حسام تيمور
الحوار المتمدن-العدد: 5048 - 2016 / 1 / 18 - 19:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد يتشدق البعض بالتغيير السطحي الطفيف الذي طال مجال الحقوق و الحريات في المغرب فيما سمي ببدعة "العهد الجديد" كما يسوق له جهاز "الماركوتينغ الملكي". هذا الجهاز المسؤل عن تلميع صورة الصنم البشري الذي بالمناسبة فقد القدرة عن الكلام مؤخرا, الصنم الذي يستعمل حصريا لشرعنة أنشطة النهب و الافتراس التي تقوم بها عصابة "الأربعين حرامي" من أحفاد "أجراء الحماية" الذين كانوا يشتغلون في ضيعات المستعمر و ورثوها بعد رحيله و معها السلطة و القطيع.
هذا التغيير الوهمي ليس كما يسوق له مرتزقة العهد الجديد على أنه من بوادر حسن النية أو طي صفحة الماضي و المضي نحو افق تعاقد جديد بين الحاكم بأمر أسياده و بين الرعايا الأوفياء, و ليس حتى كما يظن بعض المخدوعين المضللين على أنه نتاج ضغوطات غربية أو تراكمات نضالية. و انما هو فقط نتيجة للبراغماتية التي اهتدى اليها النظام المخزني بعد نهاية عهد المقبور الحسن الثاني. و التي أملتها عليه عبر الماضي التي أحالته نحو "الدكتاتورية المرنة", كحل لضمان استمرارية النظام بأقل الخسائر الممكنة. دكتاتورية تعمل بمبدأ "قولوا ما تريدون و نحن نفعل ما نريد". في ظل غياب اطار تنظيمي جامع و موحد للأصوات الحرة المعارضة, و التبخيس و التمييع اللذين طالا العمل النقابي و الجمعوي, و اكتساح ظاهرة التأسلم للأوساط الشعبية المغربية بحمولتها الاديولوجية التخديرية-التدجينية. و أخيرا و هذا هو الأهم, احكام السيطرة على اقتصاد البلد بكل تفرعاته من طرف شركات الملك أو ما يسمى ب"الهولدينغ الملكي".
و قد أعطت هذه الاستراتيجيا الاقتصادية الافتراسية-الاحتكارية, ثمارها بسرعة صاروخية, حيث رتبت مجلة "فوربس" الأمريكية الأكثر شهرة في العالم، رتبت من يحلو له تسمية نفسه بملك الفقراء, أو "مُفقِّر الفقراء", ضمن لائحة أثرياء تضم السلاطين والملوك و الأمراء الذين يتربعون على عروش أكبر الاحتياطات العالمية من البترول. في مكانة متقدمة على أعرق الملكيات المتنافسة في الديمقراطية. يسبق أمير موناكو ألبير الثاني، والملكة البريطانية إليزابيث الثانية، ويتقدم على ملكة هولندا بياتريكس ويلهيلمين بست مراتب، ويترك وراءه أمير دولة قطر وأمير دولة الكويت والسلطان قابوس... وكما يقول ماركس, فان تراكم الثروة في قطب معين من المجتمع, يعني تراكم الفقر و البؤس في القطب الآخر, و هذا ما نعيشه في المغرب الذي انقسم الى شعبين, شعب "ملكي" يقتات على الفتاة و يسبح بحمد السلطان, و شعب يكتوي بنار الفقر و البؤس و الحرمان و الهشاشة.
التغيير الوحيد الذي طال مقاربة النظام المخزني في باب الحريات و حقوق الانسان, هو التحول من "العجرفة السياسية",(عهد الحسن الثاني), الى "الانتهازية الاقتصادية"(عهد محمد السادس). و بتعبير آخر من الملك "السياسي" الى الملك "المستثمر". الذي يمكنه الأخطبوط الاقتصادي الذي يترأسه من تحصيل عائدات عن كل حركات و سكنات رعاياه الأوفياء و حتى معارضي نظامه الأشاوس. فهو يحتكر و يسيطر على قطاعات الفلاحة و التغذية و الخمور و الاتصالات و العقار و التأمين و الطاقة و المعادن و مواد البناء و السياحة (سواء كانت بريئة أو مشبوهة) زيادة على تجارة المخدرات...
فيكفي أن تقصد أقرب دكان للتبضع، من المؤكد أن فطورك الصباحي لن يخلو من مواد حليبية تتربع على عرش المواد المنافسة منذ أن ألغت وزارة المالية الإعفاء الجبائي على التعاونيات الصغيرة، التي يمكن أن تكون قد حلمت في يوم من الأيام بدخول غمار المنافسة مع شركة "سونطرال ليتيير" الملكية. وحتى إذا لم تكن قدراتك الشرائية تسمح لك بذلك، فعلى الأقل السكر الذي تضعه في كوب الشاي اليومي، مصدره شركة "كوسيمار" الملكية. و من الطبيعي ألا يخلو طعامك من زيت "لوسيور" التي يرجع الفضل للمجلس الوطني للمنافسة في وقف الحرب التي كانت قد اندلعت بين "الزيت الملكية" و "الزيوت السعودية" التي كانت بجودة أفضل و ثمن أقل، لكن المجلس أبى الا أن يتدخل لفائدة المنتوج "الملكي"مرة أخرى و تم طرد الشركة السعودية. و نفس المسألة تكررت و تتكرر مع شركات الاتصالات و غيرها من القطاعات الخدماتية..., حتى أكبر شركات التوزيع التي يقتني منها المغاربة المواد الغذائية كما عليه الحال بالنسبة "لمرجان" أو "أسيما"، و التي لا تجد صعوبة في الحصول على أراضي من الدولة عكس منافسيها، فليست إلا إحدى فروع الهولدينغ الملكي. فهل نحن بصدد رئيس دولة بالمعنى السياسي, أو ضبع يدعي القداسة و الامارة و الانتساب لآل البيت و يقول وسط البرلمان بكل صفاقة جملة "جدي رسول الله", أو نحن بصدد صاحب دكان البقالة أو كما يقول المغاربة "مُوحمَّادْ مول الحانوت"؟
كل ما سبق جعل من العلاقة بين الحاكم و المحكوم علاقة مصلحية محضة ان لم نقل استعبادية بمعناها الاقتصادي. و هذا من بين الأسباب العميقة التي أدت الى تبخيس العمل السياسي لدرجة غير مسبوقة, و بالتالي ابتذال العمل النضالي الذي صار بدون بوصلة و لا يصل في أغلب الحالات الى عمق الاشكال المتمثل في علاقة الانسان بالدولة من منظور اقتصادي خالص, أو ما يعرف بالاقتصاد السياسي.
خلاصة القول أن هذا التوجه الاقتصادي الجديد للنظام المخزني, أفرغ اللعبة السياسية من كل قيمة أو مضمون. و فتح الباب على مصراعيه أمام محترفي "العهر السياسي". الذين تتركز مهمتهم حصريا في اطالة أمد اللعبة ما أمكن لصالح المستفيدين منها و الذين لا يظهرون أبدا في الواجهة. تاركين نسبة كبيرة من الرافضين للوضع في معارك دونكيشوتية, عاجزين فيها حتى عن تحديد مكامن الخلل الحقيقية بدقة. و بالتالي عدم التمكن من تفكيكها و مواجهتها أو الاضرار المباشر بمصالح المستفيدين من الوضع.
لكل هذه الأسباب, لم يعد التلفظ بكلمات غليظة فضفاضة حول النظام و الملكية يؤدي بصاحبه الى السجن أو المعتقل أو التعذيب الا في حالات قليلة. و هذا ما يستغله المرتزقة الذين يقتاتون على فتات هذا الافتراس الاقتصادي للترويج لما يسمونه بالطفرة التي عرفها المغرب في مجال الحقوق و الحريات و نسبها لخرافة العهد الجديد. و كل حجتهم أن منشورا سياسيا بسيطا مما ينشر يوميا في الفايسبوك, أو أغنية "راب" جريئة, كانا ليوديا بصاحبهما الى أعمق و أبرد زنزانة في معتقل سري أيام المقبور الحسن الثاني.
الفرق الوحيد بين العهدين, هو أن النظام الحالي يقبض الثمن نقدا يا معشر العبيد و المطبلين و المزمرين, فليتحملوا ازعاجنا اذن!!
ألا نامت أعين الجبناء !!!
#حسام_تيمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟