الأزهر والكهنوت الإسلامى

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5048 - 2016 / 1 / 18 - 13:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الأزهر والكهنوت الإسلامى
طلعت رضوان
متى تنتهى كارثة مُـصادرة الكتب ؟
من يملك (مفتاح صحيح الإسلام) ؟
ألــّـف أحد الباحثين كتابـًـا عن النبى (يوسف وامرأة العزيز) فأقام الأزهر دعوى قضائية لمصادرة الكتاب ، فأصدرتْ محكمة القضاء الإدارى حكمـًـا بإلغاء قرار مجمع البحوث الإسلامية الذى رفض التصريح بنشر الكتاب ، فطعن د. أحمد الطيب شيخ الأزهر على حكم أول درجة الذى ألزم مجمع البحوث الإسلامية بطبع ونشر الكتاب . استند شيخ الأزهر فى طعنه إلى أنّ ((المؤلف غير مُـتخصـّـص . وأنّ مضمون الكتاب يُـمثــّـل تعقيبـًـا على ما جاء بالقرآن وإساءة للنبى يوسف)) بينما جاء فى حيثيات محكمة أول درجة أنّ ((الكتاب لا يُـشكــّـك فى ثوابت العقيدة الإسلامية. ولا يتعارض مع القرآن الكريم . والمؤلف كان يستهدف تبرئة النبى يوسف من تهمة الفحشاء ، وأنّ باب الاجتهاد مفتوح دون قيد ، ما لم يتضمّـن الاجتهاد أى إساءة أو تحريف للدين)) (التفاصيل- صحيفة الأهرام 27ديسمير2015- ص14)
وعلى العقل الحر أنْ يتساءل : أية جهة معها الصواب ؟ مجمع البحوث الإسلامية أم المحكمة ؟ ومع مراعاة أنّ الجهتيْن تقفان على أرضية واحدة (الدفاع عن الدين الإسلامى)
وتلك الدعوى القضائية التى تــُـعد انتهاكــًـا صارخـًـا لحرية البحث العلمى وحرية التفكير، ليستْ الأولى - وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة - طلما يُـصر الشيوخ على تحويل مؤسسات الأزهر إلى (مؤسسات دينية كهنوتية) خاصة أنّ تاريخ الأزهر فى معاداة البحث العلمى بدأ مع رسالة الدكتوراة التى كتبها د. منصور فهمى بعنوان (حالة المرأة فى التقاليد الإسلامية وتطورها) فلما عاد من فرنسا عام1913وجد نفسه مفصولا من الجامعة الأهلية. وتكرّر الموقف مع الشيخ على عبد الرازق عام1925بسبب كتابه (الإسلام وأصول الحكم) رغم أنه لم يتعرّض لجوهر الإسلام ، واكتفى بأنْ أكــّـد على أنّ (نظام الخلافة ليس من الإسلام) وأسّـس رأيه على (مرجعية دينية) ولكن ذلك لم يغفر له عند أعضاء الكهنوت الدينى الإسلامى ، فكان حكم الأزهر ((إخراجه من زمرة العلماء)) وفى 7مايو1950تمّتْ مصادرة كتاب (من هنا نبدأ) تأليف خالد محمد خالد بناءً على كتاب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الذى كتب أنّ ((المؤلف صوّر الحكومة الدينية بخصائص وغرائز من شأنها أنْ تبعث فى النفوس مُـحاربة هذا النوع من الحكم.. وأنّ القرآن والسنة فيهما غموض واحتمالات.. وأنّ المؤلف يعنى بهذا أنّ القرآن والسنة غير صالحيْن لأنْ يكونا أساسًـا صالحــًا للحكومة.. إلخ)) وكانت المفاجأة أنّ رئيس محكمة القاهرة الابتدائية (حافظ سابق) أمر بالافراج عن الكتاب بجلسة27مايو 50، أى أنّ الحكم صدر بعد عشرين يومًا من قرار النيابة بالمصادرة. أما المفاجأة الثانية فهى حيثيات الحكم حيث جاء فيها ((وإذا صحّ أنّ (المؤلف) أخطأ فى شىء مما كتب فإنّ الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شىء وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدى شىء آخر. ولما كان شىء من ذلك لم يتوافر فى حق مؤلف الكتاب فلا جريمة ولاعقاب)) والمفاجأة الثالثة أنّ تلك الحيثيات شبيهة بما كتبه ابن مصر العظيم (محمد بك نور) رئيس نيابة مصر الذى حفظ التحقيق فى البلاغ المُـقـدّم من الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالى بالأزهر ضد طه حسين بسبب كتابه (الشعرالجاهلى) وجاء فى الحيثيات ((إنّ العبارات الماسة بالدين التى أوردها المؤلف إنما أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أنّ بحثه يقتضيها.. ومن ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر. ولذلك تــُـحفظ الأوراق إداريـًـا))
وبالقفز إلى الثمانينيات من القرن العشرين فإنّ الأزهر كان وراء مصادرة كتاب (الأنبياء فى القرآن الكريم) تأليف د. أحمد صبحى منصور. ومصادرة كتاب (مسافة فى عقل رجل) تأليف الأديب علاء حامد . وبتقرير من الشيخ محمد الغزالى تمّـتْ مصادرة رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ ثمّ توالتْ المُـصادرات (مع طغيان اللغة الدينية) لتشمل كتب المستشار محمد سعيد العشماوى ، والمفكــّـر خليل عبدالكريم.. إلخ.
وإذا كان أعضاء الكهنوت الدينى الإسلامى ، يستندون إلى (مرجعية دينية) والمُـختلفون معهم يستندون إلى ذات (المرجعية الدينية) فإنّ السؤال هو: من يمتلك (مفتاح) الصواب ؟ ومن مع (صحيح الإسلام) كما قال بعض من أطلقوا على أنفسهم (يسار الإسلام) ولم ينتبهوا إلى المغالطة حيث أنّ كل فريق يرى نفسه أنه (هو الإسلام) ومن يقرأ كتاب (الملل والنحل) للعلامة الشهرستانى سيكتشف (حجم) الاختلافات بين (فقهاء الدين) خاصة وقد ذكر حديثــًـا لنبى الإسلام عن القرآن قال فيه ((فيكم من يُـقاتل على تأويله ، كما قاتلتُ على تنزيله)) (ص409) وأبو الحسن الأشعرى بعد تبحره فى الاعتزال ، صعد إلى المنبر وقال ((اشهدوا علىّ أنى كنتُ على غير دين الإسلام . وإنى قد أسلمتُ الساعة)) فكان تعليق الأزهرى المستنير (عبد المتعال الصعيدى) ((وحينئذ يكون المعتزلة فى نظره كفارًا لا مسلمين . وكان الأجدر به ألا يتنكــّـر لمذهب مكث معتقـدًا صوابه أربعين سنة، فلا يصح أنْ ينفى الإسلام عنهم أو يُـقال أنهم فسّـاق مسلمون ، وإنما هم مُجتهدون يُـثابون على صوابهم ويُـعذرون فى خطئهم)) (المُجددون فى الإسلام- من ص150- 162) وأنّ ابن حزم الأندلسى كفــّـر الصوفية. وابن سينا لم يسلم من الطعن عليه فى دينه وتكفيره من أصحاب الجمود (من178- 188)
أعتقد أنّ مصر لن تخرج من النفق المُـظلم إلاّ بعد التخلص من (كهنة الدين الإسلامى) أعلم أننى أحلم حلمـًـا طوباويًا ، ولكن تلك قناعاتى ، ربما تتحقق بعد مليون سنة.
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات