التخلف والتبعية واحتجاز التطور، أن تتكرس ثقافة الاستهلاك أو التبعية الثقافية بصورة مشوهة في بلدان وطننا العربي، عبر استيراد أنماط الاستهلاك الرأسمالية بأنواعها ، والتبدلات النوعية السالبة في القيم لحساب التقليد الباهت للثقافة الغربية، بحيث بات الطريق ممهداً في بلادنا العربية لانتشار وتعمق التبعية بالمعنى السيكولوجي تتويجاً لكل تراكمات الأشكال السابقة ، وهذه التبعية هي الأكثر خطورة في الحاضر والمستقبل ، لأن تكريس هذا الشكل – السيكولوجي ، في الأوساط الشعبية العربية، سيجعل من كل مفاهيم التحرر والنهضة والديمقراطية والتنمية كائنات غريبة مُشَوِّهة للشخصية الوطنية والقومية العربية ، إضافة لتأثير التيارات اليمينية ، و القوى الليبرالية الرثة أو الإسلام السياسي، من خلال طروحاتها التي انتشرت في أوساط الجماهير الشعبية عموماً والطبقة العاملة العربية والجماهير العفوية الفقيرة خصوصاً، بديلاً لمشروع الصمود والمقاومة والنهوض الديمقراطي والتقدم والعدالة الاجتماعية. فبالرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العربي إلى 2734[3] مليار دولار عام 2013، إلا ان قسماً كبيراً من هذا الناتج، لم يوظف في تطوير البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والجامعات والتقدم العلمي ومشاريع الرعاية الاجتماعية ودعم السلع الغذائية للفقراء من ناحية، وفي تطوير الصناعات التحويلية العربية وتطوير الانتاجية الزراعية والتوسع في الاراضي الزراعية من ناحية ثانية، حيث بقيت القطاعات الاقتصادية الخدماتية والاستهلاكية ومظاهر الفساد والمحسوبيات وتراكم الثروات غير المشروعه، ومظاهر الإنفاق الباذخة الكمالية والتفاخريه، هي السائدة في البلدان العربية، وخاصة النفطية منها ، السعودية والخليج، كما استمر إيداع أو توظيف أموال النفط خارج البلدان العربية، وفق شروط رأس المال المالي الامريكي والغربي علاوة على شروطه السياسية، حيث تقدر الأموال المودعة أو الموظفة في الخارج بما يزيد عن 1,5 تريليون دولار متراكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود إلى يومنا هذا، في مقابل تزايد حالة التدهور الاقتصادي وتراجع عناصر النمو والتنمية، وتزايد مظاهر الافقار والبطالة في البلدان غير النفطية التي تضم 78% من مجموع السكان في الوطن العربي، وخاصة مصر التي سيصل عدد سكانها نهاية عام 2015 إلى 90 مليون نسمة، وتعرضت، بعد سقوط مبارك فبراير 2011 عموماً وسقوط محمد مرسي والإخوان المسلمين 30/يونيو/2013 خصوصاً، إلى العديد من الضغوطات الاقتصادية، المحلية والإقليمية والعالمية، حيث نلاحظ تزايد مظاهر الفقر والبطالة وارتفاع حجم الديون الداخلية والخارجية التي وصلت إلى ما يقرب من 150 مليار$ في حين أن الناتج المحلي للسعودية بلغ عام 2013 (682,753) مليار دولار حسب تقرير التنمية الدولي، وعدد سكانها (28) مليون نسمة فقط !! ، ولا تكتفي بعدم تقديم أية مساعدات أو دعم حقيقي لمصر أو فلسطين او سوريا فحسب، بل تعمل – بصورة مباشرة وغير مباشرة- على إضعاف وتفكيك هذه البلدان وتشجيع مساندة حركات الإسلام السياسي فيها وفق توجهات السيد الأمريكي، الأمر الذي يؤكد على صحة قولنا، بان هناك تحالفاً موضوعياً بين احتكار السلطة عبر الشرائح الطبقية الكومبرادورية واحتكار الحقيقة عبر النظام المستبد أو الحركات الإسلاموية، فهما يكملان بعضهما البعض . لقد أصبح التحالف بين النظام الامبريالي من جهة، وبين كل من السلطة الاستبدادية أو حركات الإسلام السياسي، شرطاً لبقاء الرأسمالية التابعة نفسها (سواء كانت في النظام الحاكم أو في الحركات الإسلاموية) لوأد علمية النهوض، ومواجهة الاحتجاج والتذمر الاجتماعي الشعبي المستمر، الأمر الذي يفتح الأبواب مشرعة –في ظل غياب البديل الديمقراطي- أمام قوى الثورة المضادة والقوى السلفية والصراعات الطائفية الدموية والمزيد من تفكك الدولة الوطنية، ومن ثم بروز أوجراء أو قوى طبقية "جديدة" في خدمة السياسات الامبريالية والصهيونية وفي خدمة بروباجندات حكام الانظمة لحساب المزيد من التخلف والتبعية والاستبداد في مجتمعات تتميز بتركيبها وتطورها الطبقي المشوه، والمحكوم بخليط من رواسب الانماط الاجتماعية القديمة (العشائرية والقبليه وشبه الاقطاعية)، ومن هيمنة طبقية كومبرادوريه بائسة نقيضة لمفاهيم الوطنية والوطن والديمقراطية والتقدم، بحكم تخلفها وتبعيتها، خاصة في إطار مشايخ وما يسمى باجراء وملوك بلدان النفط، الذين يجسدون أبشع مظاهر التراث الماضي المتخلف تحت مظلة دينية شكلانية في محاولة منهم لإعادة إنتاج الماضي الصحراوي، الميت وأحكام سيطرته على الحاضر الحي الذي تتطلع إلى النهوض والحداثة في المدن والعواصم العربية ، القاهرة ودمشق وبغداد وتونس.. إلم. وفي هذا السياق ، نشير إلى مقدمة الطبعة الأولى من "رأس المال"، حيث كتب ماركس في عام 1867 يقول: "إلى جانب الشرور الحديثة، أو الآلام في العهد الحالي، علينا أن نتحمل سلسلة طويلة من الأمراض الوراثية الناتجة عن بقاء أساليب إنتاج بالية، تخطاها الزمن، مع ما يتبعها من علاقات سياسية واجتماعية أضحت في غير محلها زمنياً، والتي تولدها تلك الأساليب (مثالنا على ذلك مجتمعات التخلف العشائري الصحراوي في السعودية والخليج)، ففي مثل هذه الأحوال، ليس علينا أن نعاني فقط الآلام بسبب الأحياء، وإنما بسبب الموتى أيضاً: فالميت بالمعنى التاريخي الاجتماعي المتخلف في الصحراء يكبل الحي" في المدن الحداثيه العربية، هذا التحليل الذي قصد به ماركس الدولة الألمانية آنذاك، ينطبق على الوضع العربي الداخلي عموماً، وعلى جوهر الأزمة الاجتماعية فيه بشكل خاص. إن استمرار حالة التبعية التي تعني اننا سنظل - إلى درجة كبيرة – محكومين إلى الفكر الرأسمالي الإمبريالي المعولم (وحليفه الصهيوني) والى العلاقات الرأسمالية المشوهه السائدة في بلادنا، مازالت قائمة، ولن تزول إلا عبر إعادة بناء حركة التحرر العربية الديمقراطية في إطار الدور الطليعي لاحزاب وفصائل اليسار العربي، المرهون بتوعية وتأطير الشباب الثوري العربي الطليعي الديمقراطي التقدمي، واسهامهم بدوره القيادي في إضاءة مساحة هامة من هذا الاظلام المستشري في بلادنا، ومراكمة عوامل التحول الديمقراطي الثوري– بصورة تدرجيه- لمجابهة هذا الواقع وتغييره وتجاوزه، حينها فقط تصبح حركتنا الفكريةالنهضوية الديمقراطية الثورية عبر الممارسة قوة محركة للتاريخ في بلادنا، بما يسمح بأن تتحوّل إلى قوّة قادرة على بناء وتفعيل البديل الشعبي الديمقراطي التقدمي- في كل قطر عربي- وتحقيق أهدافها للخلاص من كل أشكال ومظاهر وأدوات التخلف والتبعية والاستغلال الطبقي والاستبداد. إننا نؤكد على أن اللحظة الراهنة من المشهد العربي، هي لحظة لا تعبر عن صيرورة ومستقبل وطننا العربي، رغم كل المؤشرات التي توحي للبعض، أو للقلة المهزومة، من أصحاب المصالح الأنانية الضيقة، أن المشهد العربي المهزوم والمأزوم الراهن، يوحي بأن المطلوب قد تحقق، وأن الإمبريالية الأمريكية وصنيعتها وحليفتها الحركة الصهيونية وإسرائيل، قد نجحتا في نزع إرادة العمال والفلاحين وكل الكادحين والمضطهدين العرب، ذلك إن وعينا بأن المشهد الراهن –على سوداويته- لا يعبر عن حقائق الصراع الاجتماعي / الطبقي، الكامنة في قلوب وعقول هذه الجماهير التي سينبثق من بين صفوفها ، حركات وأحزاب يسارية وديمقراطية جديدة، من داخلها أو من خارجها ، وهو أمر طبيعي إذا ما بقيت فصائل وأحزاب الحركة التحررية العربية القائمة على ما هي عليه من ترهل وتراجع سياسي وفكري وتنظيمي وجماهيري . ففي هذه اللحظة بات من الواضح أن حركات الاسلام السياسي وكافة القوى الرجعية والبورجوازية الرثة (المدعومة من الامبريالية الامريكية)، يتحركون في بلادنا داخل حلقة دائرية تعيد انتاج التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتجدده، في محاولة منهم التهرب من تحدي الحداثة والنهضة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتقدم بالعودة إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات الأصولية إعادة زراعته وإنتاجه باسم وأوهام ما يسمى بـــــــــ" الربيع العربي " عبر شكل " جديد "من أنظمة الاستبداد والتبعية والعمالة والتخلف والاستغلال الطبقي ، في قلب عفوية الجماهير الشعبية، ما يؤكد على أن الأساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة القضايا المعاصرة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، عبر منطق تراجعي، من خلال الدعوة للعودة، بحسب ادعاء هذه الحركات، إلى الماضي بذريعة العودة إلى أصول الإيمان والاعتقاد. ولذلك سيظل الانفصام السياسي الاقتصادي الاجتماعي، سمة رئيسية من سمات المرحلة الحالية، أو مرحلة "الإسلام السياسي" وهي مرحلة قد تطول ، لكن الجماهير الشعبية ستتكشف تدريجياً حقيقة التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف -في جوهرها- عن سياسات الأنظمة التابعة ، وهنا يتجلى دور القوى الديمقراطية الوطنية والقومية، والقوى اليسارية في توعية الجماهير بهذه الحقيقة، وأن تكرس كل جهودها من أجل مراكمة توسعها ونضالها في أوساطهم ، بما يمكنها من أن تتخطى حالة الانفصام المذكور، وبداية انحدار وتراجع التعاطف أو الالتحاق الشعبي بحركات التطرف الإسلاموية. لكن هذه العملية النهضوية مازالت أسيرة لواقعنا المحكوم اليوم لمحددين رئيسيين، هما: الأنظمة المستبدة من ناحية وجماعات الإسلام السياسي من ناحية ثانية ، وهو واقع يحتاج لجرأة عالية ومتصلة من العمل لتخطي دوائر المراوحة والإحباط ومحاولات تبرير الفشل ، باتجاه التأسيس لعمليات نهوض لابد منها ، كوننا لا نزال ، على ما يبدو ، في المرحلة الأولى من جولات الصراع والتناقض الرئيسي التناحري مع أعدائنا، الامبرياليين والصهاينة ، وفي جولات صراعنا وتناقضنا الرئيسي مع القوى الرجعية وكل أنظمة التبعية والتخلف والاستبداد البورجوازية العائلية والكومبرادورية الرثة . لذا يجب أن تتم العملية الاستنهاضية ، وعياً وممارسة ،عبر إعادة تجديد وبناء ودمقرطة كل احزاب وفصائل حركة التحرر العربية، لكي تقوم بوظيفتها عبر رؤيتها وبرامجها الثورية ودورها المحدد ،من خلال مراكمة عوامل النهوض والإزاحة المتتالية لكل العوامل المؤدية إلى التراجع أو الفشل ، وذلك مرهون بتأمين شروط الفعالية السياسية والفكرية والتنظيمية والكفاحية والجماهيرية القصوى في قلب الصراع الطبقي، عبر توفير معايير ونواظم وآليات عمل داخلية ، ديمقراطية وثورية ، كعنصر قوة، للارتقاء بدور أطراف حركة التحرر العربية، وفي مقدمتها فصائل وأحزاب اليسار العربي ورؤيتها وممارستها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها ، إذ أن بقاء وضع هذه الأحزاب /الفصائل تحت رحمة البيروقراطية القيادية اللاديمقراطية التي تتميز في معظمها بأنها ضعيفة الكفاءة والعاجزة أو المترهلة أو المرتدة فكريا وهابطة سياسيا ،أودت بأحزابها وفصائلها إلى الابتعاد عن الممارسة الصحيحة والغرق في مستنقعات الردة أو المناهج التقليدية والعقلية الجامدة او الهابطة والانتهازية، وهذا يفتح الباب واسعا داخل التنظيم "أمام توليد بيئة ملائمة لمزيد من التراجع والتهميش في أحزاب وقوى اليسار، وإغراقها بالأسئلة والمعضلات والمهام الكبرى فكريا وسياسيا وكفاحياً، دون القدرة على الإجابة عليها أو التفاعل معها، وبالتالي وقوعها في مزيد من الأزمات والمناورات والحسابات الأنانية التافهة والعزلة عن الجماهير ، وفي مثل هذه الحالة تكمن المأساة ، في أن الحزب هو الذي يدفع الثمن من رصيده السياسي والمعنوي (والتنظيمي) ، على شكل فقدان الشروط الضرورية لتأدية دوره ووظيفته السياسية والاجتماعية على المستوى الوطني ، ويخل ببنيته "كعقد اجتماعي". وانطلاقاً من هذا التحليل، لابد من وقفة مراجعة جدية لاستنهاض أحزاب وفصائل اليسار العربي ، بالمعنيين الموضوعي والذاتي ، خاصة وأن ما ينقص معظم كوادر وأعضاء قوى اليسار هو الدافعية الذاتية أو الشغف والإيمان العميق بمبادئه عبر امتلاك الوعي العلمي الثوري في صفوف قواعده وكوادره ، فبينما تتوفر الهمم في أوساط الجماهير الشعبية واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل إشكاله ضد العدو الامبريالي والصهيوني ، وضد العدو الطبقي المتمثل في أنظمة التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد والقمع، إلا أن أحزاب وفصائل اليسار لم تستثمر كل ذلك كما ينبغي ولا في حدوده الدنيا ، لأنها عجزت – بسبب أزماتها وتفككها ورخاوتها الفكرية والتنظيمية - عن إنجاز القضايا الأهم في نضالها الثوري ، وهي على سبيل المثال وليس الحصر: أولاً: عجزت عن بلورة وتفعيل الأفكار المركزية التوحيدية لاعضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد بذلك الفكر الماركسي وصيرورته المتطورة المتجددة. ثانياً: عجزت بالتالي عن تشخيص واقع بلدانها (الاقتصادي السياسي الاجتماعي الثقافي) ومن ثم عجزت عن إيجاد الحلول أو صياغة الرؤية الثورية الواضحة والبرامج المحددة. ثالثاً: كما عجزت عن صياغة البديل الوطني والقومي في الصراع مع العدو الامبريالي الصهيوني من ناحية، وعن صياغة البديل الديمقراطي الاشتراكي التوحيدي الجامع لجماهير الفقراء وكل المضطهدين من ناحية ثانية . رابعاً: عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف أعضاءها وكوادرها وقياداتها، ليس بهويتهم الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب بل أيضا عجزت عن توعيتهم بتفاصيل واقعهم الطبقي (الاقتصاد، الصناعة، الزراعة، المياه ، البترودولار ، الفقر والبطالة والقوى العاملة، الكومبرادور وبقية الشرائح الرأسمالية الرثة والطفيلية ، قضايا المرأة والشباب ، قضايا ومفاهيم الصراع الطبقي والتنوير والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة ...الخ) فالوعي والإيمان الثوري (العاطفي والعقلاني معا) لدى كل رفيقة ورفيق، بالهوية الفكرية وبضرورة تغيير الواقع المهزوم والثورة عليه، هما القوة الدافعة لأي حزب أو فصيل يساري، وهما أيضاً الشرط الوحيد صوب خروج هذه الأحزاب من أزماتها ،وصوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها على طريق نضالها وانتصارها . ولذلك فإن النقد الجاد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة فصائل وأحزاب حركة التحرر العربية ، إلى جانب إعادة صياغة أهداف الثورة التحررية الديمقراطية العربية، وممارستها على أساس علمي، بعد أن توضحت طبيعة الطريق المسدود الذي وصلته الأنظمة العربية، وما انتهت إليه مسيرة هذه الحركة بسبب أزمة فصائلها وأحزابها اليسارية ، وأزمة قياداتها خصوصاً، وهي ازمة تستدعي المبادرة إلى تقييم ونقد التجربة السابقة ، الى جانب دراسة الخصائص والمنطلقات السياسية والفكرية التي تميزت بها تلك الفصائل والاحزاب طوال الحقبة الماضية، والتي ربما كان إهمالها في الماضي أحد الأسباب الرئيسية لتعثر قوى اليسار العربي وفشلها، وفي هذا الجانب اشير الى اهم المنطلقات التي باتت بحاجة إلى المراجعة والمناقشة وإعادة الصياغة على طريق النهوض : أولاً : إشكالية النهضة الوطنية والقومية العربية المعبرة عن طموحات ومصالح العمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين ومن ثم تفعيل العلاقة الجدلية بين الماركسية والقومية : حيث بات من الضروري أن تقوم القوى اليسارية العربية في كل قطر ادراج البعد التوحيدي القومي كبعد رئيسى في عملها ، بما سيضيف عمقاً جديداً لقواها بدلاً من أن يبقى كما كان الأمر حتى الآن ، عبئاً عليها وعامل إضعاف لها. ثانياً: إشكالية التبعية وكسرها وتجاوزها : وهي اشكالية مرتبطة بتبعية كل البلدان العربية ، كأجزاء متناثرة ، للنظام الرأسمالي المعولم وفق محددات قانون التطور اللامتكافئ، وبالتالي فإن وحدة التحليل الأساسية من منظور القوى اليسارية الثورية التي تسعى إلى التغيير، تتحدد أساساً وحصراً بالمجال القومي الديمقراطي العربي الذي تستطيع فيه هذه القوى تعبئة نفسها بشكل فعال وأخذ زمام المبادرة على نحو قادر على خلق صيرورته النضالية المستقبلية . ثالثا : القاعدة الاقتصادية والأبنية الفوقية : ففي ظروف التخلف والتبعية تلعب الأبنية الفوقية المتصلة بالسلطة السياسية وبالثقافة والأيديولوجية بصفة عامة دوراً أكثر أهمية بكثير من تأثير القاعدة الاقتصادية بحكم تخلفها. إذ أن التحالف الطبقي الحاكم في الأنظمة العربية يلعب دوراً هاماً في دعم البنى الفوقية القديمة وتحويلها إلى رصيد لقوى التخلف . رابعاً : الحاضر والماضي : هنا نقول بصراحة ، لابد من الوعي بأهمية العمل الفكري والسياسي الهادئ والمتدرج باتجاه القطيعة المعرفية مع كل رواسب التخلف في ماضينا، التي أتاحت عودة الماضي ليحكم الحاضر، او عودة الميت ليحكم الحي، وهذه العودة تتجسد في بلادنا اليوم على شكل اصوليات يمينية سلفية اسلامويةرجعية أو على شكل القوى اليمينية الحاكمة في الانظمة العربية، وكلاهما من جوهر واحد وان اختلف شكل أحدهما على الأخر، وهذا نذير آخر حي بنوع المستقبل الذي تتحدث عنه تلك الأصوليات. خامساً: الاستيعاب الموضوعي – بالمعنى الثوري – لدور ووظيفة نشوء وتأسيس الدولة الصهيونية لضمان احتجاز تطور مجتمعاتنا العربية وحفاظا على المصالح الامبريالية،ومن ثم النضال ضد الحركة الصهيونية ودولتها، على قاعدة أن الصراع هو صراع عربي صهيوني، يقف الفلسطيني في طليعته من اجل هزيمة الدولة الصهيونية ، وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها. إننا لا نزعم –في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- كتنظيم يساري وطني وقومي ديمقراطي، أننا ننفرد بالدعوة إلى إعادة تجديد وتفعيل الفكر الماركسي ومشروعه النهضوي القومي الديمقراطي في بلادنا، ذلك لأن هذه الرؤية تشكل اليوم هاجسا مقلقا ومتصلا في عقل وتفكير العديد من المفكرين والمثقفين في إطار القوى الوطنية والقومية اليسارية الديمقراطية، على مساحة الوطن العربي كله، وهي أيضا ليست دعوة إلى القفز عن واقع المجتمع العربي أو أزمته الراهنة، وانما هي دعوة الى وعي كل مكوناته وتشخيصه وتفكيكه، ومن ثم صياغة البديل الديمقراطي التقدمي بصورة تدرجية عبر استنهاض احزاب وفصائل اليسار في مجتمعاتها تمهيدا لبلورة وتأسيس الحركة الماركسية العربية القادرة على ممارسة التغيير الثوري المنشود. في هذا السياق نشير إلى أن التحديات التي يواجهها الوطن العربي بمجموعه، أو على صعيد كل قطر عربي على حدة، هي من الضخامة والجدية بحيث أضحت المسألة القومية – برغم تراجعها في المرحلة الراهنة– مسألة مستقبلية ملحة، نظراً للمتغيرات والهزات العميقة التي عصفت بالعالم في الثلاث عقود الأخيرة، مما يفرض على كل القوى الوطنية والقومية الديمقراطية والتقدمية الثورية العربية، أن توليها الجهد والاهتمام اللازمين على مختلف الصعد الفكرية والعملية، بحيث تعيد قراءة التاريخ العربي، قراءة عميقة ونقدية، وتستخلص الدروس والعبر؛ وبالتالي تحدد عناصر الانطلاق والنهوض، على طريق استعادة وتكريس الأفكار التوحيدية القومية التقدمية والديمقراطية في كل بلد عربي. فقد بات في حكم المؤكد، أنه لا مجال لنهوض جماهيري للأمة العربية، ولا مجال للخروج من هذه الحلقة الطويلة من التراجعات والهزائم والانكسارات والانهيارات؛ إلا باستنهاض البعد الوطني والاجتماعي التقدمي الديمقراطي داخل كل بلد عربي أولاً، تمهيداً لاستنهاض البعد القومي الديمقراطي في الصراع، ودفعه نحو مواقعه اللازمة، خاصة في ظل هذه المرحلة التي تعتبر من أكثر المراحل ركوداً وهبوطاً، وشعوراً بالمخاطر والتحديات، التي لا تقتصر على القضية الفلسطينية وحدها؛ حيث نشهد الانقسامات المذهبية والاثنية والجغرافية والصراعات الطائفية والدينية الدموية غير المسبوقة، وثقافة الكراهية والفوضى والإرهاب تعصف بالكثير من الدول العربية، والتي باتت تهدد وجودها، وغير ذلك من الأسباب التي يتداخل فيها القومي بالطبقي، والداخلي بالخارجي. الأمر الذي يفرض تعزيز النضال التحرري والديمقراطي في كل بلد عربي من أرضية الصراع الطبقي بمضامينه الحداثية ، التنويرية، النهضوية، العقلانية، بكل أبعادها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، في مواجهة استبداد الأنظمة وتزايد المد الرجعي والصراعات الطائفية الدموية من حركات الإسلام السياسي عموماً، والمتطرفة منها بشكل خاص (داعش والنصرة وبقايا القاعدة وغير ذلك) من جهة، وتزايد العدوانية الامبريالية/الصهيونية والعمل على استعادة القضية الفلسطينية في أذهان شعوبنا العربية من جهة ثانية. وفي ضوء ما تقدم، فإن كافة قوى اليسار العربي بحاجة إلى مراجعة خطابها السابق، وإعادة تقييم المرحلة الماضية وصولاً إلى بلورة رؤية ثورية ديمقراطية، وبرامج واضحة تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة، على قاعدة إحياء المشروع القومي الديمقراطي التقدمي ، وذلك انطلاقاً من وعي هذه القوى بان مهمتها اليوم أصعب وأعقد من المرحلة السابقة، مع الأخذ بضرورة عدم التوقف أو الجمود عند التناقض الرئيسي بين "الطبقة" العاملة العربية وبين القوى الرأسمالية (الكومبرادورية والعقارية والمالية والصناعية..إلخ) ، لأن هذا التناقض الرئيسي القائم موضوعياً، هو ظاهرة عامه في كل بلدان العالم الرأسمالي والبلدان الفقيرة التابعة، ولابد من الانطلاق منه في التحليل الطبقي والسياسي والاجتماعي، لكن مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ، وعي اليسار العربي لخصائص التطور الاجتماعي في كل بلد عربي ، وتحديد البرامج والمهام النضالية السياسية والمطلبية الديمقراطية المرحلية، ارتباطاً بتلك الخصائص والسمات الموضوعية لعملية التطور الاجتماعي/الاقتصادي طوال العقود الماضية، وما أنتجته من ممارسات حملت في داخلها عدداً كبيراً من التناقضات التي تراوحت بين الاستبداد والاستغلال والقهر والاعتقالات وقمع الحريات والرأي والرأي الآخر من ناحية، وبين متطلبات النضال التحرري الوطني والديمقراطي ضد الوجود الامبريالي والصهيوني، وضد كل مظاهر التخلف الاجتماعي ورموزه القبائلية والعائلية، وأخيراً متطلبات وخصوصيات النضال السياسي والديمقراطي في إطار التناقض بين المشروع الوطني لبناء الدولة الديمقراطية وبين المشروع الإسلاموي. إن كل هذه التناقضات لابد من وعيها والتعاطي والتفاعل معها وفق أولويات هذا التناقض أو ذاك، دون أن يعني ذلك غياب البوصلة المنهجية المادية الجدلية في تحليلنا لها، ودراسة الطبيعة الاجتماعية لهذه التناقضات وصعوبة حصرها في إطار حزب او فصيل واحد أو بطبقة اجتماعية واحدة، لأن الصراع الطائفي الدموي الذي تمارسه الحركات الإسلاموية المتطرفة ، إلى جانب أوضاع المعاناة والتشرد والافقار التي أصابت العديد من المجتمعات العربية راهنا، تؤكد على ترابط وتشابك الصراعات والتناقضات الراهنة، بحيث يمكن القول إن الصراعات الدائرة في شكلها الرئيسي اليوم، هي بين القسم الأكبر من الجماهير الشعبية وطموحاتها وتطلعاتها ونضالها من اجل حقوقها السياسية والديمقراطية ، ومن أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية والتحرر والاستقرار وبين المشاريع التي تستهدف تفكيك الدول الوطنية إلى دويلات طائفية من جهة ، وبين القوى الرجعية عموماً، وقوى الإسلام السياسي الارهابية وصراعاتها الطائفية والمذهبية الدموية خصوصاً من جهة ثانية. وهنا بالضبط تتجلى صعوبة المرحلة الراهنة وتعقيداتها في وجه اليسار العربي ، الذي يجب أن يبادر إلى توفير العوامل الذاتية والموضوعية التي تمكنه من تحمل مسئولياته التاريخية المستقبلية في معركة التحرر الوطني والديمقراطي في مجابهة الوجود الامبريالي/الصهيوني، وفي مواجهة الحركات السلفية المتطرفة، والأنظمة الرجعية العملية، وهي مسئوليات لن يستطيع أي حزب أو فصيل القيام بها منفرداً أو معزولاً عن بقية الأحزاب والفصائل اليسارية العربية، الأمر الذي يفرض بالضرورة أن تبادر كل قوى اليسار العربي إلى لقاءات حوارية لمناقشة الرؤى والبرامج والمهام النضالية الديمقراطية الجديدة، بما يجب أن يؤدي بها إلى الاتفاق على بلورة الأفكار التأسيسية لبناء الكتلة التاريخية أو الجبهة العربية التقدمية التي يشكل اليسار العربي رافعتها التاريخية في هذه المرحلة، وذلك لضمان الروح الثورية وسيرورتها في مجابهة المشاريع السلفية الإسلاموية، وفي مجابهة مؤامرات تفكيك بعض الدول العربية إلى دويلات طائفية ، جنباً إلى جنب في مجابهة أنظمة التخلف والتبعية ، وفي مجابهة القضية الأخطر المتمثلة في تصفية القضية الفلسطينية وشرعنة وجود الدولة الصهيونية الغاصبة. باختصار شديد، نقول: إن قوى اليسار العربي أمام مرحلة بالغة الخطورة، ومهام بالغة التعقيد ، لكن ذلك لا يجب ان يمنعها عن رؤية الهدف الكبير المتمثل في : مراكمة العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من خلال النضال بكل أشكاله، تحقيقاً لذلك الهدف الذي يتلخص في إعادة بناء بلدان الوطن العربي برؤى وأسس تستند إلى مفاهيم الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية، وإعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عربية بالدرجة الأساسية، حيث أن الصراع مع العدو الصهيوني وهزيمته لا يتحقق إلا من خلال تفعيل قواعد الصراع العربي الصهيوني. وفي هذا السياق، فإن رؤيتنا تتجاوز حالة التجزئة القطرية العربية (رغم تجذرها)، نحو رؤية ديمقراطية قومية ، تدرجية ، تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة الأمة-الدولة في المجتمع العربي ، وتتعاطى مع الإطار القومي كوحدة تحليلية واحدة ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، مدركين أن الشرط الأساسي للوصول إلى هذه الرؤية-الهدف ، يكمن في توحد المفاهيم والأسس السياسية والفكرية للأحزاب والقوى الديمقراطية اليسارية القومية داخل إطارها القطري/الوطني الخاص كخطوة أولية ، تمهد للتوحد التنظيمي العام وتأطير وتوسع انتشار الكتلة التاريخية –على الصعيد القومي، انطلاقاً من إدراكنا بأن الأزمة التي تعاني منها حركة التحرر الوطني العربية في وضعها الراهن ليست فقط أزمة قيادتها الطبقية البورجوازية الرثة التابعة، بل هي أزمة البديل الديمقراطي لهذه القيادة، يؤكد على صحة هذه المقولة، ما جرى في بلادنا فلسطين وغيرها من انهيار اجتماعي واقتصادي وتفكك في النظام السياسي وتراجع الهوية الوطنية والقومية لحساب الهوية الدينية أو هوية الإسلام السياسي، أو للهويات الاثنية والطائفية والعشائرية كما هو الحال في العراق وسوريا والسودان واليمن ولبنان والجزائر. وفي هذا السياق، نقول بصراحة، لقد آن الأوان لنقل حركة التحرر الوطني العربية من حالة التراجع إلى حالة الهجوم المضاد. ويستدعي ذلك البدء بتصحيح التعامل مع التناقضات في المنطقة العربية. لقد نجح أعداء القومية العربية بقيادة أمريكا في طمس التناقض الرئيسي وتغليب التناقضات الثانوية. وآن الأوان للتعامل مع التناقضات على حقيقتها: أن يعود العدو عدواً والصديق صديقاً والشقيق شقيقاً. إن ذلك يعني إعادة طرح كل قضايانا الرئيسية من جديد: قضية فلسطين، قضية تحرير الأرض العربية المحتلة في سوريا ولبنان، قضية تحرير الاقتصاد العربي، قضية التنمية العربية الشاملة، قضية التحولات الاجتماعية، قضية الحريات الديمقراطية، قضية حقوق الإنسان والمواطن، قضية الشباب والمرأة في الوطن العربي، قضية الثقافة واستعادة الهوية العربية وقضية التكامل الاقتصادي. وكلها قضايا لا تطرح على حقيقتها إلا في إطار التناقض الرئيسي. لكن الانتقال إلى مثل هذا الهجوم المضاد يستدعي، بل يفترض النجاح سلفاً في حل أزمة قيادة الحركة الوطنية العربية. إنه يتطلب نقل هذه القيادة إلى أيدي تحالف واسع أو كتلة تاريخية للقوى الاجتماعية الوطنية ذات المصلحة في مواصلة المعركة ضد الإمبريالية وتحقيق التقدم الاجتماعي في ذات الوقت. وهذا التحالف الوطني الواسع يمكن أن يضم يضم البرجوازية الصغيرة وطلائعها المتقدمة ذات القدرات الثورية المتجددة، ويضم أيضاً الطبقة العاملة النامية حيث تضطلع فيه بدور أساسي متصاعد. هذا التحالف الوطني الواسع يجب أن يجذب إليه طلائع المثقفين وكافة القوى والعناصر الديمقراطية في كل أرجاء الوطن العربي. ولا يمكن أن يتحقق مثل هذا التطور من غير السعي الدءوب من أجل كسب وممارسة الحريات الديمقراطية، هذه الحريات التي ينبغي أن تكفل لا مجرد حق الجماهير في التعبير، بل أن تكفل لها أيضاً حقها في التغيير في الوطن العربي، مدركين أن مثل هذا التغيير مستحيل بغير الدور القيادي لمصر –عبر قواها الديمقراطية التقدمية القومية- ذلك أن التغيير الديمقراطي على الصعيد القومي، مشروط بقوة مصر ورؤيتها الوطنية والقومية، فذلك قدرها أو بالأحرى دورها الريادي الراهن والمستقبلي. لكن من المتوقع أن يمر هذا التطور عبر نضال شاق وطويل مليء بالعقبات والتضحيات وربما بالنكسات. لكنه يبقى هو الطريق الوحيد إلى الهدف. وإذا كان هذا الطريق يبدو لنا قاتماً فينبغي ألا ننسى أنه انعكاس لواقع لا يقل قتامه لكنه لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وهل يطلع الفجر إلا بعد ليل أسود؟ ومن قبل قال " عبد الناصر" كلمته الحكيمة: "لقد سبق كل فجر شهدنا مطلعه ليل طويل "[4]. وفي هذا الجانب،نؤكد على أن الفكرة الوحدوية القومية العربية التي عبر عنها القائد الراحل جمال عبد الناصر مثلت هدفاً مركزياً للجماهير الشعبية العربية منذ منتصف القرن الماضي، ولكن بصورة عفوية انفعالية طموحة للخلاص من الاستعمار والدولة الصهيونية ، دون أن تمتلك المقومات الاقتصادية والاجتماعية النهضوية الثورية التي تعزز بلورة الفكرة القومية التقدمية العربية الوحدوية القادرة على ازاحة الأنظمة أو التجزئة القطرية عموماً والأنظمة الرجعية على وجه الخصوص . لكن بلورة رؤيتنا القومية الديمقراطية ، مرهونة بوعينا وبنضالنا للانتصار على أزمة فكرنا وواقعنا، وهي ليست فحسب أزمة تخلف وتبعية، بل هي أيضاً أزمة معرفة وأزمة تنمية وأزمة نظام وأزمة حكم وأزمة تفارق صارخ بين مستويات الثروة والتحضر ومستويات المعيشة، والديمقراطية والعلم والثقافة، أزمة علاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، أزمة هيمنة خارجية استغلالية على مقدرات حياتنا ومنطلقات تنميتنا الاجتماعية والثقافية والقومية، إنها في النهاية أزمة فكر نظري نتيجة لمختلف هذه الأزمات المتداخلة، ونتيجة فقداننا للرؤية الاستراتيجية الشاملة لتغيير الواقع وتجديده، ولن نتجاوز تخلفنا وتبعيتنا إلا بمشروع تنموي قومي شامل ذي أبعاد اقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافة وإعلامية وقيمية، ومشروع يستوعب تراثنا العربي الإسلامي استيعابا عقلانيا نقديا، ويضيف إليه ، ويستوعب حقائق عصرنا الراهن استيعابا عقليا نقديا[5]. في هذا الجانب، نؤكد على أن "إن القضية في النهاية، "ليست قضية مشروع نهضوي إيديولوجي مجرد، فما أكثر مثل هذه المشاريع في حياتنا وتاريخنا القريب، وإنما القضية هي رؤية نظرية معرفية تأسيسية استراتيجية نابعة من حقائق واقعنا وعصرنا واحتياجاتها وتحدياتها، رؤية مسلحة بالعلم والإرادة الشعبية الجماعية الواعية على مستوى كل بلد عربي وعلى المستوى القومي العام. إنها ليست يوتيوبيا بل ضرورة تتمخض في حقل الإمكانات المتاحة التي تنتظر الوعي والإرادة والتنظيم والمبادرة في قلب مجتمعاتنا المدنية"[6]. الأمر الذي يفرض على كافة القوى الطليعية اليسارية الديمقراطية العربية عموماً ، النضال المشترك من أجل إعادة وإحياء الفكر القومي العربي بمضمون يساري تقدمي إنساني وديمقراطي وبلورة إطاره التنظيمي لنشر وتفعيل الفكرة القومية النهضوية التقدمية الديمقراطية، كفكرة توحيدية لكل شعوبنا العربية واستنهاضها من قلب الصراع الطبقي لتحقيق الثورة الوطنية والقومية الديمقراطية، باعتبارها استمرار لثورة التحرر الوطني ضد الوجود الإمبريالي الصهيوني من جهة واستمراراً لسيرورة الثورة الاشتراكية من جهة ثانية ، انطلاقا من العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية/القومية الديمقراطية و الثورة الاشتراكية . في ضوء ما تقدم ، فإن شرط الحديث عن الوحدة العربية أو إعادة تفعيل و تجديد المشروع النهضوي القومي للخروج من هذا المشهد أو المأزق الخانق ، هو الانطلاق بداية من رؤية ثورية واقعية جديدة لحركة التحرر القومي باعتبارها ضرورة تاريخية تقتضيها تناقضات المجتمع العربي الحديث من جهة ، و بوصفها نقيض الواقع القائم من جهة أخرى ، على أن هذه الرؤية لكي تستطيع ممارسة دورها الحركي النقيض ، و القيام بوظيفتها و مهماتها التاريخية فلا بد لها من امتلاك الوعي بالمحددات أو المفاهيم الجوهرية الأساسية التالية :- 1. أن تكون رؤية وطنية وحدوية ترفض وتناضل ضد أي شكل من أشكال تفكيك الدول العربية إلى دويلات طائفية، كما تسعى إلى إلغاء نظام التجزئة الذي فرضته الإمبريالية ، و تعمل على توحيد الجماهير العربية بما يخلق منها قوة وطنية وقومية تقدمية وديمقراطية، قادرة على الفعل التاريخي على الصعيد العربي و الإنساني العام. 2. أن تسعى إلى استيعاب السمات الأساسية لثقافة التنوير والحداثة الأوروبية ، و ما تضمنته من عقلانية علمية و روح نقدية إبداعية و استكشافية متواصلة في فضاء واسع من الحرية و الديمقراطية، و إدراك واضح لموضوعية الوجود المادي و الوجود الاجتماعي ، و ما يعنيه ذلك من إدراك الدور التاريخي للذات العربية و سعيها إلى الحركة و التغيير انطلاقاً من أن الإنسان هو صانع التاريخ و القادر على الابتكار و التغيير في حاضره و مستقبله ، وفق أسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية في إطار المشروع القومي العربي النهضوي، ذلك أن عملية التحرر القومي كضرورة تاريخية لمجابهة تناقضات المجتمع العربي الحديث ، لا يمكن تحققها أو ممارسة دورها كنقيض للواقع القائم ، بدون الاشتراكية و برنامجها السياسي الاجتماعي و الاقتصادي ، كضرورة تاريخية أيضاً لعملية التحرر القومي ذاتها ، إذ أن جوهر تناقضاتنا الرئيسة مع الحركة الصهيونية و قوى العولمة الإمبريالية و توابعها المحلية يقوم على الصراع على استرداد الأرض و الموارد و الثروات المادية والبشرية العربية لإلغاء حالة النهب و الاستلاب و الارتهان و الاستغلال التي تعيشها شعوبنا العربية اليوم ، و بالتالي فإننا نؤكد أن حل هذا الصراع لتحرير الأرض و الثروات و الموارد العربية لا يمكن تحقيقه بدون إنضاج الوعي الاشتراكي و برامجه التطبيقية الكفيلة بتغيير بنية العلاقات الإنتاجية و الاجتماعية التابعة والمتخلفة و المشوهة الحالية ، إلى بنية إنتاجية تنموية حضارية شاملة تضمن توليد علاقات اجتماعية ذات طابع جماعي تعاوني ، يؤكد في جوهره على حق جماهيرنا الشعبية في ملكية هذه الثروات و الموارد عبر مؤسساتها الديمقراطية التي ترى في الحوافز الفردية و الدافعية الذاتية شرطاً للإبداع و البناء و ضمانة للتطور المتجدد و الاستمرار . لذلك ، فإن حديثنا عن الضرورة التاريخية لصياغة منظومة معرفية قومية تقدمية معاصرة ، عبر رؤية وممارسة جديدتين ، يقع بالدرجة الأولى وفي المراحل الأولى على عاتق المثقف الديمقراطي الثوري العربي ، لاعتبارين هامين، أولهما: أن هذا المثقف هو الوحيد القادر من الناحية الموضوعية على وضع الأسس المعرفية النظرية لهذه المنظومة وآفاقها المستقبلية. وثانيهما: أن طبيعة التركيب الاجتماعي/الطبقي المشوه لمجتمعنا العربي ، التي تتسم بتعدد الأنماط الاجتماعية القديمة والمستحدثة وتداخلها ، كما تتسم بالسيولة وعدم التبلور الطبقي بصورة محددة ، والتسارع غير العادي ، الطفيلي أو الشاذ أحيانا في عملية الحراك الاجتماعي ، إلى جانب وضوح وتعمق تبعية "البورجوازية" العربية للمركز الرأسمالي المعولم ، بحيث أصبحت –اليوم- واحدة من أهم أدواته وآلياته في بلادنا ، كل ذلك يجعل من المثقف العربي ، -بالمعنى الجمعي المنظم- بديلا مؤقتا ورافعة في آن واحد للحامل الاجتماعي أو الطبقي ، وما يعنيه ذلك من أعباء ومسئوليات بل وتضحيات في مجرى الصراع لتوليد معالم المشروع النهضوي القومي ونشره في أوساط الجماهير الشعبية العربية كفكرة مركزية أو توحيدية . إذن ، فالمسألة الأساسية الأولى على جدول أعمال "البديل الديمقراطي ، داخل القطر الواحد أو على الصعيد القومي العام ، هي مسألة كسر نظام الإلحاق أو التبعية الراهن صوب الاستقلال الفعلي السياسي و الاقتصادي ، و التنمية المستقلة الهادفة إلى خلق علاقات إنتاج جديدة تقوم على مبدأ الاعتماد على الذات ، تنمية تهدف إلى رفع معدل إنتاجية العمل ، إذ أن هذا الشرط –كما يقول المفكر الراحل د.إسماعيل صبري عبد الله- هو "نقطة البداية ، فالمقياس الأشمل و الأكمل لأداء الاقتصاد القومي هو معدل ارتفاع إنتاجية العمل من سنة إلى أخرى، على أن هذه الإنتاجية ترتبط بمفهوم الدافعية كمبدأ رئيس في عملية التنمية ، إذ أن المواطنين الأحرار الذين يعرفون أن بالإمكان مشاركتهم في صنع القرار والتوزيع العادل للدخل والثروة الوطنية ، يعرفون بأن ثمار جهودهم تعود عليهم و على أولادهم ، و أن أحداً لن يستطيع سلبهم حقوقهم" ، بهذا المضمون وحده يمكن أن نتعاطى مع مفهوم أو مصطلح التنمية ، بالمعنى الشمولي العميق ، وليس فقط استخدامه بالمعنى الاقتصادي الضيق فحسب "كما تنادي بذلك أوساط المنظمات غير الحكومية العربية الممولة من الأجنبي" وإنما بمعنى الاتجاه إلى تصفية التبعية للإمبريالية ، فهنا تصبح التنمية قضية غير منفصلة عن قضية الاستقلال الوطني والقومي ، إذ أن الفصل بين القضيتين هو ما تسعى القوى الإمبريالية إلى تثبيته وذلك بعزل عملية التحرر الوطني عن عملية التنمية ومبدأ الاعتماد على الذات والعدالة الاجتماعية ، لذلك فإن كل من يتحدث عن موضوع التنمية والتقدم في بلادنا العربية ارتباطا بالتعاون مع الغرب المتقدم أو وفق آليات السوق الحر الرأسمالي والليبرالية الجديدة وشروط منظمة التجارة الدولية ، فهو إما واهم أو مخادع يسعى إلى تغليب مصالحه الطبقية الأنانية الضيقة على حساب المصالح الوطنية والقومية . أما المسألة الثانية ، التي لا تنفصم عن الأولى ، بل ترتبط بها ارتباطاً جدلياً فهي تتلخص –على الرغم من كثافة ظلام المرحلة الراهنة- في إعادة تفعيل مشروع النهضة القومية الوحدوية العربية بأفقها التقدمي الديمقراطي ، كفكرة مركزية توحيدية في الواقع الشعبي العربي ، و نقلها من حالة السكون أو الجمود الراهنة إلى حالة الحركة و الحياة و التجدد ، و هي مهمة لا تقبل التأجيل يتحمل تبعاتها –بشكل مباشر المثقف الديمقراطي التقدمي الملتزم في كل أقطار الوطن العرب ، انطلاقاً من أن الدولة القطرية العربية مهما امتلكت من مقومات ، فإنها ستظل عاجزة عن تلبية احتياجات مجتمعاتها ، و إن أية عملية تطوير سياسي أو تنموي داخل القطر الواحد ستدفع بالضرورة نحو استكشاف عمق الحاجة إلى التوجه نحو تواصل ذلك التطور عبر الإطار القومي الديمقراطي الموحد كمخرج وحيد من كل أزماتنا التي نعيشها اليوم و في المستقبل . إن التحدي الذي تواجهه شعوب و بلدان الوطن العربي هو تحد حقيقي على جميع المستويات السياسية و الثقافية و الاجتماعية و غيرها ، لكنه قبل كل شيء تحدٍ اقتصادي في المقام الأول . و هذا يتطلب وعي المثقف الديمقراطي العربي لأبعاد و تفاصيل الصورة الاقتصادية القطرية و القومية ، تمهيداً لإنضاج الفكرة التوحيدية السياسية-الاقتصادية القومية في مواجهة العولمة و سياساتها الهمجية من جهة، و من أجل تعزيز مقومات البديل الديمقراطي العربي كخيار وحيد على طريق التحرر و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية من جهة أخرى . إن اقتناعنا بهذه الخطوات ، ونضالنا من أجل بلورتها في كل ساحة أو بلد عربي أولاً ، ثم على الصعيد القومي ثانياً، يستند –ذلك الاقتناع- إلى أن هناك إمكانيات واقعية وظروف موضوعية مهيأة لاستقبال الرؤى والبرامج السياسية والمجتمعية المطلبية والديمقراطية الثورية في بلادنا، ولتحقيق مكاسب جزئية متزايدة في عملية طويلة معقدة عبر مراحل وسيطة متعددة على طريق تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.
[1] كمال عبد اللطيف – في الموقف من الراهن العربي – 6/أغسطس 2015 – الانترنت . [2] خالد الحروب - سيرورة التطرف والداعشية.. ودورنا جميعا - 20-07-2015 [3] التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2014 – صندوق النقد العربي – الجامعة العربية – صفحة ج-منتصف 2014. [4] د.فؤاد مرسي – نظرة ثانية إلى القومية العربية – كتاب الأهالي رقم 20 – ابريل 1989 - [5] محمود أمين العالم – الهشاشة النظرية في الفكر العربي المعاصر - قضايا فكرية - الكتاب الخامس والسادس عشر يونيه- يوليو 1995- القاهرة – ص15 [6] محمود أمين العالم – المصدر السابق- ص17.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشأة الحداثة وتطورها التاريخي
-
قطاع غزة -سفينة نوح- الفلسطينية
-
رسالة دافئة الى كل وطني من ابناء شعوبنا العربية عموما والى ر
...
-
-حول الكتلة التاريخية- في مجابهة المأزق الراهن
-
أسباب ظهور وانتشار حركات الإسلام السياسي
-
عن البعد التاريخي للصراع الطائفي بين السُّنة والشيعة
-
حول جرامشي وتعريف الكتلة التاريخية ومضمونها ارتباطاً بالخروج
...
-
تلخيص كتاب : من الذي دفع للزمار ؟ الحرب الباردة الثقافية الم
...
-
تلخيص كتاب: نظرة ثانية إلى القومية العربية
-
عن رثاثة البورجوازية الكبيرة في مجتمعاتنا العربية
-
معطيات وأرقام إحصائية عن السكان ومخيمات اللجوء، والأوضاع الم
...
-
رؤية
-
قضيتنا واوضاعنا الفلسطينية الراهنة هل هي في أزمة أم مأزق ؟
-
في الأول من ايار هذا العام وكل عام ...العمال والفلاحين الفقر
...
-
في مناسبة يوم العمال ...الطبقة العاملة الفلسطينية ومخاطر توط
...
-
لماذا يتكرر فشل احزاب وفصائل اليسار العربي في الإنتخابات الد
...
-
فتح وحماس باعتبارهما جزءاً من الإشكالية أو الأزمة الراهنة لا
...
-
مقالات ودراسات ومحاضرات...في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجت
...
-
قراءة في المكانة والدور لكل من -الطبقة الوسطى- و -البرجوازية
...
-
الحكيم وتحديات اللحظة الفلسطينية والعربية الراهنة - 28-3-201
...
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|