|
اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أيام .. حصل ناعوم تشومسكى على لقب " اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم" رغم ان وسائل الأعلام الأمريكية الرئيسية والأوسع انتشاراً مغلقة فى وجهه بالضبة والمفتاح . وهذا الموقف الفظ من جانب وسائل الاعلام الأمريكية، التى تتغنى بالديموقراطية وحرية التعبير ،جاء بايعاز من الإدارة الأمريكية التى حاولت – ولاتزال تحاول – وضع أقفال من حديد على فم هذا المفكر الكبير ، لالشئ إلا لأنه رفض السباحة مع التيار ، وفضل التغريد خارج السرب.. ولذلك اعتبرته شبكة "CNN" اهم نقاد السياسة الأمريكية "، بينما وصفته منظمة " بناى بريث " اليهودية ذات الميول الصهيونية بانه " اشد مواطنى الولايات المتحدة الأمريكية اليهود عداء لإسرائيل"، وانه – يالتالى – " يهودى يكره نفسه"! لكن الرجل لم يستسلم ، وقرر تحدى هذا الحصار الخانق ، ونجح فى اختراق الحواجز التى وضعتها " المؤسسة " الرسمية ، حتى حصل منذ أيام على هذا اللقب ، الذى هو احسن من لقب " الرئيس " الأمريكية وأكثر قيمة منه ، الا وهو لقب " اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم" بعد ان اختير من قبل فى أحد الاستفتاءات الثقافية المرموقة فى الولايات المتحدة واحدا من " أهم ثلاث شخصيات على قيد الحياة فى هذا القرن" . وابسط حقوق الرجل علينا ان نلقى عليه الضوء بهذه المناسبة ، ليس فقط لفوزه بهذا اللقب الادبى المرموق ، وليس فقط لنزاهته وشجاعته الفكرية ، وانما ايضاً لمواقفه المؤيدة لقضايانا العربية . ولد ناعوم تشومسكى عام 1928 ، وحصل على درجة عملية رفيعة فى اللغويات عام 1951 من جامعة بنسلفانيا . وفى أعقاب تخرجه اقدم على مغامرة عجيبة حيث قرر السفر الى إسرائيل نظراً لخلفيته اليهودية . وعاش بالفعل فى أحد الكبيوتزات تحت تأثير الاوهام الرومانسية الشائعة آنذاك عن " اشتراكية " و" إنسانية " هذه الكبيوتزات. لكن هذه الأوهام سرعان ما تبددت وظهرت له الحقيقة الاستعمارية والاستيطانية القبيحة لإسرائيل . فقرر مغادرتها الى الأبد، وعاد الى الولايات المتحدة ، وعمل عام 1955 بجامعة هارفارد ، ثم انتقل منها للعمل فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT حتى الان . وابتداء من عام 1957 استهل نشر إسهاماته الأكاديمية المتميزة بكتابه ذائع الصيت " البناء السياقى" الذى احدث ثورة فى علم اللغويات الحديث ومثل تجاوزا للمدرسة البنائية فى الألسنية . ثم تبعته كتب اخرى عديدة جعلت تشومسكى مرجعاً عالميا فى اللغويات . واذا كان هذا جانب يهم الأكاديميين بالدرجة الأولى ، فان الجانب الذى يخلب ألباب المحبين للعدالة فى كافة أنحاء العالم وبالذات فى عالما العربى ، هو نقده العلمى ، والجذرى ، للسياسة الأمريكية ، وتشريحه لبنيتها الإمبريالية والإمبراطورية فى سائر أنحاء الدنيا ومنها الشرق الأوسط ، ومن ثم دفاعه المجيد عن القضايا العربية . وهو بهذا الصدد لا يحب ان يصف الولايات المتحدة الأمريكية بانها دولة "ديموقراطية " بل يفضل ان يصف نظام الحكم فيها بانه " نظام حكم الطغمة المتعددة الأقطاب"، اى نظام تتخذ فيه القرارات من قبل النخبة . وان السياسة فى هذا النظام مجرد " ظل " تلقيه "الشركات الكبرى على المجتمع". وان هدف هذه السياسة بعد سيطرة المحافظين الجدد على مقاليد الأمور هو " السيطرة على العالم واتباع برنامج داخلى موغل فى الرجعية يستهدف استئصال المكتسبات التقدمية التى تم انتزاعها فى القرن الماضى والتى كان الغرض منها حماية كافة المواطنين من ويلات نظام السوق" وهذا الوضع ليس " انقلاباً " قام به الرئيس جورج بوش وفريق المحافظين الجدد الذين جاءوا به الى البيت الأبيض، بل هو امتداد لتاريخ امبريالى طويل . ولا يتردد تشومسكى فى ان يقول : "اننى أطلق على الولايات المتحدة اسم زعيمة الإرهابيين". وهذه الصفة ليست اعتباطية وإنما هى نتيجة دراسات موثقة ومفصلة عن السجل الطويل والرهيب لاعمال الولايات المتحدة ودعمها الصريح للإرهاب الذى تمارسه جهات تابعة لها .. وتنفرد الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التى صدر ضدها حكم إدانه من محكمة العدل الدولية بسبب عدوانها على نيكاراجو وارتكاب الإرهاب الدولى . وطلب حكم المحكمة الدولية من إدارة الرئيس ريجان ( وقتها) إنهاء حربها الإرهابية على نيكاراجوا . وبالطبع ضربت الولايات المتحدة بحكم المحكمة عرض الحائط وقامت بالعكس بتصعيد حربها الإرهابية كما انها استخدمت حق الفيتو لنقض قرارات مجلس الأمن المؤيدة لحكم المحكمة". أما عداء تشومسكى للسياسة الإسرائيلية الاستعمارية فليس اقل حسما ووضوحاً. والى جانب الأهمية الفكرية والسياسية للرجل فانه يتمتع بتواضع مذهل وأذكر انه تصادق فى إحدى زياراتي لمدينة نيويورك ان تشومسكى كان مشاركا فى مؤتمر مناهض للسياسة الأمريكية فى أمريكا اللاتينية فذهبت الى المؤتمر وانا يائس من إمكانية لقائه لعدم حصولى على موعد مسبق . لكنه رحب بى ترحيبا شديداً عندما قدمت نفسى إليه وعرف اننى صحفى مصرى وخصص لى وقتا مفتوحاً للرد على أسئلتي . وبكل تأكيد فان رجلاً هذا شأنه يستحق ان نحتفى به وان ننشر ادبياته النزيهة والعميقة والمناصرة لنا ولقضايانا على أوسع نطاق. ولعل المجلس الأعلى للثقافة ان يهتم بذلك. ولعل اتحاد الكتاب يهتم بدعوته الى مصر . لكن الأهم .. هو ان نتعلم من النموذج الرائع لناعوم تشومسكى ان ننبذ تعميم الاتهامات دون تمييز ضد الأمريكيين واليهود ، على طريقة أسامة بن لادن الذى يقسم العالم الى فسطاطين ، فسطاط للكفر وفسطاط للإيمان .. فها هو أمريكي الأصل والفصل ويهودى بحكم شهادة الميلاد يتخذ مواقف افضل من كثير من العرب والمسلمين الذين لايخفون ولعهم بـ "ماما أمريكا" وتأييدهم الاعمى لسياساتها الباطشة مهما فعلت بنا.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تتذكرون تراجيديا الفتنة الطائفية بالإسكندرية؟!
-
! مسرحية الإسكندرية أكذوبة
-
مرصد انفلونزا طيور الظلام الطائفية
-
! أربعة تعهدات.. وثماني علامات استفهام
-
فيروس التعصب الدينى يصل إلى مكتبة الأسرة
-
اعتذار .. عن مطالبة الكنيسة بالاعتذار
-
تقرير القاضي »ميليس«.. ليس حكم إدانة
-
-التَّوْلَه- الجماعية .. فى قضايا مصيرية!
-
سور شرم الشيخ .. غير العظيم
-
أول قصيدة الحزب الوطنى .. تسد النَّفْس
-
هل يطلب المصريون حق اللجوء -البيئى-؟
-
لغز الكويز ينافس فوازير رمضان
-
تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال سارياً -2
-
الانتقال من »الملّة« إلي »الأمة« .. مقتل الطائفية
-
نصف جائزة.. ونصف فرحة
-
تاريخ صلاحية صرخة يوسف إدريس مازال ساريا
-
دمج البنوك.. وتفكيك الأحزاب!
-
هل المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور .. حرام؟
-
إطلاق سراح السياسة فى المؤسسة الجامعية .. متى؟
-
مثقفون.. ملكيون اكثر من الملك فاروق -الثانى-
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|